مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الحسناء تبحث عن رئيس

 

مصر

 

بقلم : سعد رجب صادق
............................

أحسن الشاعر العربى " أبو فراس الحمدانى " فى قصيدته الجميلة " أراك عصى الدمع " عندما قال : تهون علينا فى المعالى نفوسنا *** ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر وحسناء هذا المقال ليست من حسنوات النساء كما فى القصيدة ، وإن كانت تستحق مثلهن كل غال ونفيس .. إنها مصر، قلب العرب والمسلمين ، فى عزتها عزة لهم ، وفى نهضتها نهضة لهم ، وفى ريادتها وسيادتها ريادة وسيادة لهم ، إنها أم الحضارات ، وأقدم الكيانات البشرية .. هزمت المغول وهم أكثر أهل الأرض شراسة ودموية ، ودحرت حملة الصليب وهم الأنجاس الأوغاد ، الطامعون فى أرض المسلمين ومقدساتهم ، وهى مع جزيرة العرب وفلسطين والشام والعراق جزء من الأرض التى باركها الله تعالى ، لأنها مهابط الوحى والرسالات والأنبياء الكرام .

تلك الحسناء تبحث لها عن رئيس ، ومن حقنا جميعا كأبنائها أن ندقق فى المرشحين لرئاستها ، وأن نفحص أوراقهم وتاريخهم وإنجازاتهم وبرامجهم وخططهم وآلياتهم وجداولهم الزمنية ، وأن نستبعد كل من لا يستحق شرف خدمتها ، ولا يستأهل التربع على عرشها .. إنها فرصتنا النادرة لنكفّر عن تقصيرنا فى حقها ، وإهمالنا لشؤونها ، وسماحنا للمستبدين والطغاة أن يتحكموا فى مقدراتها ، وأن يمتهنوا كرامتها ، ويستذلوا أهلها ، ويبددوا ثرواتها ، ويوالوا أعداءها وشانئيها .. إنها تستحق منا جميعا أن نعتذر لها ، وأن نطلب منها السماح والرضا ، ويُخطئ من يظن من أبناء انتفاضتها الأخيرة أنه فعل لها معروفا ، أو أسدى إليها إحسانا ، ويُخطئ أيضا من يظن أنه وحده يُمثلها أويتحدث باسمها.. إنها من فعل لنا المعروف ، وأسدى إلينا الإحسان ، وُيمثلها أهلها جميعا ، دون إقصاء أو تهميش أو جور على أحد منهم .. إن هناك حقيقة لا بد أن تكون واضحة جلية فى أذهان المصريين جميعا وهى : كما أن الإنسان لا يمتَّن على الله تعالى بتوحيده والإيمان به ، وعمل الصالحات ، واجتناب المعاصى ، وهو أيضا لا يمتَّن على أبويه وأهله ، بالبر بهم ، والإحسان إليهم ، والقيام بحقوقهم ، فهو بالقطع لا يمتَّن على وطنه بالدفاع عنه ، والتضحية بماله ونفسه لصد أعدائه فى الداخل والخارج ، وبذل الجهد والطاقة لرفعة شأنه ، وبناء نهضته ، ولذلك وجب القول مرة أخرى : إن من يمتَّن على هذا الوطن بتضحية أو جهد أو عمل فقد جانبه الصواب ، والأكثر من ذلك فهو غير مخلص فى تضحيته وجهده وعمله ، ولذلك يقول الله تعالى لمن يظنون أنهم يمتَّنون على الله ورسوله ودينه : ( يمنُّون عليك أن أسلموا قل لا تمنُّوا على إسلامكم بل الله يمنٌّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ) الحجرات 17 ، ويُبطل جل وعلا ثواب المعروف إذا تبعه منٌّ وأذى ( يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذى ينفق رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله لا يهدى القوم الكافرين ) البقرة 264 ، فلله سبحانه المِنَّة على عباده ، ولا مِنَّة لأحد منهم عليه ، وللوالدين المِنَّة على أبنائهم ، وللوطن المِنَّة على أبنائه أيضا ، ولا مِنَّة لهم على آبائهم أو أوطانهم ، وإنما حقوق واجبة يأثم من لم يؤدها منهم .

ملحوظة : ( منَّ عليه وامتنّ أى أنعم عليه ، واصطنع عنده صنيعة ، والاسم المِنَّة وهى العطية ) [ القاموس المحيط ] .

ولكن مصر فى المقابل تواجه أعداءً كثيرين فى الداخل .. خونة وعملاء ومتآمرين ، ولصوصا وبلطجية ، ومستغربين معتدين على هويتها وتاريخها ، وطائفيين متنمرين لتمزيقها وتقسيمها ، ولها أيضا أعداء كثيرون فى الخارج .. إسرائيل والغرب الأوربى والأمريكى ، غير أن أسوأ أعدائها هم المشككون فيها .. يقولون : أية حضارة تلك ، وأى تاريخ هذا الذى تتحدث عنه ؟!.. حدثنا عن اليوم ، ولا ترجع بنا لآلاف السنين .. إننا لا نملك اليوم مجدا ، ولا نستحوذ على ما نتفاخر به .. سبقتنا كل الأمم ، وتدهور بنا الحال حتى أصبحنا فقراء جهلاء ضعفاء ، وتناسى هؤلاء أن الخلفية التاريخية ، والإرث الحضارى زاد وقوة دافعة ، وجذور ممتدة ، وأصالة وعمق وعراقة ، ولا يلزم مع تلك المقومات إلا قيادة حكيمة ، وحكومة خبيرة عليمة ، لتفجر ملكات الناس وطاقاتهم ، وساعتها سنكون منافسين أكفاء لكل من تقدموا علينا .. يقول المشككون أيضا : أية حسناء تلك التى تستحق كل غال ونفيس ؟! ألا ترى ما حاق بها من تقبيح وتشويه ؟ لقد فقدت رونقها وبهاءها وجاذبيتها .. ألا تسير فى شوارعها وقد امتلأت بالحفر والمطبات ، وطفحت فيها المجارى ، وتناثرت على جنباتها القمامة والنفايات ؟! ألا ترى زحمتها وتسمع ضجيجها ؟! ألا تتأمل نيلها بدل أن يترقرق وينساب فى ربوعها ، ناشرا الخصب والحياة والنماء ، أصبح مقلبا للزبالة والمخلفات ؟! .. ألا ترى أرضها الزراعية وقد فقدت خضرتها ، وارتفعت عليها المبانى العشوائية ، بطرزها القبيحة ، وهيئاتها المنفرة ؟! ألا ترى العشوائيات تنتشر فى مدنها ؟! ألا يجذب انتباهك تلك الأمور وغيرها ؟! والحقيقة أن علامات القبح ، ومظاهر التشويه لا يمكن إخفاؤها ، ولا يمكن للعين أن تتجاهلها ، ولكنها أيها المشككون عوارض مؤقتة ، ستزول بالتخطيط والجهد والعمل ، وستعود الحسناء أكثر حسنا ، وأشد جاذبية ، وأحلى مظهرا ، وأبهى رونقا .. إن جمالها أصيل لن تحجبه تلك العوارض ، غير أن الشغل الشاغل الآن أن نبحث لها عن رئيس يرعى شؤونها ، ويسهر على خدمتها ، ولا يبخل عليها بوقت أو جهد أو طاقة .

يتناول هذا المقال ثلاثة من الشخصيات التى أعلنت نيتها الترشح لرئاسة مصر ، ملقيا نظرة سريعة على مدى أهليتهم للرئاسة ، ومدى امتلاكهم لمقوماتها ، والحديث عن هؤلاء كما أسلفت هو حق للمصرين جميعا ، لما للرئيس من تأثير عليهم وعلى أجيالهم القادمة ، ولذا ينبغى على كل واحد منا أن يتجرد من عواطفه ، ويدع أهواءه جانبا ، ويتنازل عن ميوله الشخصية ، ويتخلى عن عصبيته الضيقة .. إنه اختيار جاد يحتاج إلى الدقة والأمانة والمصداقية والإخلاص ، لأن البديل وببساطة شديدة مزيد من الاستبداد والفساد والعشوائية ، وسنوات أخرى تضيع بلا إنجازات ، ومقامرة بمستقبلنا ومستقبل أبنائنا ، وتوسيع للهوة بيننا وبين غيرنا من الأمم الناهضة .

أولا : محمد البرادعى
الذين يصفقون ويهللون للبرادعى يرون أنه يمتلك ما يمكن إجماله فى أربعة مقومات تجعله صالحا لرئاسة مصر ، وهى :
1- رئاسته لوكالة الطاقة الذرية International Atomic Energy Agency أو IAEA ، وهى إحدى الوكالات التابعة للأمم المتحدة ، مما يجعله فى نظر أشياعه مؤهلا إداريا للقيام على أمور المجتمع المصرى ، علاوة على ما يوفره جو التعامل مع القضايا الدولية من فرصة لفهم الحكومات والدول ، وفهم القوانين والاتفاقات الدولية ، وفهم المعايير التى تستخدمها الدول الكبرى فى التصرف حيال المشاكل العالمية ، وهى حجج مقبولة منطقيا أو نظريا ، ولكنها تفتقر إلى الواقعية والعملية لسببين رئيسيين :

أولهما أن إدارة مؤسسة دولية ، أو حتى مؤسسة محلية فى دولة غربية ، يخضع لمعايير وقواعد وضوابط لا تجعل رئيسها فوق الآخرين ، ولا تجعله أيضا متحكما فى أحد ، ولا تجعل من وجوده أو غيابه العامل الوحيد فى الإدارة أو النجاح ، ولكن الجهد الجماعى ، وأداءَ كُلِ واحدٍ لدوره ، والقوانين واللوائح الحاكمة لهم جميعا ، هى العوامل التى يتحقق بها أداء العمل واستمراره ، ولذلك لو تولى غير البرادعى رئاسة الوكالة فى تلك الفترة لما اختلفت الوكالة فى عملها اليومى ، وسياساتها العامة ، ودورها وأدائها الوظيفى ، وربما تختلف فى درجة نزاهتها وحياديتها وتحررها من التبعية للقوى الكبرى اعتمادا على مواصفات رئيسها من حيث النزاهة والحيادية والاستقلالية عن تلك القوى الكبرى ، والتى تتحكم بدرجات متفاوتة فى نوعية الأشخاص الذين يصلون إلى رئاسة تلك المنظمات ، فى حين أن إدارة المجتمع المصرى بملايينه الثمانين ، ومشاكله المعقدة والمتشابكة والمزمنة أيضا ، يحتاج جهدا جبارا ، وعملا متواصلا ، ومقدرة فذة على تجميع الطاقات والإمكانيات ، والتأليف بين النزعات والاتجاهات المختلفة ، وخاصة أننا مجتمع ما زال يخلو من المؤسسات الراسخة والقادرة على العمل والعطاء والتجدد والتطور ، أيا كان الرئيس ، وأيا كان النظام ، وأيا كانت الحكومة .
ملحوظة : تولى البرادعى رئاسة الوكالة لثلاث دورات متتالية فى الفترة من 1997 إلى 2009 .

وثانيهما أن الأمم المتحدة بجميع منظماتها ووكالاتها لا تعدو كونها أدوات يستخدمها الغرب لبسط نفوذه وسيطرته وإرادته على الآخرين ، ولكن بطريقة تختلف عن الاستعمار العسكرى الذى مارسوه من قبل ، أى أن الأمر برمته لا يعدو إلا أن يكون ممارسة للسيطرة والنفوذ والإرادة ولكن من خلال التشريعات والقوانين الدولية التى تُفسرُ وتُؤولُ وتُفرضُ حسب مفهوم الأقوياء ( الغرب الأمريكى والأوربى ) ، وقد باتت تلك الحقيقة معروفة لكل باحث أمين ، أو متابع واع وفاهم ، ولا يحتاج باحث عن الحقيقة كثيرا من العناء ليعى تلك الأشياء ، فمجلس الأمن الدولى على سبيل المثال استخدمت فيه الولايات المتحدة حق النقضveto لأول مرة فى 17 مارس 1970 ضد مشروع قرار يدين بريطانيا فى دعمها لنظام الحكم العنصرى apartheid فى جنوب أفريقيا ، واستخدمته منذ أسابيع قليلة لإفشال مشروع قرار يدين إسرائيل فى بناء المستعمرات فى القدس والضفة الغربية ( وللمرء أن يتخيل منظمة دولية تدَّعى أن وظيفتها ضمان حقوق الشعوب فى العدل والحرية ، ورغم ذلك تفشل فى إصدار قرار يدين العنصرية البغيضة ، أوممارسات الاحتلال الإجرامية ، والأقسى من ذلك أن لا أحد يستطيع أن يفعل شيئا تجاه ذلك ) ، وبين التاريخين تم استخدام النقض عشرات المرات لإفشال كافة القرارات التى تساند الحق والعدل فى فلسطين وغيرها ، ووكالة الطاقة الذرية لا تختلف عن مجلس الأمن ، فقد مارست ومنذ إنشائها دور الشرطى القبيح الذى يترصد بكل الدول التى تحاول دخول المجال النووى ، والاستفادة من التقنية الذرية فى توليد الطاقة والبحث العلمى وغيرها من الفوائد بحجة الحفاظ على السلام العالمى ، ومنع وصول الأسلحة الذرية لمن يطلق عليهم الغربيون الإرهابيين والدول المارقة ، وكان الأولى والأجدى مساعدة تلك الدول فى الفهم والسيطرة والتوظيف السلمى لتلك التقنية بدل إحالة ملفاتها لمجلس الأمن ، وهو ما يعنى التهديد والحصار ومخاطر شن الحروب عليها ، وهو الدور الذى تمارسه الوكالة باقتدار ، ويحضرنى هنا تقرير نشرته الأمم المتحدة منذ سنوات عن الحصار المفروض على كوريا الشمالية بسبب مشروعها النووى ، وتأثير الحصار مع الجفاف ونقص المحاصيل الزراعية على الصحة العامة ، وصحة الأطفال خاصة ، وكيف أن معظمهم يعانون من أعراض مختلفة جسديا وعقليا ونفسيا بسبب عدم حصولهم على التغذية الكافية ، وكيف أن التقزم وتثبيط النمو الجسمانى والعقلى أصبح مؤثرا سلبيا على غالبية الأطفال ، وما زالت تتراقص أمام بصرى جملة فى التقرير لم أنسها ولن أنسها ما حييت ، تقول : ورغم نقص الغذاء فإنه لم تُسجل حالات cannibalism بعد ، والكلمة تعنى أكل لحوم البشر ، وهو ما يعنى أنه وحيث لم تُسجل حالات لأكل لحوم البشر نتيجة الجوع ، فلا بأس من استمرار الحصار وتضييقه .. أليست هذه قمة الإجرام والعدوان على حق البشر فى الطعام والأمن أيا كانت توجهاتهم وسياساتهم ؟! أليست تلك الدول والمنظمات تردد ليلا ونهارا لشعارات الشرعية الدولية ، وحقوق الإنسان ، وحقوق الشعوب فى تقرير المصير ؟! ألم يصدعونا بالحديث عن حق الأطفال فى الغذاء والتعليم والرعاية الصحية وغيرها ؟! إنه الكذب والتدليس والنفاق الذى يمارسه كل هؤلاء للإبقاء على هيمنتهم وسيطرتهم ، وهم فى سبيل ذلك مستعدون لسحق غيرهم من الفقراء والمستضعفين ، ولا شك أن كل من يتعاون معهم فى تلك المنظمات والوكالات لا يقل إجراما وعنصرية ، ولا يقل أيضا عنهم فى استغفاله واستخفافه بالأمم والشعوب.
وموضوع الجانب اللا أخلاقى فى عمل تلك المنظمات يقود إلى الحديث عن التفتيش الذى مارسته الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية التى كان البرادعى رئيسا لها فى تلك الفترة للعراق قبل شن الحرب الهمجية عليه ، وخاصة بعد نشر وزير الدفاع الأمريكى وقتها Donald Rumsfeld لمذكراته منذ أسابيع قليلة ( 8 فبراير 2011 ) تحت عنوان ( المعلوم والمجهول ) Known and Unknown وفيها أن العراق لم يكن لديه أية منشئات متخصصة specialized facilities قادرة على إنتاج الأسلحة الذرية أو البيولوجية أو الكيماوية ، وهو عكس ما صرح به الرئيس الأمريكى George Bush فى فبراير 2003 ( غزو العراق بدأ فى 17 مارس 2003 ) حيث قال : إن مهمتنا هى تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل our mission is clear ; to disarm Iraq of weapons of mass destruction ، وما صرحت به مستشارته للأمن القومى Condoleezza Rice فى حوارها مع قناة CNN فى 8 سبتمبر 2002 من أن العراق يمتلك البنية التحتية والعلماء القادرين على صناعة الأسلحة الذرية We know that he has the infrastructure , nuclear scientists to make nuclear weapons ، والسؤال هنا : إذا كانت الإدارة الأمريكية تعلم بخلو العراق من أسلحة الدمار الشامل ، بل وخلوه من المنشئات المتخصصة والمجهزة لصناعة تلك الأسلحة ، فلماذا استمر تفتيش العراق لمدة عشر سنوات ؟! وعن ماذا كان خبراء التفتيش يبحثون ؟! وكيف للأمم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية أن يستمرا فى هذا الهزل والعبث لكل تلك السنوات ؟! وكيف سيبرر البرادعى أمام الله تعالى والتاريخ تفتيش دولة دُمر مفاعلها الذرى قبل ذلك بسنوات طويلة على يد إسرائيل ، وتعيش حصارا خانقا ، ولا يُسمح لها باستيراد كثير من احتياجاتها الضرورية من غذاء ودواء ، ناهيك عن كل ما له علاقة بإنتاج الأسلحة من قريب أو بعيد ، علاوة على أن الأسلحة الذرية ليست أصلا للبيع والشراء فى سوق السلاح ، ولا حتى فى سوق السلاح السوداء ؟! وإذا كان قد أبلغ مجلس الأمن فى نهاية يناير 2003 بأنه لا يوجد دليل على وجود أسلحة للدمار الشامل بالعراق ، فلماذا طلب مد عمل الوكالة 5-4 أشهر أخرى ؟! وهل القصور الرئاسية تصلح مكانا لإنتاج وتخزين الأسلحة النووية أو حتى أية أسلحة ؟! وهل يمكن تخزين تلك الأسلحة تحت أَسِرة غرف نوم الرئيس العراقى ، أو تحت وسادته ؟!

إن الأمر كله لم يكن إلا استغفالا للعالم ، واستخفافا بالشعوب الفقيرة والمستضعفة ، واستنزافا لأموال العراقيين فى الصرف على المفتشيين الدوليين ( سكن وحراسة وسيارات وغيرها من وسائل التنقل ومرتبات وغيرها ) ، أى أنه بصراحة وبمرارة أيضا أن الجميع ( الإدارة الأمريكية والأمم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية والبرادعى والمفتشيين ) أشتركوا فى عملية إجرامية لتضليل العالم ، وتبرير همجية الغرب وتدخله فى شؤون الآخرين ، وسرقته لأموالهم ومواردهم ، كما اشتركوا أيضا فى مخالفة القوانين والشرائع التى نصّبوا أنفسهم لحمايتها والدفاع عنها ، وظهروا جميعا بمن فيهم البرادعى يتحدثون يوميا ببجاحة وصفاقة على جميع القنوات الإخبارية العالمية عن عدم تعاون العراق مع لجان التفتيش ، أو عدم تعاونه الكامل ، وعن ضرورة مواصلة التفتيش ، وعن التشكك فى نوايا وقدرات العراق ، رغم أن العراق كان مستباحا فى أرضه وسمائه ومائه .

إن حرب العراق وماسبقها وما تلاها ستظل علامة فارقة فى التاريخ المعاصر على الإجرام والبلطجة ، وستظل وصمة عار فى جبين كل من شاركوا فيها ، أو هيئوا لها بالكذب والتدليس وإنكار الحقائق .. فى كتاب رامسفلد السابق الإشارة إلية وثيقة مؤرخة بتاريخ 9 سبتمبر 2002 ، وهى رد من أحد قيادات الجيش الأمريكى ( ميجور جنرال : جلين شافير ) Major General : Glen Shaffer على استعلام من رامسفلد عن برامج أسلحة العراق ، وفيها أن المعلومات عن أسلحة العراق تتراوح بين %75-%0 ، وأنها %0 فيما يخص الأسلحة الحقيقية ، وأن كل التقديرات تعتمد على التخمينات والافتراضات وليس الحقائق ، وأنه لا يُعرف يقينا مواقع أية منشئات مرتبطة بالأسلحة النووية ،وأن المعلومات عن البرنامج النووى تعتمد فى %90 منها على تحليلات مخابراتية غير دقيقة ، وأنه لا يُعرف على وجه الدقة حجم ما هو غير معروف ، وبالنسبة للأسلحة البيولوجية لا يمكن الجزم بأية منشئات لإنتاج واختبار وتعبئة وتخزين هذه الأسلحة ، وبالنسبة للأسلحة الكيماوية لا يمكن التؤكد من أى مواقع لإنتاجها We range from %0 to about %75 knowledge on various aspects of their program... the %0 had to do with actual weapons ... our assessments rely heavily on analytic assumptions and judgments rather than hard evidence ... we don’t know with confidence the location of any nuclear weapon – related facilities... we don’t know with any precision how much we don’t know . Our knowledge of the Iraqi nuclear weapons program is based largely – perhaps %90 – on analysis of imprecise intelligence . On biological weapons : we can not confirm the identity of any Iraqi facilities that produce , test , fill , or store biological weapons . On chemical weapons : we can not confirm the identity of any Iraqi sites that produce final chemical agents .. هل هناك من فائدة إذن لمكانة ودور البرادعى على رأس وكالة الطاقة الذرية يمكن أن تنعكس على الرئاسة المصرية ؟! بالقطع لا ، وخاصة أننا عانينا لعقود من رؤساء ومسؤولين يكذبون على الناس ، ويتلاعبون بالحقائق ، ولا نريد رئيسا يكذب علينا بعد أن كذب على العالم أجمع .. إن جميع المعلومات التى تتكشف يوما بعد يوم عن حرب العراق كانت معلومة للجان التفتيش ولوكالة الطاقة الذرية وللإدارة الأمريكية ، إى أنها لم تكن معلومات محجوبة أو مخفية عن الأطراف المشتركة كلها ، ولكنهم كما أسلفت استغفلوا العالم واستخفوا به ، وساهموا جميعا فى واحدة من أكبر مهازل العصر الحديث .

ملحوظة : تم تفتيش العراق على مرحلتين : الأولى بدأت بعد قرار مجلس الأمن 687 والقاضى بتدمير جميع أسلحة العراق النووية والبيولوجية والكيماوية ، وتأسس لذلك UNSCOM وهى الهيئة المعنية بالتفتيش وتدمير الأسلحة ، واستمرت فى عملها من 1991 حتى 1998 ، والثانية من 2002 وحتى 2003 ، وتأسس لها هيئة عُرفت باسم UNMOVIC ، وقد قال وقتها Hans Blix رئيس الهيئة السابقة ، حسب ما كتب فى مذكراته المعنونة ( تجريد العراق من أسلحته ) Disarming Iraq إنه أخطر الأمم المتحدة فى 1995 بخلو العراق من الأسلحة البيولوجية والكيماوية أو من برامج إنتاجها There was no evidence of active chemical or biological weapons programs or stockpiles
2- حصوله على جائزة نوبل للسلام ، والسؤال الذى يقفز إلى الذهن هنا : أى سلام هذا ؟! هل هو سلام تدمير العراق ، أو سلام تجوييع الكوريين الشماليين الذين طالما لم يأكلوا بعضهم البعض فلا بأس ولا ضير ؟! رغم أننى حتى أشك أن كثيرا من حكومات العالم الغربى ومجلس الأمن الذى يعمل فى خدمتها سيحركون ساكنا لو أكل الكوريون بعضهم البعض ، وستخرج علينا وقتها تلك الوجوه الكالحة لتلوم النظام الشيوعى الحاكم ، ألم يفعلوا نفس الشئ مع العراق الذى حاصروه عقدا من الزمان متسببين فى موت حوالى مليون ونصف من أطفاله ونسائه وعجائزه بسبب نقص الغذاء والدواء والأمصال ، وخرجت كونداليزا رايس لتلوم الرئيس العراقى وليس الحصار الظالم الجائر ؟! أم أنه سلام حصار إيران وفرض العقوبات عليها ، وتهديدها فى كل وقت وحين بالحرب ؟! أم أنه سلام الضغط على ليبيا وحصارها حتى تخلت عن برنامجها النووى ، بل وشحنت كل المعدات والأجهزة والوثائق وكل ما يمت للمشروع بصلة إلى الولايات المتحدة بعدما بددت عشرات البلايين من الدولارات ؟! أم أنه سلام فتح الوكالة ملفا لمصر نتيجة الشك فى وجود آثار إشعاع ذرى فى أراضيها ؟! أم أنه سلام تدميير المنشأة السورية فى عمل من أعمال البلطجة المخالفة للقوانين الدولية ، وتوالى الضغوط علي النظام الحاكم منذ ذلك لتفتيش أراضيه ؟! وإذا كانت الوكالة يقظة لهذا الحد فى عهد البرادعى فكيف بها تتعامى عن إسرائيل التى تمتلك 200 رأس نووية حسب الرئيس الأمريكى السابق كارتر Jimmy Carter ؟! وكيف بها تُصاب بالعمى والخرس والصمم على دفن الدول الكبرى لنفاياتها الذرية فى الدول الفقيرة والمستضعفة ( موريتانيا مثلا ) ، مقابل بعض المساعدات أو وعود بالمساعدات ، لتلوث أرضها وماءها وهواءها ، وتهددها فى صحة أبنائها ، والدول الكبرى عندما تفعل ذلك لا تراعى نفس إجراءات السلامة الصارمة التى تراعيها داخل حدودها ؟! أليس الفقراء والضعفاء أقل آدمية من أصحاب العيون الزرقاء ؟!
ألا تقتضى الأمانة والمصداقية بالذين يهللون للبرادعى بسبب حصوله على جائزة نوبل للسلام أن يتساءلوا عن هذا الإنجاز الجبار الذى استحق عليه الجائزة ؟! وأن يتساءلوا أيضا عما حل بالجائزة من ألاعيب السياسة ، واسترضاء السادة الكبراء ؟!

لقد حل فعلا بالجائزة الكثير من ألاعيب السياسة واسترضاء الكبراء .. ذكرت مجلة The Nation الأمريكية ، وهى من المجلات ذات المصداقية والاحترام ، فى افتتاحيتها لعددها بتاريخ 2 نوفمبر 2009 أن رئيس لجنة اختيار الفائزين فى عام 2001 وصف الجائزة بأنها دائما سياسية the award has always been a political act ، والمُراجع لتاريخ الجائزة يجد أن لجنة الاختيار رفضت منحها للمهاتما غاندى Mahatma Gandhi فى ثلاث سنوات متوالية ( 1937 ، 1938 ، 1939 ) ، ثم رفضته مرتين متتاليتين فى 1947 ، 1948 ، وفى سنة موته فى 1948 لم تمنح اللجنة الجائزة لأحد متعللة بعدم وجود من يستحقها there was no suitable living candidate رغم أن الأمانة تقتضى أنه من أكثر الناس استحقاقا للجائزة فى حياته، وحتى بعد مقتله كان يستحقها أيضا ، لو راعت اللجنة أصول الأمانة ونزاهة الاختيار ، وهى التى منحتها بعد ذلك فى عام 1961 لـ Dag Hannarskjold ، وهو اسكندنافى مات بعد ترشحه ، ولكن مشكلة غاندى أنه استخدم السلام لتحرير الهند من الاستعمار البريطانى البغيض ، وللحفاظ على السلام الداخلى بين الهندوس والمسلمين ، وتلك النوعية من السلام لا تروق للفكر الغربى .. إنهم يريدون سلام التفريط فى الحقوق ، والتنازل عن الثوابت التاريخية ، ولذلك مُنحت الجائزة للرئيس المصرى أنور السادات ، لأنه فى تصرف غير مسبوق فى تاريخ البشرية اعترف بشرعية الاحتلال اليهودى لأرض المسلمين ومقدساتهم ، ووضع يده فى يد مناحم بيجين Menachem Begin الذى نال معه الجائزة مناصفة ، وهو السفاج العتيد فى البلطجة والقتل والإجرام ، ولذلك أيضا مُنحت الجائزة لياسر عرفات الذى تنازل عن %80 من أرضه ووطنه فى فلسطين ، مشاركة مع اسحاق رابين Yitzhak Rabin رئيس الوزراء الإسرائيلى ، وشيمون بيريز Shimon Peres وزير الخارجية ، وهما أيضا رمزان للبلطجة والقتل والإجرام .. هذا هو السلام الذى يحبه الغرب ، ويمنح عليه الجوائز ، أم غاندى وأمثاله فلا سلام ولا جوائز لهم .
والعجيب أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما الذى حصل على الجائزة فى 2009 بدون إنجازات على الإطلاق ، وكأن الجوائز الدولية تُعطى على الوعود والنوايا !!، دفع فى نفس أسبوع حصوله على الجائزة بمزيد من قواته إلى أفغانستان ، رغم معارضة غالبية قادة الجيش وأعضاء الكونجرس ، والذين يفضلون الانسحاب على مواصلة الحرب ، واستخدم منذ أسابيع حق النقض فى مجلس الأمن لمشروع قرار يدين بناء إسرائيل للمستوطنات فى الضفة الغربية والقدس ، وهو الآن مشارك بقواته فى الحرب الليبية ، وأوباما ليس الحالة الأمريكية الوحيدة ، فقد حصل ثلاثة رؤساء أمريكيين سابقين على الجائزة ، رغم تاريخهم المناقض للسلام وحقوق الإنسان .. حصل عليها روزوفلت Teddy Roosevelt فى 1906 رغم دوره فى الحرب الأسبانية الأمريكية ، ودوره فى القتل والإجرام الذى مارسته القوات الأمريكية فى الفليبين ، ثم حصل عليها Woodrow Wilson فى 1919 رغم أنه من زج بالولايات المتحدة فى الحرب العالمية الأولى ، ورغم كونه معروفا بآرائه العنصرية ، ودعوته لحبس وتعقييم المصابين بالأمراض العقلية ( تماما مثل هتلر Hitler ) ، ثم حصل عليها جيمى كارتر فى 2002 ، رغم أنه أول من دس أنفه فى الشأن الأفغانى ، ودوره فى دعم وتدريب الحركات المناوئة فى أمريكا الجنوبية .
لتلك الأسباب وغيرها يرى كل المحللين الأمناء والمنصفين أن جائزة نوبل للسلام لا تعنى فى الحقيقة شيئا ، ولا ينبغى أن تُؤخذ اختيارات لجنتها جديا .. يقول Alexander Cockburn الكاتب بالمجلة الأمريكية السابق الإشارة إليها وفى نفس العدد ، نفس الكلام ولكنه يرى أن نحتفى باختياراتها عندما تكون صحيحة وصادقة So one shouldn’t take these prizes too seriously but simply cheer when a prize committee somewhere does the right thing ، ثم يمضى ساخرا من ترسيخ لجنة الجائزة باختياراتها الخاطئة لمفهوم فاسد بأنه يمكن للمرء أن يقتل الفليبينيين أو الفلسطينيين أو الفيتناميين أو الأفغان ثم يحصل على جائزة للسلام you too can get to murder Filipinos , or Palestinians , or Vietnamese , or Afghans and still win a Peace Prize ، ويرى أن أخطر ما فى ذلك الحمق والبله فى الاختيارidiocy of these Nobel awards أنه يُعَوّد الناس أو يدربهم على تقبل تلك الاختيارات المجافية للمنطق والحس السليم بدون تردد أو احتجاج they train people to accept without demur or protest absurdity ، غير أن المشكلة عندنا فى مصر أخطر من ذلك كثيرا ، فالغربيون عندهم من الصحافيين والكتاب من لا يجدون غضاضة فى نقد تلك الممارسات ، والحديث عنها بأمانة ومصداقية ، أما الإعلام المصرى بغالبية رموزه وكتابه فإنهم اعتادوا التهليل والتطبيل ، والنفاق والتضليل ، حتى أن أحدا منهم لم يكتب أو يتحدث متسائلا : هل يستحق البرادعى فعلا جائزة نوبل للسلام ؟! وما هو الإنجاز الذى تحقق على يديه لذلك ؟! .. لقد خرجوا جميعا كصبيان العوالم يصفقون ويرقصون .. خرج علاء الأسوانى فى صحيفة الشروق يدعو الناس إلى الخروج بالملايين لاستقبال البرادعى فى مطار القاهرة عند عودته ، ولولا شئ من الحياء لربما طلب منهم أن يُنشدوا له " طلع البدر علينا " ، بينما يضعه صحافى آخر فى الشروق كــ ( أحد مفاخر الأمة المصرية ) [ وائل قنديل : المبتهجون بالاعتداء على البرادعى ، الشروق 21 مارس 2011 ) ، بينما يرى " عصام العبيدى " الكاتب فى صحيفة " الوفد " فى مقاله المنشور بتاريخ 22 مارس 2011 بعنوان ( دكتور برادعى .. عذرا نحن لا نستحقك ) ، يرى أن أمة من ثمانين مليونا لا تستحق البرادعى .. لقد حكم بصفاقة ووقاحة علينا جميعا أننا لا نستحق فرعونه الجديد ، وكأنه يريد له أمة من العبيد التفصيل ، ليسبحوا بحمده آناء الليل وأطراف النهار .. إنه ورب الكعبة هزل وعبث يجعل المرء يُحس بالمهانة والصِغار !! .. يتساءل محرر المجلة الأمريكية المذكورة آنفا بصراحة وأمانة : هل يستحق أوباما جائزة نوبل ؟! ثم يجيب بصراحة وأمانة : " لا ، بالطبع لا " Did Obama" deserve" this honor?... the answer is no , of course not ، ثم يمضى متسائلا بصراحة وأمانة مرة أخرى : هل يستحق الأمريكيون الجائزة ؟! وهل الولايات المتحدة مؤهلة كقوة سلام ؟! ثم يجيب : بوضوح " لا So the question for Americans to ask ourselves is , Do we , the people , deserve the" prize ? Does our country qualify as a peaceful force in the world ? Clearly no
ملحوظة : حصل البرادعى على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع وكالة الطاقة الذرية فى عام 2005 ، وتتكون اللجنة التى تختار الفائز بالجائزة من خمس شخصيات نرويجية سياسية وحزبية وأكاديمية معروفة ينتخبها البرلمان .
3- يرى البرادعيون أنه لم يتلوث بملوثات الحقبة المباركية من نفاق وتدليس وفساد وكذب على الناس وغيرها مما برع فيه المسؤولون ، وتقتضى الأمانة هنا أن نُذَكّر هؤلاء أنه وإن لم يتلوث بتلك بالملوثات ، فإنه تلوث بملوثات لا تقل عنها فى قبحها ونجاستها .. إنها ملوثات العمل فى المنظمات الدولية التى تستغفل العالم ، وتجور على حقوق الفقراء والضعفاء من الشعوب .. وإلا بالله هل يختلف الكذب على الشعب المصرى عن الكذب على العالم ؟! وهل يختلف ولاء وعمالة النظام المباركى للولايات المتحدة والغرب عن ولاء المنظمات الدولية وعمالتها ؟! وهل يختلف تنفيذ النظام المصرى لأجندة الولايات المتحدوة والغرب عن تنفيذالمنظمات الدولية ؟! وهل يختلف استغفال الشعب المصرى عن استغفال شعوب العالم ؟! إنها جميعها نماذج للظلم والاستبداد ، وصور صارخة لاستهبال الشعوب واستعباطها ، ولعل ما سبق فى هذا المقال جزء صغير من دلالات كثيرة على الفساد الإخلاقى الذى يعصف بالمنظمات الدولية ، ولا يمكن الزعم بأن القائمين عليها لا يعرفون تلك الحقائق ، وإذا كانت 27 عاما قضاها البرادعى فى العمل الدولى لم تكشف له تلك العورات عن المنظمات الدولية والدبلوماسية العالمية ، فإنه بالقطع غير حصيف ، وغير مؤهل لقيادة الدولة المصرية .
4- يدعى البرادعيون أنه أول من ألقى حجرا فى بركة الحياة المصرية الآسنة ، وهو إدعاء شديد الكذب والمجافاة لواقع المجتمع المصرى ، وما طرأ عليه خلال العقود الماضية ، والتى حدثت فيها آلاف الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات ، وكتب وتحدث فيها الشرفاء والمخلصون ناقدين للفساد والاستبداد فى الأنظمة والحكومات المصرية المتعاقبة ، ودخل كثير منهم السجون ، وتعرضوا لكل صور الظلم والمعاناة ، ولذلك يصبح من السخف والاستخفاف بالعقول أن ينسب الكثيرون من نخبتنا الضالة ، أو بعض المصريين المنبهرين بوهج المنظمات الدولية وجائزة نوبل ، أن ينسبوا للبرادعى الفضل فى الإنتفاضة الأخيرة .. كتب وائل قنديل فى صحيفة الشروق بتاريخ 11 مارس 2011 تحت عنوان ( البرادعى والمجلس العسكرى ) : ( لا يستطيع أحد أن ينفى العلاقة العضوية بين الدكتور محمد البرادعى وثورة الخامس والعشرين من يناير ، ولا يكابر إلا جاهل أو جاحد فى أن الشباب الذى أطلق الثورة هو حصاد ما زرعه البرادعى فى التربة السياسية المصرية ، وعليه لا يمكن تصور أن يجرى حوار وطنى بشأن مستقبل مصر ولا يشارك فيه البرادعى أو يدعى إليه ، خصوصا وأن الرجل فى زعمى هو الأكثر امتلاكا لرؤية شاملة وموضوعية لمصر الجيدة ... وإجمالا فإنه فى صالح مصر بجميع أطيافها أن يجرى حوار بين المجلس العسكرى وبين الآباء الروحيين لهذه الثورة وفى مقدمتهم محمد البرادعى ) ، وفى نفس اليوم نشرت الشروق خبرا عن ندوة نظمتها لجنة الشؤون العربية والخارجية بنقابة الصحافيين فى 9 مارس 2011 بعنوان ( خريطة مستقبل مصر ) ، وأدار الندوة الصحافى أحمد طه النقر الذى قال : ( إن الدكتور البرادعى هو زعيم ثورة 25 يناير ) .. تلك الأمثلة وغيرها الكثير نماذج للتدليس والتضليل الذى تمارسه النخبة السياسية والثقافية والإعلامية المصرية .. ألم يكن حريا بهؤلاء أن يؤكدوا على دور وأهمية وجهد كل مصرى شارك فى رفض القمع والظلم ، والدعوة إلى الإصلاح والتغيير ؟! أم أنها صناعة الفراعين والآلهة التى برعوا فيها ؟!.. ذكرت صحيفة " القدس العربى " فى 27 أكتوبر 2010 نقلا عن تقرير كتبه الأمريكى " جويل بنين " ، وصدر فى واشنطن ضمن سلسلة عنوانها ( العدالة للجميع ) أن مصر شهدت خلال عامى 2008 ، 2009 أكثر من 1,900 إضراب وأشكال أخرى من الاحتجاجات ، شارك فيها 1,741,000 من العمال ، وفى تقرير أعده مركز أولاد الأرض لحقوق الإنسان ، وأشارت إليه صحيفة " المصريون " بتاريخ 4 مايو 2010 أن عام 2009 شهد 169 اعتصاما عماليا ، 112 إضرابا عن العمل ، 87 مظاهرة ، 63 وقفة احتجاجية ، 57 حالة انتحار بسبب الفصل من العمل ، والعجز عن تلبية المتطلبات الأسرية ، وفى تقرير آخر أعده نفس المركز وأشارت إليه نفس الصحيفة فى 27 يناير 2011 أن النصف الثانى من عام 2010 شهد 184 احتجاجا بالقطاع الحكومى والخاص وقطاع الأعمال العام ، تنوعت بين التجمهر والاعتصام والإضراب والتظاهر ، ولا يمكن فى هذا السياق أيضا تجاهل حركة " كفاية " وغيرها من الحركات المصرية ، والدور الذى قامت به جميعها فى تحريك الشارع المصرى ، وتهيئة المناخ للانتفاضة الأخيرة ، كما لا يمكن أيضا تجاهل دور الإخوان والذين قدموا حسب ما أعلنه محامى الجماعة " عبد المنعم عبد المقصود " 6,001 معتقلا فى عام 2010 ، بينما كان العدد 5,022 فى عام 2009 ، و 3,674 فى عام 2008 ، كما انتهكت أجهزة الدولة حقوق 4,433 طالبا منهم فى عام 2010 ، بالفصل أو الحرمان من سكنى المدن الجامعية وغيرها ، وتم فى نفس العام إغلاق 106 منشأة اقتصادية خاصة بأفراد الجماعة .. هذه أمثلة قليلة لبيان مدى تعاظم حراك المجتمع ونقمته على السياسات الخاطئة والأوضاع المتردية ، وهو ما يدحض الزعم بركود الحياة المصرية ، والتى لم تكن أبدا فى انتظار تصريحات البرادعى وتويتاته tweets خلال تجواله بين العواصم الأوربية ، أو تنقلاته فى الفنادق الفاخرة هناك ، أو أثناء زياراته السياحية لمصر ، وكما تقتضى الدقة والأمانة ذكر تلك الحقائق ، تقتضى أيضا ذكر أن الانتفاضة التونسية كانت السبب المباشر لانتفاضة الشعب المصرى ، والذى نجح النظام السابق فى شرذمة جهوده ، حتى جاء الأخوة التونسيون ليقدموا للعرب نموذجا فى تضافر الجهود ، وتعاون فئات المجتمع كلها ضد الظلم والفساد والاستبداد والطغيان .

ثانيا : عمرو موسى
يشترك عمرو موسى والبرادعى فى مجموعة من الخصائص أهمها :
- تقدم السن حيث شارفا على السبعين أو تجاوزاها ( البرادعى من مواليد 17 يونيو 1942 أى 69 عاما ، وعمرو موسى من مواليد 3 أكتوبر 1936 أى 75 عاما ) .

- أن الإنجازات التى حققاها لا تتعدى الإنجازات الوظيفية الخاصة بكليهما ، أى أنهما وصلا إلى مراتب وظيفية عالية بما لا يتجاوز منفعتهما الخاصة إلى المنفعة العامة لشعوبهما ، أو لقضايا الحق والعدل مصريا وعربيا وعالميا ، وبما لا يؤهلهما للزعامة والريادة .
- كلاهما مارس ألاعيب السياسة ومناواراتها عربيا وعالميا ، وبما يجافى الأمانة والمصداقية فى أغلب الأحوال ، فعمرو موسى تولى وزارة الخارجية المصرية لعشر سنوات ( 1991-2001 ) بدون إنجاز يذكر ، وانتقل من الخارجية إلى أمانة الجامعة العربية حتى الآن بدون إنجاز يذكر أيضا ، سوى التصريحات العقيمة ، والمحاولات المستمرة لتحسين الوجه القبيح للأنظمة العربية ، بينما البرادعى فى رئاسته لوكالة الطاقة الذرية لم يفعل غير ضمان رغبة الغرب الأمريكى والأوربى فى الحيلولة دون تمكن الآخرين من التقنية النووية وخصوصا الدول العربية .

- كلاهما لم يقدم استقالته احتجاجا على كثير من السياسات المُغْرضة ، والإخفاقات المدوية ، والعجز عن تحقيق أية إنجازات ذات قيمة ، وواصلا العمل الوظيفى وكأنهما موظفان فى أرشيف أو دائرة كتابية حكومية ، لا يعنيهما إلا الراتب الشهرى ، أما القضايا الهامة والملحة فهى أبعد ما تكون عن حساباتهما .

بالرغم من خلو ملف عمرو موسى من المواقف أو الإنجازات التى تحسب له ، أو تستحق المناقشة والتقييم ، إلا أن هناك ثلاثة أمور تستحق التنويه إليها لما لها من دلالة على عدم صلاحيته لرئاسة مصر :

1- أنه كغالبية النخبة السياسية والثقافية والإعلامية يدَّعى الآن مواقف معارضة للنظام السابق لم يعلم عنها أحد شيئا من قبل ، وهو إدعاء لابد وأن يكون كاذبا ، لأن من عاشوا ينافقون النظام ، ويُجمّلون أفعاله ، ويبالغون فى إطرائه ، وينشدون فيه قصائد الثناء والمديح ، لا يمكن أن يكونوا فجأة أبطالا ومعارضين وأصحاب مواقف فى خدمة الحق والعدل ، ومن الغباء وسوء الفهم أن يظنوا بالناس البلاهة حتى يصدقوا قصصهم وحكاياتهم ، ومن أمثلة ذلك ما قاله لتلفزيون " العربية " : ( تحدثت إلى الرئيس السابق حسنى مبارك ، ونصحته بضرورة التفاهم والحوار مع الثوار ، ولكنه لم يسمع لى ) [ المصريون ، 6 مارس 2011 ] ، والمثير للانتباه أن جميع من يسترجعون مواقف البطولة الوهمية ، ولحظات المعارضة السرية ، يفتقدون إلى ما يعضد إدعاءاتهم من شهود أو تسجيلات أو غيرها .

2- أنه ككل رموز عصره البائد من الذين يعشقون السلام مع إسرائيل ، ويقدسون ما يُسمى بالشرعية الدولية ، وينادون دوما بالحفاظ على معاهدة كامب ديفيد ، وما يرتبط بها ، ويترتب عليها من التزامات مجحفة لمصر ، وتنازل عن ثوابت ما كان يجب التنازل عنها أبدا أيا كانت الظروف والأحوال .. يقول فى حديثه لتلفزيون " العربية " السابق الإشارة إليه : ( موقفى واضح وهو السلام ، والسلام يحتاج لإنصاف وعدالة ، أما بخصوص كامب ديفيد فلن تُمس ، لأنها اتفاقية بيننا وبينهم ، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة قال إنه سيبقى عليها ) ، والزعماء والقادة الحقيقيون يتركون لأنفسهم دائما حيزا للمناورة والتفاوض ، وفرصة لمراجعة الاتفاقيات والالتزامات بما يُحقق أقصى درجات المنفعة لشعوبهم فى حاضرها ومستقبلها ، ولا يستسلمون لأخطاء سابقيهم وكأنها أقدار لا مجال للفكاك منها .

3- أنه مُصِرٌ لآخر لحظة من عمله بجامعة الدول العربية على استرضاء الأنظمة العربية الفاشلة ، والخائنة لشعوبها وتطلعاتها ، وليس أدل على ذلك من موقفه الداعم لحكومات العمالة فى دول مجلس التعاون الخليجى لاستدعاء قوات حلف الناتو للعدوان على ليبيا تحت دعاوى حماية المدنيين ، وكأن المدنيين فى اليمن والبحرين لا بواكى عليهم ، ولا قيمة لأرواحهم ، ولا اعتبار لأمانيهم فى مستقبل حر وحياة كريمة ، وكأنه لا يعلم العداوة الشخصية ورغبة وملوك وأمراء تلك المنطقة فى الانتقام من القذافى ، وكأنه أيضا لا يعلم أن التدخل الغربى فى شؤون المنطقة مفسدة كبرى مهما كانت أسبابه ومبرراته .. ألم يكن الأولى تشكيل وفد عربى لزيارة ليبيا ، ودعوة أهلها للحوار حقنا للدماء ، وصيانة للمنشئات والممتلكات من الخراب والدمار ، وحماية للدولة من أن يستبيح سماءها ومياهها وأرضها الغربيون المتعطشون لبترولها ومواردها ؟! .. لقد هرع عمرو موسى كما يهرع العبد لتنفيذ أوامر سيده ، إلى اجتماع باريس فى 19 مارس 2011 ليعطى موافقة الأنظمة العربية الخائنة على التدخل الغربى ، ثم صرح بعد الغارات الجوية والقصف الصاروخى المدمر أن العملية خرجت عن نطاقها المتفق عليه ، وكأنه لم يقرأ أو يسمع ما رددته التصريحات الغربية والأمريكية مرارا وتكرارا عن ضرورة تدمير الدفاعات الليبية قبل فرض الحظر الجوى ، وكأن ذاكرته أيضا قد أصابها العطب فنسى ما حدث للعراق من غارات يومية متواصلة طوال سنوات الحظر الجوى ، ثم عاد مجددا ليعلن فى القاهرة عن تأييده لقرار مجلس الأمن رقم 1973 القاضى بفرض الحظر ، واستخدام كافة الوسائل لحماية المدنيين !! .. لقد استهلك عمرو موسى آخر فرصه لموقف أمين وصادق يذكره التاريخ له ، وكما خرج بصفر كبير من وزارة الخارجية ، سيخرج بصفر أكبر من جامعة الدول العربية ، ولا شك أن الشعب المصرى لا يريد أن يحكمه من لا تتجاوز انجازاته الصفر الكبير .. كتب د . حمزة زوبع فى صحيفة اليوم السابع بتاريخ 31 مارس 2011 مقالا بعنوان ( ليس بالكاريزما وحدها ) ، يقول فيه عن عمرو موسى وإخفاقاته كسياسى وكدبلوماسي : ( تاريخ عمرو موسى السياسى لا الدبلوماسى ليس به شئ براق أو آخاذ كما يقول أهل اللغة ، وقد حاول فى عدة مقابلات أن يظهر كسياسى معارض ولكنه فشل فى إثبات معارضته للنظام ، بل للنظم العربية ، وظل متمسكا بوظيفته الدبلوماسية حتى فى أسوأ الأوقات التى مرت على الجامعة العربية ، وكان بمقدوره أن يستقيل ، وقد أتيحت له فرصة ليصنع تاريخا سياسيا مميزا ولكنه فضل البقاء مع السلطة سواء فى مصر أو فى العالم العربى ، ولو كنت مكانه لتناولت فطورى على عربة فول مدمس فى عشوائيات منشأة ناصر ، ولذهبت إلى محل كشرى فى ضواحى شبرا الخيمة ، ثم ذهبت إلى محطة مترو الأنفاق فى إحدى ضواحى المعادى ... وتحدثت مع الناس البسطاء لأعرف حقيقة ما يدور على أرض مصر ... ولاختفيت من على شاشة التلفزة ، وظهرت على شاشة قلوب الناس من خلال المزيد من المعرفة عن همومهم واحتياجاتهم ، ولامست عن قرب لا عبر الصحف قضاياهم ، لو أراد عمرو موسى أن يكسب قلوب الناس وعقولهم فعليه أن ينزل إلى الشوارع ، ويتجول فى الحوارى ، ويمشى فى الأزقة ، ويتحاور مع الطلبة فى المدرجات ... مصر محتاجة رئيسا يخدمها ، وليس رئيسا تخدِّم عليه ! ) ، ورغم أن الكاتب يسرح بقرائه كما يفعل غالبية الكتاب المصريين ، وخاصة عندما يتحدث عن عربة الفول ، ومحل الكشرى ، والتجول فى الحوارى والأزقة ، إلا أن الفكرة العامة فى المقال عن إخفاق عمرو موسى كسياسى ودبلوماسى لا تخفى على أى متابع أمين ، كما أن حكاية الكاريزما التى يدّعى البعض أن عمرو موسى له حظ منها ليست إلا كلاما فارغا ، لأن هناك فرقا بين الجعجعات الجوفاء التى تطرق بعنف آذان الناس ، وبين الخطاب الصادق الذى يُحرك قلوبهم وعقولهم ، ويستحثهم للعمل والبذل والعطاء ، ولا شك أن خطاب عمرو موسى من نوع الجعجعات الجوفاء التى سرعان ما يخبو ويتلاشى أثرها على القلوب والعقول والآذان أيضا .

ثالثا : أيمن نور
بالرغم من أن أيمن نور هو أصغر هؤلاء عمرا إلا أن تاريخه السياسى تحوم حوله شبهة تزوير توكيلات تأسيس حزب " الغد " ، وهى التهمة التى لم يستطع تبرئة نفسه منها ، وسُجن بسببها ، وقد أُطلق سراحه بعدما طلبت وزيرة الخارجية الأمريكية ذلك علنا فى أحد تصريحاتها ، والتزوير ليس بالتهمة الهينة التى يتغاضى عنها المرء بسهولة ، ويلتمس لصاحبها المعاذير .. صحيح أن الأنظمة المتعاقبة منذ حركة 23 يوليو برعت فى تلفيق التهم للأبرياء ، ولكنها أيضا برعت فى مساومة الشخصيات العامة وملاعبتهم ، وتسجيل زلاتهم وانحرافاتهم واستخدامها ضدهم عندما يقتضى الأمر ذلك ، ورغم أن أيمن نور نفسه صرح بعد الانتفاضة المصرية أن النائب العام وافق على إعادة النظر فى قضيته ، إلا أنه يبقى محروما من حقوقه السياسية بسبب الإدانة فى تلك القضية ، ويبقى أيضا متهما بالرضا الأمريكى عليه ، وطلب وزيرة الخارجية الصفح عنه ، رغم أن الإدارة الأمريكية تعلم يقينا بأن آلافا عديدة من المصريين يقبعون فى السجون ظلما وعدوانا ، بدون تهمة وبدون محاكمة ، بسبب آرائهم وتوجهاتهم التى لا يقبلها النظام .. والتزوير والرضا الأمريكى عاران لا يليقان برئيس مصرى قادم يأمل الناس فيه أن يقضى على صور التزوير المختلفة ، والموالاة العمياء للغرب الأمريكى والأوربى .

فى 21 مارس 2011 أعلن أيمن نور فى لقاء بــ " ساقية الصاوى " عن استجابته لقرار الهيئة العليا للحزب الصادر فى اجتماع 14 ديسمبر 2010 باعتباره مرشح الحزب لانتخابات الرئاسة القادمة ، وكشف عن إعداده لمشروع دستور مصرى جديد من 220 مادة ، له صلة بدستور 1954 ، وعن برنامج انتخابى من 2,000 صفحة ، وصفه بأنه ليس نخبويا ولا شعبويا ، ولكنه مزيج من كليهما ، وفيه تعهد بمضاعفة المرتبات %100 فى خلال ستة أشهر ، وتعمير سيناء فى خلال أربع سنوات ، ومراجعة اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل ، وكذلك اتفاقية كامب ديفيد ، وتعهد أيضا برفع الحد الأدنى للأجور ، وتخفيض الحد الأقصى ليصل إلى 30,000 خلال 24 شهرا ، وصرف إعانة بطالة مقدارها 300 جنيه لمدة عامين .. والمتأمل فى تلك التعهدات يدرك بيسر وسهولة أنها من قبيل الوعود الانتخابية التى تداعب آمال الناس ، ولكنها تفتقر إلى القابلية للتنفيذ بالصورة والجدول الزمنى المُعلن عنه ، ولا أدرى كيف له أن يضاعف المرتبات فى ستة أشهر ؟! وكيف له أن يُعمر سيناء فى أربعة أعوام ؟! ومن أين له بالأموال والتخطيط والإمكانيات الهائلة اللازمة لذلك ؟! إن تعمير سيناء ، والاستفادة من شواطئها ومواردها وثرواتها ، وتأهيلها لمزيد من التجمعات السكانية ، وتحسين أحوال سكانها الأصليين ، يحتاج إلى عقود وليس إلى أربع سنوات ، غير أن العجيب فى تلك الوعود الوردية أنها تصدر عن نائب سابق فى البرلمان لمدة عشر سنوات عن دائرة " باب الشعرية " ، وعن منافس سابق على رئاسة الجمهورية ، وعن شخص زار أكثر من 300 قرية ومدينة مصرية فى حملته المسماة " طرق الأبواب " ، أى أنه لابد أن يكون فاهما وواعيا ومدركا لحالة المجتمع ، ومتطلبات التنمية ، ولابد أن يكون أيضا فاهما وواعيا ومدركا لاستحالة تحقق وعوده وتعهداته .. وذلك يجعله متاجرا بالكلام ، ومتلاعبا بآمال الناس ورغباتهم فى حياة كريمة ، ومستقبل أفضل ، ولقد شبعنا إلى حد التخمة خلال العقود الماضية من الأمانى والوعود والتعهدات ، ولم نجن إلى الآن غير الفقر والجوع والحرمان .

هناك أمر آخر يدعو إلى العجب فى حزب " الغد " ، حيث أعلن د . مدحت خفاجى ، نائب رئيس الحزب " جبهة أيمن نور " عن نيته الترشح لانتخابات الرئاسة ، وأنه سيطرح المسألة داخل الحزب ، وإذا لم يتم الموافقة على رغبته فسيخوض الانتخابات مستقلا ، وتحدث أيضا عن مضاعفة مرتبات الموظفين ، والاستغناء عن أغلب قوات الأمن المركزى ( 1.7 مليون ضابط وجندى ) ، والإبقاء فقط على 30,000 ، وتوفير ما كان يُنفق على الشرطة ( 200 مليار جنيه حسب قوله ) ، وإذا تجاوزنا هنا عن مشكلة عدم تنسيق الجهود ، والافتقار إلى العمل الجماعى داخل الحزب ، وهى مشكلة أصيلة فى سلوكيات النخبة المصرية ، يبقى لزاما أن نتساءل : ماذا سيفعل مع تلك الأعداد الهائلة التى سيتم تسريحها من الأمن المركزى ؟! ألا يستحقون معاشا أو إعانة للبطالة ؟! أليست فكرة ضمهم للجيش ستزيد الأعباء والنفقات بما يتجاوز إمكانياتنا ، بل إنها تتجاوز إمكانيات دول أكثر منا فى دخلها وثرائها؟! وإذا كان يظن أن تسريحهم دفعة واحدة سيوفر فى الميزانية دفعة واحدة ، فإنه لا شك ممن يسوقون الوهم ، ويتجاوزون المنطق والعقل والواقع ، ويتاجرون بالوعود والكلمات كأيمن نور ؟!.
توقفت لهنيهة أتأمل ما لهؤلاء المرشحين وما عليهم .. وتوجهت بسؤالى للحسناء :
ماذا تقولين يا حسناء فى هؤلاء الخاطبين لرضاك ، والطامعين فى الجلوس على عرشك ؟
نظرتْ إلىَّ الحسناءُ شذرا ، وتقطب وجهها الذى لم يمح جماله عقود الظلم والإهمال والاستبداد ، وقالت : أهؤلاء كل ما جاد به ثمانون مليونا من أبنائى ؟! هل أنتم بهذا العقوق والجحود ؟! هل عَقِمْتُ حتى لم يبق لى سوى عجوز على مشارف السبعين ، وعجوز آخر يزحف نحو الثمانين ؟!
فقلت : يا حسناء ، ولكن أيمن نور أصغر سنا ؟
فقالت : إنه أصغر سنا ، ولكنى إن غفرت له التزوير ، وتجاوزت عن رضا العم سام عليه ، فكيف أغفر له شعاره ( ما يحكمشى ) ؟! أتريد أن يحكمنى صاحب شعار العوالم هذا ؟! هل قاموس كلماته بهذا الهزال حتى يواجه توريث مبارك لإبنه جمال بصيحات العوالم ، ولغتهم السوقية المبتذلة ؟!
قلت لها : يا حسناء ، وما هى مشكلة العواجيز ؟! أليسوا أكثر خبرة ، وأشد تمرسا فى تجارب الحياة والسياسة ؟
قالت وقد بدا عليها الضيق والضجر من إلحاحى فى محاورتها : أية خبرة ، وأى مراس ، وأية تجارب تلك التى تتحدث عنها ؟! هل أصفار عمرو موسى طوال عشرين عاما من الفشل والإخفاق تُعتبر فى عرفكم خبرة ؟!
قلت لها : يا حسناء ، إذا اتفقت معك على فشل عمرو موسى وإخفاقاته ، فماذا عن البرادعى ؟ أليس هو من أدار وكالة الطاقة الذرية لإثنى عشر عاما ؟ أليس هو الحائز على جائزة نوبل للسلام ؟ أليس هو الحائز على قلادة النيل ؟
فاجأتى الحسناء بسؤالها : ما هى إنجازاته التى تجعل منه زعيما وقائدا وراعيا لأولادى ، ومؤتمنا على مستقبلهم ؟!
نزل السؤال علىَّ كالصاعقة ، فتلجلجت وتلعثمت كتلميذ لا يعرف الإجابة ، وأخذتنى نوبة من التفكير .. ما هى فعلا إنجازاته ؟! ولم أجد جوابا غير التهرب من الإجابة ، والإجابة على السؤال بسؤال : وما هى إخفاقاته ؟!
اعتدلت الحسناء فى جلستها ، وجذبتى قريبا منها ، ونظرت إلىَّ مليا ، وبدا وكأن صبرها قد نفد ، وقالت : سأشرح لك ما تغابيت عن إدراكه .. ثم قالت وقد ارتسم على جبينها الحزن والأسى : إن من ساهم فى تدمير العراق لا يمكن أن يبنى مصر ، أليست العراق أخت مصر ؟ أليس أبناؤها أبنائى ؟ انظر إليهم الآن .. قتلى وجرحى وأرامل وأيتام ومشردين فى بقاع الأرض ، ومرضى بكل أنواع السرطانات ، وأطفالا لا مستقبل لهم ، يجوبون الشوارع للتسول والشحاذة، وحتى من يولدون يولدون مشوهين جسديا ، ومتخلفين عقليا .. انظر إلى متاحفها وقد سرقها اللصوص .. انظر إلى الخراب والدمار فى كل جنباتها .. لوثت أرضها وسماءها ومياهها كل أنواع الملوثات والمسرطنات ، ويحكمها مجموعة من الخونة والعملاء ، يسرقون مواردها ، ويستنزفون ثرواتها .. لقد ضاع مستقبلها بين معتد أمريكى ظالم غاشم ، ومتحالف معه فى الإجرام والبلطجة كل من وقف ساكتا صامتا على مأساتها الدامية ، وكل من تخلى عن واجبه القانونى والأخلاقى فى الدفاع عنها .

قاطعت استرسالها الحزين وكأنها أم تندب وتولول على فقيدها ، قائلا : ولكن البرادعى يزعم أنه برأها من امتلاك أسلحة الدمار الشامل !
قالت الحسناء : إنه لم يبرأها فى كلمات قاطعة حاسمة .. كان دائما يعلق الأمر بالرغبة فى مزيد من التفتيش ، ومزيد من الوقت للمفتشين ، ومزيد من تعاون الحكومة العراقية ، ومزيد من الملفات العالقة ، ومزيد من استجواب العلماء العراقين ، ومزيد ومزيد ، حتى أننى لأجزم أن الحرب لو لم تقع حتى الآن ، لكان مستمرا يفتش ويفتش ، ثم يفتش ويفتش .
قلت لها : وماذا كان بمقدوره أن يفعل ؟!
قالت غاضبة : ألا يزعم بعض النخبة الفاسدة أنه عاش ديمقراطية الغرب ونزاهته ، ولو تولى الرئاسة سيطبق ذلك هنا ؟! أليست الاستقالة عرفا غربيا لكل من أخفق فى عمله سياسيا أو إعلاميا أو إداريا ، ولكل من ارتكب خطأ جسيما لا تكفير له ولو عن جهل وحسن نية ؟! لقد استقال هانز بلكس Hans Blix حينما أحس باستغفال الإدارة الأمريكية له فى قضية التفتيش على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية ، واستقال كولن باول Collin Powell وهو وزير الخارجية وأحد أعمدة الإدارة حينما استغفله من يدقون طبول الحرب فى عصبة جورج بوش .. البرادعى الذى عاش 27 عاما فى الغرب لم يقدم استقالته ، رغم شراكته لكل هؤلاء فى تلك المهزلة القبيحة ، بل مضى دائما فى مناوراته ، يريد إرضاء السيد الأمريكى ولو على حساب واجبه القانونى والأخلاقى ، ولو على حساب دماء أخوانه العراقيين ومعاناتهم ، بل إنه مضى بعد ذلك ليقبل جائزة نوبل للسلام الذى لم يحققه ، ولم يحاول جادا أن يحققه .
تساءلتُ وقد سرى فى كيانى إحساس الأسى الذى يسرى فى كيان الحسناء ، حتى لتتكلم وقد احتبس صوتها ، وتساقطت عبراتها على وجنتيها : هل كان له أن يرفض جائزة نوبل ؟!
أجابت الحسناء بسرعة : ولم لا ، ألم يرفض مفاوض فيتنام الشمالية Le Duc Tho فى مفاوضات باريس لإنهاء الحرب الفيتنامية مع الولايات المتحدة الجائزة فى 1973، والتى حصل عليها مناصفة مع هنرى كيسنجر ، وقال : ليس هناك سلام حقيقى فى فيتنام There is no actual peace in Vietnam .. لقد رفض أن يستغفله هنرى كيسنجر Henry Kissinger وزير الخارجية الأمريكى وقتها ، يفاوضه على السلام من ناحية ، ويوقع معه اتفاقية لإنهاء الحرب ، والإدارة الأمريكية توسع نطاق الحرب من ناحية أخرى ، ألم يرفض الكاتب والفليسوف الفرنسى " سارتر " Jean Paul Sartre جائزة نوبل فى الأدب عام 1964 بحجة أنها ستحد من تأثير كتاباته would limit the impact of my writings .. هؤلاء هم الرجال أصحاب المبادئ حقا .. ثم أردفت الحسناء : وما ينطبق على جائزة نوبل ينطبق على قلادة النيل .. لو رفض البرادعى جائزة نوبل للسلام لوجَّه لطمة قاسية لفساد المنظمات الدولية ، وافتقادها للحيدة والنزاهة ، وكذلك للنفاق الغربى ، ولو رفض قلادة النيل لوجَّه لطمة قاسية لاستبداد وفساد النظام المصرى ، ولكنه قبل هذه وتلك ، ثم يتحدث متفاخرا لصحيفة " المصرى اليوم " بتاريخ 3 إبريل 2011 : ( لدى خبرة 30 عاما من العمل فى المؤسسات الدولية ، وتميزت بقدرتى على إدارة مؤسسة بها 90 جنسية مختلفة ، و 2,500 موظف ، باختصار أنا لم أحصل على جائزة نوبل من فراغ ) ، وكأنه يعرف هؤلاء الموظفين فردا فردا وجنسية جنسية !! ، ثم يمضى متفاخرا بنفسه ( البرامج الانتخابية ستكون متشابهة إلى حد كبير ، لذا يجب أن نعطى البرنامج الانتخابى %50 من تقييمنا ، ويُعطى الشخص نفسه %50 من التقييم ، لأن قدرة الرئيس على تنفيذ البرامج ، وتطبيق نظم الإدارة الحديثة ، وفهمه للأمن القومى المصرى ، ومتطلبات التنمية ، وقدرته على العمل الجماعى ، واختيار المعاونين على أساس الكفاءة ، وقدراته على اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب ، كلها أمور ينبغى أن يضعها الناخب فى اعتباره حينما يدلى بصوته لصالح مرشح دون الآخر ) .. أليس أمرا عجبا أن صاحب سياسة التفتيش ثم التفتيش يتحدث عن اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب ؟! ، ثم يعاود التردد والحذر فيقول عن معاهدة كامب ديفيد ( فى رأيى أننا يجب ألا ندخل فى مغامرة عدم الالتزام باتفاقية كامب ديفيد ، لأنه طبقا للقانون الدولى لا يمكن تعديل وإلغاء الاتفاقيات الدولية إلا إذا تغيرت الظروف ... أو كان هناك مخالفة صريحة من أحد أطراف الاتفاقية ... وإلا سيقف الغرب ضدنا ، وسنتهم بمخالفة القانون الدولى ) .
قلت : ماذا تريدين يا حسناء ؟ يبدو أن تلك الشخصيات الثلاثة لا تروق لك ، ولا تحظى بقبولك ، هلا قلت لنا عن المواصفات التى تبحثين عنها فى شخص الرئيس ؟
قالت الحسناء : أولا : يجب عليكم أن تكفوا عن التماس الأعذار لتلك الشخصيات وغيرها ، فمصلحة ثمانين مليونا ومستقبلهم ، وحريتهم وسعادتهم وكرامتهم ، أهم من هؤلاء ، ولذلك فالمعايير الصارمة ، ومواصفات الكفاءة والأهلية لشغل هذا المنصب حتمية لا مجال للمزايدة أو التفاوض عليها .. كفانا بحثا عن المبررات لإخفاق الرؤساء وفشلهم .. يزداد القهر والتعذيب للإنسان المصرى فى عهد عبد الناصر ، فتدَّعون أن من حوله هم من ظلموا ومن طغوا ، ولكنه كان بريئا كالطفل الغرير ، لم يتلوث جيبه ، ولم تتدنس يده .. ثم ينتشر فى البلاد الفساد والعشوائية وإهدار كل مكتسبات الناس فى زمن السادات ، فتقولون : إن بطل الحرب والسلام .. الرئيس المؤمن !! استغلته زوجته والعصبة المحيطة به ، ولكنه كان طاهرا عفيفا .. ثم يجتاح طوفان السرقة واللصوصية مصر فى كل جنباتها فى الحقبة المباركية ، فيخرج الكاذبون المُضَلِّلون يتحدثون عن الاستقرار والسلام الذى حققته سياسات بطل الضربة الجوية ، وأن زوجته وابنه والحرس الجديد والقديم وغير ذلك استغلوا الأمور فعاثوا فى الأرض ينهبون ويستغلون .. كفانا كذبا واستخفافا بالعقول .. إن من رضى أن يحمل أمانة هذا المجتمع لا عذر له إذا خان الأمانة ، أو فرط فى حقوق الناس ، ومن يريد أن يحمل تلك الأمانة الآن لابد أن يكون قادرا ومؤهلا وأمينا وصادقا ومخلصا ، ولا شبهة لتلوثه وظيفيا أو شخصيا .
ثانيا : كل ما أريده ، أن يعتلى عرشى واحد من أبنائى المخلصين ، عاش عيشة المصريين ، وخبر معاناتهم ، ويتوق مثلهم لحياة كريمة ، ومستقبل أفضل ، لا شبهة فى انتمائه لشرق أو غرب ، ولا شبهة لعمالته لإسرائيل ، فهى عدوى الأبدى اللدود ، يصون هويتى الإسلامية ، ويحفظ طهرى وعفافى ، ويتعاون مع أخوتى العرب والمسلمين ، وكل الشرفاء فى كل العالم ، لا يسعى لعداوة أحد ، ولكنه لا يرضى الذل والتبعية ، ويتعامل مع الأجنبى معاملة الصنو والند ، ويحارب من أجلى إذا اقتضى الأمر ذلك ، يوحد بين أبنائى جميعا ، ويساوى بينهم فى الحقوق والواجبات ، ولا يحابى فصيلا منهم على الآخر ، ولا يرضخ لمزايدات أو ضغوط فى الداخل أو الخارج ، يقيم سلطان العدل على الناس جميعا ، كبيرهم وصغيرهم ، غنيهم وفقيرهم ، يفجر فى أبنائى ملكاتهم وطاقاتهم ، ويستثمر جهدهم وكدهم فى تحسين أحوالهم ، وكفايتهم فى غذائهم وقُوتهم ، يجمع حوله الأكفاء والأمناء ، يخطط لكل شئ ، ويتابع ويقييم كل شئ ، يهتم بعقول الناس فيصلح التعليم والإعلام ، ويهتم بصحتهم وسلامة أبدانهم وأحلامهم ونفوسهم ، يحفظ نيلى نظيفا ناشرا للخصب والنماء ، ويزيد أرضى الزراعية ، وينشر العمران فى جنباتى ، ويحفظ آثارى من اللصوص والمحتالين ، ويهتم بشبابى فهم الطاقة المتوقدة لتغييرى وإصلاح شأنى ، ويُعلى من قدر نسائى ، لأن أمة تجور على نسائها ، وتجحف بحقوقهن ، تجور فى الحقيقة على نسائها ورجالها وترابط أسرها .. أريد رئيسا صاحب رؤية وتصور لمستقبلى ، وإدراك ووعى بحاضرى ومشاكلى وإمكانياتى ، أريده دما جديدا ، وعزيمة متوقدة ، وطاقة خلاقة ، وطموحا لا يرضى لمصر غير مكانتها التى تستحقها كقوة كبرى ذات نفوذ ومكانة .. أريده سائرا على نهج الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ( رض) نقيا تقيا ورعا ، لا ينام نهاره حتى لا يُضيع رعيته ، ولا ينام ليله حتى لا يُضيع نفسه ، ويسأل نفسه عن كل شئ فى جنباتى ، حتى ولو كانت بغلة تعثرت لما لم يُعَّبد لها الطريق؟
توقفت الحسناء عن الكلام ، وتوجهت إلىَّ بالسؤال : هل هذا كثير علىَّ وعلى أبنائى ؟! ألا أستحق مثله وأكثر ؟!
رددت مغمغما : بالقطع تستحقين هذا وأكثر .
ومازال البحث عن رئيس مستمرا !

saad1953@msn.com
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية