التعليم فى مصر .. مشكلات وحلول : 8- العنف فى النظام التعليمى المصرى
...............................................................
 |
العنف سلوك عدوانى يمارسه فرد أو جماعة أو مدرس |
بقلم : سعد رجب صادق
..........................
يواجه نظام التعليم فى مصر مشكلات جسام ، وتحديات عظام ، هوت بكل مكونات العملية التعليمية الى منحدر سحيق ، وهوة عميقة ، ونشرت الفوضى والعشوائية والتخبط فى كل مراحلها ، حتى أن كل وزير أو مسئول يأتى ينقض ما فعله سلفه ، ويغير ما أرساه سابقه ، مما يولد الاحساس عند المتأمل أن المجتمع يفتقد سياسة تعليمية واضحة المعالم ، محددة المراحل ، متميزة الأهداف والغايات ، ويزداد عجب المرء عندما يعلم أن النظام يدرك ذلك ، يقول الدكتور حسين كمال بهاء الدين ، والذى شغل منصب وزير التعليم لأربعة عشر عاما ، فى كلامه أمام رئيس الجمهورية بتاريخ 20 مايو 2004 : ( لسنا وحدنا نحن وزراء التعليم المسئولين عن انهيار العملية التعليمية من الابتدائى حتى الجامعة ، خلال العقود الأربعة أو الخمسة الماضية ، فهناك شريك فى تحمل هذه المسئولية ، وهو السيستم - يقصد النظام - الذى حكم مسيرتنا ) ، واذا كان الوزير الذى تولى أمر التعليم زهاء عقد ونصف من الزمان يقر بعملية الانهيار الشامل ، ألا يحق للانسان المصرى أن يسأل : وماذا كان يفعل طوال تلك السنوات ؟! واذا كان النظام شريكا لوزراء التعليم فى جريمة الافساد كما يقول الوزير ، ألا يحق لنا أن نسأل أيضا : أليس الوزير جزءا من النظام ؟! أليس كل وزير يضع ويشارك ويرعى وينفذ سياسات النظام ؟! ، والأمر لا يحتاج الى كثير من الذكاء لفهمه وادراك أبعاده ، فالتعليم الجيد هو سر قوة المجتمعات ، وسبب تقدمها ، والعامل الرئيسى فى نهضتها ، والاستثمار الحقيقى لمواردها البشرية ، وبدونه تفسد العقول والضمائر والأذواق ، وينتشر الفساد والفوضى ، ويدب الوهن والضعف فى مناحى الحياة المختلفة ، والأمر لا يقف عند ذلك ، فالتعليم الردئ قرين الظلم والاستبداد ، أى أنه لازمة للأنظمة المستعبدة لشعوبها ، فالجهلاء والبلهاء والمشوهون عقليا ونفسيا لا يتحركون دفاعا عن حقوقهم ، ولا يتململون من أجل حياة عزيزة وكريمة .
وموضوع العنف الذى أصبح ظاهرة متفشية فى مراحل التعليم المختلفة ، موضوع شديد الخطورة والأهمية ، لأن ضرره وعواقبه تتعدى لتؤثر على الطالب فى سلوكياته ومستقبل حياته ، وبالتالى على المجتمع بأكمله ، والشئ المثير للانتباه هنا تغافل الجميع عن هذا الخطر الداهم ، فلا المسئولين حركوا ساكنا ، ولا مؤسسات المجتمع وأجهزته ومنظماته أولت الأمر العناية التى يستحقها ، ولا الباحثين والدارسين وأعداد لا حصر لها من أقسام الاجتماع وعلم النفس فى الجامعات المختلفة شحذوا هممهم فى دراسة المشكلة وتمحيصها ، وتقديم الحلول والتوصيات بشأنها ، وكأن المشكلة لا تعنيهم ، ولا تشغل بالهم ، رغم أنها وأمثالها جزء من صميم عملهم واهتماماتهم ، بل وأيضا من صميم واجباتهم ، ويتناول هذا المقال الجوانب المختلفة للعنف فى العملية التعليمية المصرية.
أولا : تعريف العنف
يعرف العنف بأنه سلوك عدوانى يمارسه فرد أو جماعة أو دولة بهدف استغلال واخضاع الطرف الآخر ، والذى يكون عادة أقل قوة ومقدرة على التصدى والمقاومة ، أى أن المعادلة هنا غير متكافئة بين الطرفين ،،مما يترتب عليه احداث الضرر المادى والمعنوى بالجانب الأضعف ، وآليته السيكلوجية هى كسر الارادة والتى يتبعها التهميش والاضعاف والاخضاع والسيطرة .
ثانيا : العقاب البدنى
العقاب البدنى يكون ردا على فعل عدوانى offense ، ويكون أيضا بغرض التقويم والتهذيب disciplining or reforming ، أو للسيطرة والحد من سلوكيات أو تصرفات غير مقبولة unacceptable behavior ، ويمكن تقسيمه الى ثلاثة أقسام :
1- العقاب الأسرى ويطلق عليه domestic corporal punishment ، ومن أمثلته ما يقوم به الآباء والأمهات من انزال العقاب البدنى بأبنائهم وبناتهم .
2- العقاب الذى ينزله المدرس ، أو ادارة المدرسة بالطالب .
3- العقاب القضائى judicial or quasi-judicial punishment ، وهو محظور فى كل أوربا ، حيث يمنع القانون ممارسته فى السجون والجيش وأقسام الشرطة ، وان كان مازال مستخدما فى كثير من بلاد أفريقيا وآسيا ، وفيه يتعرض الأفراد للضرب بالعصا caning ، أو الجلد flogging ، أو الضرب بالسياط whipping ، ويكون ذلك تنفيذا لأحكام قضائية أو قبلية ، والعقاب البدنى للسجناء ، والأفراد العاديين فى أقسام الشرطة أمر شائع فى مصر وغيرها من البلاد العربية ، كما أن تعرض السجناء والأسرى للعقاب البدنى أمر مألوف حتى فى البلاد التى تجرمه قانونيا ، وهو فى حقيقته نوع من التعذيب والامتهان لجسد الانسان وكرامته ، ونظرا لشيوعه فى بلادنا ، وتأثيراته الصحية والنفسية الخطيرة سأفرد له مقالا خاصا لاحقا.
ثالثا : العقاب البدنى فى النظام التعليمى المصرى
عقاب الطالب المصرى من المدرسين وادارة المدرسة أمر مألوف ومعروف منذ عقود طويلة ، ويتم بصورة وحشية تفتقر الى أبسط أصول الرحمة والانسانية ، وتغفل العواقب النفسية والسلوكية ، ولا تراعى الظروف الأسرية والاجتماعية ، وبعد تحسن علاقات مصر بالغرب ، والسماح له بالتدخل فى شئون التعليم ، تم تحريم العقاب البدنى ، وان كان ما يزال ممارسا فى مراحل التعليم المختلفة ، وعقب تولى الدكتور أحمد زكى بدر وزارة التربية والتعليم منذ شهور قليلة ، قال أمام مجلس الشورى فى الثالث من فبراير الماضى : ( ان المدرس أصبح ملطشة ، بسبب قرار الوزارة بمنع عقوبة الضرب فى المدارس ) ، وأضاف متفاخرا أنه تعرض للضرب وهو تلميذ ، واستنكر تحرير أولياء الأمور لمحاضر فى أقسام الشرطة عند ضرب أبنائهم ، وادعى أن ذلك يخرب العملية التعليمية ، وقد استنكرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ، والمعروفة باسم هيئة المعونة الأمريكية AID تصريحات الوزير ، وحسب ما نشرته صحيفة المصريون بتاريخ 26-2-2010 استفسرت الوكالة من الدكتورة مشيرة خطاب وزير الدولة للأسرة والسكان حول صحة ما نسب له ، واعتبرت ذلك انتكاسة وردة على قانون الطفل ، ولوحت فى مذكرة احتجاجية الى وقف كافة المنح والمعونات والقروض الدولية للوزارة ، مما اضطر الوزير لعقد مؤتمر صحفى نفى فيه عودة الضرب ، وأكد على ضرورة احترام المدرس ، غير أن المتابع للصحف المصرية يقرأ بصورة معتادة لأخبار ضرب الطلاب بفظاظة وقسوة ، تجافى الادعاء بالتقويم والتهذيب ، والرغبة فى الحد من السلوكيات المنحرفة ، وعلى سبيل المثال نشرت اليوم السابع بتاريخ 23-2-2010 تعرض تلميذ بالصف الثالث الابتدائى باحدى مدارس مصر الجديدة للضرب من مدرسه بدعوى عدم قدرته على حل احدى مسائل جدول الضرب ، مما أدى الى كسر ذراعه ، وقد حررت والدة الطالب محضرا بقسم الشرطة ، وذكرت أن ادارة المدرسة تعلم أنه مصاب بسرطان الدم ، وفيروس ب ، س ، وأنه يحمل شهادة طبية تؤكد خطورة تعرضه للعقاب البدنى ، وذكر التلميذ أن المدرس اعتدى على طالب آخر حيث ضربه بالعصا حتى انكسرت على رأسه ، وركل آخرين بالشلوت ، وادعى مدير المدرسة أن الوزير بدر يسمح للمعلمين بالعقاب البدنى لتقويم الطلاب ، ورد اعتبار المدرسين ، واعادة الانضباط للفصول ، وفى خبر آخر نشرته نفس الصحيفة فى اليوم التالى أن مدرسة التربية الفنية بمدرسة شبين الاعدادية القديمة قامت بضرب تلميذ بالصف الثانى الاعدادى برجل كرسى ، وأحدثت به اصابات فى أنحاء مختلفة من جسده ، وفى يوم 11-3-2010 نشرت اليوم السابع خبر اعتداء مدرس الرياضيات بمدرسة الثورة الاعدادية على طالب مما تسبب فى كسر أسنانه ، واصابته فى وجهه ، وفى الثامن عشر من نفس الشهر ، وحسب اليوم السابع أيضا ، أن طالبا بالصف الأول الاعدادى بمنطقة الشرابية ، تعرض للضرب من مدرس الرياضيات محدثا به اصابات بعدما رفض أخذ درس خصوصى عنده ، وفى نفس الخبر تعرضت طالبة بمنطقة حدائق القبة للصفع على وجهها لعدم قيامها بأداء الواجب ، وتعرض طالب فى الصف الخامس الابتدائى بمنطقة السيدة زينب للضرب المبرح الذى أحدث به اصابات بالوجه والرأس ، وذلك للهوه مع أصدقائه بالفصل ، وفى نفس اليوم نشرت الشروق أن والدة طالب بمدرسة ابتدائية بالسويس تقدمت ببلاغ متهمة أحد المدرسين بسحل ابنها على سلالم طابقين من المدرسة ، وفى أهرام نفس اليوم أن طالبا بالصف الثالث الثانوى بمدرسة صناعية ، لقى مصرعه بعد أن دفعه أحد المدرسين أثناء مزاحهما ، فسقط من الطابق الثالث بالمدرسة ، وفى اليوم السابع بتاريخ 19-3-2010 أن طالبا بالصف الثانى الاعدادى بمدرسة الأورمان الاعدادية الخاصة ، أصيب بكسر فى ظهره ، نتيجة تعرضه للركل من مدرس الرياضيات ، كل تلك الحوادث ما هى الا أمثلة عشوائية من قائمة طويلة من حالات التعدى الاجرامى لمدرسين بمراحل التعليم المختلفة على طلاب يحتاجون الى التوجيه والنصح والارشاد ، وليس الى القمع والارهاب ، ولا يقتصر الأمر على الاعتداء البدنى من المدرسين ، وانما يمتد أيضا ليشمل العنف النفسى من تسفيه وتحقير وشتم واهانة ، ونعت بأوصاف غير مقبولة مثل الغباء وغير ذلك ، وكل صور العنف البدنى والنفسى تؤثر سلبيا على شخصية الطالب وسلوكه.
رابعا : هل العقاب البدنى ضرورة أسرية أو تعليمية ؟
لكى نجيب على هذا السؤال علينا أولا أن نؤكد على أن جزءا من وظيفة البيت والمدرسة والمجتمع هو تدريب أفراده على النظام والانضباط discipline ، وأن ذلك لا بد أن يتم بطرق ووسائل ناجعة تؤدى الى استجابة ايجابية ، ولا تترك آثارا ضارة ، مما يؤدى الى تطوير قدرات الأفراد على السيطرة على مشاعرهم وانفعالاتهم self control ، وعلى تعلم التمييز بين الصواب والخطأ ، وادراك أن التصرفات الفردية أو الشخصية لها نتائج تترتب عليها ، وكل ذلك يقود الى مجتمع يحترم أبناؤه القوانين واللوائح والضوابط ، كما يحترمون أيضا حقوق الآخرين ، كما ينبغى أيضا على البيت والمدرسة والمجتمع مراعاة أن الاستجابة تتفاوت من فرد الى آخر ، وأن هناك دائما أفرادا ولو قليلين ممن يتطلبون جهدا خاصا ، ومعاملة تتوافق مع ما يظهرونه من عناد ، أو تحد للنظام ، أو رفض للانصياع لضوابط الأسرة أو المدرسة أو المجتمع .
وقد أجمعت الدراسات النفسية والاجتماعية على العواقب الوخيمة للعقاب البدنى سواء فى الأسرة أو المدرسة ، ومن أمثلة ذلك ما وجدته Murray Strauss من أن استخدام العقاب البدنى ضد الأطفال الذكور يؤدى الى بالغين يستخدمون العنف البدنى ضد زوجاتهم وأطفالهم ، وأرجعت الباحثة ذلك الى أن العنف يضعف مقدرة الفرد على تعلم القدرات الاجتماعية social learning ، كما أنه أيضا يقود الى عدم المقدرة على اكتساب المهارات اللازمة لحل الخلافات non-violent conflict resolution skills ، وقد نشر هذا البحث فى المجلة الأكاديمية الأمريكية Journal of Marriage and Family Therapy ,2006 ، وهو ما يتوافق مع توصيات هيئة أمريكية محترمة ( الأكاديمية الأمريكية للطب النفسى للأطفال والمراهقين ) American Academy of Child and Adolescent Psychiatry ، والتى تعارض بشدة العقاب البدنى ، وترى أنه يؤدى الى دائرة من العنف والايذاء cycle of abuse ، وذلك لما يغرسه فى نفوس الأطفال والمراهقين المعاقبين من مشاعر العدوانية ، وممارساتهم نفس السلوك العدوانى عند بلوغهم مع زوجاتهم وأبنائهم والمجتمع ، وفى بحث آخر لنفس الباحثة السابقة بالتعاون مع Mallie Paschall ، نشر عام 2009 ، بعنوان العقاب البدنى وتأثيره السلبى على الذكاء Spanking has Negative Effect on Intelligence ، وجدتا أن العقاب البدنى يؤدى الى ابطاء نمو وتطور الطفل ، ويسبب انخفاضا فى عدد الخلايا العصبية بالمخ fewer neurons in brain ، وبالتالى الى اضعاف مقدرة الطفل على التعلم ، واحرازه لدرجات أقل فى اختبارات الذكاء IQ ، وهو سبب كاف لنبذ كل مظاهر العنف ضد الأطفال والمراهقين ، والأمر لا يقف عند ذلك بل أن البعض مثل عالم النفس الألمانى Richard Von Krafft-Ebing , 1892 ، يرى أن العقاب البدنى يؤدى الى سلوكيات جنسية غير سوية ، مثل تلذذ الزوج بالمعاملة القاسية لزوجته sadism ، أو تلذذ الزوجة بقسوة زوجها masochism ، وهناك أضرار أخرى كثيرة للجوانب السلوكية والانفعالية والاجتماعية والتعليمية أفاضت الأبحاث فى بيانها ، ومنها ضعف ثقة الفرد بنفسه lower self-esteem ، والاحساس بالهوان والدونية ، والشعور بالعجز، والاكتئاب والخوف والقلق والتوتر ، وتبلد الحس ، و ضعف التأثر والاستثارة بالأحداث ، واللامبالاة ، والميل الى العزلة ، وعدم المشاركة فى الأنشطة المدرسية والمجتمعية ، وهى كلها مشاعر موجودة فى المجتمع المصرى ، ويمكن الربط بسهولة بين بعضها مثل الخوف واللامبالاة واحساس العجز والتبلد ، وبين ما وصل اليه الانسان المصرى من عزوف عن الحركة الضرورية للاصلاح والتغيير ، وقد وجدت الدراسات عند مقارنة الأطفال فى المجتمعات التى تبيح العنف ، بالأطفال فى المجتمعات التى تحظره ، غياب روح الابداع ، ورغبة الاستكشاف creative sense and ability to explore ، فى أطفال المجتمعات التى تبيح العقاب ، ويؤدى العنف أيضا الى عادات قبيحة مثل النفاق والكذب والغش والتحايل ، وكلها بسبب الخوف ، وانعدام الثقة بالنفس ، كما أن العنف سبب من أسباب التبول اللاارادى عند الأطفال .
خامسا : العنف بين الطلاب
لكى تكتمل جوانب هذا الموضوع ، لابد من التعرض لأمر آخر شديد الأهمية ، وهو العنف بين الطلاب وبعضهم البعض ، وهو ما يطلق عليه bullying ، وقد يكون لفظيا verbal bullying ، وذلك بالتعليقات الساخرة ، والنكات ، واطلاق أسماء غير مرغوبة أو غير محببة، وقد يكون بدنيا physical bullying مثل الضرب والركل والدفع والبصق ، وقد يكون جنسيا sexual bullying ، أو عنصريا racial bullying تجاه الأقليات ومن يختلفون فى اللون أو العرق ، وهناك صور أخرى مثل التهديد والاكراه ، أو أخذ النقود والطعام والأشياء الخاصة من الضحايا ، أو اطلاق الشائعات الضارة بهم وبسمعتهم ، أو منعهم من المشاركة فى الألعاب والأنشطة الاجتماعية ، وهناك نوع جديد من صور العنف بين الطلاب يطلق عليه cyber bullying ، وتستخدم فيه الانترنت أو التليفونات الخلوية cellular phones لارسال الصور والرسائل المسيئة للآخرين ، وكلها مظاهر أصبحت شائعة فى المجتمع المصرى .
ويفسر الدارسون أسباب تلك السلوكيات بالرغبة فى السيطرة ، واحساس الاشباع بايذاء الآخرين ، وكذلك الحصول على الشهرة ، وعادة ما يكون الطلاب الذين يقترفون تلك الأعمال من أصحاب القوة الجسدية ، أو ممن يتوفر لديهم المال ، وكذلك المكانة الاجتماعية لأسرهم ، وتؤدى تلك التصرفات الى أضرار متفاوتة بالطلاب الضحايا مثل العزلة loneliness ، والاكتئاب depression ، وضعف الثقة بالنفس ، وتدهور التحصيل العلمى ، والعزوف عن المشاركة فى الأنشطة المدرسية ، وتؤدى عند اشتدادها الى الانتحار ، وهو ما حدث لأحدى الطالبات فى ولاية Massachusetts الأمريكية منذ أيام ، وفى صحيفة الدستور المصرية بتاريخ 28-3-2010 أن تلميذا بالابتدائى شنق نفسه بحبل فى غرفة نومه بعد معايرة أمه له بالفشل والرسوب ، وأضرار العنف الطلابى لا تقتصر على الضحايا بل تشمل أيضا غيرهم من الطلاب الذين يشاهدون تلك الاساءات ، ولكنهم ليسوا طرفا فيها ، حيث يتولد لديهم الشعور بالخوف ، والعجز ، والاحساس بالذنب ، وتؤدى تلك الأفعال الى تحول البيئة المدرسية الى بيئة غير آمنة ، وغير جديرة بالاحترام فى نظر الطلاب ، وهو ما يزيد من صعوبة المدرسة فى أداء دورها ، والمدرس فى أداء رسالته ، ولا يسلم الطلاب الذين يقومون بأعمال البلطجة تلك من عواقب سلوكياتهم ، حيث يكونون طرفا فى مشاكسات ومنازعات عديدة ، وعادة ما يميلون الى السرقة ، والتدخين ، وتناول الكحول والمخدرات ، والاضرار بمنشئات المدرسية ، وحمل السلاح ، وانخفاض تحصيلهم ودرجاتهم .
واعتداءات الطلاب أصبحت أيضا كاعتداءات المدرسين أخبارا معتادة فى الصحافة المصرية ، ففى المصرى اليوم بتاريخ 20-3-2010 ، ذكرت الصحيفة أن طلاب مدرسة ثانوية فنية بمحافظة المنيا اشتبكوا فى معركة بالشوم والحجارة مع طلاب مدرسة فنية أخرى ، وفى نفس الصحيفة بتاريخ 21-3-2010 ، أن طالبا فى المرحلة الثانوية بمحافظة الدقهلية لقى مصرعه بطعنة فى الرقبة على يد بلطجى حرضه عليه زميل له بعد أن رفض مساعدته فى الغش ، وفى 24 من نفس الشهر طعن طالب بمدرسة ثانوية بكفر الشيخ زميلا له ، فأصابه بجروح قطعية فى الصدر والبطن والرقبة ، ولم تقتصر فوضى العنف على حالات فردية نادرة ، بل أصبحت نمطا شائعا يمارسه المدرسون والطلاب وأولياء الأمور ضد بعضهم البعض ، فقد نشرت الدستور فى 25-3-2010 أن طالبا بمدرسة ثانوية صناعية بشبرا طعن مدرسه طعنتين بمطواة ، بعد أن عنفه المدرس على مضغ اللبان فى الفصل ، وفى الدستور أيضا بتاريخ 28-3 -2010 أن عميد كلية التجارة بجامعة الاسكندرية ، ووكيل الكلية ، بصحبة 40 عاملا قاموا بالاعتداء على طلاب منسوبين للاخوان ، لأنهم ينظمون حملة لجمع التبرعات لشراء جهاز تنفس صناعى ، واهدائه لمستشفى الجامعة ، ولا ننسى ما ينسب لوزير التعليم الحالى من اطلاق البلطجية للعدوان على طلاب جامعة عين شمس عندما كان رئيسا لها ، يقول سعيد شعيب فى مقاله ( ضرب وزير التعليم ) ، بصحيفة اليوم السابع ، بتاريخ 5-2-2010 : ( كانت له -يقصد الوزير - سوابق أثناء رئاسته لجامعة عين شمس ) ، وهو أمر تعرضت له الصحافة طوال تلك الفترة كثيرا ، وفى الشروق بتاريخ 18-3-2010 أن والد احدى الطالبات اعتدى على مدرسة بمحافظة الشرقية ، وسبها بألفاظ جارحة ، لأنها ضربت ابنته بمسطرة حديدية ، وفى الوفد بتاريخ 21-3-2010 أن والدة احد الطلاب ذهبت لمدرسة ابنها بالاسكندرية تشكو عدم قدرتها على دفع المصاريف بعد موت زوجها ، فبصقت المدرسة فى وجهها ، وألقى بها المدرسون خارج المدرسة ، وفى المصرى اليوم بتاريخ 24-3-2010 أن مدير معهد أسوان الابتدائى الأزهرى اعتدى على ولية أمر تلميذة بالسب ، عندما ذهبت تستفسر عن سرقة تليفون ابنتها المحمول .
سادسا : نظرة على المجتمعات الأخرى للاستفادة والمقارنة
العقاب البدنى فى المدارس تم حظره فى معظم دول أوربا ، وكذلك فى اليابان وكندا وجنوب أفريقيا ونيوزيلاند ، ففى انجلترا تم حظره فى المدارس العامة فى 1987 ، وامتد الحظر عام 2003 ليشمل المدارس الخاصة ، وفى كندا تم الحظر فى المدارس العامة والخاصة فى 2004 ، بينما فى الولايات المتحدة ما زالت عشرون ولاية تسمح به ، وخاصة فى مناطق الجنوب ، ومن تلك الولايات تكساس Texas ، وأوكلاهوما Oklahoma ، حيث تسمح قوانين تلك الولايات للمدرس أو ادارة المدرسة بعقاب الطالب بدنيا ، والجدير بالذكر أن المحكمة العليا Supreme Court أقرت فى قرارها Ingraham v. Wright ، فى عام 1977 ، أن العقاب البدنى فى المدارس مستثنى من المادة الثامنة Eight Amendment من وثيقة الحقوق والتى تحظر العقاب البدنى ، أما الولايات الثلاثون الأخرى فتحظره فى المدارس العامة ، وتحظره ولايتى أيوا Iowa ، ونيو جرسى New Jersey فى المدارس الخاصة أيضا ، ويتم العقاب البدنى بما يشبه المسطرة paddling ، على مؤخرة الطالب ، ويرى أنصار العقاب البدنى أنه طريقة سريعة لا تكلف شيئا ، وتؤدى الى مراقبة الطالب لتصرفاته وسلوكياته ، حتى لا يقع تحت طائلة العقاب ، وهو ما يحد من السلوكيات الخاطئة ، ويرى هؤلاء أيضا أن للمدرسة سلطة تماثل سلطة الآباء ، وعليها اتخاذ اللازم لتعويد الطفل على النظام ، والسلوك الحميد ، بينما يرى فريق آخر أن العقاب البدنى ينبغى أن يكون المحطة الأخيرة ، وبعد عجز طرق التقويم الأخرى ، وبتصريح من الآباء ، مع شريطة تجنب الحاق الضرر بالطالب ، ومن الجدير بالذكر هنا أن عدد حالات ضرب الطلاب فى الولايات المتحدة لعام 2006 ، وحسب FoxNews,16-4-2010 ، وصل الى 225,000 حالة ، منها %25 فى ولاية تكساس وحدها .
أما العقاب الأسرى فهو مباح فى الولايات المتحدة ، ويتم عادة بالضرب بالكف open hand على المؤخرة spanking ، وتبيح بعض الولايات استخدام الحزام belt أو ما يشبه المسطرة paddle ، وقد حاولت بعض الولايات مثل كاليفورنيا California ، وولاية Massachusetts تجريم العقاب الأسرى ولكنها لم تنجح ، أما فى كندا فهو أيضا مباح ، مادام الطفل أكبر من سنتين ، وأقل من 12 سنة ، ويحظر استخدام أية أدوات ما عدا الكف ، وفى بريطانيا يباح استخدام أشياء مثل العصا والحزام وفرشاة الشعر ، وتبيح دولتان أوربيتان أخريتان العقاب البدنى ، وهما فرنسا ، وجمهورية التشيك Czech Republic ، بينما تجرمه 25 دولة .
أما بالنسبة للعنف بين الطلاب فهو شائع فى الولايات المتحدة ، حيث تذكر احصائيات وزارة العدل Justice Dept أن واحدا من كل أربعة طلاب يتعرض للعنف ، وأن سببا هاما لحوادث اطلاق النار فى المدارس يعود لرغبة الضحايا فى الانتقام لأنفسهم ، وقد طورت كل الولايات الأمريكية عدا ولاية داكوتا الجنوبية South Dakota سياسات لمكافحة ظواهر العنف الطلابى ، وتوفر الحكومة الفيدرالية الدعم ، ومشاركة المعلومات مع الولايات لمقاومة تلك الظاهرة ، والتى تؤدى الى ترك واحد من كل عشرة طلاب للتعليم ، والى غياب 160,000 طالب فى كل يوم تجنبا لتحرش الآخرين بهم .
سابعا : ما هو الحل ؟
لا شك أن ضرب الانسان هو عمل قبيح ، سواء كان طفلا أو طالبا أو بالغا ، وأن عواقبه النفسية والسلوكية على الفرد والأسرة والمجتمع عواقب وخيمة ، تولد الحقد والكراهية ، وتشيع الخوف والنفاق ، وغير ذلك من الأضرار التى تمت الاشارة اليها فى جنبات المقال ، ومما لا شك فيه أيضا أن العنف البدنى والنفسى أصبح ظاهرة متفشية فى مجتمعاتنا ، مما ينذر بالخطر ، ويوجب على كل الأمناء والمخلصين أن يتكاتفوا من أجل محاصرته ، والحد من انتشاره ، وتغيير مفاهيم الناس وسلوكياتهم ، وحثهم على الرحمة والعدل والتكافل ، وينبغى علينا عند البحث عن حلول أن نراعى الآتى :
1- الأسرة هى البيئة الأولى للطفل ، وبصلاح تلك البيئة ، وشيوع روح المحبة واللين والرفق بين الأبوين ، وحدبهما ورعايتهما للأبناء ، ونصحهما وارشادهما واهتمامهما بهم ، والحديث اليهم ، وتذكيرهم بالخصال الحميدة ، والتصرفات القويمة ، وتنفيرهم من العادات القبيحة ، والأفعال المشينة ، بفعل تلك الأشياء وغيرها ستضمن الأسرة ذرية صالحة قويمة ، تتخلق بما تربت عليه ، وتواصل مسيرتها فى الحياة بدون اضطرابات أو انحرافات .
2- الطفل هو الاستثمار الحقيقى للأسرة والمدرسة والمجتمع ، وعندما يصرح رئيس محكمة الأحداث ، حسب صحيفة الأهرام ، فى 20-3-2010 ، أن قضايا المخدرات تحظى بأعلى نسبة بين قضايا الأحداث ، وأن %90 من المتهمين فيها هم من طلاب المدارس ، فان ذلك يعطى دلالة صارخة على سوء استثمار الأسرة والمدرسة والمجتمع فى هذا القطاع الهام من ثروة المجتمع البشرية ، والذى هو مستقبل الأمة .
3- المدرسة تكمل وظيفة الأسرة ، وتعد للمجتمع شبابه وقادته ، وعندما تتبنى القسوة والعنف ، فانها بلا شك تفسد للمجتمع شبابه ، وقادة مستقبله ، وتعكس سوء الفهم لنفسية الأطفال والمراهقين ، وظروفهم الاجتماعية ، وهى علة خطيرة يشترك فيها المدرسون والمعيدون فى الجامعات والأساتذة ، رغم أنه من البديهيات أن السلوك الخاطئ للطلاب هو انعكاس وتأثير للظروف المجتمعية social circumstances ، وأن تقويم هذا السلوك الخاطئ لا يحتاج فى الحقيقة الا الى اللين والحكمة ، واستخدام أساليب بسيطة مثل الثناء على السلوك القويم ، والتذكير بالحسنى ، واعطاء الخيارات ، والتركيز على المقاصد ، والبعد عن الكلام العام الفضفاض ، واشاعة ثقافة الاعتذار ، وآداب التعامل ، والبعد عن أساليب الأمر ، وكلمات التهكم والسخرية والتحقير والتقليل من الشأن ، وتجنب اللوم والتبكيت على مرأى ومسمع من الآخرين ، وهناك بدائل عديدة للعقاب البدنى والنفسى تستطيع المدارس أن تتبناها ، وتضع لها الضوابط ، منها على سبيل المثال الزام المخالف بحضور حصة أو حصص اضافية ، مما يحرمه من العودة مبكرا للمنزل مع أقرانه بعد اليوم الدراسى ، ويدعوه دوما الى التفكر فى عواقب تصرفاته ، وكذلك الزام المخالف ببعض الواجبات الاضافية مثل تنظيف الفصل ، أو فناء المدرسية ، أو حديقتها ، ونحو ذلك ، أو حرمانه من بعض الأنشطة الرياضية أو الفنية أو الاجتماعية ، وكذلك أيضا العقاب الذاتى حيث يختار بنفسه ما يراه عقابا على سوء تصرفه ، مثل الاعتذار لمدرسه على ملء من فصله ، أو لأقرانه لمما سببه من اضطراب فى سير العملية التعليمية ، وفى الحالات المتكررة ، أو التى تتجاوز المعقول ، يلزم المخالف بحضور دورات صيفية تركز على الأمور السلوكية والتربوية والاجتماعية ، وغير ذلك الكثير مما يمكن تجريبه ، واخضاعه للتقييم والمراجعة الدورية ، كما يجب أيضا اخضاع جميع من يتعاملون مع الأطفال والمراهقين والشباب من مدرسين ومعيدين وأساتذة الى دورات تدريبية لكيفية ادارة الفصل أو المحاضرة ، بجانب فهم العوامل النفسية والاجتماعية للطلاب فى المراحل العمرية المختلفة ، وفى الولايات المتحدة على سبيل المثال يتلقى المدرسون تدريبا فى كيفية ادارة الفصل classroom management ، وقد خصصت وزارة التعليم الأمريكية مؤخرا 21 مليون دولار لبرنامج يهدف الى تعليم وتدريب المدرسين على كيفية التعامل مع الطلاب ، وادارة الفصول ، وتنوى انفاق 100 مليون دولار أخرى على نفس الهدف ، كما ينبغى أيضا أن تكون هناك سياسات وضوابط واضحة ومحددة للتعامل مع العنف المدرسى بجميع صورة ، وأن تكون تلك السياسات مفهومة وواضحة للجميع ، وأن تتوافر نسخ منها لكل من يريد الاطلاع على تفاصيلها وبنودها ، وأن تحتوى على تشريعات محددة تطبق على من يخالفها ، حتى لا يتحول الأمر الى عشوائية وفوضى ، ذكرت اليوم السابع بتاريخ 19-3-2010 أن المركز المصرى للحق فى التعليم أدان ازدياد معدلات العنف فى المدارس ، وطالب الوزارة بادخال تعديلات على قواعد تعيين المدرسين ، بما يسمح بتقييمهم قبل التعيين واستبعاد أصحاب الميول والتوجهات العنيفة. ان الرعاية النفسية والاجتماعية من الأمور الهامة الواجب توافرها فى مدارسنا وجامعاتنا ، على أن يقوم عليها اخصائيون مدربون ومعدون اعدادا جيدا للتعامل مع كل الحالات التى تحتاج الى تقويم أو علاج أو مساعدة .
4- المجتمع بأكمله يجب عليه ضرب المثل لأبنائه فى العدل والسماحة والاحترام ، واحقاق الحق ، وتجريم كل عمل يمتهن الانسان بدنيا أو نفسيا ، ووضع التشريعات والقوانين التى تحمى كرامة الانسان من التعذيب والامتهان ، وتطبيقها على الجميع ، بما يردع كل من تسول له نفسه أن يعتدى على حرمات الآخرين.
5- الاعلام والفن لهما دور هام فى توجيه أفراد المجتمع ، واشاعة السلوكيات الحميدة بين أبنائه ، ومن عجب أنهما تحولا الى التضليل والترويج لكل الانحرافات ، ومن يتابع ما يكتبه كثير من الكتاب ، ويعرضه الفن فى التلفزيون والسينما ، وخاصة ما يتعرض للمدرسة والجامعة ، وأقسام الشرطة ، يرى استخفافا بقيم العلم ، ومكانة المدرسة والجامعة ، واستخفافا بجسد الانسان وكرامته ، وما يتعرض له من ضرب واهانة وشتائم ، بل أن كثيرا من الأعمال التى تتعرض للأسرة أيضا تظهر القسوة فى معاملة الأطفال من ذويهم ، أو الزوجات من قبل الأزواج ، وخناقات الأزواج على مرأى ومسمع من أبنائهم ، علاوة على مشاهد الردح ، ووصلات الشتائم ، والبذاءة والابتذال ، يذكر هانى صلاح الدين فى مقاله بعنوان ( اختفت عصا المعلم فظهر البانجو فى المدارس ) ، والمنشور فى اليوم السابع بتاريخ 11-2-2010 ، أن هناك أكثر من ألف حالة اعتداء سنويا من قبل الطلاب على معلميهم ، حسب محاضر الشرطة ، ويؤيد الكاتب العقاب البدنى بضوابطه من عدم الايذاء ، وارتباطه بالنصح والارشاد ، والمؤكد عندى أننا لو استعملنا النصح والارشاد ، لما احتجنا الى عصا المعلم ، بل ان العقاب البدنى لأكبر دليل على جهل المدرس ، وعدم مقدرته على مواجهة مشاكل الطلاب ، مما يلجؤه الى الطريق الأسهل ، رغم خطورة عواقبه ، كما أنه أيضا لبرهان قوى على عدم ادراك المدرس لمفهموم ومعنى العملية التعليمية ، ودوره كقائم عليها.
6- الضوابط الشرعية ، وهو موضوع طويل وهام ، ويحتاج الناس جميعا الى فهمه ، وهو ما سأتعرض له بالتفصيل فى مقال مستقل يتناول التعذيب من جوانبه وأبعاده المختلفة ، وما يعنينى هنا الاشارة فى عجالة الى أن حفظ النفس والعقل مقصدان من مقاصد الشريعة ، وأن الاعتداء على جسد الانسان بالضرب والتعذيب ، أو الاعتداء على عقله بالتخويف والارهاب والتضليل ، لمما يخالف تلك المقاصد ، ولم يعرف عن رسول الله (ص) أنه ضرب أحدا قط ، رجلا أو امرأة أو طفلا أو دابة ، وأن عقوبات الضرب فى الاسلام مقصورة على حدود الله جل وعلا ، وهو أعلم وأرحم بمن خلق ، ويعلم سبحانه ما يفسد الانسان ، وما يصلحه ، تقول أم المؤمنين عائشة (رض ) : ( ما ضرب رسول الله (ص) خادما قط ، ولا امرأة ، ولا ضرب رسول الله بيده شيئا قط ، الا أن يجاهد فى سبيل الله ...) ، رواه الشيخان ، وصححه الألبانى 507 ، وقد علمنا رسولنا الكريم (ص) : ( ان الله تعالى رفيق يحب الرفق ، ويعطى عليه ما لا يعطى على العنف ) ، وقال أيضا (ص) فيما يرويه مسلم ( عليك بالرفق ، فان الرفق لا يكون فى شئ الا زانه ، ولا ينزع من شئ الا شانه ) ، وأن ضرب الناس لغير حد لمما يستوجب القصاص يوم القيامة ( لولا القصاص يوم القيامة لأوجعتك بهذا السواك ) ، قالها (ص) عندما غضب على احدى الخوادم .
7- ان العقاب البدنى والنفسى مفسدة عظيمة للأفراد والمجتمع ، وعامل هام فى تفشى كثير من العادات المرذولة ، يقول ابن خلدون فى مقدمته : ( فصل فى أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم ، سيما فى أصاغر الولد ..من كان مرباه بالعسف والقهر على المتعلمين ، سطا به القهر ، وضيق على النفس فى انبساطها ، وذهب بنشاطها ، ودعاه الى الكسل ، وحمل على الكذب والخبث ، وهو التظاهر بغير ما فى ضميره ، خوفا من انبساط الأيدى بالقهر عليه ، وعلمه المكر والخديعة لذلك ، وصارت له هذه عادة وخلقا ، وفسدت معانى الانسانية التى له ) ، واذا كنا حقيقة نخشى على فساد معانى الانسانية فى نفوس أبناء مجتمعاتنا، فما علينا الا أن نراجع سياساتنا الخاطئة ، ونتخلى عن كل ما يمتهن الانسان فى بدنه وعقله ونفسه ، صغيرا أو كبيرا ، رجلا أو امرأة ، والا فاننا سنتحول الى مجتمعات مكلومة بدنيا ، ومشوهة نفسيا وعقليا ، يسودها الخوف ، وتعشش فيها الكراهية ، ويسيطر عليها العجز والضعة والاستكانة .
سعد رجب صادق
saad1953@msn.com