نزهة بديع الزمان في أغرب الأزمان !! - الجزء الأول
...............................................................
|
مدينة القدس ـ فلسطين |
بقلم : د.محسن الصفار
..........................
في يوم كان احد الخلفاء ,جالسا في حديقة قصره الغناء , يستمتع بما فيها من ورود وماء ,في مدينة الامجاد, عاصمة الخلافة بغداد,عندما دخل عليه الوزير بديع الزمان, وطلب الاستئذان , كي يجلس في حضرة الخليفة بأمان, واخيرا اشار اليه بالجلوس, وان كان على وجهه العبوس
- أصلح الله أمير المؤمنين, ياسيد الصغار والراشدين, اتأذن لي في سرد حلم رأيته ليلة أمس, اخافني وقطع عني النفس ؟
ردّ الخليفة الجواب بوجه يعلوه الاستغراب :
- ويحك يا وزير اتطلب العقاب والتعزير؟ وهل أصبح الخليفة مفسراً للأحلام يقصده الناس بعد كل منام ؟
- معاذ الله يا سيدي يا من فداك روحي وجسدي، إنما وددت أن أسرد حلمي كي اريح ضميري وازيح همي ,فما رأيته ايها الكبير امر جلل وخطير وجعل صوابي يطير .
اشار الخليفة باصبعه كي يتكلم الوزير من موضعه :
- حسناً هات ما عندك وأوجز ثم انصرف ولعملك انجز فلست بمزاج يسمح لي بسماع الترهات من تافه القول والسخافات .
انحنى الوزير باحترام ثم استعدل وقام
- ليلة امس وبعد أن غفت عيني وزار النوم جفني , رأيت نفسي أمشي في مدينة شوارعها غريبة وفيها يافطات مكتوبة بلغة عجيبة وثياب الرجال والنساء لاتعرف من ابن ادم ومن بنت حواء ,وبدل الجياد والعربات كانت هناك اغرب المركبات لها دخان واصوات وتمشي بما لايعقل من السرعات , وفيها الكثير من البنايات باطوال غريبة شاهقات لاتطالها الاشجار الباسقات .
سمع الخليفة كلام الوزير العجيب وهو بصحته مستريب , ثم اكمل الوزير بقيه حلمه الخطير
- مشيت في الشوارع,حتى غدوت عطشا وجائع, فأذا بي ارى من بعيد, منظرا للقوة يعيد, رايت قبة الصخرة, فالقيت عليها احلى نظرة, فأدركت حينها اني في القدس التي تهفوا اليها كل نفس .ولكن نال مني الاستغراب مما رأيته من العجاب فكيف اكون في فلسطين والناس بغير العربية متكلمين ؟
اوقفت احد الرجال بانت على وجهه صفات الانذال سألته عن هذا الموضوع ولم لاتتحدث العربية هذه الجموع ؟ اجابني وعلى وجهه ابتسامة تنضح خبثا ولئامة هذه ليست القدس بل اورشليم فهز كياني هذا اللئيم واضاف بانها عاصمة دولة اسمها اسرائيل ولم يبقى فيها من العرب الا القليل وان جل سكانها من اليهود وسيمحون كل اثر عربي من الوجود . استغربت هذا الكلام الذي يشبه الاوهام فكيف تكون القدس الشريفة التي فتحها سيدنا عمر الخليفة وصارت لجميع الاديان مزارا وللعلم والمعرفة منارا وكيف تمكن بني اليهود اهل الجحود من بناء دولة لها حدود في قلب ارض الاباء والجدود؟
وبعد ان اكمل اليهودي مقاله بادرت الى سؤاله في اي نحن من الاعوام الذي صارت فيه حقائقا كل الاوهام , اجابني اننا في العام الميلادي الفين وتسع هل فقدت النظر ام السمع ؟ حسبتها فعرفت انها في الهجرة الف واربعمائة وثلاثين فحسبت اني اصبحت من المجانين .
مشيت بعدها حتى وصلت الى جدار عظيم بشع دون منظر او تصميم عبرته فوجدت ارضا بائسة في وسط الغم جالسة عرفت انها ماتبقى من ارض فلسطين بعد ان قضمتها اسنان المستوطنين ضرب عليها الحصار وليس لها بين العرب انصار لاتجد صدى لصوتها المرأة العفيفة ان نادت انجدني ايها الخليفة .
اطرق الخليفة الى الارض وحزن لما اصاب الشرف والعرض ولكن قال بصوته الجهير ان اكمل كلامك ايها الوزير .اكمل كلامه الوزير بديع عما راه في ذلك الزمن الوضيع :
- استغربت كيف يرضى بفقر المسلمين الولاة وهناك اموال الزكاة وهي فرض كالصوم والصلاة, قيل لي ان ولاة المسلمين بلهوهم منشغلين وعن قضايا الامة غافلين ولايدرون بما يعانيه المسلمين والاغنياء للذهب والفضة مكدسين لازكاة ولاصدقة دافعين ببناء القصور والبروج ملتهين.
اغمضت عيني حزنا وفتحتها بعد بضع ثوان زمنا فوجدت نفسي في مكان تجمع فيه الرجال والغلمان وحولهم الجواري والنسوان ينظرون الى مكان مرتفع والكل نحوه مندفع ظهرت عليه جارية كاسية عارية وبدات فجاة بالغناء بصوت يشبه العواء والكل يتمايل طربا وكان في مخهم وعقولهم خربا يحتسون بعلانية الخمر ولاينهيهم عنه ولاة الامر .الرجال تنظر للنساء بشهوة ليس عندهم غيرة او نخوة.
اغمضت عيني وفتحتها وليتني من مكانها اقتلعتها فرأيت نفسي في مكان يقال له سوق المال حيث اجتمع كل الرجال صياح وعراك وجدال يبيعون ويشترون للشركات السهم وبربحه وخسارته يكون الفرح او الغم لايجيدون صنعة ولاعمل يقضون حياتهم بهذا الشكل وليس عندهم حياء او خجل قلت لهم هذه ليست صنعة ذات وقار بل اشبه بلعب القمار , قيل لي على الاقل لم نفتح خمارة او ندير بيتا للدعارة قلت لهم اوتوجد مثل هذه المفاسد في بلاد يعبد اهلها الله الواحد ؟ قيل لي بل تتهافت عليها الرعية وفي كل بلد عندهم رخصة قانونية تحميها قوانين وضعية لاتقدر على محاربتها الفتاوى الشرعية .
حك الخليفة على ذقنه ولم يصدق ماتسمعه اذنه من غريب الكلام عما ستجلبه على امته الايام وللحديث بقية..
نزهة بديع الزمان في أغرب الأزمان !! - الجزء الثانى