مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 مصر واليونسكو والكتاب
...............................................................

 

فاروق حسنى

 

بقلم : سعد رجب صادق
.............................


انشغل غالبية المصريين طوال هذا العام بالحديث عن انتخابات اليونسكو ، وترشح وزير الثقافة المصرى فاروق حسنى لها ، وألهانا الاعلام والصحافيون بالبرامج والمقالات ، وأعطوا الأمر أكثر مما يستحق تهويلا وتضليلا ، وجعلوا منه وكأنه مسألة قومية ، تحتاج أن يلتف الناس حولها بقلوبهم وعقولهم ، رغم أن الغالبية العظمى لا تعلم شيئا عن اليونسكو ، ولا الدور الذى تقوم به ، ولم يهتم الاعلام ولا الصحافة يوما بما يصدر عن المنظمة من دراسات وتقارير ، متجاهلين أن كثيرا منها يمس أوضاعنا ، ويؤثر فى حياتنا بصورة أو بأخرى ، ونسى هؤلاء أيضا أن من يتولى رئاسة المنظمة تحكمه لوائح وقوانين ، وليس لجنسيته ما يؤثر على دوره أو وظيفته ، أو يعطيه ميزة خاصة ، وأنه يصبح فردا ضمن منظومة تضع الخطط والبرامج ، دون تفرد من أحد أو تسلط .

واليونسكوUNESCO هى منظمة الأمم المتحدة للتعليم والعلوم والثقافة The United Nations Educational , scientific and Cultural Organization ، وهى واحدة من ثمانى عشرة وكالة أممية متخصصة ذات ادارة مستقلةautonomous ، وقد وقعت على ميثاق انشائها فى لندن سبع وثلاثون دولة فى 16 نوفمبر سنة 1945 ، وتم تفعيل الميثاق فى الرابع من نوفمبر من العام التالى ، وفى مقرها بباريس مندوبون دائمون من 174 دولة ، ويتعاون مع المنظمة فى أداء دورها 600 منظممة غير حكومية ، ومئات أخرى من المنظمات للقيام بأنشطتها ومشاريعها الخاصة ، ويتم هذا الدور بالتعاون مع عديد من المنظمات الدولية والاقليمية ، وعادة ما تشبه المنظمة بمعمل أفكار فى مجالات التعليم والعلم والثقافة والتواصل ، أو كمنتدى للقضايا الأخلاقية والثقافية central forum ، وتنشر دوريا العديد من الدراسات والتقارير والاحصائيات فى المجالات التعليمية والعلمية والثقافية والآثار وحقوق الانسان ، وتولى عناية أيضا للتنوع والتباين فى الثقافات والأعراق ، مع التأكيد على القيم العالمية ، وحماية المجموعات التى تواجه أخطار الانقراض أو الاندثار.

تصدر المنظمة تقريرا دوريا عن عدد الكتب التى تطبع لأول مرة ونوعها فى بلاد العالم المختلفة ، باعتبارها كمؤشر للتعليم والوعى ومستوى المعيشة ، ولهذا التقرير دلالات ذات أهمية ، وهو ما سأتناوله فى هذا المقال ، مع بيان موقع بلادنا العربية والاسلامية ، ومقارنتها مع بلاد العالم الأخرى ، مع ملاحظة أن بلدان العالم النامية لا تهتم كالبلاد المتقدمة بالاحصائيات الدورية للأنشطة المختلفة فى المجتمع ، حتى أن آخر احصاء معروف لعدد الكتب المطبوعة فى بعض تلك البلاد تم منذ عقد أو أكثر ، وان كان ذلك لن يؤثر فى قائمة الترتيب لضعف حركة التأليف والنشر فى تلك البلاد.

تحظى الولايات المتحدة بالمكانة الأولى عالميا فى طبع ونشر الكتب الجديدة سنويا ، وهو ما يدل على كثرة العقول المنتجة فى جميع مجالات العلوم والثقافة المختلفة ، وفى آخر احصاء معروف لعام 2005 ، بلغ عدد الكتب الجديدة 172,000 ، ولم يتفوق أحد على الولايات المتحدة خلال العشرين عاما الماضية الا بريطانيا ، مرة فى عام 2001 ، والثانية فى عام 2006 ، وقد زاد المطبوع فى بريطانيا فى 2005/2006 بنسبة %28 ، ووصل الى 206,000 كتابا فى عام 2006، بينما انخفض بنسبة %18 فى الولايات المتحدة لنفس الفترة ، وجاءت الصين فى المرتبة الثالثة عالميا بعدد 136,226 كتابا ، تلتها ألمانيا 96,000 ، ثم أسبانيا 86,000 ، اليابان 45,430 ، تايوان 42,018 ، روسيا 36,237 ، وجاءت ايطاليا فى المركز التاسع 35,236 ، وفرنسا فى العاشر 34,766 ، كوريا الجنوبية 12 بعدد 30,487 ، البرازيل 13 بعدد 21,574 ، وجاء ترتيب الهند 21 بعدد 11,903

لبنان هى أول البلاد العربية فى القائمة حيث حازت على المرتبة 35 بعدد 3,686 كتابا ، ثم مصر 39 بعدد 2,215 ، سوريا 41 بعدد 1,800 ، المغرب 43 بعدد 918 ، تونس 44 بعدد 720 ، الجزائر 45 بعدد 670 ، الأردن 46 بعدد 511 ، ويلاحظ أن اسرائيل سبقت جميع البلاد العربية فى المرتبة 30 بعدد 6,866 ، بينما جاءت جنوب أفريقيا فى المرتبة 34 بعدد 5,418 ، وكانت آخر البلاد العربية فى التريب هى عمان 84 بعدد سبعة كتب فقط.
بالنظر الى مرتبة بعض البلاد الاسلامية نجد تركيا فى المرتبة 32 بعدد 6,546 ، ومن أكثر ما أثار انتباهى أن أفغانستان جاءت فى المرتبة 37 بعدد 2,795 ، أى سبقت مصر بمرتبتين ، و 580 كتابا ، بينما جاءت النيجر ، وهى دولة اسلامية فى آخر الترتيب 85 بعدد خمسة كتب .

يحتوى هذا التقرير على اشارات هامة ينبغى التوقف عندها ، والنظر والتأمل فى دلالاتها ومعانيها ، وأولها ارتباط تأليف الكتب وطبعها ونشرها بالحالة العامة للمجتمع ، فكلما تقدم المجتمع فى جميع المجالات ، وارتقى التعليم ، وارتفع مستوى الخريجين ، كلما كانت هناك الكثير من العقول القادرة على الابداع والتأليف ، وكان هناك المجتمع الواعى بأهمية الطباعة والنشر ، والأفراد الذين يجدون متعة ذهنية فى القرآة والاطلاع ، وهو ما يرتبط بحالة الوعى ، وحركة المجتمع وتفاعله مع كافة الأحداث والتغيرات ، ولذلك جاءت دول كالولايات المتحدة وبريطانيا ، وغيرها من البلاد الغربية على رأس القائمة ، وزاحمت الدول الناهضة بخطوات سريعة على المراكز المتقدمة ، كالصين وتايوان وكوريا الجنوبية والبرازيل والهند ، وثانيها أن البلاد العربية رغم عدد سكانها الكبير ، وامكانياتها الوافرة ، جاءت جميعها بعد اسرائيل وجنوب أفريقيا ، ولا يمكن اغفال ارتباط ذلك بارتفاع نسبة الأمية ، وتدهور مستوى التعليم ، وضعف الحركة الثقافية وهزالها ، وتدنى البحث ، مما ينعكس سلبا على وعى الأمة ، واهتمام أفرادها بكافة القضايا المحلية والدولية ، وثالثها تراجع مستوى مصر ، حتى أن دولة كأفغانستان التى تعصف بها الحروب ، وترتفع فيها نسبة الأمية الى أعلى مستوى عالميا ( %72 ) ، قد سبقت مصر فى الترتيب ، رغم أن مصر كانت رائدة فى مجال الطباعة ، وكانت من أوائل الدول التى أنشأت المطابع .

ولكن كيف لنا أن نستعيد مكانتنا ؟ ان جزءا هاما من الحل يكمن فى اصلاح النظام التعليمى ، وحيث أن ذلك مرتبط بالاصلاح الشامل ، فان على مجتمعاتنا أن تبدأ فى حركة اصلاحية عامة وشاملة ، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ، ونحن نمتلك الامكانيات اللازمة لذلك ، من موارد بشرية ، وثروات طبيعية ، وخلفية دينية وحضارية ، كما أن علينا الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى ، بما يؤائم ظروفنا وأوضاعنا ، والاستفادة أيضا من تجاربنا السابقة ، وأخص بالذكر هنا تجربة محمد على باشا فى انشاء المطابع الحديثة ، وهى تجربة جديرة بشئ من المراجعة والتأمل.

فى عام 1815 أوفد محمد على نيقولا مسابكى أفندى ، ومعه ثلاثة من زملائه الى ميلانو بايطاليا للتخصص فى فنون الطباعة ، وكانت الكتابة حتى ذلك الوقت تتم عن طريق النسخ اليدوى ، ولم تعرف المطابع الا مع قدوم الحملة الفرنسية فى عام 1798 ، والتى حملت معها ثلاث مطابع مجهزة بالحروف العربية والفرنسية واليونانية ، وفى عام 1922 بدأت أولى اصدارات المطبعة التى أنشأها محمد على ، وكانت تسمى مطبعة صاحب السعادة ، أو المطبعة الأميرية ، ونظرا لموقعها فى بولاق أصبحت تعرف بمطبعة بولاق ، وكان أول الاصدارات قاموس للغتين العربية والايطالية ، وفى تلك التجربة الفريدة مجموعة من الارهاصات والدلالات الهامة :

1- بدأت المطبعة عملها باللغة العربية والتركية واليونانية والايطالية ، وكانت نسبة المطبوعات العربية %88 ، والتركية %1.72 ، واللغات الأجنبية %10 ، وهو ما يجب علينا عمله الآن ، لتوسيع دائرة نشر المعارف ، وتلبية متطلبات الباحثين والدارسين وهواة القراءة من المعارف واللغات المختلفة ، ومما يجدر ذكره أنه رغم أن المطبعة كانت مؤسسة حكومية الا أن كثيرا من مطبوعاتها تمت على نفقة العلماء ، وأهل الخير ، الذين قصدوا احياء التراث ، ونشر المعارف ، وهو ما يمكن محاكاته اليوم ، وفى بلادنا كثير من هؤلاء المتحرقين لبذل الحهد والمال فى ما ينفع المجتمع والناس.

2- كانت مواد الطباعة من ورق وحبر وغيرها تستورد من ايطاليا ، ثم بدأت مصر تصنيع احتياجاتها محليا ، مما أعتقها من تحكم وسيطرة الآخرين ، فى أمر شديد الأهمية والحيوية ، ومجتمعنا اليوم أولى بالاكتفاء الذاتى فى كثير من أموره ، مما ينعكس فى العمالة ومحاربة البطالة ، والاستقلالية من تعسف وشروط وضغوط الآخرين.

3- تنوعت اصدارات المطبعة ، والتى وصلت الى 867 فى الفترة من انشائها الى عام 1849 ، منها 133 فى العلوم الاجتماعية ، 89 فى العلوم البحتة ، 147 فى العلوم التطبيقية ، 149 فى اللغات ، 90 فى الديانات ، 16 فى الآداب ، 88 فى التاريخ والجغرافيا ، 40 فى الفلسفة ، 15 فى المعارف العامة ، وفى الفترة من 1850 الى 1899 ازدهرت المطبعة ، وبلغت اصداراتها 9538 كتابا ، منها 2604 فى الديانات ، 1647 فى الآداب ، 1426 فى اللغات ، 1042 فى العلوم الاجتماعية ، 480 فى العلوم البحتة ، 431 فى العلوم التطبيقية ، 31 فى الفنون ، 286 فى المعارف العامة ، مما أرضى كافة الأذواق والاتجاهات ، كما ساهمت المكتبة فى طباعة كثير من كتب التراث ، مثل الأغانى للأصفهانى ، وتاريخ ومقدمة ابن خلدون ، واحياء علوم الدين للغزالى ، وصحيح البخارى ، وقانون ابن سينا فى الطب ، وغيرها ، كما طبعت أيضا العلوم الحديثة المنقولة عن الغرب ، وكل هذه الانجازات ساهمت فى نشر العلوم والمعارف ، واحياء كتب التراث ، ونشر المعارف الغربية الحديثة .

4- ومما لا يمكن اغفاله فى تلك التجربة ، اهتمام المطبعة بكتب الأطفال ، والتى طبع منها واحد وسبعون كتابا فى القرن التاسع عشر ، وهو ما لا يجوز اغفاله اليوم ، فتلبية احتياجات الأطفال ، وتنشئتهم على حب القراءة والاطلاع ، سينعكس ايجابيا على عاداتهم وسلوكياتهم ، وسيغرس فى نفوسهم طبعا حميدا لا تستقيم الحياة المعاصرة الا به ، كما شمل اهتمام المطبعة بجانب كتب الأطفال والكبار طبع الكتب المدرسية ، والتى طبع منها 5868 كتابا وزعت على التلاميذ ، مع خصم خمس ثمنها كل شهر من علاواتهم الشهرية.

5- أصدر محمد على أول صحيفة مصرية اسمها جورنال الخديوى عام 1813 متأثرا بالصحف الفرنسية أيام الحملة على مصر ، وكانت تصدر شهريا ، ومن العجيب أن غرضه كان معرفة سير الشئون المالية والزراعية والتعليم وحركة العمران فى البلاد ، ولما رأى أن ذلك ليس كافيا للاطلاع على الأموربالسرعة المناسبة جعلها أسبوعية ، وكان يتم نسخها باليد قبل انشاء المطبعة ، وكما كان محمد على مدركا لأهمية متابعة الوالى لأمور المجتمع ، كان أيضا مدركا لأهمية متابعة المجتمع واطلاعه على أعمال الحكومة ، فأصدر فى عام 1828 صحيفة الوقائع المصرية كنشرة لأوامر الحكومة واعلاناتها وسائر حوادث الدولة ، ثم أضيفت صحف أخرى متخصصة فى عهد اسماعيل باشا ، فصدرت يعسوب الطب عام 1865 كأول مجلة علمية فى الشرق العربى ، ثم أصدر على مبارك باشا روضة المدارس عام 1870 للنهوض باللغة العربية ، ونشر المعارف الحديثة ، والمتأمل فى كل تلك الانجازات الكبرى يعجب مما آل اليه حالنا ، وكيف افتقد المجتمع الشفافية فى متابعة أعمال الحكومة ، وافتقدت الحكومة الادراك فى معرفة أحوال البلاد والعباد ، كما يعجب أيضا لغياب الصحافة والمجلات المتخصصة فى مجالات معرفية كثيرة ، وهو ما يضع عبء الاحياء على كاهل كل الشرفاء والمخلصين والمسئولين .

6- عرفت مصر أول قانون لمراقبة المطبوعات ، والذى أصدره محمد على فى 13 يوليو 1823 ، وكان سببه أن مطبعة بولاق أصدرت كتابا يتضمن قصيدة ديانة الشرقيين ، وفيها اغراء بالالحاد ، ولما علم بذلك غضب على نيقولا مسابكى ، وحرم هذا القانون على الأوربيين طبع أى كتاب فى مطبعة بولاق الا باذن خاص للمؤلف أو الناشر ، وفرض عقوبة شديدة على المخالف ، وفى عهد سعيد باشا ( 1854-1863) ، وظهور المطابع الخاصة ، صدر قانون يمنع طبع الكتب التى تتنافى مع الدين والآداب والأخلاق ، ويلزم كل من يريد طبع كتاب بالحصول على ترخيص من نظارة الداخلية ( وزارة الداخلية ) ، ويعاقب المخالف بالمصادرة ، وغلق المطبعة ، وفى عهد توفيق صدر قانون آخر ينص على عدم الحجز على الكتب الا بعد صدور حكم قضائى بذلك ، والعجيب أن مصر التى عرفت كل ذلك ، يحدث فيها الآن الكثير من المشاكل بسبب طبع الكتب التى تتطاول على قيم الاسلام ومقدساته ، ويتباكى العلمانيون وأدعياء الحرية ، وهم الذين انتهكوا الحرمات ، وتجاوزوا حدود المقبول واللائق بتعديهم على دين الأمة ، بل وصل بهم الحد الى التطاول على الله ورسوله .

بعد زهاء قرنين من التجربة الفريدة لمطبعة بولاق ، علينا مرة أخرى أن نهتم بالطباعة والنشر والقراءة ، وأن نصلح النظام التعليمى اللازم لاصلاح العقول والأفهام ، وأن لا نغفل عن جوانب المعرفة المختلفة ، بما فيها كتب الأطفال والعلوم الحديثة ، واللغات المختلفة ، وأن نستحث أهل الخير على التبرع والانفاق فى هذا المجال الحيوى والهام ، وأن نحاول قدر الطاقة الوفاء باحتاجاتنا بجهودنا وامكانياتنا المحلية ، وألا ننسى أن حركة الطباعة والنشر تماثل غيرها من أنشطة المجتمع يلزمها الضوابط والقوانين ، التى تضمن احترام دين الأمة وأخلاقها وثقافتها ، ساعتها سيكون لنا موقع أكثر تقدما فى قائمة اليونسكو للكتاب ، وأكثر تقدما فى مستوى المعيشة والوعى والتعليم والثقافة ، ولن نحس بالدونية والصغار أمام غيرنا من البلاد.

ملف التعليم فى مصر

saad1953@msn.com

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية