مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 أمنيات مصرية لمرحلة ما بعد مبارك

 

أمنيات مصرية لمرحلة ما بعد مبارك

 

بقلم : سعد رجب صادق
............................


هذه مجموعة من الأمنيات التى تعتمل فى صدرى كأحد المصريين ، لمرحلة ما بعد مبارك ، ورغم ما يحدونى من أمل ، إلا أننى لا أجد فكاكا من إحساس الحذر والترقب ، الذى يسيطر على وجدانى ، وقد يكون مبعث ذلك أن عصور الظلم والطغيان قد استطالت على المصريين ، وأن الفساد قد تغلغل واستشرى فى كل مناحى الحياة ، وأن الأفاكين والمنافقين والانتهازيين قد سيطروا على مؤسسات المجتمع وأجهزته ، غير أن تلك الأسباب وغيرها لا تستطيع أن تمنع شعورا غامرا بغد أفضل ، وأيام قادمة أكثر نشاطا وحيوية ، وأمة توشك أن تعلن للعالم مولدها الجديد .. إننى استشف ذلك المَوْلد الجديد ، بل أظننى أكاد أرى طيفه القادم ، وأسمع ضجيج حراكه وجلبته ، وألمس آثاره ونتائجه :

1- أتمنى أن يقر فى أذهان المصريين جميعا أنه لا شرعية إلا للقانون العادل ، يُطبق على الناس جميعا ، كبيرهم وصغيرهم ، غنيهم وفقيرهم ، صاحب السلطة والثروة والمكانة ، والمعدم الفقير الذى يجد بالكاد قوت يومه ، وأن يقر فى أذهانهم بنفس الوضوح والجلاء أن ما يتحدث عنه البعض الآن من شرعية الثورة الشعبية كلام فارغ لا أساس له ، وقد جربنا على مدى العقود الماضية نوعيات من تلك الشرعيات المغشوشة ، فلم نجن غير الظلم والبغى والعدوان على حقوقنا .. جربنا الشرعية الثورية فى أعقاب حركة 23 يوليو 1952 ، وكانت النتيجة أن النظام استحل دماء الناس ، وانتهب أموالهم ، واستباح أعراضهم ، وأورث أجيالا بأكملها الخوف والجبن والتقاعس ، وأفشى فيها عادات النفاق والكذب والتملق ، ومن العجيب أن من هللوا لتلك الشرعية الثورية كانوا أول من اكتوى بنارها ، وعانى من ويلاتها ، ومنهم د. عبد الرازق السنهورى ، وهو الباشا وأستاذ الجامعة والفقيه الدستورى ووزير التعليم السابق ، لم تعصمه تلك المواصفات من أن يعتدى عليه بعض أعضاء الحركة ضربا بالنعال ، وكان الأولى والأجدر به كأحد أساتذة الحقوق ، أن يؤكد على شرعية القانون ، وليس على الشرعية الثورية ، وقد تكررت تلك الترهات بعد ذلك ، فخرج علينا المدلسون أيام السادات يتحدثون عن شرعية ما أسموه ثورة التصحيح ، وشرعية حرب أكتوبر .. لا نريد أن نقع فى نفس الخطأ الجسيم ، ونعطى حركة مهما كانت ، أوأفرادا مهما عظمت أدوارهم ، سلطات لا تجوز لهم ، وشرعية لا تحل لهم ، ودائما ما تقود إلى المظالم والتجاوزات التى يصعب حينها مواجهتها ، أو التغلب عليها ، إن العدالة التى يكفلها القانون للناس جميعا كفيلة بإشاعة الأمن والاستقرار ، وكفيلة بحث الناس على التفاعل والمشاركة فى أمور مجتمعهم ، وكفيلة بإعطائهم الجرأة والشجاعة للوقوف فى وجه الأخطاء والتعديات مهما كان أصحابها ، وكفيلة بمنحهم الأمن والطمأنينة أن أحدا مهما علا قدره لن يتمكن من الجور على حقوقهم ، أو إلحاق الغبن والضرر بهم وبأهليهم .. فحذار حذار من شرعيات ليست إلا تحايلا لتمرير سلطات للبعض بدون سند شرعى أو قانونى ، وتحويلهم مع الوقت إلى طغاة ومستبدين ، لنذوق منهم بعد ذلك ضروب الحيف والعدوان .

2- أتمنى أن تتم محاكمة جميع رموز النظام السابق وأفراده ، ممن يثبت بحقهم القتل أو التعذيب أو الاعتداء على الأعراض أو سجن الناس ظلما وعدوانا ، أو من يثبت بحقهم سرقة المال العام ، أو الاستيلاء على أراضى الدولة ، أو بيع القطاع العام بأبخس الأثمان ، أو تبديد الآثار المصرية بالبيع أو السرقة أو الإهداء ، أو غيرها من الجرائم بحق المصريين وممتلكاتهم وثرواتهم ، وذلك فى محاكم مدنية ، تتوخى العدل والإنصاف ، فلا تجور على حقوقهم رغم إجرامهم ، ولا تمتهن أحدا منهم ( ... ومن جاء بالسيئة فلا يجازى إلا مثلها وهم لا يُظلمون ) الأنعام 160 ، وذلك إحقاقا للحق ، وإشاعة للأمن ، وردعا للظالمين ، ونشرا لمظلة القانون العادل على المصريين جميعهم ، والتأكيد على دوره فى سلامة المجتمع واستقراره ، وصيانة دماء وأموال وأعراض وحقوق أفراده ، وأتمنى أيضا ألا يلتفت أحد إلى الدعوات التى يرددها البعض ( البرادعى على سبيل المثال ) بأنه لا داعى للانتقام ، وإنما التركيز على المستقبل وتبعاته ، والحقيقة أن إقامة العدل ليس انتقاما ، وإرساء قواعد القانون ليس انتقاما ، ورد المظالم ليس انتقاما ، ومعاقبة البغاة والمفسدين ليس انتقاما ، ولا يمكن لمجتمع أن يبدأ بداية صحيحة بالتغافل عن الجرائم والانتهاكات ، بل إن التغافل عنها سيكون مبررا لمزيد من الإجرام والإفساد ، وإضعافا لسلطان العدالة وهيبتها .. فحذار حذار من السكوت على المظالم والمفاسد ( ... والله لا يحب الظالمين ) آل عمران 140 ، ( ... إن الله لا يحب المفسدين ) القصص 77 ، أو تضييع الحقوق ، لأنه بضياعها تضيع المجتمعات وتضعف وتتهاوى ، وحذار أيضا فى حالة محاكمة هؤلاء من المبالغة فى العقاب ، مبالغة تخرج عن حدود العدل والإنصاف ، كما فعلت حركة 23 يوليو مع رجال الصناعة وملاك الأراضى ورموز تلك الفترة ، فأذلتهم بدون حاجة ، وأوغرت صدورهم بلا داع ، وأمتهنتهم وأهليهم عسفا وإسرافا .

3- أتمنى أن تتم مصالحة شاملة بين كل طبقات المجتمع وأطيافه ، وتشمل شقين : أولهما يتم فيه إطلاق سراح جميع المسجونين فى قضايا الرأى والسياسة ، ورد المظالم المادية لأصحابها ، وإعادة الاعتبار أدبيا ومعنويا لكل من تعرضوا للقهر والتعذيب والامتهان ، واعتذار الدولة رسميا لكل هؤلاء ، وتعويضهم وأهليهم عن ما حاق بهم من أضرار صحية ونفسية ومالية ، وإعادة إرساء حقوقهم فى التنقل والسفر ، وحقوقهم فيما هم أهل له من الوظائف ، وحقوقهم فى التعليم فيما هم مؤهلون له من كليات أو جامعات ، وأن يشمل ذلك الفترة الممتدة من 1952 وحتى الآن ، أما الشق الثانى فيتم فيه إعادة الإحساس لكل فئات المجتمع بأنهم مصريون حقا ، يتمتعون جميعا بكافة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ويتحملون أيضا الأعباء والواجبات التى تمليها عليهم مصريتهم ، أو تمنحها لهم القوانين والتشريعات ، وأخص فى هذا الشق أهلنا فى سيناء ، وأهالى النوبة ، والأقباط ، وجماعة الإخوان ، والجماعات الإسلامية ، كما أركز أيضا على أهمية التوزيع العادل لموارد المجتمع وثرواته واستثماراته بين مناطق مصر المختلفة ، فلا يتم إهمال صعيد مصر ، أو سيناء ، أو الريف الذى يسكنه حوالى نصف أبناء مصر ، فالتنمية والرفاهية التى يحس بها الناس جميعا ، تساهم فى السلام الاجتماعى ، وتعضد الولاء والانتماء للوطن وحس الزهو والفخار به ، وتحميه من المؤامرات الداخلية والخارجية ، وتثير روح التنافس ، ورغبة الجد والعمل ، والاطمئنان إلى المستقبل .. فحذار حذار من كل دعوة لإقصاء فصيل أو فئة من المصريين ، أو الجور عليهم ، أو حرمانهم من حقوقهم ، مهما كانت الحجج أو المبررات ، والتى لن تكون أبدا إلا باطلا يراد به باطل ، وتحايلا بِغية الظلم والعدوان .

4- أتمنى أن يتفهم الناس جميعا أن رئيس الدولة ليس شخصا خارقا للعادة ، وليس سوبرمان superman، وأنه فى حقيقته الشرعية أجير عند شعبه ، للقيام على مصالحهم ، والسهر على أمورهم ، وضمان الحق والعدل بينهم ، يختارونه للقيام بتلك الواجبات ، فإن قصّر فيها ، أو تغافل عنها ، أو ظلم الناس ، أو استحل دماءهم أو أموالهم أو أعراضهم ، أو أطلق عصبته وحاشيته والمقربين إليه يفعلون ذلك ، أو والى أعداءهم ، كان لزاما على مؤسسات المجتمع التشريعية والقضائية رده إلى جادة الصواب بمناصحته ، أو إلزامه بما توجبه عليه القوانين المنظمة لعمله ، وإلا نُزعت الشرعية عنه ، ولذلك فإن ما روجت له النخبة الفاسدة عن الزعيم الأوحد ، والقائد المُلهم ، والرمز ، ومن يعلم كل شئ ولا نعلم شيئا ، ومن يُحسن التصرف والاختيار دائما ، لذا وجب التسليم له ، والرضا بأقواله وأفعاله .. كل تلك خرافات وأضاليل ، هى التى صنعت الاستبداد ، وأفشت الفساد ، وهيأت الناس للرضا بالاستعباد .. إن الرئيس الجيد هو من يمتلك رؤية واضحة لواقع مجتمعه ، ومعرفة شاملة بأزماته ومشاكله ، وتصورا واقعيا ا للحلول والآليات ، واستشفافا طموحا للمستقبل ، ولكونه بشرا وليس سوبرمان ، ولكونه أمينا على واجباته الشرعية والأخلاقية والدستورية تجاه شعبه ، فإنه يجمع حوله خيرة الخبراء والمتخصصين ، من المعروفين بالإخلاص والمصداقية ، فيوليهم أمر الوزارات والمؤسسات ، وبدورهم يجمعون حولهم أهل الخبرة والاختصاص والنزاهة ، كل فى مجاله وتخصصه ، يبحثون ويخططون ويتشاورون ، ويضعون البرامج ، ويراقبون التنفيذ ، ويقيّمون الأداء ، ويصححون الأخطاء ، ومن البديهى أن نظاما بتلك المواصفات لا بد أن تتحق على يديه الإنجازات ، ولذلك علينا جميعا أن نبحث عن تلك النماذج ، بدل أن نبدد وقتنا وجهدنا فى الترويج للرموز الحالية ، أو المقارنة بينها ، والتى تفتقر جميعها إلى كل المواصفات السابقة ، ولم يُعرف عن أحد منها أنه حقق لتلك الأمة شيئا غير الثرثرة والتنظير والمتاجرة بالكلمات والشعارات .. إننا نريد دماء جديدة ، وعزائم شابة ، ورؤية متوقدة ، لقد مللنا العواجيز من أصحاب الياقات البيضاء ، كما سئمنا أصحاب النياشين والبزات العسكرية .. فحذار حذار من أن نستبدل رئيسا طاعنا فى السن بطاعن آخر ، أو واحدا من العسكر بواحد آخر، أو مواليا للغرب بموال آخر ، أو تابعا لإسرائيل بتابع آخر ، أو علمانيا يجور على هوية الأمة بعلمانى آخر ، أو جاهلا بظروفنا واحتياجاتنا بجاهل آخر ، أو متعاليا منعزلا عنا بمتعال منعزل آخر .. المطلوب ببساطة : واحد مصرى ، صميم وأمين ، يجمع حوله حكومة من المصريين الأمناء والمخلصين ، ليقودوا شعبا اشتد توقه للحياة الحرة الكريمة ، وعلى استعداد للبذل والتضحية والعمل الجاد من أجل ذلك .

5- أتمنى الخلاص من الصحف القومية ، والإعلام القومى ، وبيع تلك المؤسسات للقطاع الخاص ، حيث أنه لا أمل مطلقا فى إصلاحها ، وبذلك نحقق فائدتين كبيرتين : 1- الخلاص من النماذج العريقة فى النفاق والتضليل من رؤساء التحرير والصحافيين الذين لم يقولوا فى حياتهم كلمة حق واحدة ، بل كانوا روادا فى تملق الحكام ، ومداهنة النظام ، بل هم فى حقيقة الأمر من صنعوا من المسؤولين فراعين وآلهة ، وفى نفس الوقت تلاعبوا بعواطف الناس وعقولهم وقلوبهم ، وسوقوا لهم الأكاذيب والأضاليل ، وأضعفوا عزائمهم فى مواجهة الظلم والاستبداد والفساد ، لقد أجرم هؤلاء فى حق المصريين جميعا ، وكونوا ثروات طائلة ، ونالوا من الحظوة والشهرة والمكانة ما لا يستحقون ، وتسببوا فى خسائر فادحة لتلك المؤسسات ( بلغت خسائر الصحف القومية 13 مليار جنيه فى عام واحد ) ، ويخسر التلفزيون الرسمى سنويا مئات الملايين فى شراء مسلسات هزيلة ، لا تخدم الإنسان المصرى فى فكره أو معارفه ، بل تهدم الأخلاق ، وتروج للرقاعة والانحلال ، والسلوكيات الفاسدة ، وتُشيع ثقافة الضحالة والسطحية ، وتتجنى على الذوق والحس السليم .. إن بيع تلك المؤسسات سيوسع دائرة المنافسة الإعلامية ، ويُسهم فى مزيد من الإجادة والحرفية ، والتسابق على كل ما ينفع الناس من مواد وأخبار وتحقيقات ، وبوضع الضوابط الأخلاقية والمهنية والقانونية لن تكون هناك خشية من تحول تلك المؤسسات وغيرها إلى الابتذال والإباحية . 2- استثمار نصف عوائد البيع والتى تُقدّر بالمليارات فى تحديث المكتبات الجامعية ، بالكتب والمراجع والدوريات العلمية ، وغيرها من الخدمات ، وكلها من ضرورات البحث والتعليم الحديث ، وخاصة أن أحوال المكتبات فى الكليات والجامعات المصرية لا تسر أستاذا أو باحثا أو طالبا ، ويُستثمر النصف الثانى فى بناء شبكة من المكتبات العامة بمحافظات مصر المختلفة ، مما يُشجع الناس على القراءة ، ويساهم فى تنوير المجتمع والارتقاء بالفهم والفكر ، مع تزويد تلك المكتبات بقاعات للندوات والمحاضرات ، وكلها عوائد على المجتمع فى الوظائف ، والطباعة ، والحركة الثقافية والفكرية .. فحذار حذار من أن يستمر مسلسل النفاق والتضليل والخسائر لتلك المؤسسات ، فوظيفة الإعلام اليوم ودوره فى المجتمعات لا تقل أهمية عن دور التعليم فى صياغة العقول ، أو دور الجيوش فى الدفاع عن الأوطان .

6- أتمنى أن يتحول البرلمان المصرى بمجلسيه : الشعب والشورى إلى برلمان حقيقى ، ولن يتم ذلك إلا بوضع ضوابط جديدة ، يتم بموجبها إلغاء نسبة ال %50 للعمال والفلاحين ، وإلغاء كوتة المرأة ، وإلغاء حق رئيس الجمهورية فى تعيين نسبة خاصة من الأعضاء ، وبذلك يصبح النواب مُشّرعين حقيقيين ، يعملون من أجل الناس ، وليس إرضاء للنظام الذى جاء بهم ، وأن يكون تمرير التشريعات والقوانين بعد إقرارها فى غرفتى البرلمان ، وهو ما يوفر الوقت والمناقشة اللازمة لضمان صحة وجودة وفائدة التشريعات والقوانين الجديدة للمجتمع ، ويقطع الطريق على ترزية القوانين ، ويُوجب على الأعضاء جميعا المعرفة وجمع المعلومات والفهم والإدراك لقضايا الأمة ، وهو ما سيتطلب من كل واحد منهم إحاطة نفسه بطاقم من المساعدين الفاهمين والمدركين لأبعاد ما يتم مناقشته من قضايا ، مع ضرورة وضع لوائح خاصة بكل مجلس لمحاسبة أعضائه الذين يرتكبون تجاوزات قانونية أو أخلاقية أو مالية أو إعلامية ، وعزلهم إذا ما ثبت فى حقهم ما يقدح فى أمانتهم وسلوكهم .. فحذار حذار من كل ما يُبقى على برلمان الأمية والترزية والبصمجية والنائمين أثناء الجلسات ، والمستفيدين من الحصانة فى عقد الصفقات وممارسة الأعمال غير المشروعة .. نريد برلمانا حيا فاعلا قادرا على سن ما يلزمنا من تشريعات ، ومراقبة السلطة التنفيذية من رئيس وحكومة ، وحجب الشرعية عنهما إذا فشلا فى أداء واجباتهما الدستورية ، واقتضت الضرورة ذلك .

7- أتمنى أن يتم اختيار وزارة من الخبراء والمتخصصين ، وذوى الفهم الأكاديمى والتخطيطى والإدارى ، وأن يتم توسيع صلاحيات رئيس الوزراء ، وصلاحيات الوزراء ، فى مقابل تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية ، وأن يخضعوا لموافقة البرلمان قبل توليهم حقائبهم الوزارية ، وبذلك نضمن مناقشة جادة لأعضاء البرلمان حول كل واحد منهم ، ونضمن انتهاء عصر المجاملات والوساطات والمعارف ، ونضمن أن يتولى الأمر القادرين على القيام بتبعاته من الأمناء والمخلصين وأصحاب الكفاءة .. فحذار حذار من وزارات تنتظر تعليمات الرئيس أو توجيهات الرئيس أو توصيات الرئيس ، أو وزراء يقبلون يد زوجة الرئيس ، أو غيرها مما عهدناه جميعا من نماذج الفشل والإخفاق .

8- أتمنى أن يتم حل جميع الأحزاب الوهمية الموجودة حاليا ، وإعادة تأسيس أحزاب حقيقية ، ذات قيادات فاهمة وواعية ، وبرامج محددة وواضحة ، وقاعدة شعبية عريضة ومتفاعلة ، فليس من المعقول أن تكون عندنا أحزاب ما زالت تعيش أوهام أفكار فاشلة ( التجمع مثلا ) ، أو تعيش حدثا تاريخيا تجاوزته الأيام ( الوفد مثلا ) ، أو تعيش عصبية لشخصية عليها أكثر مما لها ( الناصرى مثلا ) ، وليس من المعقول أيضا أن يكون فى مصر قرابة 25 حزبا ، رغم أن بلاد العالم التى تزيد عنا عددا ، وتمتلك ديموقراطيات أكثر عراقة ، وشعوبا تكاد تنعدم فيها نسبة الأمية ، لا يتجاوز عدد أحزابها أصابع اليد الواحدة .. فحذار حذار من أحزاب لا تتجاوز طموحاتها غرفة أو مقرا ، ويافطة تحمل اسم الحزب ، ومؤسسين من العواجيز أو الواهمين ، يثرثرون ويسفسطون حول مواضيع لا قيمة لها .. إن العمل الحزبى الحقيقى فى مصر يتطلب التنبه إلى قطاعات الشعب الحقيقية التى تحتاج تمثيلا ودفاعا عن حقوقها ، ولها الكثير من القضايا التى فشلت الأحزاب والحكومات المتتابعة فى دراستها أو حلها ، عندنا ملايين العمال ممن هضمت الدولة والقطاع الخاص حقوقهم ، ويحتاجون من يمثلهم ويدافع عن حقوقهم ، ويساهم فى توعيتهم ، وعندنا حوالى نصف المجتمع من الفلاحين ، يعيشون فى ريف مصر الذى يعانى الإهمال والأمية وتفشى الأمراض ، ويحتاجون جميعا من يمثلهم ويدافع عن حقوقهم ، وينشر الوعى بينهم ، وعندنا ملايين الطلاب ، وأصحاب الأوضاع التاريخية والجغرافية الخاصة كأهل النوبة وسيناء ، وعندنا ملايين يسكنون المقابر والعشوائيات .. إن العمل الحزبى شديد الأهمية لأنه يخلق توعية وحراكا فى المجتمع ، ويساهم فى إعداد الكوادر والقيادات ، ولا يمكن أن تكون صورته الهزلية الحالية تعبيرا حقيقيا عنه .

9- أتمنى أن تُطرح ملفات وأسرار والتزامات معاهدة السلام مع إسرائيل للنقاش الحقيقى من كل طوائف المجتمع ، بعدها يتم طرحها لاستفتاء عام ، أجزم أنه سيسدل الستار عليها ، ويحررنا من تبعاتها التى أخرجتنا من التاريخ والجغرافيا ، ولن تستطيع إسرائيل أو الغرب أن يفعلا شيئا أمام إرادة شعبية ، استخدمت وسائل ديموقراطية ، لنقض اتفاق لم يكن فى صالحنا ولن يكون أبدا .. فحذار حذار من المضى فى أوهام أن عدونا التاريخى يمكن أن يصبح صديقا ، لأنه لن يكون أبدا ، وسيظل يتربص بنا ، ويدبر المكائد لنا ، وإذا لم ننقض تلك الاتفاقية الآن ، فسينقضونها حتما عندما يرون مصلحة فى ذلك ، إن كيانا يقوم على الاحتلال ، واغتصاب حقوق الغير ، وممارسة القتل والإجرام والبلطجة كل يوم ، وتدبير الفتن والمؤمرات للمنطقة بأكملها ، من الهزل والعبث أن نوَقع معه اتفاقات ، أو نلتزم تجاهه بأى نوع من الالتزامات العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الإعلامية .

10- أتمنى أن نتحرر من السياسات الاقتصادية المبنية على إملاءات البنك الدولى وصندوق النقد الدولى ، لأنها سياسات فاشلة ، ولم تنجح فى أى مجتمع من المجتمعات التى طبقتها ، بل إنها وضعت عديدا من الدول على شفير الإفلاس ، وحافة الانهيار الكامل ، وخلقت حالة من انعدام السلام والتناغم بين طبقاتها ، وعندما استفاقت تلك الدول ( البرازيل والأرجنتين وشيلى وتركيا واندونسيا وكوريا الجنوبية ) من التبعية ، وتحررت من تلك السياسات ، واختارت لنفسها ما يتواءم مع ظروفها ومواردها ، حققت جميعها انجازات اقتصادية هائلة ، وألفت بين طبقات مجتمعاتها ، وتتمتع كلها الآن بمكانة تليق بها عالميا واقليميا .. فحذار حذار من سياسات لا تهدف إلا إلى إفقار الشعوب ، وتوسيع الفوراق بين الطبقات ، وإيقاع المجتمعات فى دوامة الديون ، إنها سياسات لخدمة الأغنياء والمستثمرين فقط لا غير .

11- أتمنى أن يُوضع التعليم على رأس الأولويات الملحة للمجتمع المصرى ، لأنه بدون تطويره وتحديثه والتخلص من عيوبه ، لا يمكن لنا أن ننهض أو نتقدم أو نتخلص من مشاكلنا وأزماتنا .. إنه حتمية لا مناص منها .. فحذار حذار أن نمضى فى سياسات الهزل والتهريج والترقيع ، التى بددت طاقات شبابنا ، وقضت على مقدرتنا التنافسية فى جميع المجالات ، وأوقعتنا فى فخ التبعية والاعتماد على غيرنا .

12- أتمنى أن ننتهج سياسة خارجية تؤكد على بعدنا العربى والإسلامى ، وتوطد علاقتنا بدول أفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا ، لأنها جميعها ظهير لنا ، ولن تبتزنا أو تمارس علينا ضغوطا .. فحذار حذار من استمرار سياسات التبعية العمياء ، والولاء الأخرق للغرب والولايات المتحدة ، إننا لا نبحث عن عداوات ومنازعات ، ولكننا فى نفس الوقت نرغب فى نستقل بإرادتنا ، ولا نكون أتباعا أذلاء لغيرنا ، ننفذ رغباتهم ، وندور فى فلكهم ، إننا ببساطة نريد معاملة تقوم على الندية والمساواة والعدالة ، واحترام هويتنا وخصوصياتنا الدينية والثقافية ، وعدم التدخل فى أمورنا .

13- أتمنى أن نبذل الوقت والجهد اللازم من أجل وضع دستور جديد ، يحدد الخطوط العريضة للضوابط الحاكمة لمجتمعنا ، وأن تُطرح كل مواده للنقاش العام قبل إقرارها .. فحذار حذار من التسرع فى الأمر ، ومن الترقيع ، ومن إغفال الرأى والمشورة ، فالدساتير لا تُوضع كل يوم ، ولا يتم تغييرها وتبديلها ورتقها مع كل حادثة أو نزوة أو مناسبة .

14- أتمنى أن يتم فصل مؤسسة الأزهر عن التبعية للدولة ، وأن يتم اختيار شيخه بالانتخاب ، وأن تعود أوقاف المسلمين للإنفاق عليه ، وعلى التعليم الدينى ، وإعداد الدعاة للخارج والداخل ، وغيرها من المشاريع الخيرية والاجتماعية .. فحذار حذار من الاستمرار فى سياسات مسخ الأزهر ، وتشويه التعليم الدينى ، وسوء إعداد الخطباء والدعاة ..إن قوة الأزهر قوة للحق ، وقوة للمجتمع ، وقوة للتأثير المصرى عربيا وإسلاميا وعالميا .

15- أتمنى ألا نجد غضاضة فى مناقشة جميع قضايانا ، وإشراك الناس جميعا فى ذلك ، لنتمكن من تأصيل مبدأ المشاركة العامة فى كل شئ ، واحترام آراء ومساهمات الآخرين ، وأن نتعلم جميعا أن كل إنسان له ما له وعليه ما عليه ، نُطرى حسناته ، ونُشيد بإنجازاته ، ولكننا أيضا ننتقد تجاوزاته ، ونتحدث عن أخطائه .. فحذار حذار من المبالغة فى تمجيد الأشخاص ، تمجيدا يحولهم إلى فراعين وآلهة ، وقد هالنى فى الفترة الأخيرة كم العصبية المقيتة ، والدفاع المستميت عن شخصيات مثل البرادعى أو عمرو موسى وغيرهما ، وخلع صفات وأوصاف عليهما وعلى غيرهما لا يستحقونها بكل المقاييس ، كما هالنى أيضا نظرة الكثيرين للانتفاضة المصرية الأخيرة ، والتى تضع الناس بين ولاءين لا ثالث لهما ، فهم إما معها تقديسا وتمجيدا لها ولرموزها ، أو خونة لمصر ، وعملاء للنظام السابق ، وقد نشرت عديد من الصحف والمواقع ما يُسمونه قوائم العار لأشخاص وجماعات بحجة انتقادهم لبعض رموز الانتفاضة ، أو غير ذلك ، وخرج الكثيرون أيضا بقصائد المديح والإطراء لمؤسسة الجيش ، رغم أنها كغيرها من مؤسسات المجتمع ، لها ما لها وعليها ما عليها ، وقد طالها الفساد كما طال كل شئ فى المجتمع ، وهى نفس السياسات والتوجهات التى صنعت الاستبداد ، وحولت كل الرؤساء والمسؤولين إلى سلوكيات الفرعونية البغيضة ، التى تخّون الناس ، وتضيق بالرأى الآخر ، وتنشر النفاق والتملق والمبالغة الممجوجة .

16- أتمنى أن يستقر فى وعينا جميعا أن تغيير الرئيس المصرى لا يعنى شيئا إذا لم نغيير جميعا من سلوكنا وتصرفاتنا ، فالمجتمعات قد يهدمها رئيس فاشل بسياساته الحمقاء ، ولكنها تحتاج إلى جهد وإخلاص كل فرد فيها من أجل بنائها وإصلاحها والارتقاء بشؤونها .. فحذار حذار أن نعود سيرتنا الأولى ، وينصرف المصريون الذين قاموا بانتفاضتهم الشعبية إلى ما كانوا عليه ، فيعود الطلاب إلى الغش فى الامتحانات ، وإهمال الواجبات ، والتحرش بالفتيات ، والتدخين والإدمان ، ويعود المدرسون للدروس الخصوصية ، والتقصير فى واجبهم نحو تلاميذهم ، ويعود أساتذة الجامعة إلى التعالى على طلابهم ، والتقصير فى واجباتهم التعليمية والبحثية ، ويعود الموظفون إلى الرشوة واستغلال الناس وإساءة معاملتهم ، ويعود الإعلاميون إلى وصلات الردح والندب واللولولة .. لو فعلنا ذلك لضيعنا جهدنا وضحايانا ، ولانضممنا للنظام السابق الذى مازال فى كل مؤسسات المجتمع وأجهزته نمارس نفس الأعمال القبيحة التى يمارسونها .. إن الإصلاح والتغيير طريق طويل وشاق ، ويحتاج عزيمة وجهدا وصبرا ، ولكنه يحتاج أكثر ما يحتاج إلى تغيير النفس ، وتعديل السلوكيات ، حتى نجنى أو تجنى أجيالنا القادمة نتائج انتفاضة أتمنى أن تؤتى ثمارها .

17- أتمنى أن نتعلم حقيقة تاريخية لا تقبل نقاشا أو جدلا ، وهى أن الظالمين والفاسدين والمستبدين مهما اشتدت سطوتهم ، وعظمت قوتهم ، وزاد خدمهم وأعوانهم وجنودهم ، فإنهم لا يستطيعون أن يصمدوا لقوة الحق والخير والعدل ، ولذلك فإنهم حتما منهزمون ، إنها سنة إلهية ، ولذلك وصف الله تعالى كل صور الشر ونماذجه ورموزه وممارساته بالزَبَد ، يطفو على سطح الحياة ، ثم سرعان ما يزول ، ليبقى ما ينفع الناس ( ... فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض كذلك يضرب الله الأمثال ) الرعد 17 ، .. فحذار حذار أن يصيبنا الخور والوهن ، أو أن تتمكن من نفوسنا أحاسيس الخوف والرهبة مرة أخرى .. إن الطغاة أفرادا أو جماعات أو أنظمة أو دولا ، دائما أشد هشاشة وأشد ضعفا مما يصورون به أنفسهم ، أو يخلعه عليهم الجبناء ، إنهم يدافعون عن الباطل الذى لا يصمد أبدا أمام الحق .

18- أتمنى أن يستمر زخم الحراك الشعبى الذى أحدثته الانتفاضة التونسية ، وأزاح بن على ، ليمتد بعدها إلى مصر مزيحا حسنى مبارك ، وهما رمزان بغيضان للظلم والاستبداد والفساد والعمالة ، أتمنى أن يستمر ذلك حتى نتخلص من باقى رموز الطغيان فى كل بلاد العرب .. فحذار حذار من ألاعيب هؤلاء ومناوراتهم ، وحذار من غدرهم وتحايلهم .. إنهم نماذج قبيحة شريرة ، لا يستحقون أن يستمروا فى هيمنتهم على حياتنا ومستقبلنا يوما واحدا بعد ذلك .

ملحوظة : يُستخدم تعبير تأثير الدومينو domino effect للدلالة على سلسلة من الأحداث المتعاقبة ، بفاصل زمنى قصير ، تبدأ عادة بحدث صغير كما حدث فى تونس ، ثم يمتد تأثيره لما حول منطقة الحدث ( مصر وليبيا والجزائر والمغرب واليمن والأردن والبحرين ) ، وهكذا ، وهو تشبيه معروف فى عالم السياسة والاقتصاد الدولى .

سرحت لهنيهة مع تلك الأمنيات وغيرها ، لأستفيق متسائلا : هل تتحقق أمنياتى ؟ هل تنصلح أحوال أمتى ؟ هل نطّلق أنظمتنا الفاسدة ، ونخبتنا الضالة ، طلاقا لا وصال بعده ؟ هل نتجنب التناحر والخلاف والتشرذم ؟ هل نُغير أنفسنا حقا حتى نُغير بلادنا حقا ؟ هل يؤدى كل منا عمله وواجبه قبل أن يتساءل عن حقوقه ؟ هل نجافى الهزل والتهريج والعبث ، ونتخلق بصفات الجد والتخطيط والإصرار والمثابرة ؟ أسئلة كثيرة تتقافز فى عقلى ، ولكن الإجابة عليها جميعَها واحدةٌ لا تتغير ، وكأنى أسمع أمير الشعراء يرددها :

وما نيل المطالب بالتمنى *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
إنها السنة الإلهية التى تجعل العمل أساس كل خير فى الدنيا والآخرة ( ... اليوم تجزون ما كنتم تعملون ) الجاثية 28 ، ( وما تجزون إلا ما كنتم تعملون ) الصافات 39 ، ( فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ...) آل عمران 195 ، لقد بددنا عقودا طوال ، وليس أمامنا الآن إلا العمل المخلص الدؤوب .

سعد رجب صادق
saad1953@msn.com


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية