مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 تأملات فى القضية الفلسطينية
...............................................................

 

تأملات فى القضية الفلسطينية
 

 

بقلم : سعد رجب صادق
.............................

لا شك أن القضية الفلسطينية هى قضية العرب والمسلمين الكبرى ، والتى ينبغى أن توضع على رأس أولوياتهم ، وتحظى بكل جهودهم واهتماماتهم ، والسبب البديهى لتلك الحقيقة أن إسرائيل غير مكتفية بسرقة أرض الفلسطينيين ، وغير مكتفية بطردهم وتشريدهم ، ولكنها كانت ولا تزال وستظل دائما طامحة إلى إخضاع تلك المنطقة من العالم برمتها إلى سطوتها وسيطرتها ، وإشاعة الفرقة والتفكك بين أقطارها وبلدانها ، والإبقاء عليهم متخلفين متناحرين ، ومنعهم من تحقيق ما يجب عليهم من إنجازات سياسية وإقتصادية وإجتماعية ، ضرورية وملحة لشعوبهم وكرامتهم ومكانتهم المحلية والعالمية ، وبذلك تضمن إسرائيل أمنها وسلامتها ومستقبلها ، وتضمن أيضا أداء دورها الذى أراده الغرب لها عندما زرعها زرعا فى ذلك الجزء من الدنيا ، ولا أبالغ أيضا إذا قلت أن القضية الفلسطينية تتجاوز بعدها العربى والإسلامى لتصبح قضية الحق والعدل الرئيسية فى عالمنا المعاصر ، والذى تكالبت كل قوى الشر والعدوان فيه ، لتسلب أهل فلسطين منازلهم وديارهم ، وتاريخهم الممتد لآلاف السنين ، وتعطى ذلك كله لجماعات قادمة من أصقاع الأرض المختلفة ، تحت حجج تاريخية ودينية واهية ، تنهب وتسلب وتعتدى ، وتمارس البلطجة والإجرام ، جهارا نهارا ، على مرأى ومسمع من الجميع ، الذين يغضون الطرف عن كل تصرفاتهم البربرية ، بل ويساعدونهم ويدعمونهم عسكريا وماليا وإعلاميا ، ولكنهم على النقيض ينتفضون إذا تجرأ أصحاب الحق فدافعوا عنه ، أو أبدوا أى لون من ألوان المقاومة ، فينقضون عليهم لوما وتبكيتا ، وتهديدا وتقريعا ، وحصارا وحرمانا من أبسط حقوقهم الآدمية ، ووصفا لهم بالإرهاب وترويع المدنيين والآمنين ، فيا له من عالم أفسده الغرب بتدليسه وإفكه ، وكذبه ونفاقه ، ومعاييره المزدوجة ، وأهوائه المتقلبة ، وأفشى فيه البغى والعدوان ، والتجبر والجور وغصب الحقوق ، والعجيب أنهم لا ينفكون يتحدثون عن حقوق الإنسان ، وحقوق الأقليات العرقية والدينية ، وحقوق النساء والأطفال ، وكأن الإنسان الفلسطينى رجلا أو إمرأة أو طفلا لا ينطبق عليه تعريف الإنسان ، وما يستوجبه ذلك من احترام إنسانيته وحقوقه وكرامته ، ورغم جلاء الحق الفلسطينى ووضوحه ، إلا أن كل المحاولات التى بذلت لاسترجاعه أو بعض منه قد فشلت ولم تحقق شيئا ، فى خلال الستة عقود الماضية ، بل وأضافت مزيدا من الألم والمعاناة لمن يعيشون تحت الاحتلال ، أو يعيشون فى مخيمات داخل فلسطين وخارجها ، تفتقر إلى أبسط متطلبات الوجود ، أو من يعيشون فى غزة محاصرين محرومين من الطعام والدواء وغيرهما من ضرورات الحياة ، لذا كان لزاما علينا أن نقف للتأمل والمراجعة ، نسلط الضوء على مكونات هذا الملف ، ونربط بين أجزائه المختلفة ، علنا نكتشف ما اختلط علينا من حقائق ، ونستبين ما إلتبس علينا من خلفيات ، وتنعرف على حقيقة عدونا وأسباب قوته ، ونفحص عوامل الضعف والقصور فينا ، وهذا ما سأفعله هذا المقال ، والذى يغطى الجوانب التالية :

أولا : حقيقة العدو وأسباب قوته

العدو ببساطة شديدة هو من يحتل أرض فلسطين من اليهود، ويحرم أهلها من حقهم فى الوجود والحياة ، وهو أيضا من يضمن لهذا العدو السيطرة والبقاء والاستمرار ، وهو كذلك من يحول بين الفلسطينيين وحقهم الشرعى والقانونى والإنسانى والأخلاقى فى المقاومة واستعادة ما اغُتصب منهم ، والعدو المحتل هو أضعف تلك الحلقات الثلاث ، والله سبحانه عندما وصف هذا العدو المحتل قال : ( ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) آل عمران 112 ، وفى موضع آخر يقول تعالى : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) البقرة 61 ، وضرب الذلة يعنى أن الله ألزمهم الذلة والصغار أينما كانوا ( تفسير ابن كثير 2/104 ) ، فلا يأمنون ( إلا بحبل من الله وحبل من الناس) ، والحبل فى (لسان العرب) هو العهد والذمة والأمان ، وهو الرباط والتواصل ، و ( أين ما ثقفوا ) أى بكل مكان ، وثَقفْتُه ثقفا أى صادفته ( لسان العرب ) ، وهو ما تدل عليه أحداث التاريخ ، فاليهود لم يكونوا أبدا أصحاب عزة وغلبة ومكانة بذاتهم ، والمتأمل يجد أن الذلة والمسكنة مطلقة فى آية سورة البقرة ، بينما الذلة مقيدة فى آية آل عمران ، والمسكنة مطلقة ، ويصير المعنى أن اليهود أذلاء بمفردهم ، فإذا ما وصلهم الله بعهده وذمته ، أو وصلهم الناس بالمساعدات والمعونات ، كما نرى الغرب الآن ، زالت عنهم الذلة ، وكانت معهم القوة والوفرة ، وتبقى المسكنة لازمة أبدا ، ولذلك فهم ورغم الغنى والثروة ، والتغلغل والنفوذ فى السياسة والإقتصاد والإعلام ، من أكثر الناس شكوى ، وأكثر الناس بكاء وعويلا ، على ماحدث ويحدث لهم هنا وهناك ، فى سابق الأزمان وحاضرها، والآية شديدة الأهمية ، واضحة الدلالة ، لفهم طبيعة العدو، وأبعاد الصراع وحلقاته .

وقد قطع اليهود حبلهم مع الله جل وعلا بسوء أدبهم معه ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) المائدة 64 ، ( قد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ..) آل عمران 181 ، وبقتلهم الأنبياء والصالحين (..ويقتلون النبيين بغير الحق..) البقرة 61 ، ( ..ويقتلون الأنبياء بغير حق..) آل عمران 112 ، ( ..كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ) المائدة 70 ، ( وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى إبن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ..) النساء 157 ، ( ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ) آل عمران 21 ، وتحريفهم كتاب الله ( يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) البقرة 75 ، ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) البقرة 79 ، ( ومن الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ..) النساء 46 ، وعصيانه فى كل ما أمر به ( وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل ..) النساء 161 ، ( وترى كثيرا منهم يسارعون فى الإثم والعدوان وأكلهم السحت ..) المائدة 62 ، ولذلك كان الوعد الإلهى لهم بالعذاب إلى يوم القيامة ( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب..) الأعراف 167 ، يقول ابن كثير فى تفسيره ( 3/ 794 ) : (ليبعثن عليهم ) أى اليهود ، (إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ) أى بسبب عصيانهم ، ومخالفتهم أوامر الله وشرعه ، واحتيالهم على المحارم .

إذا كان اليهود قد قطعوا حبلهم مع الله تعالى ، فإن ذلك يعنى أنه لم يبق لهم إلا حبل الناس ، فمن هم هؤلاء الناس فى زماننا هذا ؟ والإجابة لا تحتاج إلى كثير عناء ، إنهم وحسب تفاوت أهميتهم لإسرائيل كالتالى :

1- السلطة الفلسطينية الخائنة العميلة ، والتى لا يتردد فى الإعلام إلا فضائح أفرادها المالية والجنسية والأخلاقية ، وقد فرط ياسر عرفات فى %80 من أرض فلسطين ، وكأنه يمتلك الأرض والتاريخ ، بقتطع ما شاء لمن يشاء ، وقد لقى فى النهاية جزاء الخونة والعملاء ، فقتله على أرجح الاحتمالات من اعترف لهم بشرعية احتلالهم لأرضه ودياره ، ليحل محله محمود عباس ليكون أشد منه خسة وعمالة ، حيث أصبح شغل سلطته الشاغل مطاردة المقاومين واعتقالهم وتعذيبهم وقتلهم ، والتعاون الأمنى والاستخباراتى مع الإسرائليين لإحكام الحصار والتضييق على كل من تسول له نفسه مقاومة الاحتلال ، إعلاميا أو بالمظاهرات السلمية أو بالمقاومة المسلحة ، وإغلاقه لكافة اللجان الخيرية ، ودور تحفيظ القرآن ، ومؤسسات كفالة الأيتام والفقراء وأسر الشهداء ، علاوة على رفضه التفويض للمنظمات المدنية والحقوقية الدولية بمقاضاة إسرائيل على جرائمها المتواصلة ، ومشاركته فى حصار غزة ، وتمسكه المهين بإتفاقية المعابر المذلة المخزية ، والتى وقعها رفيقه فى العمالة محمد الدحلان ، ووصفه للإنتفاضة والأسلحة الفلسطينية البسيطة بالعبثية ، والعمليات الفلسطينية بالإرهابية والحقيرة ، وتفريطه فى حق عودة اللاجئين ، وآخر إنجازاته اعترافه بيهودية إسرائيل ، حيث نقلت صحيفة Haaretz بتاريخ 12-6-2010 قوله خلال إجتماعه مع 30 من زعماء اليهود فى واشنطن ( إنه لن ينكر أبدا حق اليهود بالأرض) ، ويذكر عبد البارى عطوان فى مقاله ( حصار غزة يغير وجه المنطقة ) ، فى جريدة القدس العربى بنفس التاريخ ، قول عباس بالحرف الواحد خلال هذا الإجتماع مع قيادات الجالية اليهودية ، واللوبى الصهيونى إيباك ، فى معهد دانيال أبرامز للسلام فى الشرق الأوسط : ( أنا لا ولن أتجاهل حق الشعب اليهودى فى العيش على أرض إسرائيل ) وعندما سئل عن تصريحاته تلك فى لقاء مع عدد من الباحثين الأمريكيين فى معهد Brookings Institute ، علق قائلا ( اليهود موجودون فى الشرق الأوسط منذ مئات السنوات ..إن ما يقرب من ثلث القرآن يتحدث عن بنى إسرائيل ، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها ) ، والعجيب هنا أنه نسى أن الفلسطسنيين موجودون أيضا فى تلك الأرض منذ آلاف السنين ، وحتى قبل وجود اليهودية واليهود ، ونسى أيضا أن حديث القرآن الكريم عن اليهود كان كله فى معرض الذم لهم على عصيانهم وعدوانيتهم ، وقد وصفت حركة حماس تصريحات عباس بأنها ( سقوط سياسى غير مسبوق ، يتسق مع الرؤية الصهيونية القائمة على تهويد الأرض والمقدسات ، وتأصيل لسياسة الإبعاد الصهيونية للشعب الفلسطينى ) .

2- الأنظمة العربية التى أقرت بشرعية الإحتلال الإسرائيلى لفلسطين ، واعترفت بالدولة اليهودية ، وقبلت بإقامة علاقات معها ، وتحاول إجبار شعوبها على التطبيع الكامل مع هذا الكيان المجرم المغتصب ، وقد كان السادات سباقا إلى ذلك ، حيث اعترف ولأول مرة فى تاريخ الجنس البشرى بشرعية الإحتلال ، وشرعية غصب حقوق الغير ، فضيع قيمة النصر الجزئى الذى حققه المحارب المصرى بتضحياته واستشهاده ، وسخِر من دماء المصريين والعرب التى أريقت على مدار ستة عقود وما تزال ، وألزم مصر باتفاقيات عقيمة ليس فيها ما ينفع المصريين من قريب أو بعيد ، ورغم العودة الظاهرية لسيناء إلا أنها بقيت غير مأهولة ولا معمورة ، وتحولت إلى منتجع للإسرائيليين والغربيين ، واضطرت بنود جائرة فى الإتفاقية مصر إلى بيع الغاز والبترول لإسرائيل بسعر أقل من تكلفة استخراجه ، وفُتحت السوق المصرية للبضائع الإسرائلية ، وتكبلت حرية مصر إقتصاديا وإعلاميا وثقافيا وسياسيا بقيود كلها لا تصب فى مصلحتنا ، وها نحن بعد عقود ثلاث لم نجن غير الهشيم ، وتبعت الأردن مصر فى هذا السلوك الأخرق ، وشكلتا سياجا لحماية أمن وسلامة إسرائيل ، والعجيب أن دولا عربية أخرى هرعت إلى نفس المستنقع بدون منطق أو حاجة جوهرية إلى إقامة علاقات مع إسرائيل مثل موريتانيا ، ودول أخرى قبلت بالتطبيع وإقامة علاقات مختلفة وإن لم تعترف بإسرائيل ، مثل تونس والمغرب وقطر ، وقدمت السعودية مبادرتها السقيمة والتى أُقرت عربيا فيما بعد للتطبيع وإقامة العلاقات ، والمثير للدهشة أن كل ذلك بلا مقابل حقيقى لنفع العرب أو الفلسطينيين ، وقد أسدت كل تلك الأنظمة لإسرائيل خدمة جليلة تفوق حتى وعد بلفور ، وتفوق إعتراف الأمم المتحدة بشرعية إسرائيل ، لأنه فى اللحظة التى يفرط فيها صاحب الحق فى حقه فإن أحدا لا يشفع له بعد ذلك ، حيث أن الإصرار على الحق مهما طال الزمان ، ومهما عظمت التضحيات ، هو الضمان الوحيد لعودته ، وهى سنة تاريخية وإلهية لا تعرف تبديلا أو تحويلا ، ولا أدرى كيف مسخ العرب أنفسهم فخرجوا من سياق المنطق والسنن الكونية بتلك التصرفات البلهاء .

3- الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ، باعتبارها الداعم الرئيسى لإسرائيل عسكريا وإقتصاديا وإعلاميا وفى المنظمات الدولية ، وهى حقائق معروفة للناس جميعا ، ولا تحتاج إلى إعادة أوتكرار ، ولذلك سأحاول هنا التركيز على مجموعة من الأمور وإن بدت هينة ، إلا أنها شديدة الدلالة على خصوصية العلاقة الأمريكية الإسرائيلية :

1- لغة التصريحات والبيانات : المتأمل فى اختيار الكلمات ، والأسلوب اللغوى الذى يستعمله السياسيون الأمريكيون تجاه إسرائيل ، يجد ما يتجاوز كثيرا لغة الدبلوماسية إلى ما هو أقرب إلى العشق والهيام ، ولنأخذ مثلا ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية Hillary Clinton ، ونشرته صحيفة NewYork Times بتاريخ 17-3-2010 من أن الولايات المتحدة متعهدة تعهدا مطلقا بأمن إسرائيل ، وأن الرابطة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ، وبين الأمريكيين والإسرائيليين رابطة لصيقة وغير قابلة للإهتزاز We have an absolute commitment to Israel's security . We have a close , unshakable bond between the United States and Israel and between the American and Israeli people ، وفى زيارة نائب الرئيس الأمريكى Joe Biden لإسرائيل فى 8-3-2010 ، كتب فى مدونة الضيوف quest book إنه من الحسن أن يكون المرء فى بيته It is good to be home ، ثم أضاف أن إسرائيل ملكت قلبه ، وأن صداقته لها تعود إلى سنيه الأولى كسيناتور بالكونجرس Israel captured my heart. I have been a friend of Israel's since I was a 29 -year old senator ، ثم كررالكلام عن الرابطة اللصيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ، وضمان أمنها ، وزاد على ذلك باعتبار العلاقة بينهما هى محور أو النقطة المركزية للسياسة الأمريكية The bond between our two nations has been and will remain unshakable . There is absolutely no space between the United States and Israel when it comes to Israel's security - none at all .American's relationship with Israel has been and will continue to be the centerpiece of American policy ، وأثناء الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلى Benjamin Netanyahu للولايات المتحدة ، فى السادس من يوليو 2010 ، ردد الرئيس الأمريكى Obama عبارات التغزل فى إسرائيل ، وأن كل ما يقال عن الخلافات بينهما غير صحيح ، وأن الولايات المتحدة متعهدة بأمن إسرائيل ، وبصيانة الرابطة اللصيقة بينهما ، ليس بالكلمات فقط وإنما بالأفعال Any talk of a rift is unfounded . U.S.- Israel's bond is unbreakable . The United States is committed to Israel's security . We are committed to that special bond . And we are going to do what's required to back that up , not just with words , but with actions ، وكرر نفس الكلام فى حديثه للمحطة التلفزيونية FoxNews ، بتاريخ 17-3-2010 ، حيث ذكر أن الأصدقاء أحيانا ما يختلفون ، وأن إسرائيل هى أقرب حلفائنا ، وأن الرابطة بيننا وبينهم لا يمكن أن تنفصم Friends are going to disagree sometimes...Israel is one of our closest allies and we and the Israeli people have a special bond that is not going to go away ، وكلمة رابطة أو bond التى كُررت مرارا فى تلك التصريحات تحمل دلالات خاصة دينيا وقانونيا وعلميا ، فقاموس مصطلحات الكتاب المقدس Harper's Bible Dictionary, 2nd ed , Harper & Row , Publishers يعرفها بالإلتزام أو التعهد an obligation of any kind ، وتعرفها المعاجم المختلفة أيضا كمصطلح قانونى يعنى الإلتزام أو الإتفاق المكتوب ، وكمصطلح علمى يعنى قوة التجاذب التى تحفظ مكونات الذرة معا .

2- توبة الرئيس الأمريكى السابق كارتر : بالرغم من أن الرئيس الأمريكى السابق Jimmy Carter أسدى لإسرائيل خدمة تفوق كل ما أداه السياسيون الأمريكيون والغربيون لها منذ نشأتها ، عندما حصل لها على إعتراف بشرعيتها من أصحاب الحقوق فى كامب ديفيد ولأول مرة على يد الرئيس المصرى وقتها ( السادات ) ، إلا أن الإسرائيليين لم يغفروا له زيارته لغزة ، ولقاءه بأعضاء من حركة حماس ، وكذلك كتابه الذى يتهم إسرائيل بالعنصرية Palestine : Peace not Apartheid ، والذى صدر عام 2006 ، وبالرغم من أن كارتر لا يحتاج إلى إسرائيل ، ولا يحتاج إلى يهود الولايات المتحدة فى شئ ، وبالرغم من مكانته العالمية ، وحصوله على جائزة نوبل للسلام ، إلا أنه أرسل خطابا إلى الصحف اليهودية بتاريخ 23-12-2009 ، وقد أغفل الإعلام العربى هذا الخبر رغم دلالاته الهامة ، وفى الخطاب حسب ما نشرته ال Associated Press يقول كارتر أنه يعتذر ويطلب الغفران عن أى كلمات أو أفعال قد تصم إسرائيل ( يعنى وصفها بالتمييز العنصرى ضد الفلسطينيين ) We must not permit criticisms for improvement to stigmatize Israel ...As I would have noted at Rosh Hashanah and Yom Kippur , but which is appropriate at any time of the year , I offer an Al Het for any words or deeds of mine that may have done so ، و Rosh Hashanah هو بداية السنة اليهودية ، ويحتفل به اليهود الأورثودكس ، و Yom Kippur هو يوم التوبة والغفران ، حيث يحتفلون به بالصوم والصلاة ، أما Al Het فهى الصلاة التى تُؤدى فى يوم كيبور ، وفى العبرية الحديثة تعنى كل توبة أو رجاء بالغفران ، إن وقوف رئيس أمريكى سابق فى هذا الوضع المذل المهين ، يطلب السماح والغفران ، على ما تفوه به لسانه ، أو اقترفته يداه من ذنوب وآثام فى حق إسرائيل ، لهو أمر شديد الدلالة على العلاقة الفريدة بين أمريكا وإسرائيل ، والعجيب أن يهود الولايات المتحدة يستقبلون تلك التوبة النصوح بكلمات حذرة ، يقول Abraham Foxman , national director of the Anti - Defamation League : To what extent this is an epiphany , only time will tell . But this is a good start ، وكأنهم يتوقعون منه مزيدا من التوبة ، ومزيدا من الرجاء بالعفو والغفران .

ويشارك الغرب الأوربى الولايات المتحدة غرامها لإسرائيل ، وإن كان بدرجة أقل صبابة ، وأكثر تباينا بين الدول الأوربية ، والأمر لا يتوقف على دور الأنظمة الحاكمة وسياساتها ، وإنما يتعدى ذلك إلى كثير من السياسيين السابقين والإعلاميين والصحافيين والكتاب والمفكرين ، وقد كوّن على سبيل المثال رئيس الوزراء الأسبانى السابق Jose Maria Aznar , 1996-2004 مبادرة أصدقاء إسرائيل ، والتى افتتحت فرعا لها فى لندن ، كما ذكرت صحيفة Jewish Chronicle بتاريخ 23-7-2010 ، وتحدث فى خطاب الإفتتاح الذى تم فى مجلس العموم البريطانى عن ضرورة حماية حقوق إسرائيل ، واعتبر أن ذلك ليس هاما وحيويا فقط لإسرائيل ، بل وأيضا لجميع الدول الغربية ، والتى ستسقط فى حالة سقوط إسرائيل ، ومما يجدر ذكره أن المندوب الأمريكى السابق للأمم المتحدة John Bolton ، عضو فى تلك المبادرة ، وهو واحد من غلاة المحافظين الجدد ، ولا يفوتنى هنا أيضا أن أذكر أن أزنار Aznar كتب فى صحيفة Times بتاريخ 17-6-2010 مقالا شديد الأهمية لدلالاته فى فهم علاقة الغرب بإسرائيل ، وفهم النظرة الغربية لتلك العلاقة ، والتى تتجاوز المصالح إلى بعد أكبر وأشمل ، ألا وهو المفهوم الأكبر للصراع بين الغرب بحضارته وثقافته ، وبين العرب والمسلمين بحضارتهم وثقافتهم ، والتى تُعد حسب منظور عميق واسع الانتشار غربيا وأمريكيا ، خطرا داهما على الحضارة الغربية الحديثة ، يهدد بزوالها إن سُمح له بالتمكن ، وامتلاك أسباب القوة ، وذلك لأن قيمه تناقض القيم الغربية وتنقضها Israel's strength is our strength and Israel's weakness is our weakness .To abandon Israel to its fate , at this moment of all moments, would merely serve to illustrate how far we have sunk and how inexorable our decline now appears . For Western countries to side with those who question Israel's legitimacy , for them to play games in international bodies with Israel's vital security issues , for them to appease those who oppose Western values rather than robustly to stand up in defence of those values , is not only a grave moral mistake , but a strategic error of the first magnitude
 
4- حق الفيتو veto ، وهو الحق الذى منحته الدول الكبرى الخمس لنفسها فى مجلس الأمن للاعتراض على القرارات التى لا تروق لها ، حتى وإن أقرها جميع الأعضاء الآخرين ( مجلس الأمن يتكون من خمسة أعضاء دائمين - الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين - ، وعشرة أعضاء ينتخبون لمدة عام ) ، وهو دلالة صارخة على العنصرية والتمييز بين الدول ، والمثير للإنتباه أن أول مرة تستخدم فيها الولايات المتحدة هذا الحق كانت فى 17-3-1970 ، للاعتراض على قانون يدين بريطانيا فى دعمها لنظام الحكم العنصرى فى جنوب أفريقيا ، وبعد ذلك بعامين ، وبالتحديد فى 10-9-1972 ، استخدمت الولايات المتحدة ( نيكسون Nixon كان الرئيس الأمريكى وقتها ) هذا الحق للمرة الثانية ، ولكن هذه المرة لحماية إسرائيل من الإدانة على غاراتها على سوريا ولبنان ، والتى أدت إلى مقتل ما بين 200-500 معظمهم من المدنيين ، ومن المثير للإنتباه أيضا أن مندوب أمريكا فى مجلس الأمن وقتها كان الرئيس الأمريكى السابق George Bush Sr ، وفى 26-7-1973 استخدمت الولايات المتحدة الفيتو مرة أخرى لحماية إسرائيل من مشروع قرار يؤكد على حقوق الفلسطينيين ، ويدعوها للانسحاب من الأراضى العربية المحتلة ، وفى عامى 1975-1976 ، أُستخدم حق الفيتو أربع مرات ، وكان كيسنجر Henry Kissinger وقتها وزيرا للخارجية ، ويلاحظ أنه كان مستشارا للأمن القومى عند استعمال الفيتو الأول لحماية بريطانيا ، وفى تلك المرات الأربع أسقطت الولايات المتحدة مشروع قرار يدين إسرائيل على عدوانها على المدنيين اللبنانيين ، ثم مشروع قرار آخر فى نفس السنة (1975) يدينها على السماح لليهود ببناء مستوطنات فى القدس ، ومما يثير السخرية والمرارة أن المندوب الأمريكى وقتها William Scranton كان قد ألقى خطابا قبل الفيتو بيومين اعتبر فيه بناء مستوطنات فى القدس عملا غير قانونى ، وفى عام 1976 ، نقضت الولايات المتحدة مشروع قرار يؤكد على حق الفلسطينيين فى تقرير المصير ، وكان ذلك فى 26 يناير ، وفى 29 يونيو اعترضت على قرار آخر يؤكد على حق العودة ، وفى عهد الرئيس كارتر استخدمت الولايات المتحدة الفيتو مرة واحدة فى 30 أبريل 1980 للاعتراض على مشروع قرار يؤكد على حق الفلسطينيين فى تقرير المصير ، إنه نفس كارتر الذى قال فى خطاب له فى عام 2009 ، فى جامعة Emory University ، أنه لو مُدُت رئاسته ليوم واحد لاستعمله من أجل السلام فى الشرق الأوسط If I have one more day as a president I would use the full weight of the White House to the peace process ، وفى رئاسة ريجان Ronald Regan استخدمت الولايات المتحدة الفيتو 18 مرة لحماية إسرائيل من الإدانة بسبب احتلالها لجنوب لبنان ( 9 مرات ) ، ولاختطافها طائرة مدنية ليبية ، وقد بررت الولايات المتحدة تلك القرصنة الجوية ، واعتبرتها عملا مقبولا للدفاع عن النفس ، ولعدم انسحابها من مرتفعات الجولان السورية ، ولتجاوزاتها فى حقوق الفلسطينيين حسب اتفاقيات جنيف ، وقتلها المدنيين ، ورفضها لحق العودة ، ولقتل أحد جنودها لأحد عشر مصليا فى الحرم الإبراهيمى ، والجدير بالذكر أن إدارة ريجان استعملت الفيتو لحماية إسرائيا أكثر من أية إدارة أمريكية أخرى ، أما إذا نظرنا إلى فترة الرئيس جورج بوش الأب ، نجد أن الفيتو اُستخدم أربع مرات لمنع مشاريع قوانين تدين إسرائيل على قمعها للإنتفاضة الفلسطينية ، ومعاملتها اللا إنسانية للفلسطينيين ، بينما فى عهد الرئيس كلينتون اُستعمل الفيتو ثلاث مرات لحماية إسرائيل من الإدانة على مصادرة أراضى الفلسطينيين ، وبناء المستوطنات عليها فى القدس ، وبذلك يكون عدد مرات الفيتو فى الفترة من 1972-1997 هو 32 مرة ، ولو أضفنا لهذا الرقم ولنفس الفترة الزمنية 68 قرارا آخر مررها مجلس الأمن ولم تنفذها إسرائيل ، يكون إجمالى قرارات مجلس الأمن وحده 100 قرار ، وفى معظمها كان هناك إجماع من الأعضاء الأربعة عشر الآخرين ، وهو مشهد فى غاية الفجاجة والقبح ، أن تقف الولايات المتحدة فى جانب والعالم فى جانب آخر ، وفى كل مرة تجد المبررات الهزلية لحماية إسرائيل من الشجب والإدانة ، وحماية الولايات المتحدة لإسرائيل فى المنظمات الدولية ليس مقصورا على مجلس الأمن ، وإنما يمتد إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها ، يقول Norman Gary Finkelstein ، وهو محاضر ومحلل سياسى أمريكى فى تعليقه بتاريخ 2-6-2010 على وقوف الولايات المتحدة مع إسرائيل بعد هجومها على سفينة المعونة التركية ضد شجب وإدانة العالم بأكمله : إن هذا يحدث أيضا فى التصويت السنوى للجمعية العامة حول القضية الفلسطينية Every year there is a resolution entitled Peaceful Settlement of the Question of Palestine in the annual UN General Assembly and if you look at the vote ..the whole world is on one side and on the other side is always the United States , Israel ، ومن الأمثلة الأخرى الجديرة بالذكر هنا أن مجلس النواب الأمريكى ، وعقب إصدار القاضى الجنوب أفريقى Richard Goldstone لتقريره الذين يدين إسرائيل فى حرب غزة ، صوت المجلس بأغلبية 344 صوتا إلى 36 باعتبار قرار القاضى متحيزا irredeemably biased ، وهو ما دعا الكاتب البريطانى Andrew Alexander إلى السخرية من تصرف النواب فقال متهكما ( أنهم ربما لم يقرأوا التقرير) ، ولكنها العصبية العمياء ، والتحيز البغيض دوما لإسرائيل .

ثانيا : ماذا يحمل المستقبل للقضية الفلسطينية ؟

هناك حتميتان تاريخيتان لا يمكن تجاهلهما ، لأنهما من السنن الإلهية التى لا تعرف التغيير ولا التبديل ، وتسرى على الخلق جميعا ، وفى كل زمان ومكان ( فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ) فاطر 43 ، ( سنة الله التى قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ) الفتح 23 ، وهما : أن الحق دائما ينتصر ، ومهما طال الزمان ، ومشكلة الكثيرين انعدام الصبر ، والجزع من تحمل المشاق ، وتبعات الجهاد ، ولكن المؤمنين والصالحين لا يضرهم ذلك ، ولذلك وعدهم الله أن يستخلفهم فى الأرض ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ...) النور 55 ، ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . أنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم الغالبون ) الصافات 173-171 ولهذا فإن رجوع فلسطين إلى أهلها حتمية لا تقبل الجدال ، والحتمية الأخرى أن الولايات المتحدة ستفقد تفردها وسيطرتها على العالم ، لأن التدافع سنة إلهية ، ومنذ سقوط الإتحاد السوفيتى ، انفردت الولايات المتحدة بشئون هذا الكوكب ، تظلم من تشاء ، وتحاصر من تشاء ، وتعتدى على من تشاء ، وحيث أن تلك حالة مغايرة لسنة التدافع ، فلا بد أن تزول وتنقشع قريبا ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز ) الحج 40 ، غير أن حتمية النصر ، وعودة الأرض إلى أصحابها ، تحتاج إلى أمة واعية متمسكة بحقوقها ، قادرة على فرض إرادتها ، فالحتميات التاريخية يجريها الله تعالى على أيد الرجال ، وليس الكسالى والهازلين ، ومن يعطون الدنية فى دينهم ودنياهم ، وهذا يقودنا إلى السؤال الهام :

ثالثا : ماذا علينا أن نفعل ؟

السؤال ليس هينا ولا بسيطا، وإجابته تغطى قضايا عديدة ومتشابكة ، وتحتاج قدرا كبيرا من التحليل والتدقيق ، وقدرا أكبر من الإعداد والتنفيذ ، ويمكن تقسيم واجباتنا إلى أشياء ينبغى الكف عنها ، لأنها عبث وتخدير وتضليل ، وتضييع للوقت والجهد والطاقة ، وأشياء ينبغى الحذر منها ، وأشياء ينبغى عملها بهمة ونشاط ، ويمكن تلخيصها فى النقاط التالية :
1- من الأشياء التى ينبغى الكف عنها تلك المفاوضات الهزلية العبثية ، وذلك لأن اليهود لا يحترمون ميثاقا ، ولا يرعون عهدا ، ولا يوفون بوعد (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون . ثم توليتم من بعد ذلك ...) البقرة 63-64 ، ( وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذى القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون ) البقرة 83 ، ( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون . ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ...) البقرة 85 ، (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا ...) البقرة 93 ، ( أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ) البقرة 100 ، ( وقلنا لهم لا تعدوا فى السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ...) النساء 157 ، ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم ...) المائدة 13 ، فهم بإصرارهم على نقض العهد والميثاق استوجبوا لعنة الله ، ومن الجدير بالذكر هنا أن لفظة لعن ومشتقاتها وردت فى القرآن الكريم 41 مرة ، منها 18 مرة وقع اللعن فيها على اليهود تخصيصا ، والمرات الباقية كانت لعنا للظالمين والكافرين وغيرهم ، والمتابع لذلك المشهد التفاوضى الهزيل بين السلطة وإسرائيل ، يرى مدى الحيل والمناورات ، ويدرك أنه وبعد ثلاثة عقود لم تحسم مسألة واحدة فى صالح الفلسطينيين ، ولذلك يقول نعوم تشومسكى Noam Chomsky المفكر الأمريكى اليهودى ، والذى تعتبره صحيفة New York Times أشهر مفكر لا يزال على قيد الحياة ، فى حديثه لصحيفة السفير اللبنانية ، فى 22 مايو 2010 : ( دخل العرب والفلسطينيون السلام من الباب الخطأ ، وما يجرى هو استسلام وليس سلاما ، ولن تذعن إسرائيل للسلام مادام المجتمع الدولى يساعدها وأمريكا تدعمها ) .

إن إسرائيل مصابة بما يمكن أن نسميه عقدة البقرة ، وهى إدمان التحايل بكافة طرق الألاعيب ، ومختلف صور المعاذير ، حتى يتحللوا من الالتزامات التى يجب عليهم القيام بها ، وقد بينها لنا القرآن الكريم ، عندما أمر الله سبحانه اليهود أن يذبحوا بقرة ( صيغة التنكير للدلالة على أن أية بقرة ستفى بالغرض ) ، ويضربوا بجزء منها القتيل ، فتعود إليه الحياة ، ويخبر عن قاتله ( وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذبالله أن أكون من الجاهلين ) البقرة 67 ، وهنا يبدأ مسلسل المناورات ، ما عمرها ؟ ما لونها ؟ ما حالتها بين البقر؟ وكلما جاءهم الرد ، كلما جاءوا بسؤال جديد ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون . قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين . قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون . قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون ) البقرة 71-68 ، والأمر ليس قصرا على حادثة بعينها ، لكنه تحول إلى نمط وأسلوب حياة ، بينه لنا القرآن الكريم فى حادثة أخرى ، عندما سألوا نبيا لهم بعد موسى عليه السلام أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه فى سبيل الله ، فلما جاءهم الملك اعترضوا عليه ، وانفضوا من حوله ، ومن بقى معه تساقطوا مجموعة بعد أخرى فى الاختبارات التى وضعت فى طريقهم ، وعندما وجدت البقية الباقية نفسها فى النهاية أمام عدوها تعللت بعلة أخرى ( ألم تر إلى الملأ من بنى إسرائيل إذ قالوا لنبى لهم ابعث لنا ملكا نقاتل فى سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل فى سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين . وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة فى العلم والجسم والله يؤتى ملكه من يشاء والله واسع عليم . وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين . فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه منى إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ...) البقرة 249-246 ، والمتابع للمفاوضات الفلسطينة يجد أنه كلما نوقشت قضية ما ، يختلق الإسرائيليون مشكلة أخرى للحديث حولها ، حتى يتم اختلاق المشكلة التالية ، وهكذا فقدت المفاوضات مواضيعها ، ونسى المفاوضون ما كانوا يتفاوضون حوله ، حتى لم يصبح هناك شئ للتفاوض ، بعد مصادرة الأراضى الفلسطينية ، وتفتيتها بالجدار العازل والمستوطنات ، ولم يبق هناك أرض لإقامة الدولة الفلسطينية المزعومة غير مبنى مقاطعة رام الله .

2- علينا أيضا أن نكف عن ترديد تلك المقولة البلهاء بأن %99 من أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة ، لأن معنى ذلك أننا نلغى وجودنا ، وما نملك من أوراق ضغط كثيرة ، ولو توفرت الإرادة السياسية والعزيمة لفّعلناها ، ولحققنا شيئا من التوازن بين رغباتنا ومصالحنا ، ورغبات الآخرين ومصالحهم ، وغرام الولايات المتحد بإسرائيل والذى تدلل عليه أجزاء مختلفة من هذا المقال ، ليس فقط أمرا مرتبطا بالسياسة الخارجية الأمريكية بل إن دور اليهود الأمريكيين فى السياسة الداخلية والصحافة والإعلام وصناعة السينما والمجالات الإقتصادية وما يشكله ذلك من عوامل ضغط مختلفة على توجهات الحكومة الأمريكية ، لهو مما يعلمه كل متابع ، ويكفى على سبيل المثال أنه وبرغم أن اليهود لا يتجاوزون %1.7 من عدد السكان فى الولايات المتحدة U.S. Census Bureau ,2007 ، فإنهم فى الكونجرس الحالى the 111th Congress يحتلون 13 مقعدا فى مجلس الشيوخ Senate من مجموع 100 ، أى بنسبة %13 ، بينما عددهم فى مجلس النواب House of Representative والمكون من 435 عضوا هو 31 ، أى %7.13 ، بينما عددهم فى المحكمة الدستورية العليا Supreme Court سيصل إلى 3 من 9 أى بنسبة %33.33 ، فى حالة التصديق على مرشحة أوباما للعضوية اليهودية Elena Kagan ، وهو ما تشير إليه جميع التوقعات .

3- علينا أيضا أن نكف عن مقولة أخرى أكثر بلها بأن السلام خيارنا الإستراتيجى الوحيد ، ولا أدرى من أين أتت العقلية الساداتية الخرقاء بتلك المقولات ، وجميع الأمم أيا كان ضعفها تترك لنفسها دائما الخيارات ، وتفعل ما يجب عليها أن تفعله حربا كان أو سلاما ، والذين يرددون ببغائية تلك المقولات يتناسون أن إسرائيل ورغم سلامها مع مصر لا تكف عن التهديد والوعيد ، وفى استطلاع أجراه المركز الإسرائيلى للديمقراطية ، والتابع للكنيست ، ونشرته صحيفة المصرى اليوم بتاريخ 28-3-2009 ، أجاب %33 من الإسرائيليين بأنهم يؤيدون إعادة احتلال سيناء كاملة ، و %19 يؤيدون احتلال معظمها ، و %29 يؤيدون احتلال جزء كبير منها ، و %8 يؤيدون احتلال جزء صغير منها ، بينما %11 لا يؤيدون احتلال أى جزء منها ، ومما يجد ذكره هنا أن الساسة الإسرائيليين أنفسهم لا يخفون ذلك ، حيث صرح وزير الأمن آفى ديختر ( لقد خرجنا من سيناء بشرط إمكانية العودة إليها متى نشاء بموجب ضمانات أمريكية ) ، وهو ما يعيد إلى الأذهان تلك الصفقة المشينة التى عقدها السادات ، والذى يصفه د . حسن نافعة فى مقاله فى صحيفة المصرى اليوم بتاريخ 5-4-2009 بأنه وقع منفردا ، ولم يتشاور مع أحد من معاونيه ، وقدم تنازلات ليس لها مبرر ، ووافق على شروط إسرايلية بدون داع ، ولم يعط الوقت الكافى لمجلس الشعب أو أوساط الرأى العام للنقاش وإبداء الرأى .

4- ومن الأشياء التى ينبغى الحذر منها أن نعتقد ولو حتى فى الأحلام أن إسرائيل جارة وصديقة ، فإسرائيل ورغم خدمات النظام المصرى لها ، والتى يجد العقل السليم صعوبة فى تصديقها ، مازالت تترصد بمصر وغيرها من البلاد العربية ، فهى ترسل الجواسيس ، وتجلب أحدث الأسلحة ، وتخلق لمصر المشاكل فى السودان ومنابع النيل ، وتؤجج المشاكل فى العراق ولبنان ، ومن آخر ما تفتقت عنه العقلية الإسرائيلية ما نشرته صحيفة Yedioth Ahronoth بتاريخ 21-7-2010 من استحداث وزارة شئون المتقاعدين لإدارة جديدة مهمتها البحث عن ممتلكات المهاجرين اليهود فى البلاد العربية ، والمطالبة بها ، ويقدر عدد هؤلاء والذين هاجروا طواعية إلى إسرائيل بمليون يهودى ، منهم 250,000 من المغرب ، و 135,000 من العراق ، و 120,000 من إيران ، و 103,000 من تونس ، و 55,000 من اليمن ، و 20,000 من سوريا ، و 5,000 من لبنان ، ويدعى هؤلاء أنهم تركوا عشرات المليارات من الدولارات تشمل منازل ومحال ومصالح تجارية ، وحسابات مصرفية ومؤسسات عامة ، ويدعى أحد هؤلاء أن لديه وثائق تفيد بامتلاكه لسبعة آبار نفط فى إيران ، وتنوى تلك الإدارة المستحدثة إعداد ملفات قضائية لكل واحد من هؤلاء ، ورفع دعاوى لاستعادة ممتلكاتهم ، أو المطالبة باستعادتها بصورة غير مباشرة وعبر طرف ثالث ، ومما يدعو للأسى أن العرب لا يتابعون ما يُدبر لهم ، ففى 2-4-2008 صادق مجلس النواب الأمريكى على قرار سُمى قضية اللاجئين اليهود فى الأقطار العربية ، وتحدث عن تعويض 850,000 منهم بدعوى أن أراضيهم وممتلكاتهم قد صادرتها الحكومات العربية قبل هجرتهم إلى إسرائيل ، ولا أدرى إلى متى يستمر البعض فى الحديث عن السلام والتطبيع ، وقد نصحو يوما ما على مطالبة إسرائيل بالمدينة المنورة بحجة أن اليهود طُردوا منها فى صدر الإسلام ، أو المطالبة بأهرامات مصر كآثار يهودية ، أو غير ذلك من صور الإبتزاز ، واستنزاف أموال الشعوب العربية والتى تبددها الأنظمة الهزيلة ، حارمة شعوبها من استخدامها فى التنمية ، وتحسين مستويات المعيشة .

5- ينبغى الحذر من كل الأصوات والأقلام العلمانية التى تحاول إزاحة الإسلام ، وإبعاده عن ساحة الصراع ، وأصحاب تلك الأصوات والأقلام كثيرون ، ومنهم على سبيل المثال عمرو حمزاوى الذى كتب مقالا بصحيفة الشروق بتاريخ 6-6-2010 بعنوان ( أربعة أسباب للامتناع عن أسلمة الصراع العربى مع إسرائيل ) وأسباب الكاتب هى أن العرب يضمون بينهم قطاعا لا يدين بالإسلام ، كما أن فلسطين تمثل أرضا وتاريخا ومقدسات يشترك فيها المسلم وغير المسلم ، علاوة على أن أسلمة الصراع تعنى تحويله إلى صراع وجود بين المسلمين واليهود ، وهذا مما ينفر المتعاطفين الآخرين ، وكلها أسباب هزيلة ، رد عليها الأستاذ فهمى هويدى بمقال ( يريدون مسلمين بغير إسلام ) ، نشرته الشروق بتاريخ 10-6-2010 ، وفيه يذكر ملاحظتين : أولهما أن تلك الدعوة تنطلق من رؤية استشراقية نافرة من الإسلام بالأساس، وهى معنية بإقصائه عن الصراع بأكثر من عنايتها بالصمود فى مواجهة العدو ، أو كسب الصراع ، وثانيتهما أن هذا الكلام يصدر فى الوقت الذى تتصدر فيه القوى الإسلامية صفوف المجاهدين ، وتدفع الثمن الأكبر فى ساحة المواحهة ، فالقوى الإسلامية تقف فى الصف الأول ، وتتحمل العبء الأكبر ، وتدفع الثمن الأكبر ، سواء كانت حماس أو الجهاد أو حزب الله ، أو المقاومين للاحتلال الأمريكى فى العراق ، ولا يمكن لعاقل أن يطل على الساحة ويدعو تلك القوى إلى التنازل عن منطلقها الجهادى بدعوى عدم إثارة حساسيات الآخرين ، والمدهش فى الأمر أن الذين يأنفون من ذكر المرجعية الدينية فى الصراع لا يقدمون بديلا ينهض بمسئولية مواجهة العدو ، فى حين ينشغلون بتجريد القوى الإسلامية من أمضى أسلحتها وأكثرها فاعلية ، وبدلا من توثيق العرى مع القوى النضالية والمنظمات الإنسانية الأخرى ، فإنهم يسعون إلى تعميق الفجوة بين الطرفين ، وإعطاء انطباع بأن خطاب القوى الإسلامية يقوض التصالح والتوافق ، ويثير التناقض والتعارض ، ويختم الأستاذ فهمى مقاله بالقول ( أبسط مبادئ الاحتشاد تدعو الى التركيز على وحدة الهدف ، مع القبول بتنوع المنطلقات الفكرية والسياسية ، بحيث يصطف المشاركون استنادا إلى منطلقاتهم الوطنية جنبا إلى جنب مع أصحاب المنطلقات القومية أو الدينية أو الإنسانية ، أما أن تطالب أى جماعة بالتنازل عن منطلقاتها ، بعضها أو كلها ، فذلك مما ينطبق عليه قول الجاحظ أنه سقم فى العقل ، وسخف فى الرأى ، لا يتأتيان إلا بخذلان من الله سبحانه وتعالى ) .

6 - فى مقال جيد نشرته القدس العربى بتاريخ 17-5-2010 ، بعنوان ( فى ذكرى النكبة : رسالة إلى عمرو موسى ) ، كتب عبد الحميد صيام مجموعة من المقترحات سماها مشروع التوعية القومية ، وهدفها إبقاء القضية الفلسطينية حية فى قلوب وعقول الأمة ، ومنها اعتبار شهر مايو بكامله شهر النكبة , ويوم الخامس عشر منه يوم النكبة ، وفى هذا الشهر تقام الأنشطة المختلفة المسرحية والفلمية والخطابية والوثائقية ، والمعارض والمؤتمرات والندوات ، وغيرها من الأنشطة للحديث عن فلسطين ، وفى يوم النكبة تُخصص الإذاعات والتلفزيونات جميع برامجها لتلك المناسبة ، وتُنظم رحلات لمناطق الحدود لمعاينة الأرض المحتلة ، والتكحل بمشاهدتها ، ومن المقترحات أيضا تخليد أسماء المدن والقرى الفلسطينية بتسمية شوارع ومؤسسات عربية وجامعات ودور بحث ومعالم سياحية وغيرها بتلك الأسماء ، ومن المقترحات الهامة تدريس كل ما يتصل بالقضية للطلاب فى جميع المراحل الدراسية ، أما اقتراحه الأخير فيتضمن إشراك كل الدول الصديقة ، وكل المؤيدين للحق العربى فى أى مكان من العالم فى تلك الأنشطة ، ورغم أن الكاتب وجه مشروعه لعمرو موسى باعتباره أمين جامعة الدول العربية ، ورغم أنه لم يحقق إنجازا واحدا طيلة فترة أمانته العقيمة ، إلا أن الأفكار تبقى ذات قيمة ، ويمكن تفعيلها بواسطة الهيئات الشعبية ، وما لا يمكن تنفيذه بسبب قيود الأنظمة الحاكمة ، يمكن تفعيله بصورة أو بأخرى بواسطة الهيئات الشعبية ، والمنظمات المدنية ، كما يمكن على الأقل للأسر والأفراد أن تُبقى شعور عدالة القضية ، وأمل العودة فى النفوس والضمائر ، وهذه الأمور وإن بدت بسيطة ، إلا أن لها دورا هاما فى خلق الوعى ، ومن دلالات ذلك استطلاع أجراه مركز جافا للدراسات السياسية والإستراتيجية بجامعة تل أبيب ، على عينات من الشارع المصرى ، ونشر فى العام الماضى ، وفيه يرفض %89 من المصريين التعامل مع إسرائيل ، ويؤمن %64 بأن إسرائيل إلى زوال ، ويتوقع %87 بنشوب حرب بين العرب وإسرائيل ، ويرى %84 باستحالة السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل ، ويعتقد %74 بأن الصراع عربى إسرائيلى ، وليس فلسطينيا إسرائيليا ، وكلها دلائل على وعى قطاع كبير من المصريين ، وعدم تأثرهم بتضليل الإعلام الرسمى ، وسياسات الأنظمة .
7- من الأخطاء الفاحشة فى إدارة العرب للصراع مع إسرائيل ، سواء كان ذلك على مستوى الأنظمة أو الإعلام ، أننا دائما نظن أو نتوهم أو نمنى أنفسنا أن الإسرائيليين ربما يحترمون مبادئ التعاملات الأخلاقية والمعاهدات الدولية ، ويتصرفون من منطلقاتها ، وعندما نفعل ذلك نضلل أنفسنا ، ونضلل أجيالنا الشابة ، ولذلك دائما ما نتعجب من عدوانيتهم الوقحة ، وقسوتهم المفرطة ، والشئ الذى ينبغى علينا أن نؤمن به أن العدوانية والقسوة والإفساد وعدم التناهى عن المخازى صفات أصيلة فى سلوكياتهم وتكوينهم النفسى ، وقد أوضح القرآن الكريم ذلك فى آيات عديدة ( لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) المائدة 79-78 ، ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) المائدة 82 ، ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ) النساء 160 ، ( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون فى الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ) المائدة 64 ، ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ) المائدة 13 ، (.. وقولهم قلوبنا غلف .. ) النساء 155 ، ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لم يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون ) البقرة 74 ، ( ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) البقرة 61 ، ( ..وباؤوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) آل عمران 112 ، ( وترى كثيرا منهم يسارعون فى الإثم والعدوان..) المائدة 62 ، ( ..كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون..) المائدة 71 ، ( وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم ..) النساء 157 ، ومفردات تلك الآيات وغيرها تدور حول معانى العدوان ، والمسارعة إلى الإثم والعدوان ، والإفساد فى الأرض ، وإشعال الحروب ، والعصيان ، وعدم الانتهاء عن المنكر ، وقسوة القلب المفرطة ، والقتل حتى للأنبياء ، بل والتباهى بذلك كما فى ( وقولهم إنا قتلنا المسيح ..) ، والظلم ، وشدة العداوة للمؤمنين ، وبالتالى فإن المجازر التى يرتكبونها كل يوم من قتل النساء والأطفال والمسنين ، وهدم البيوت على رؤوس قاطنيها من المدنيين الأبرياء ، وحرق المزروعات ، وتجريف الأرض ، واقتلاع أشجار الزيتون والفاكهة ، واستعمال الأسلحة المحرمة ، وحصار 2/11 مليون فى غزة ، وحرمانهم من الطعام والدواء ومتطلبات الحياة ، وغيرها من ممارسات البلطجة والإجرام ، كلها ليست خارجة عن العادة ، بل هى تعبير وترجمة للعدوانية والبربرية والقسوة المتناهية فى عنفوانها وفجورها ، ولذا يصاب المرء بالدهشة عندما يسمع تصريحات الساسة العرب ، أو يقرأ لكثيرين من الكتاب عقب كل مجزرة أو جريمة ، وأضرب هنا مثلا مما كتبه د. يحيى الجمل 7-6-2010 ، فى المصرى اليوم بعنوان ( حتى لا نكون الهنود الحمر الجدد ) : ( العربدة الإسرائيلية التى حدثت بمناسبة اقتراب قافلة الحرية التى كانت متجهة إلى غزة فى محاولة لفك الحصار هى عربدة غير مسبوقة لا فى مقدماتها ولا فى طبيعتها ولا فى تداعياتها ) ، عندما يكتب ذلك رجل قانون يعلم أن حوادث البغى والظلم والعدوان منذ 1948 وحتى الآن لمما يصعب إحصاؤه ، لأنها تحدث فى كل يوم وفى كل ساعة وفى كل دقيقة .

هناك أمر هام لابد من تناوله للرد على المتحذلقين من العلمانيين الذين يرفضون الربط بين يهود اليوم ويهود الأمس الذين تناولهم القرآن الكريم ، ووصفهم بما تعرضت له خلال هذا المقال ، وهؤلاء عندما يرفضون هذا الربط يفعلون ذلك عن ضلالة دينية وعلمية للدفاع عن يهود اليوم ، أو للدفاع عن إسرائيل ، والقرآن الكريم تحدث عن السلوك اليهودى تعميما فى كثير من المواضع ، وفى فترة ممتدة من داود عليه السلام إلى نبوة محمد (ص) ، وهى فترة تقدر بعدة آلاف من السنين ، وتناول حوادث محددة فى مواضع أخرى ، وفى كل تلك المواضع كان السلوك اليهودى من العصيان والعدوان وغيرها من الخصال السيئة واحدا ، ولذلك فإن الوعد الإلهى بالعقاب ممتد إلى يوم القيامة ( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب...) الأعراف 167 ، الأمر الآخر أن اليهود فى جميع العصور ، وفى جميع أصقاع الدنيا يعيشون حياة منعزلة ، وفى الأغلب لا يتزوجون من الآخرين ، وهذا ما جذب انتباه علماء الوراثة لدراسة التركيب الوراثى لمجموعات اليهود فى بلاد مختلفة ، ومن الرواد فى هذا الميدان Michael Hammer الأستاذ فى جامعة أريزونا University of Arizona والذى نشر نتائجه فى الدورية العلمية Nature ,1997 ، وخلص فيها إلى أن التركيب الوراثى اليهودى Jewish genomes يمكن تتبعه إلى نسل هارون عليه السلام ، أى 106 جيل generation ، وهى فترة خروج اليهود من مصر exodus ، وقد نشرت مجلة Newsweek الأمريكية فى عددها بتاريخ 3-6-2010 مقالا بعنوان The DNA of Abraham's Children ، كتبته المحررة العلمية للمجلة Sharon Begley ، وتعرضت فيه بالتلخيص لبحث آخر بعنوان Abraham's Children in the Genome Era ن سينشرهذا الشهر فى المجلة العلمية American Journal of Human Genetics ، ويخلص إلى نفس النتيجة ، صحيح أن اليهود يحاولون إثبات نسلهم إلى إبراهيم عليه السلام ، ويحاولون إثبات حقهم المزعوم فى فلسطين ، غير أن العقل والمنطق يقبل بسهولة فكرة بقاء التركيب الوراثى لليهود مميزا لعزلتهم التى يعلمها الجميع ، ويبقى الزعم بأنهم اليوم مختلفين عنهم بالأمس زعما لا أساس له ، وتبقى صفاتهم وأعمالهم الخبيثة أمرا يتوارثونه كما يتوارثون تركيبهم الوراثى ، ويبقى القرآن الكريم شاهد عدل وصدق إلى آخر الزمان .

8- هناك أمر هام ينبغى علينا تفعيله ، واستثماره إلى أبعد الحدود ، وهو تزايد أعداد الناقمين على إسرائيل فى كل مكان ، بما فى ذلك البلاد الغربية نفسها ، وتزايد الشاجبين والمنددين بسلوكها العدوانى المفتقر إلى أبسط الفضائل الإنسانية ، وينتمى إلى هؤلاء أفراد عاديون ، ومفكرون وإعلاميون وكتاب ، وجماعات حقوقية ومدنية ، وهم جميعا نواة لو تعهدناها بالتواصل ، وتبادل الأفكار ، لأمكن أن تتحول إلى أدوات ضغط على الحكومات فى مجتمعاتها لتغيير سياساتها الموالية لإسرائيل ، وأدوات أيضا لفضح عنصرية إسرائيل وإجرامها ، مما يساعد على ترشيد الرأى العام العالمى ، وخلال الحرب على غزة فى ديسمبر 2008 ، ويناير 2009 ، والعدوان الأخير على سفن المعونة فى المياه الدولية ، وبسبب حصار غزة تحدث الكثيرون من الشرفاء بما يدعم الحقوق الفلسطينية العادلة ، ومن أمثلة ذلك ما كتبه Richard Falk فى 29-12-2008 ، وهو أستاذ القانون بجامعة Priceton الأمريكية ، من أن إسرائيل انتهكت القانون الإنسانى الدولى حسب اتفاقيات جنيف بعقابها الجماعى لسكان غزة ، ومهاجمتها للمدنيين ، واستخدامها القوة العسكرية غير المتناسبة ، وحصارها لغزة ، واعتبر تلك الإنتهاكات جرائم حرب ، وجرائم ضد الإنسانية ، واعتبر الدول المزودة لإسرائيل بالسلاح ، والمشاركة معها فى الحصار ( مصر هى شريك إسرائيل فى الحصار ) متواطئة ومتآمرة فى تلك الجرائم ، ومما يجدر ذكره أيضا أن نيكاراجوا قطعت علاقتها الدبلوماسية بإسرائيل بعد عدوانها على سفن الإغاثة ، وأن جنوب أفريقيا وأكوادور استدعت سفيريهما فى إسرائيل ، وألغت فيتنام زيارة بيريز لها تضامنا مع أهل غزة ، وأعلنت نقابة عمال النقل ، ونقابة عمال الموانى النرويجية مقاطعة السفن الإسرائيليى لمدة أسبوعين احتجاجا على الهجوم على سفن الإغاثة ، ووصف Norman Gary السابق الإشارة إليه إسرائيل بالكلب العقور ، ووصف Marc Lynch فى مجلة Foreign Policy بتاريخ 2-6-2010 ، حصار غزة بالسخف وانعدام الحس الأخلاقى the strategic absurdity and moral obtuseness of the Israeli blockade ، وغير ذلك الكثير مما يجب الإنتفاع به لخدمة قضايانا ومصالحنا.

9- كل تلك المقترحات السابقة أمور يمكن أن يقوم بها الأفراد والجماعات والجمعيات بمفردها ، أوتشترك معهم الأنظمة ، ولا يمكن لأحد أن يلومها فى ذلك حتى مع تعهداتها الدولية ، غير أن العمل الأهم هو فى الحقيقة مسئولية الدول العربية ، فهى التى تضع التشريعات والضوابط ، وهى التى تمتلك إمكانيات التخطيط والتنفيذ ، وخاصة أن الأمر فى حقيقته مسألة قومية تخص سلامة المجتمع وأمنه واستقراره ومستقبله ، ولا يعقل إغفال ذلك تحت أية ذريعة من الذرائع ، ولذلك فإنه وبجانب كل ما سبق يبقى إعداد الجيوش وتدريبها وتسليحها وتحديثها أمرا ذا أهمية فائقة لا يجوز التغاضى عنه تحت حجج السلام أو غيرها ، ومشكلتنا الكبرى هى عدم فهم الأنظمة لما يُدبر لنا من مؤامرات ، وربما علمها وعمالتها وسكوتها على ما يهدد مجتمعاتها ، أو حتى انسياقها ببله وغباء إلى كل ما يضرشعوبها ، ويبدد مواردها ، ومشاركة العرب فى تدمير العراق ، وسكوتهم على ما يحدث فى الصومال والسودان ، وما يقال عن تعاونهم بالسكوت أو تقديم التسهيلات فى حالة العدوان المتوقع على إيران ، كلها دلائل على انعدام الرؤية الإستراتيجية لتلك الأنظمة ، يذكر George Friedman ، وهو أحد خبراء المستقبليات الأمريكيين ، فى كتابه ( المائة عام القادمة .. رؤية للقرن الواحد والعشرين ) The Next 100 Years : A Forecast for the 21st Century ، والذى أصدرته Knopf Doubleday Publishing , 2009 أن استراتيجية الولايات المتحدة هى زرع الفوضى والاضطرابات ، والتكتيكات المستخدمة لذلك تشمل شن الحروب (العراق) ، أو تأليب مكونات المجتمعات ضد بعضها البعض لخلق الفتن الداخلية ، وإحداث التمزق والتشرذم ( اليمن ، السودان ، الصومال ، لبنان ) ، والغرض من كل ذلك ألا تستطيع تلك المجتمعات بناء قوى قادرة على الاستقلالية والتحدى للرغبات الأمريكية ، وتلك الإستراتيجية موجهة بالخصوص للعرب والمسلمين .

رابعا : العد التنازلى لإسرائيل

يقول مناحم بيجن ، أحد الآباء المؤسسين لإسرائيل ، وواحد من أكثرهم إجراما ودموية ، إن إسرائيل إذا هزمت مرة واحدة فلن تنتصر بعدها أبدا ، وقد كان ، فالهزيمة التى منيت بها فى حرب السادس من أكتوبر 1973 ، لم يعقبها نصر ، فقد هُزمت بعدها من المقاومة اللبنانية فى الجنوب ، واُضطرت إلى الإنسحاب ، وهُزمت فى حربها مع حزب الله فى صيف 2006 ، وهُزمت فى عدوانها الهمجى على غزة فى ديسمبر 2008- يناير 2009 ، رغم الفارق الهائل فى التسليح والإمكانيات ، ورغم تبديد السادات لقيمة نصر إكتوبر عسكريا بالفوضى التى أدت إلى الثغرة ، وسياسيا بإتفاقيته المهينة ، إلا أن نصر أكتوبر كان بداية العد التنازلى لإسرائيل ، والمتابع للتطورات الإقليمية والعالمية يدرك ذلك ، ويدرك أيضا كم التخبط والعشوائية فى السياسات الإسرائيلية ، ومن أمثلة هذا المنحى الجديد حصار غزة والعدوان عليها ، وما أعقب ذلك من تقرير قاضى المحكمة الدولية جولدستون ، واغتيال محمود المبحوح القيادى بحماس فى دبى بفريق خاص استخدم جوازات سفر غربية مزورة ، واحراج الإدارة الأمريكية فى قضية الاستيطان ، والهجوم على سفن الإغاثة ، ومنع نعوم تشومسكى من دخول الضفة الغربية ، والدراسات المختلفة لإسرائيليين عن نهاية إسرائيل ، وهى دراسات غير مسبوقة فى تاريخ الدول ، ولم يُعرف أبدا مجتمع أيا كان صغره وضعفه يناقش نهايته ، فالأمة ليست تجميعا لأفراد على أرض ما ، ولكنها بجانب الأرض حضارة وتاريخ وروابط لا تنفصم ، بل إن هناك يهودا ينزعون الشرعية عن إسرائيل لأسباب دينية ، يقول وزير البنية التحتية الإسرائيلى بنيامين بن اليعازر Benjamin Ben - Eliezer فى حواره مع صحيفة يديعوت أحرونوت Yedioth Ahronoth ، والذى نشرته بتاريخ 25-6-2010 : ( العالم مل منا .. سئمنا ، وسئم الاستماع إلى شكاوانا ، سياساتنا فشلت ..لا نحاصر غزة بل نحن المحاصرون..لا يوجد شريك فى الطرف الفلسطينى ..حاليا يتأسس محور الشر الذى تشارك فيه إيران والعراق وسوريا ولبنان وتركيا ، وسيخوض معركة حكيمة لنزع الشرعية عنا .. علاقتنا بأمريكا تردت ، وللمرة الأولى توافق على مشروع قرار يقضى بمراقبة دولية للأسلحة النووية فى إسرائيل ، وهذا خطير جدا وغير مسبوق ) ، وتذكر الصحيفة بعضا من المواقف التى حدثت للوزير ، مثل قول وزيرة سويدية رفيعة المستوى له فى لقاء بينهما ( أنتم فى إسرائيل دولة فصل عنصرى apartheid ) ، وقول وزير الخارجية الفرنسى كوشنير له عن حصار غزة ( هذا الوضع لا يمكن أن يستمر ) ، وعند مشاركته فى مؤتمر اقتصادى مؤخرا فى الدوحة ، قال له المسئولون فى الإمارة ( حسنا يفعل إذا غادر البلاد وعاد إلى إسرائيل ) ، وقال له مندوب دولة غربية واسعة التأثير فى المؤتمر ( أنتم فى إسرائيل عصابة من الحيوانات ) ، وتصف الصحيفة بن اليعازر بأنه لم يكن متشائما فى الماضى كما هو حاله اليوم .

ويذكر عبد البارى عطوان فى مقاله ( حصار غزة يغير وجه المنطقة ) ، والذى نشرته صحيفة القدس العربى بتاريخ 12-6-2010 ( تعاظم القرف الغربى من البلطجة الإسرائيلية السياسية منها والعسكرية ، ووصولها إلى قناعة بأن هذه البلطجة باتت تشكل خطرا مباشرا على مصالحهم وأمنهم وأرواح مواطنيهم ، هذا الإنجاز الكبير لم يكن أى دور للأنظمة الرسمية العربية فى تحقيقه ) ، وفى تطور لافت آخر لوجه المنطقة ، يكتب الأستاذ فهمى هويدى فى صحيفة الشروق 29-6-2010 ، بعنوان ( خرائطنا إذ ترسم فى غياب مصر ) : ( الاستقرار ومن ثم النهوض فى الشرق الأوسط يقوم على أعمدة ثلاثة : هى مصر ممثلة للعرب وتركيا وإيران ، وهو ما اعتبره جمال حمدان مثلث القوة فى المنطقة ، ويرصد الباحثون أن التفكير الإستراتيجى الغربى ظل حريصا دائما على ألا تلتئم أضلاع ذلك المثلث .. خرجت إيران من المعسكر الغربى ، وحافظت تركيا على استقلالها إزاءه ، ومن ثم خسرت إسرائيل أهم حليفين لها فى المنطقة .. وفى الوقت ذاته أقامت مصر تحالفا إستراتيجيا مع الولايات المتحدة ، وعقدت تصالحا أقرب إلى التحالف مع إسرائيل ، وهو ما بدد الأمل فى تكامل أضلاع مثلث القوة ، وأدى إلى انفراط عقد العالم العربى ، وأحدث فراغا كبيرا فى المنطقة .. إن إسرائيل وإن بدت أقوى عسكريا ، فإنها غدت أضعف بكثير إستراتيجيا وسياسيا ، بعد فشلها فى كسر إرادة المقاومة فى لبنان وغزة ، وبعدما أصبحت تدافع عن نفسها داخل حدودها وليس خارجها ، وبعدما فقدت أهم حليفين لها فى المنطقة إيران وتركيا ، وبعدما خسرت الرأى العام العالمى بعد عدوانها الفج على أسطول الحرية فى المياه الدولية ، وتلك عوامل يمكن أن توظف لصالح انتزاع الحقوق العربية .. إننى أخشى حين يُكتب تاريخ المرحلة الراهنة أن ينبرى شاب فى وقت لاحق متسائلا : ألم يكن هناك بلد باسم مصر فى تلك الأيام ؟ ) .

وفى تحليل منطقى للقضية الفلسطينية ، ودور الأطراف المختلفة فيها ، يذكر نعوم تشومسكى فى حواره مع صحيفة السفير ، والسابق الإشارة إليه : ( أن إسرائيل باتت عديمة العقلانية على نحو بالغ ، واللاعقلانية لا تؤذى إلا نفسها ..العقلية الإسرائيلية الحالية تؤكد أن مصير إسرائيل يسير نحو ذات المصير الذى سار إليه نظام الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا ..تنظر أمريكا إلى إسرائيل وكأنها الذراع العسكرى للحفاظ على مصالحها فى الشرق الأوسط .. ) ثم يؤكد على حقيقة أن إسرائيل عبء على أمريكا ، وأن واشنطن هى من يفرض إرادتها وليس العكس كما يحاول البعض الإدعاء ، وأن الداعم الحقيقى لإسرائيل هم رجال الأعمال ، ووهم الطبقة التى تتشكل منها الإدارات الأمريكية ، وتصنع سياساتها ، أما اللوبى اليهودى فيستمد قوته من ضعف الحضور العربى ، ورغم سيطرته على المفاتيح الأمريكية ، إلا أن هذه المفاتيح على استعداد للتحول ، فى حال تقديم عروض أفضل ، والعرب لديهم مثل هذه العروض ، كما أن هذا اللوبى منقسم على نفسه الآن ، وقد ظهر لوبى جديد اسمه الشارع اليهودى ، وشعاره ( أنقذوا إسرائيل من نفسها ) ، وعن تصوراته المستقبلية يرى أن ( تغيير سياسات الإدارة الأمريكية صعب ، ولكن إذا تغيرت نظرية المصالح لدى رجال الأعمال ، فإن التغيير فى سياسة واشنطن فى الشرق الأوسط سيكون ملحوظا ..لن يكون هناك تحول جدى أمريكى بالنسبة لإسرائيل إلا بوجود ضغط عربى وإسلامى على أمريكا ، ولا أعنى شن حرب عليها ، بل فتح حوار من نوع جديد ، قائم على المصالح والندية والتبادلية ، وأن ينتقل العرب من موقع المانح بالمجان إلى الإفادة والإستفادة ، وهنا تستقيم المعادلة .. حكومة ريجان وضعت نلسون مانديلا على قائمة أخطر الإرهابيين ، ودعمت حكومة جنوب أفريقيا العنصرية حتى التسعينات ، لكن أمريكا تتغير ، وقد أدانت النظام العنصرى بعد ذلك ، وسحبت دعمها له لينتهى بعد سنوات ...إن المشكلة تكمن فى الدول العربية الكبيرة والمؤثرة ، والتى لا تعارض السياسة الأمريكية بل تدعمها ، ناهيك عن الضعف الدبلوماسى العربى فى أمريكا .. مطلوب من الشارع العربى القيام بحركة قوية ومستمرة للضغط على الأنظمة من جهة ، وعلى أمريكا من جهة أخرى ، واعتماد سلاح المقاطعة ، وعدم تزويد الفعاليات العسكرية والإقتصادية والتجارية الأمريكية بالخدمات اللازمة فى الموانى والمطارات العربية ، وأعتقد أن حركة الشارع العربى سوف تؤخذ فى الحسبان ، ولذلك فإنهم يقمعون هذا الشارع ، وينصبون نظما ديكتاتورية لقمعه .. إن المشكلة الفلسطينية فى حقيقتها ليست بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإنما بين الولايات المتحدة والعالم ، وعلى المجتمع الدولى مقاطعة إسرائيل كما فعل مع النظام العنصرى فى جنوب أفريقيا ) ، وهو ما يلخص ما ذكرته فى بداية المقال من أن إسرائيل بذاتها لا تعنى شيئا ، وأن الحبل الغربى والأمريكى خصوصا هو من أقامها ، ومن يحافظ على وجودها ، لتحقيق مصالحه فى المنطقة ، ولحرمان العرب من فرصة النهوض وامتلاك أسباب القوة المختلفة ، لأن ذلك يعنى تحدى الغرب فى حضارته ومصالحه ، وهو ما يفسر أيضا عشق الغرب لإسرائيل ، وتجاهله لجرائمها ، ولكن الغرب نفسه عديم المبادئ والولاء فى السياسة وغيرها ، ومتى أحس بالخطر على مصالحه ، سيتخلى عن إسرائيل ، ولكن هذا لن يحدث إلا بصحوة عربية ، تشمل الأنظمة كما تشمل الناس ، وهو هدف ليس بعيد المنال ، وإن كانت تقف فى طريقه الآن مصر والسعودية ، وقد وصفهما تشومسكى فى حديثه ( السعوديون لا يهتمون بمساعدة الفلسطينيين ، همهم هو تكديس المال .. أما مصر فهى أسوأ من إسرائيل ) ، وهو بالتأكيد يشير إلى الأنظمة .
 خامسا : البرادعى والقضية الفلسطينية

كتب محمد عبد الحكم دياب فى صحيفة القدس العربى بتاريخ 5-6-2010 ، مقالا بعنوان ( باب فلسطين أدخل أردوغان التاريخ وأخرج مبارك منه ) ، وفيه يقول : ( إن القضية الفلسطينية بقدر ما هى عادلة فهى جامعة ، يكبر بها من يصدق معها وينتمى إليها ، ويتضاءل معها من يتخلى عنها ويفرط فيها ) ، وهو كلام صحيح يدلل عليه الواقع والتاريخ ، ومن الذين كبروا بالقضية الفلسطينية السلطان عبد الحميد ، عندما ذهب إليه هرتزل يساومه على أرض فلسطين مقابل الذهب والمال ، فرد عليه رحمه الله ( إن هذه أرض الإسلام ، فتحها عمر ، وحررها صلاح الدين ، وهى ملك للمسلمين ، وأنا لا أملك أن أتصرف بما لا أملك ، فأنا أمين عليها ، وإن جسدى يتقطع إربا إربا أهون على من أن أفرط بأمانة هذه الأرض المقدسة المباركة ) ، وقد دارت عجلة الأيام واُبتليت الأمة بمن فرط فى تلك الأرض المقدسة المباركة من أمثال السادات وياسر عرفات وحسين بن طلال ، ومن هم على استعداد للتفريط فى ما بقى منها أمثال الأنظمة العربية الحالية ، ولذلك فإننى أرى أن أى رئيس مصرى بالذات يجب أن يكون ولاؤه وأمانته على هذه الأرض واحدا من أهم أسباب الكفاءة لهذا المنصب ، وقد تناولت البرادعى بالتفصيل فى مقال ( الإصلاح والتغيير .. والرئيس القادم ) ، ولكننى أغفلت عامدا موقفه من القضية الفلسطينية ، حتى أتناوله لاحقا فى هذا المقال ، والبرادعى لا تُعرف له مواقف محددة لا فى القضية الفلسطينية ولا فى غيرها ، غير أن أمرين هنا يجدر التوقف عندهما :

1- ذكر البرادعى فى حديثه مع David Kenner محرر مجلة Foreign Policy الأمريكية بتاريخ 24-1-2010 ، ردا على سؤاله إذا كان سيوقف بناء الجدار العازل مع غزة أنه لا يعرف التفاصيل ، ولكن لو كانت تلك الحدود تُستعمل فى التهريب والمخدرات والأسلحة وعبور المتطرفين فإن من حق مصر حماية أمنها As I said , I do not really know the details , but if this border area has been used for smuggling , drugs , weapons , or extremists , then Egypt has the right to make sure it protects its security وهو نفس الكلام الذى يردده وزير الخارجية المصر ( أبو الغيط ) ، وكتاب الصحف القومية ، ولست أدرى ما هو الذى لا يعرفه عن القضية الفلسطينية ، أو حصار غزة ، وإذا كانت تلك تصورات من عاش سبعة وعشرين عاما فى عالم السياسة الدولية ، فإنه بالتأكيد لا يملك رؤية محددة للتعامل مع القضية الفلسطينية ، أو العدو الإسرائيلى ، أو الاتفاقيات التى تكبل حركة مصر ، وتحط من قدرها ، وتسلخها من محيطها العربى والإسلامى ، والعجيب أن البرادعى كرر فى معرض إجابته على السؤال نفس الكلمات الماسخة عن الفصل بين الأمن القومى والمساعدات الإنسانية ، ثم اقترح إقامة منطقة حرة free zone فى رفح المصرية يقدم إليها الفلسطينيون للتسوق ، وشراء ما يحتاجون إليه ، وهو مقترح ينم عن الجهل التام بحقيقة الوضع ، إذ كيف للمحاصرين والجوعى ومن يعانون النقص فى كل شئ ، ولا يجدون عملا ولا مالا أن يتسوقوا فى المناطق الحرة ، ليتم فيها المزيد من استغلالهم ، والمتاجرة بآلامهم ؟!

2- على الجانب الآخر نرى موقفين جديرين بالتقدير والاحترام لحاصلين على جائزة نوبل ، أولهما الكاتب البرتغالى Jose Saramago ( مات فى 19-6-2010) ، والذى حصل على الجائزة فى 1998 ، وكان ناقدا دائما لممارسات إسرائيل المجافية لحقوق الإنسان فى الأراضى الفلسطينية ، وزار رام الله فى 2002 بدعوة من البرلمان العالمى للكتاب ، وكان الشاعر الفلسطينى محمود درويش أحد منظمى تلك الزيارة ، وقد كتب بعدها عدة مقالات أثارت عليه إسرائيل ، حيث شبه ما يحدث فى الأراضى الفلسطينية بالجريمة التى يمكن مقارنتها بمعسكرات الاعتقال النازية ، واستخدم نفس التشبيه مرة أخرى أثناء الحرب الإسرائيلية مع حزب الله فى يوليو 2006 ، وثانيهما السيدة الأيرلندية Mairead Corrigan ، والتى حصلت على جائزة نوبل للسلام عام 1976 ، وكان عمرها وقتها 32 عاما ، والقضية الفلسطينية كانت ومازالت على رأس أولوياتها ، ففى 21-4-2004 ذهبت إلى إسرائيل لتكون فى استقبال Modechai Vanunu ، بعد إطلاق سراحه من السجن بعد 18 عاما ، لفضحه امتلاك إسرائيل للأسلحة الذرية ، وفى 20-4-2007 تظاهرت ضد جدار الفصل العنصرى الذى تبنيه إسرائيل ، وأصيبت برصاصة مطاطية ، وتعرضت للغاز المسيل للدموع ، وفى أبريل 2009 اتهمت الحكومة الإسرائيلية بالتطهير العرقى ethnic cleansing ضد الفلسطينيين ، وهو ما يناقض القانون الدولى ، وحقوق الإنسان وكرامة الفلسطينيين ، وفى 30 يونيو 2009 اعتقلتها سلطات الجيش الإسرائيلى مع 20 آخرين منهم عضوة الكونجرس الأمريكى Cynthia Mackinnes ، وكانوا على متن سفينة صغيرة تحمل معونات لغزة ، وظلت فى السجن حتى تم إبعادها فى 7-7-2009 ، وفى السجن أعطت حوارا مع حركة Democracy Now عبر تليفون محمول ، وفى 9 -10-2009 عبرت عن عدم رضاها على منح أوباما جائزة نوبل للسلام ، وتعجبت من منح الجائزة لزعيم أكثر بلاد العالم عسكرية وعدوانية giving this award to the leader of the most militarized country in the world , which has taken the human family against its will to war , will be rightly seen by many people around the world as a reward for his country's aggression and domination ، وفى 29 مايو 2010 كانت على متن سفينة الإغاثة Rachel Corrie ( وهو اسم فتاة جامعية أمريكية قضت سَحقا تحت أحد البلدوزورات الإسرائيلية فى 2003 أثناء تظاهرها ضد هدم بيوت الفلسطينيين ) ، وعند استيلاء الجيش الإسرائيلى على السفينة التى كانت متجهة إلى غزة تم إطلاق سراحها وترحيلها .

والفرق شاسع هنا بين البرادعى الذى لم يُعهد عنه أى موقف لصالح قضايا العرب والمسلمين ، وبين من يوظفون مكانتهم الدولية فى خدمة قضايا الإنسان ، والدفاع عن المظلومين والمقهورين فى كل مكان ، إنه الفرق بين أصحاب المبادئ العالية ، والهمم التى لا تعرف الكلل ، وبين مستخدم فى وكالة الطاقة الذرية ، كل دوره كان أن يضمن للغرب ألا ينافسهم أحد فى التفرد بالتقنية والسلاح النووى ، ولذلك كان تكريمه بجائزة نوبل التى لا يستحقها ، مثله تماما كالرئيس الأمريكى أوباما .

إن حتمية انتصار الحق والعدل والخير ، وحتمية زوال الظلم والبغى والعدوان ، حتميتان إلى جانبنا ، ولكنهما تعملان إذا عملنا ، وتتحققان إذا ما توفرت لدينا الرغبة والإرادة ، وقدمنا الجهد والعرق والتضحيات ، ويبقى هناك حبلان لا بد من قطعهما : حبل الأنظمة العربية الممتد إلى أعدائنا ، يستنزف مواردنا وثرواتنا وخيراتنا ، وحبلهم الملتف حول أعناقنا ، يخنق فينا رغبة الحياة ، وأمل المستقبل ، وأمانى النهضة والتحضر ، فلنقطع هذين الحبلين بكل ما أوتينا من وسائل ، حتى نُصلح حال أمتنا المائل ، ونحرر إرادتنا وبلادنا المحتلة ، وساعتها سيكون النصر قاب قوسين أو أدنى ( فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا ) الإسراء 51 ، ( نغض : حرك رأسه متعجبا ) .

سعد رجب صادق
saad1953@msn.com


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية