مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الاصلاح والتغيير .. والكوتة
...............................................................

 

سوزان مبارك

 

بقلم : سعد رجب صادق
...........................

مرر مجلس الشعب المصرى فى العام الماضى ، وبسرعة غير معهودة ، مشروع قانون كوتة المرأة ، وفيه تم تخصيص 64 مقعدا برلمانيا للنساء ، والكوتة quota أو ما يطلق عليه البعض التمثيل الايجابى تعنى تخصيص حصص فى البرلمان ، أو نسب معينة فى الوظائف ، أو الجامعات ، لفئات من المجتمع اعتمادا على الجنس gender quota كما فى حالة كوتة المرأة هنا ، أو العرق racial quota كما فى حالة السود أو غيرهم فى بعض البلاد ، وفى الوقت الحالى فان أصواتا أخرى ترتفع فى مصر منادية بكوتة للأقباط ، وكوتة للنوبيين ، وكوتة لأصحاب الاحتياجات الخاصة ، وغيرها ، ونظرا لأهمية الأمر ، وتأثيره على الاصلاح والتغيير ، لا بد من معالجته بشئ من التجرد ، وبعيدا عن العصبية لجنس أو عرق أو أفلية ، وبعيدا أيضا عن التهريج الاعلامى ، الذى يشوه الحقائق ، ويسهم فى تحريف الرأى العام ، وتضليل الغالبية العظمى من الناس ، ويتناول هذا المقال الجوانب التالية :

أولا : كوتة المرأة

يعتمد المؤيدون لكوتة المرأة على عاملين رئيسيين :

1- وجود هذا النظام فى بعض البلاد ، واسهامه فى رفع تمثيل المرأة فى البرلمان ، غير أن الذى يتجاهله هؤلاء أن ذلك يكاد يكون مقتصرا على أفريقيا ، وعلى سبيل المثال فان تمثيل المرأة فى البرلمان الرواندى ، أو ما يطلق عليه champer of deputies تصل الى %48.8 ، مما يجعل رواندا الدولة الأولى عالميا فى تمثيل النساء ، بينما فى بلاد أفريقية أخرى تتراوح النسبة بين %22 كما فى أريتريا ، و %24 فى أوغندا ، و %29 فى جنوب أفريقيا ، و %30 فى موزمبيق ، ومما يجدر ذكره هنا أن رواندا شهدت حربا أهلية مريرة ، وتطهيرا عرقيا genocide مروعا ، بين العنصرين القبليين الرئيسيين فى البلاد ، وهما ال Tutsi و Hutu ، راح ضحيته منذ بدايته فى عام 1959 وحتى جولته الأخيرة فى عام 1994 حوالى 1,350,000 من الأفراد ، كما عانت موزمبيق أيضا من صراع داخلى فى الفترة من 1975-1992 ، تسبب فى حوالى مليون من الضحايا ، والحال كذلك فى كثير من البلاد الأفريقية ، والذى يحدث عادة فى أعقاب تلك الصراعات أن تجد تلك البلاد نفسها تحت شروط المجتمع الدولى ، أو الغربى بمعنى أصح ، ومن تلك الشروط تمثيل المرأة فى البرلمان ، وحقها فى الاجهاض ، والعلاقات الجنسية قبل الزواج ، وغيرها من قائمة الشروط الغربية لتلقى القروض والمساعدات الغذائية .

2- الاعلان العالمى لحقوق الانسان Universal Declaration of Human Rights الصادر عام 1948والذى ينص فى مادته الثانية Article 2 أنه لا تمييز فى الحقوق بسبب العرق أو اللون أو الجنس ..، وما أعقب ذلك من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والمسماة CEDAW ، والتى تم اقرارها فى مؤتمر بكين Convention of Elimination of Discrimination Against Woman بتاريخ 18 ديسمبر 1979 ، ووقعت عليها مصر ودول عربية واسلامية أخرى ، وتحتوى الاتفاقية على ثلاثين بندا ، بعضها ايجابى كالاقرار بحق المرأة فى التعليم ، وحمايتها من كافة أشكال الدعارة ، والاتجار بجسدها ، غير أن الكثير منها يدعو الى النموذج الغربى ، بدون اعتبار للدين والعرف والثقافة والخصوصية التى تميز كل مجتمع من مجتمعات البشرية ، ففى المادة 1 مثلا يعرف التمييز ضد المرأة بأنه ( أية تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس فى الميادين السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو المدنية أو فى أى ميدان آخر ) ، وفى المادة 3 ( تؤكد الاتفاقية بشكل قاطع على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل عن طريق مطالبتها الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير المناسبة بما فى ذلك التشريع لكفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين ، لتضمن لها ممارسة حقوق الانسان والحريات الأساسية ، والتمتع بها على أساس المساواة مع الرجل ) ، ولا يقتصر الأمر على مطالبة الدول باتخاذ التشريعات ، بل يتعداه الى المطالبة بتغيير الأنماط الثقافية والاجتماعية ، حيث تنص المادة 5 على ( ولذلك فان الدول الأطراف ملزمة بالعمل نحو تعديل الأنماط الثقافية والاجتماعية لسلوك الأفراد لأجل القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوق أحد الجنسين ، أو على أدوار نمطية مقولبة للرجل والمرأة ) ، وفى المادة 10-ج النص على ( تنقيح كتب الدراسة ، والبرامج المدرسية ، وطرائق وأساليب التعليم ، بهدف القضاء على المفاهيم النمطية والمقولبة فى مجال التعليم ) ، وفى ديباجة الاتفاقية ( أن تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة يتطلب احداث تغيير فى الدور التقليدى للرجل وكذلك فى دور المرأة فى المجتمع والأسرة ) ، ورغم أن غرض مقالى هذا ليس مناقشة حقوق النساء ، وانما التعرض لجزئية كوتة المرأة ، فقد آثرت أن أتناول بشئ من الايضاح أسباب المؤيدين ، لارتباط ذلك بالفهم العام للموضوع ، وكذلك الاسهام فى تقييم الأمر ، ودوره فى قضية الاصلاح والتغيير.

وتجب الاشارة فى هذا السياق أن البلاد الأفريقية ليست أمثلة تحتذى ، فكلها غارقة فى الصراعات القبلية والطائفية ، وكلها أيضا تعانى من الفقر ، والأمية ، والفساد السياسى ، وانعدام التخطيط ، وغياب مشاريع التنمية ، وغير ذلك ، وقد يكون للغرب دور كبير فى تلك المشاكل ، الا أن الحقيقة تبقى أن من يريد مثلا لتقليده ، فان هذا المثل لا يمكن أن يكون أفريقيا ، أما بالنسبة للاعلانات والاتفاقات العالمية فان المهللين لها فى العادة هم من العلمانيين الذين يتجاهلون كيف كرم الاسلام المرأة ، ورفع قدرها ، ولكنه فى نفس الوقت حفظ حياءها وعفتها ، وراعى تكوينها الجسدى والنفسى ، ودورها المميز فى الحياة ، ولذلك فانهم يطالبون بالمساواة المطلقة ، وبطرح ما يسمونه الأفكار التقليدية ، يقول د . كمال مغيث فى مقاله ( مقاعد المرأة والضرورات التى تبيح المحظورات ) ، والمنشور بصحيفة المصرى اليوم ، بتاريخ 18-6-2009 : ( ومن هنا فالأصل أنه ينبغى التسوية المطلقة بين الرجال والنساء فى الدستور والقانون وما يتبعهما من لوائح وتشريعات ، هكذا فعلت أوربا .. وقد طرحت كل تلك الدول ( يقصد الدول الغربية ) من على عاتقها كل الأفكار التقليدية التى ترفع الرجال على النساء درجات ، لمجرد أنهم ذكور ، أو تقصر وظيفة المرأة على امتاع الرجل ، وترى أن للرجل السعى والكد وللمرأة القرار فى البيوت وتربية الأطفال ، أو أن للمرأة العاطفة ، وللرجل العقل والقوة ، ورأت الثقافة الحديثة تربية الأطفال ليست فرضا على المرأة فقط ، كما رأت أن طول فترة الخصوبة للمرأة والتى تصل الى نصف عمرها أحد مظاهر التخلف الاجتماعى.) ، وليس صعبا على المهتم أن يدرك أن الدرجات التى يتحدث عنها الكاتب اشارة الى الآية الكريمة ( ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ) البقرة 228 ، وأن القرار فى البيوت اشارة الى الآية الكريمة ( وقرن فى بيوتكن ) الأحزاب 33 .

ثانيا : كوتة الأقباط

حسب موسوعة ( تاريخ أقباط مصر) لعزت أندراوس ، رفض الأقباط أن يتضمن دستور 1922 أى نص على تمثيل نسبى لهم فى البرلمان ، معتبرين ذلك فكرة هادمة للوحدة الوطنية ، وموجبة للتفريق بين أبناء الشعب الواحد ، ورفض الفكرة مرة أخرى الزعيم الوفدى واصف ويصا قائلا : ( ليس فى مصر الا مصريون ) ، وفى 19 مايو 1922 عقدت الكنيسة البطرسية اجتماعا ، قرر فيه الأقباط رفض دعوة الكوتة ، وأرسلوا برقيات بذلك لجميع المسئولين بالدولة ، وفى عام 1938رفض أقباط مصر من جديد فكرة اعتبارهم أقلية تحتاج الى حماية الدول الأجنبية ، ومثل الوزيران القبطيان مكرم عبيد ، وواصف بطرس غالى أمام عصبة الأمم رافضين اقتران دخول مصر عصبة الأمم بتعهدها بحماية أقليتها القبطية .

اذا كان الأقباط على هذا المنهج فى الماضى ، فماذا طرأ عليهم ، وعلى المجتمع المصرى ، لترتفع أصوات عديدة من بينهم مطالبة بالكوتة الآن؟!

ثالثا : كوتة العمال والفلاحين

لا شك أن حركة 23 يوليو 1952 هى أول من أدخلت نظام الكوتة الى المجتمع المصرى بتحديد نسبة %50 للعمال والفلاحين ، والحق أنها لم تضف أبعادا جديدة الى المشهد السياسى المصرى ، ولم تضخ اليه مزيدا من الحيوية والدماء ، بعدما اعتاد لسنوات طويلة على السياسيين المحترفين ، الذين افتقدوا بمرور الوقت للحماس والعاطفة الجياشة تجاه مشاكل المجتمع ، وصاروا أكثر حرصا على المناورات والألاعيب البرلمانية ، والأكثر من ذلك فتور الحماس لها بعد تلك العقود ، وعدم وضوح معالمها الآن ، والانتقادات الكثيرة التى توجه اليها ، وتصل الى حد التندر والسخرية بمن توصلهم الى البرلمان من الأميين ، ومفتقدى الخبرة والوعى بأهمية دورهم ووظيفتهم.

رابعا : كوتات أخرى

ترتفع فى المجتمع المصرى أصوات مطالبة بكوتات أخرى للنوبيين والمعوقيين ، وغير ذلك ، وكلهات دعوات تصب فى حالة الهزل والتهريج السياسى الشائع فى مصر ، والتى هى نتيجة لافتقاد الحراك الحقيقى ، والقيمة والمعنى لكل ما يحدث فى المجتمع ، حتى أن المرء ليعجب من وجود 24 حزبا شرعيا لا يعرف عنها الناس شيئا ، وليس لها من دور حتى ولو صغير فى اشاعة الوعى ، وجذب انتباه الناس للتفكير فى قضاياهم ومشاكلهم ومستقبلهم ، وكيفية حلها والتعامل معها ، بالاضافة الى عشر مجموعات تشكلت للدفاع عن الديمقراطية ، والحقوق السياسية ، وغيرها من منظمات المجتمع المدنى ، وجماعات حقوق الانسان

خامسا : التجربة الأمريكية للاستفادة والمقارنة

من المهم دائما عند التطرق لمشاكل المجتمع ، ووسائل الاصلاح والتغيير ، الاستفادة من تجارب الآخرين ، مع الحفاظ على هوية المجتمع وخصوصيته الدينية والثقافية وغيرها ، واختيار التجربة الأمريكية فى هذا المقال وغيره من المواضيع التى أتناولها يرجع الى اهتمام الأمريكيين بجمع المعلومات والأرقام والاحصائيات وغير ذلك من ضرورات النظرة الشاملة للمشكلة ، علاوة على اهتمامهم أيضا بتتبع وتقييم ما يقومون به فى المجالات المختلفة ، ولذلك تكون الدراسات دائما متوافرة للرجوع اليها ، على عكس ما يحدث فى بلادنا العربية والاسلامية والتى تفتقر الى المنهج والوسائل اللازمة لاجراء الأبحاث ، كما تفتقر أيضا الى التمويل المادى ، وغير ذلك مطلوبات البحث والمتابعة المستمرة .

من المعروف أن المجتمع الأمريكى متعدد الأعراق ، ويبلغ عدد سكانه 304,059,724 ، حسب US Census Bureau ، لعام 2008 ، وتبلغ نسبة النساء %50.7 ، أى أن النساء أكثر من نصف المجتمع ، ومع ذلك ليست هناك كوتة نسوية ، بل ان المرأة لم تحصل على حق التصويت الا فى عام 1920 ، وفى عام 1927 وصلت أول امرأة الى مجلس الشيوخ Senate، وفى عام 1999 وصل العدد الى 16 ، وهو الآن 17 من أصل مائة ، بينما عدد النساء فى مجلس النواب House of Representative هو 70 من أصل 435 ، وفى حكم الولايات governer فهناك 9 نساء من أصل 50 ، وفى المحكمة العليا Supreme Court هناك 3 من أصل 9 ، وكل ذلك بالتطور الطبيعى للحركة السياسية فى المجتمع ، فاذا ما نظرنا الى التركيب العرقى حسب احصائيات 2007 ، نجد %12.8 من السود ، %15.1 من أصول أسبانية Hispanic ، و % 4.4 من أصول آسيوية ، و %1 من الهنود الحمر ، و %0.2 من هاواوى وجزر المحيط الهادى Hawaiian & Pacific Islanders ، و %1.7 متعددى الأعراق multicultural ، والباقى من البيض ، ورغم هذا التمازج فان أحدا من تلك الأعراق لم يطالب بتمثيل نسبى أو كوتة ، بينما التركيب الدينى حسب احصائيات نفس السنة كالآتى : %78.4 نصارى ، % 16.1 ملاحدة ، %1.7 يهود ، % 0.7 بوذيين ، %0.6 مسلمين ، %0.4 هندوس ، ورغم ذلك أيضا لم يخرج من ينادى بكوتة للملاحدة ، أو بكوتة لكل مذهب من مذاهب النصرانية أو غيرها ، ومما يجدر ذكره هنا أنه منذ عام 1870 وحتى الآن ، بلغ عدد من انتخبوا من السود لعضوية الكونجرس بمجلسيه 123 فقط ، ويبلغ عدد السود فى الكونجرس الحالى 43 فى مجلس النواب ، وواحد فى مجلس الشيوخ ، بينما كان Douglas Wilder أول حاكم ولاية أسود ، حيث انتخب عام 1989 لولاية Virginia ، ومن الضرورى أيضا الاشارة الى أن ال Thirteen Amendment من وثيقة الحقوق Bill of Rights ألغت الرق فى 6 ديسمير 1865 ، بينما Fourteen Amendment بتاريخ 9 يوليو 1868 اعتبرت كل من يولد على الأرض الأمريكية ، أو من أب أو أم أمريكية فهو أمريكى ، يحق له ما يحق لغيره من الأمريكيين ، بينما Fifteen Amendment بتاريخ 3 فبراير 1870 أعطت الحق لكل أمريكى بدون مراعاة للون أو العرق فى الترشح وفى التصويت فى العملية الانتخابية .

بقى هناك أمر أمريكى آخر جدير بالاشارة اليه فى هذا السياق وهو ما يعرف ب Affirmative Action ، وهو نوع من الكوتة مقتصرة على التعليم والوظائف ، وقد صدر به الأمر التنفيذى executive order عام 1961 على يد الرئيس الأمريكى John F. Kennedy ، وفيه تحدد نسبة للطلاب السود فى الجامعات ، ونسبة للسود فى الوظائف المختلفة ، لمساعدتهم على اعادة التأهل ، ومسايرة حركة المجتمع ، ورغم ذلك فانه خلال السنوات الأخيرة بدأ Ward Connely وهو أحد السود الأمريكيين حركة نشطة لالغاء تلك النسبة ، معتبرا اياها تمييزا عرقيا ، واضعافا لحركة الجد والمنافسة ، وقد نجح فى ادراجها على قائمة التصويت فى انتخابات بعض الولايات ليترك للناس تقرير مصيرها ، مما أدى الى الغائها فى ولايات Michigan , Washington , California ، الخلاصة من كل ذلك أن المجتمعات الحية لا تحتاج الى تشريعات استثنائية ، وانما تحتاج الى حركة تطور طبيعية تمهد وتؤهل وتدفع فى مجراها بكل شرائح المجتمع للحراك والتنافس والانجاز فى كل مجالات الحياة.

سادسا : عيوب وأضرار نظام الكوتة

1- التقليل من شأن المرأة أو الأقباط أو غيرهم كجزء من نسيج المجتمع المصرى .

2- فتح الباب لكل جماعة عرقية أو دينية أو غير ذلك للمطالبة بنسبة فى التمثيل البرلمانى أو غيره ، مما يحول المجتمع الى تجمعات أو دويلات ، وكأن كل فصيل لا يعنيه قضايا المجتمع الكبرى ، والتى تؤثر وتتأثر بكل أبنائه .

3- التركيز على الكوتة يبعدنا عن الاهتمام بقضايا الاصلاح السياسى ، واصلاح النظام الانتخابى ، وغير ذلك .

4- يرى بعض المحللين المصريين أنه لا يوجد سند دستورى أو قانونى للكوتة ، ومما يجب ذكره هنا أن المادة 11 من الدستور تنص على أن الدولة كفلت المساواة بين الرجل والمرأة فى الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية.

5- أعضاء البرلمان الذين يصلون بهذا الطريق يميلون فى الأغلب للتصويت فى جانب الحكومة ، مما يحرم مشاريع القوانين من النقاش والأخذ والرد للوصول الى أفضل ما يخدم المجتمع بصرف النظر عن الانتماء لحزب أو جماعة .

6- الكوتة تأكيد على اختلاف أو تميز فئة أو شريحة من المجتمع ، بدل دمج المجتمع بجميع طبقاته وأعراقه وأديانه ، حتى لا يرى المصرى مثلا الا مصريين وليس أقباطا أو نوبيين أو نساء أو غير ذلك ، والمعروف أن هذا الاندماج والتجانس ، وعدم الاحساس بالاختلاف من أكبر عوامل ثراء المجتمع ، ومن أعظم دوافع نهضته وتقدمه ، والدليل على ذلك الولايات المتحدة ، وقد أسهم الغنى العرقى لبلاد المسلمين تحت دولة الخلافة فى تكامل المجتمع الاسلامى وحضارته ، وعندما يبدأ تنافر مكونات المجتمع تنطلق شرارة الفتن والحروب الأهلية ، وغيرها من مثبطات النهضة ، وعوامل التفكك ، وما يحدث فى السودان ومعظم بلاد أفريقيا دليل ناصع على ذلك.

7- ذكر Stanley Fish ، وهو عميد كلية العلوم والفنون College of Liberal Arts & Science بجامعة University of Illinois فى كتابه The Trouble With Principle ، والذى صدر عام 1999 ، تسعة أسباب مختلفة لمعارضته لنظام كوتة الجامعات والوظائف للسود ، والسابق الاشارة اليها ، وكلها أسباب يمكن تطبيقها على جميع أنواع الكوتة ، ومنها أنها تقليل من شأن تلك الطائفة أو المجموعة It lowers self-esteem ، وهو ما ذكرته هنا فى رقم 1 ، ومنها أيضا التأكيد على تميز فئة أو شريحة من المجتمع It provokes race-consciousness ، وهو ما ذكر هنا فى رقم 6 ، ومما يذكره أيضا أنه لا احتياج اليها It is not needed حيث أن كل صور التمييز أصبحت غير قانونية فى كل المجتمعات ، علاوة على أن المجتمعات المعاصرة دمجت فى حركتها وتطورها كل طبقات المجتمع بما فيها النساء والأقليات العرقية والدينية ، ومن الأسباب أيضا أن الكوتة لا تؤدى الغرض منها It is not working بسبب أن فئات المجتمع التى لا تحظى بالمكانة يرجع ذلك الى عوامل اقتصادية واجتماعية وتاريخية وتعليمية وغيرها ، وليس فقط بسبب غياب الكوتة ، كما أنها تعود بنا للوراء ، الى أزمنة التمييز والطائفية It reverse racism ، وهى أيضا فكرة غير عادلة It is not fair ، فالمجتمع الصالح لا يفرق بين أبنائه ، وانما يدفعهم جميعا للاجتهاد والمنافسة .

سابعا : ما هو الحل ؟

1- مشكلة المجتمع المصرى ليست فى حق المرأو أو الأقليات ، وانما فى هضم حقوق الناس جميعا ، وكل فرد فى المجتمع أيا كان جنسه أو لونه أو عرقه أو دينه يحتاج الى حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ويحتاج الى ممارسة دوره الفاعل فى المجتمع والحياة ، ولذلك فان من يقصرون الأمر على المرأة أو على الأقباط أو غير ذلك ، مثلهم كمن يقومون بعملية ترقيع لن تحقق شيئا لا للمرأة ولا الأقباط ، ولا حتى للمجتمع بأكمله ، ان المجتمع المصرى يحتاج الى اصلاح شامل ، تتكامل فيه وتترابط حلقات الاصلاح ، وساعتها ستبدو فكرة الكوتة ليست فقط نشازا ، وانما سخيفة وبالية ولا فائدة منها ، وقد وصلت المجتمعات الاسكندنافية الى درجة من التطور وصلت فيها نسبة تمثيل المرأة الى %45 فى السويد ، % 38 فى الدانمارك ، %37 فى فلندا ، % 36 فى النرويج .

2- الاصلاح الشامل سيؤدى الى قيام أحزاب حقيقية ، وكذلك نقابات ومنظمات مجتمع مدنية وغيرها ، مما يتيح لها تكوين وصقل كوادرها ، من خلال مؤتمراتها وندواتها ، واحتكاكها بقواعدها من الناس ، وبرامجها وحملات أعضائها الانتخابية ، كما سيتيح لكل راغب من أفرادها فهم طبيعة العمل الحزبى والنقابى والمدنى ، مما يخلق باستمرار كوادر جديدة فاهمة وقادرة على أداء دورها ، وليس الأميين ، ومن لا وظيفة لهم الا النوم أو رفع الأيدى بالموافقة ، أو البحث عن الحصانة وما يأتى معها من امتيازات ، وكلها مشاهد قبيحة معروفة للجميع فى مجتمعنا، ومن المهم أن أذكر هنا أن مصر جربت كوتة المرأة من قبل ، حيث صدر القانون رقم 21 لسنة 1979 ، وبمقتضاه تم تخصيص 30 مقعدا للنساء ، غير أنه ألغى بعد ذلك ، كعادة كل أمورنا من العشوائية وانعدام التخطيط والمبررات، وقد بقى تمثيل المرأة فى البرلمان المصرى منخفضا منذ منحها دستور 1956 حق الترشح والانتخاب ، وفى عام 1957 كانت هناك امرأتان فى البرلمان ، وفى الدورة البرلمانية الحالية يوجد 8 نساء من 454 معظمهم بالتعيين ، أى أقل من %2 ، وفى الدورة السابقة كانت النسبة %3 ، أما بالنسبة للأقباط فان الحزب الوطنى مثلا لم يرشح على قوائمه قبطيا فى انتخابات 1990 و 1995 ، ورشح واحدا فقط فى انتخابات 2000 ، ولم يرشح أحدا فى انتخابات 2005 .

3- اصلاح النظام الانتخابى بما يضمن نزاهته ، وخلوه من التجاوزات الجسيمة ، بالاشراف القضائى ، وتجريم البلطجة والتزوير وشراء الأصوات وغير ذلك مما عهدناه فى الانتخابات ، وكذلك التوعية العامة للناس وارشادهم وافهامهم لحقوقهم وواجباتهم ، وانعكاس ذلك على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم .

4- تخضع قضايا المرأة فى بلادنا عادة لمزاج زوجات الرؤساء والملوك ، ونساء الصالونات اللاتى لا يعرفن شيئا عما تعانيه المرأة أوالرجل معا من مشاق ومصاعب للوفاء باحتيجات الأسرة ، وهؤلاء النسوة يضعن أنوفهن فى كثير من قضليا المجتمع بدون حق قانونى أو دستورى ، ويدفعن الى اصدار تشريعات تماشيا مع ما يحدث هنا أو هناك ، ويساعد توجهاتهن طائفة من العلمانيين غير الأمناء على ثقافة المجتمع ودينه وخصوصيته ، يذكر د . كمال مغيث فى مقاله السابق الاشارة اليه أن من أسباب تدنى مستوى تمثيل المرأة فى البرلمان الخطاب الدينى ( كما تعانى بلادنا من خطاب دينى متطرف ، يدفع المرأة بعيدا عن الحياة العامة ، ويقصر وظائفها على ما هو عاطفى ومنزلى كما أسلفنا ، حتى أوشك الناس على نسيان وجه المرأة فى الحياة العامة ، الا من بعض السيدات شديدات الصلابة هنا وهناك ، ومن هنا فما الضير فى ظل هذا الموات السياسى ، والفقر الفكرى من أن تتخذ الدولة بعض التدابير الاستثنائية للدفع فى الأمور فى اتجاهها الطبيعى ، اتجاه المساواة بين المرأة والرجل ) ، ولا أدرى أين يعيش الرجل ، ومن أوحى له بوشوك نسيان وجه المرأة فى الحياة العامة ، والمرأة المصرية موجودة فى كل مكان ، الا أنها تعانى الظلم والتهميش كما يعانيه الرجل تماما ، تقول سكينة فؤاد الصحفية ، ونائب رئيس حزب الجبهة الديموقراطى ، كما نشرت اليوم السابع بتاريخ 15-1-2010 : ( ان الكوتة عار على تاريخ المرأة السياسى لأنها شريك أساسى ، وليست كائنا هامشيا ) ، ولذلك فانه من الضرورى للاصلاح والتغيير مراعاة أن التشريعات ليست مما يخضع لهوى الزوجات ونساء الصالونات والعلمانيين الكارهين لدين الأمة وثقافتها ، وانها أمر شديد الأهمية والخطورة لتأثيراته على أنشطة المجتمع المختلفة ، مما يجعل دراستها ، والتيقن من جدواها من الضرورات اللازمة ، وأن يتم كل ذلك باعتبار مصلحة المجتمع فقط ، وليست أهواء وأمزجة البعض.

5- يغفل جميع من يتعرضون لقضايا المجتمع للبعد الشرعى ، رغم أهميته وخطورته ، وضرورته الأخلاقية والعملية ، وبما أن أعضاء البرلمان هم السلطة التشريعية للمجتمع ، وجب مراعاة الشروط الواجب توفرها فى المجتهد ، والذى هو بمعنى آخر من يبحث للناس عن قوانينهم وتشريعاتهم التى تنضبط بها حركة الحياة ، ووجب أيضا مراعاة أن اختيار بعض الأعضاء بالتعيين أو بالكوتة مما يجافى الضوابط الشرعية التى توجب اختيار الأفضل لرعاية مصالح الناس ، ولذلك يقول الرسول (ص) : ( من استعمل رجلا على عصابة من المسلمين ، وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين ) رواه الحاكم فى المستدرك 7023 ، وعصابة من المسلمين هنا تعنى المسلمين ، وأرضى تفهم على معناها الشامل من التقوى والكفاءة لادارة أمر الجماعة أو المجتمع ، ولأن مجالسنا النيابية تخلت عن تلك الضوابط ، وأصبحت تجمعا لمن وصل بالغش والتزوير أو شراء الأصوات ، أو لعصبية الأسرة ، أو بالتعيين الذى لا يستحقه ، أو بالكوتة التى تجافى مبادئ العدل ، بل حتى تجافى مبادئ الديمقراطية التى توجب التنافس ، والمساواة فى الفرص بين المرشحين ، وترك الأمر فى النهاية للناس يختارون الأفضل لتمثيلهم ورعاية مصالحهم ، فان ذلك تضييع للأمانة ، عن أبى هريرة (رض) أن رجلا سأل النبى (ص) عن الساعة - أى يوم القيامة - ، فقال (ص) : ( اذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ) ، قال : كيف اضاعتها يا رسول الله ؟ قال : ( اذا أسند الأمر الى غير أهله ) البخارى 6015 ، لقد أصبحت بديهية يدركها كل مصرى ما حاق بالمجتمع من خلل وفوضى ، وما أنتجته عقود من المفسدين الذين ضيعوا الأمانة ، وخانوا الناس جميعا ، وتخلوا عن دورهم فى السهر على مصالح الأمة ، حتى أوردونا موارد الخيبة والخسران .

ان الكوتة ببساطة شديدة ، وفى كلمات قلائل ، فكرة فاسدة ، والأفكار الفاسدة تقود الى مجتمعات فاشلة ، وما علينا جميعا الا السعى نحو الغاء نسبة ال %50 عمال وفلاحين ، وكوتة المرأة ، وغيرها مما يجرى الاعداد له ، واطلاق اصلاح شامل للعملية السياسية والحزبية والانتخابية ، وتفعيل دور المجتمع بأفراده ومنظماته ، وهو ما سيقود الى حالة من الأمل والحراك والمنافسة ، ستفرز أفضل من فى مصر ، وتدفع بهم الى قيادة المجتمع ، والعناية يشأنه ، واعلاء مكانته ، وما عدا ذلك فهو ترقيع وتضليل ، وهزل وتهريج ، لن يزيد أحوالنا الا تدهورا وانحدارا.

سعد رجب صادق
saad1953@msn.com


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية