نشرة اخبار الساعة الثامنة
...............................................................
بقلم : د. محسن الصفار
...........................
كان متخصص الماكياج منهمكاً بوضع اللمسات الأخيرة من ألوان وأصباغ على وجه المذيعة الرئيسية لنشرة الأخبار والمذيعة تقرأ بإهتمام الأوراق أمامها استعدادا للنشرة التي ستبث بعد قليل وفي الغرفة الزجاجية المواجهة لإستوديو الأخبار أو ما يسمى بغرفة التحكم وقف مخرج النشرة الخبرية مع المعّد الجديد يحضران آخر لمسات النشرة لهذه الليلة.
نظر المخرج بتمعن وقال للمعّد:
- ما رأيك بالفكرة الجديدة في تقديم النشرة حيث تنهض المذيعة من مكانها وتجلس ثم تنهض وتمشي هكذا جميلة أليس كذلك ؟
- يعني لا بأس بها ولكن لا أفهم المغزى من وراء ذلك؟
- يا عزيزي مدير المحطة يريد رفع نسبة المشاهدين وهذه المذيعة الجميلة أصبحت محبوبة ومشهورة ولذلك فقد وضعنا هذه الفقرة كي يستمتع بها الجمهور برؤية جسدها الجميل وهي تؤدي هذه الحركات.
- يا سلام!!! عارضة أزياء يعني؟
- ولم لا؟ هذا إعلام والإعلامي الناجح يجب أن يفعل أي شيء لزيادة نسبة المشاهدين وإذا كان المشاهد يريد أن يتفرج على جسد المذيعة وليس فقط وجهها من وراء الطاولة فعلينا أن نقدم له ذلك حتى لو اقتضى الأمر أن تقدم النشرة وهي نائمة على الأرض !!!
أجابه المعّد متهكماً:
- أستاذ ما رأيك أن نضيف فقرة جديدة الى نشرة الأخبار نسميها ( حوادث تبكيني نقدمها لكم بالبيكيني)؟
- والله فكرة ولكن دعني أسأل مدير المحطة أولاً!!!
إستدرك المعّد:
- يا سيدي انا أمزح معك معقولة وصلت الأوضاع الى هذا الحد؟ مايوهات في نشرة الأخبار؟
- أي شيء المهم نرفع نسبة المشاهدة.
- ولكن المسألة زادت عن حدها من يرى نشرة الأخبار على قناتنا يظن أن الرجال قد إنقرضوا في العالم العربي فالمقدمة الرئيسية إمرأة ومقدمة الفقرة الرياضية إمرأة ومقدمة النشرة الإقتصادية أيضاً إمرأة والمراسلات أيضاً نساء.
- أنت ضد عمل المرأة؟ أنت رجعي؟
- لا يا سيدي أنا لست ضد المرأة ولا ضد عملها ولكن لكل شيء حدود لو نظرت الى نشرات الأخبار الأوروبية والأمريكية فلن ترى نشرة أخبار كل الوجوه فيها نسائية ولن تكون محطتنا تقدمية اكثر من اوروبا !!!
- هذه مسؤوليتي وأنا أدري بها تريد الناس تترك هذا الوجه الجميل ( وأشار الى المذيعة ) وتنظر الى وجهك!!!
- سامحك الله يا استاذ على كل دعنا نراجع الأخبار الرئيسية لهذه الليلة.
- حسناً ماذا لدينا؟
- الخبر الأول إنفجار كبير في بغداد يقتل 60 مواطناً عراقياً.
- لا لا لا..
- ماذا؟
- يجب أن تذكر تحديداً كم منهم من السِنة وكم منهم من الشيعة!! وكذلك تحدد فيما إذا كان القاتل شيعياً أم سنياً!
- ومالفائدة من ذلك؟
- هذه طلبات صاحب المحطة نريد ان يقع الخبر كالصاعقة على رؤوس المشاهدين ويخلي كل واحد من الطائفتين يحقد على الثاني !
- حسناً الخبر التالي هو وقوع إشتباكات بالأيدي بين عدد من الشباب في بيروت على خلفيات مباراة كرة قدم!
- لا لا لا يا عزيزي الخبر يجب أن يكون هكذا صدامات بين أنصار السلطة الشرعية والقوى الإنقلابية في لبنان يستخدم فيها السلاح الخفيف والمتوسط يسفر عن وقوع عدد من القتلى والجرحى.
- ولكن هذا غير صحيح وتلفيق.
- هذه أوامر أكبر مني ومنك!! الخبر اللي بعده خلص ورانا شغل.
- قوات الأمن في بلد عربي تعتدي على المواطنين بالضرب.
- لالا الله يخرب بيتك هذه الدولة من ممولينا الرئيسيين اكتب المتظاهرون يضربون رجال الامن على أيديهم مستخدمين وجوههم ورؤوسهم وظهورهم كسلاح!!!
- سبحان الله! على أي حال ناتي الى ضيوف النشرة لدينا أستاذان جامعيان واحد يمثل السلطة والثاني المعارضة لأخذ رأيهما في موضوع الخلاف البرلماني في إحدى الدول الشقيقة!
- لا يا عمري لا يا حبيبي هذه الدولة من حبايبنا الصحيح إنك تجيب صحفي مخضرم يدافع عن السلطة وعن المعارضة جيب واحد بائع جرايد على أساس ان كله صحافة وما أحد يتهمنا بالتحيز!!
- لا أبداً!! أحنا والتحيز ؟ و بالنسبة للإعلانات.
- ما لها؟
- دعاية الحكومة العراقية الي تظهر العراق وكأنه جنة من جنان الأرض بناء وتعمير وسلام ووئام وإستثمارات مبتذلة جداً وغير واقعية!
- النقود التي تدفعها الحكومة العراقية حقيقية أم لا؟
- حقيقية
- إذا بالنسبة لي الإعلان حقيقي وواقعي ومؤثر وعيني تدمع كلما أراه!!
- لا سلامة عينك يا أستاذ!! طيب الأخبار الإقتصادية لدينا خبر عن سقوط أسعار سهم شركة ( ايدنا في جيبك ) الإستثمارية بسبب كشف تلاعبات خطيرة في التقارير المالية السنوية وكشوف الأرباح الوهمية
- الله لا يعطيك عافية، أنت بالذات راح تودينا كلنا في ستين داهية كلنا راح نشحت بسببك!!
- يا ساتر لماذا؟
- هذه الشركة مملوكة لأصحاب المحطة أنت تريد أن تلعب بالنار؟ اله يحرقك ويخلصني منك.
- والعمل؟
- تعدل الخبر كالتالي تراجع طفيف على أسهم شركة ( ايدنا في جيبك ) بسبب أوضاع الطقس ويتوقع أن يرتفع السهم بشدة غداً بسبب صلابة موقف الشركة وسمعتها الرائعة
- ولكن هذا غش ويمكن أن يخرب بيوت الناس!!
- أنت معد برامج والا مفتي الديار الإسلامية؟ نفذ الاوامر وحسب لماذا ندفع لكم هذه الرواتب الكبيرة؟ كي تنفذوا ولا تسألوا!!!
- أمرك يا أستاذ
- أريد أيضاً بعض الأخبار المثيرة خلال النشرة
- مثل ماذا؟
أمسك المخرج بورقة في يده طبعها من الإنترنت وقال:هذه أخبار جميلة ونافعة مثل إرتفاع معدلات إستهلاك حبوب الفياغرا في العالم العربي أو خبر أب يغتصب أبنته لمدة عشر سنوات أو أخ يتزوج أخته عن طريق الخطأ
- ولكن هذه أخبار تافهة وتخدش الحياء العام
- إذا لم تسكت فسوف يخدش قلمي صفراً من أصفار راتبك هذا الشهر!!
- وعلى ماذا؟ الطيب أحسن!!
- تمام وأريد مقابلة مع المخرج السينمائي لفيلم ( قبلات وأحضان )
- حول ماذا؟
- لماذا كان هناك 10 قبلات بينما فقط 7 أحضان؟ هذا إستخفاف وإستهزاء بعقلية المشاهد العربي!!! عيب لازم ننظم حملة للمطالبة إما برفع ثلاث قبلات أو إضافة ثلاث أحضان؟
- لا يجوز طبعاً!! لا يمكن تسمح لأحد يستخف بعقل المشاهد العربي أي أوامر أخرى؟
- لا سلامتك
بدأت النشرة بإبتسامة المذيعة أسعدتم مساءاً أعزائنا المشاهدين ونقدم لكم نشرة أخبار الثامنة حيث الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة!!!
مصرنا ©