مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الاصلاح والتغيير..الرئيس القادم
...............................................................

 

السؤال الآن بكل موضوعية وبعيدا عن الانفعال: هل يصلح البرادعى فعلا أن يكون رئيسا لمصر ؟

 

بقلم : سعد رجب صادق
..........................

خلال السنوات القليلة الماضية شغلنا الاعلام المصرى بالحديث عما يعرف بملف التوريث ، ويعنى توريث الرئيس حسنى مبارك الحكم لولده جمال ، ومع اقتراب الانتخابات التشريعية والمقرر عقدها هذا العام ، تعقبها الانتخابات الرئاسية فى العام المقبل ، أضاف الاعلام ملفا آخر يزيد به من جرعة الالهاء والثرثرة ، وهو من سيكون المرشح لمنافسة الرئيس الحالى اذا قرر الترشح لفترة أخرى ، أو لنجله اذا استقرت ارادة النظام القائم على خوضه معركة الرئاسة ؟ ورغم الكم الهائل من الكتابات والمقالات ، والساعات الطوال من النقاش والجدال ، والمواقف والآراء التى اختلفت وتباينت ، الا أن الاعلام لم يقدم للانسان المصرى الثقافة والمعرفة الضرورية لفهم حقوقه وواجباته ، ولم يسهم فى خلق الوعى والادراك اللازم لتكوين رأى عام ، وشعور قومى مستنير ، يجعل هذا الانسان مصمما على فرض ارادته ، واستعادة حقه فى الحياة الكريمة ، والمساهمة فى ادارة شئون مجتمعه ، الذى استشرى الفساد في نفوس أفراده ، وفى مؤسساته، وضربت الفوضى العارمة قيمه وسلوكيات أبنائه ، بل على العكس انشغلت الغالبية فى سباب النظام الحالى ، وشتم أفراده ورموزه ، حتى أن هناك بعض الصحافيين الذين اقتصرت كثير من كتاباتهم على الطعن فى الرئيس وولده ، وصار الأمر فى مجمله ملهاة متواصلة من الهزل والعبث ، أصبح فيها هم الصحافة تعديد المشاكل ، وكتابة القوائم الطوال بما نعانى منه من نقائص وعورات ، والولولة على الأحوال المتردية ، والبكاء والعويل على الأوضاع المزرية ، وكلها دلائل العجز والفراغ ، فالناس ليست بحاجة الى من يولول ويعدد ، وليست بحاجة الى من يسرد المشاكل ، فهم أعلم بتلك المشاكل ، وأكثر احساسا بها ، لأنهم ببساطة شديدة يعيشونها فى كل وقت وحين ، ويعانون من ويلاتها مع مطلع كل شمس وغروبها ، بينما الصحافيون قد تحولوا الى مرتزقة يتكسبون بالتجارة فى هموم الناس وآلامهم ، بدل أن يساهموا بالجهد والطاقة ، فى طرح مشاكل المجتمع بدون تهويل أو تهوين ، وبيان أسبابها ، وعوامل تفشيها ، ثم المساهمة فى احياء وعى الناس وتنويرهم ، وتقديم الحلول والاقتراحات لما نعانى منه من صعوبات وأزمات.
 
ويتناول هذا المقال الدكتور محمد البرادعى كأكثر الشخصيات المحتملة لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة ، وما أثاره من جدل ونقاش فى أوساط الصحافة والاعلام ، وما حظى به أيضا من اهتمام على الصعيد المحلى والعالمى ، ونظرا لأهمية منصب الرئيس فى مصر ، وما يمثله لأفراد المجتمع ومؤسساته ، أصبح لزاما تناول الموضوع بشئ من الاستفاضة ، مع مراعاة الأمانة والصرامة فى الطرح والتحليل ، لأن مصلحة المجتمع المصرى ومستقبله أهم من الأفراد ، وأولى أن توضع فوق كل اعتبار ، وأن تكون الشغل الشاغل لكل من يبحث لهذه الأمة عن مخرج من كبوتها الطويلة ، وغفوتها الممتدة ، لذا وجب تغطية الجوانب التالية :
 
أولا : البرادعى ودوره الدولى فى وكالة الطاقة الذرية ، وحرب العراق ، وحصوله على جائزة نوبل .

1- وكالة الطاقة الذرية : يعتبر البعض أن رئاسة البرادعى لوكالة الطاقة الذرية IAEA أو International Atomic Energy Agency لثلاث دورات متتابعة ، فى الفترة من 1997 الى 2009 ، دلالة كافية على صلاحيته لرئاسة مصر ، كما أن تلك الفترة أكسبته مكانة دولية مرموقة ، مما يعطيه حماية من النظام المصرى اذا حاول الاضرار به ، ورغم أن بعض المحللين الدوليين مثل Philipp Bleek ، وهو خبير فى التسلح النووى بجامعة Georgetown ومعهد Berlin's Global Public Policy Institute عبروا عن رضاهم عن دوره فى تحسين المكانة العالمية لوكالة الطاقة الذرية ، وزيادة الاعتمادات المالية لها ، وكذلك Goetz Neuneck وهو نائب مدير معهد Hamburg-based Institute for Peace Research and Security Policy الذى يرى أن نجاح البرادعى مكن له وللوكالة من الحصول على جائزة نوبل للسلام فى عام 2005 ، الا أن الحقيقة التى لا يمكن اغفالها أن الأمم المتحدة ومنظماتها وخاصة وكالة الطاقة الذرية تؤدى دور الشرطى فى منع الآخرين من امتلاك التقنية النووية ، لتظل محصورة فى الدول الكبرى ، تحت دعاوى الشرعية والسلام العالمى ، والتأكد من عدم امتلاك ما يسمى بالأنظمة أو الجماعات المارقة للسلاح النووى ، وهى دعاوى باطلة تريد حجر التقدم على الكبار والأغنياء ، وحرمان الضعفاء والفقراء من امكانيات هائلة لتوليد الطاقة وغيرها من المنافع السلمية لاستخدامات الذرة ، وقد أمضى البرادعى أكثر من عقد من الزمان فى ادارة الوكالة واقفا بالمرصاد لايران والعراق وسوريا وليبيا وكوريا الشمالية ، فى حين أنه غض الطرف تماما عن اسرائيل والدول الكبرى ، والتى لو كانت جادة فى نزع السلاح النووى لضربت المثل والقدوة للآخرين ، ولمدت مع الوكالة يد العون فى كل أمور الاستخدام السلمى ، بما ينفع البشرية ، ويضمن استخدام الموارد بما يفيد الناس ، والغريب أن البرادعى نفسه ذكر فى خطبة قبوله جائزة نوبل أن %1 من المال المنفق على تطوير الأسلحة النووية فى العالم كاف لاطعام كل البشرية ، ولا يجب أن يخفى عن الأذهان أيضا أن ادارة وكالة دولية يختلف كلية عن رئاسة مصر ، فالمنظمات العالمية تدار طبقا للوائح وقوانين صارمة ، ورئاسة أية منظمة لا تجعل من رئيسها فوق الآخرين ، ولا تجعله أيضا متحكما فى أحد ، حيث يتم العمل بصورة جماعية ، لا تفرد لأحد ، ولا مكانة لأحد فوق أحد ، ولو أدار الوكالة خلال تلك الفترة شخص غير البرادعى لما اختلف أداؤه كثيرا عنه.

2- حرب العراق : ذكر البرادعى فى حديثه لمجلة Time فى اغسطس من العام الماضى ردا على سؤال حول ما اذا كانت هناك بعض المواقف التى لا يرضى عنها خلال فترة رئاسته لوكالة الطاقة الذرية ، ذكر حرفيا : Every time I see that hundreds of thousands of people lost their lives on the basis of fiction , not fact , it makes me shudder ... I should probably , before the Iraq war , have screamed and howled harder and louder to prevent people from misusing the information that was made available by us ، وموضوع حرب العراق موضوع شديد الأهمية فى الحكم على البرادعى ، ومدى صلاحيته لرئاسة مصر ، فتلك الحرب الظالمة قتلت أكثر من مليون من أخواننا ، وشردت أكثر من خمسة ملايين فى الداخل والخارج ، ورملت ملايين النساء ، ويتمت ملايين الأطفال ، وقتلت العلماء ، وفجرت صراعا طائفيا بغيضا ، وفتحت الأبواب للصوص والمرتزقة والخونة لنهب ثروات العراق وآثاره ، ودمرت بنيتة التحتية تماما ، ولوثت بيئته بآثار اليورانيوم المنضب ، ورهنت مستقبله لعقود طويلة قادمة ، فى أكبر عملية بلطجة فى التاريخ المعاصر ، ورغم نفى البرادعى التورط أو التواطؤ مع ادارة الرئيس الأمريكى George W. Bush ، وادعائه أنه أبلغ مجلس الأمن فى نهاية يناير 2003 أنه لا يوجد دليل حتى الآن على امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ، وأن الوكالة تحتاج الى 4-5 أشهر للتأكد من عدم امتلاك العراق للمقدرة على حيازة أو تطوير تلك الأسلحة ، الا أن الشئ الذى لا يمكن نسيانه أن البرادعى ظهر مئات المرات اعلاميا ليدلى بتصريحات مطاطة ، تحتمل الادانة أو البراءة للنظام العراقى ، ويمكن تأويلها حسب مزاج السامع ونيته ، كما أن تمديد البحث زمنيا ، وتوسيعه ليشمل قصور الرئيس العراقى وغرف نومه لأمر يثير الدهشة والتساؤل ، والشئ الذى لا يمكن تقبله علميا أو منطقيا ، أن تحتوى القصور الرئاسية أو غرف النوم على أسلحة نووية أو كيمائية أو بيولوجية ، أو يتم اخفاؤها تحت الأسرة أو قطع الأثاث ، ثم أن العراق قد دمر مفاعله الذرى ، وفرض عليه حصار خانق ، وأسلحة الدمار الشامل ليست ألعابا نارية لتوارى فى غرف النوم ، أو تصنع فى البيوت والقصور الرئاسية ، واذا كان البرادعى نادما كما ذكر لمجلة التايم على أنه لم يصرخ ، ولم يصح بأعلى صوته قبل الحرب ، فما الذى منعه ؟ أهو ارضاء الغرب ؟ أم المحافظة على مكانته الدولية ؟ أم أنه جاهل بمدى غشم وعنجهية الادارة الأمريكية ؟ أو أنه لا تعنيه أرواح العراقيين ؟ ورغم أن محللا مثل James Acton ، والذى يعمل ب Carmegie Endowment for International Peace ، يرى أن البرادعى فعل كل ما يمكن فعله فى موضوع العراق ، وكذلك Goetz Neuneck الذى أشرنا اليه سابقا ، والذى يرى أن وكالة الطاقة الذرية ما كان لها أن تمنع حربا خطط لها من قبل ، But can one really demand of any international organization that it prevents a war that has been decided upon by the world's superpower already half a year before ؟ الا أن غزارة الدماء التى أريقت بالعراق ، وكم الدمار والخراب والهمجية التى حاقت به ، لا يمكن الا أن تعيد المرة بعد المرة التساؤل عن دور الوكالة ورئيسها فى تلك المأساة الدامية ، حتى أن البرادعى نفسه ليتساءل فى حديثه بتاريخ السادس من ديسمبر 2009 ، مع Joby Warrick محرر صحيفة ال Washington Post ، فيقول : We discovered that the decision to go to war was not based on our work but was based on so-called regime change. The decision was taken in 2002 , a year before we started our inspection. How does regime change fit with international law? how do you justify that almost a million innocent civilians have died as the price of getting rid of a dictator? Who is accountable for this at the end of the day , after it was found that there were no weapons of mass destruction ? وتظل تلك الأسئلة وغيرها تلح على نفسى ، وعلى الكثيرين ممن لن ينسوا بسهولة أحداث تلك الفترة الحالكة السواد فى تاريخ البشرية الحديث، وحتى يحكم التاريخ حكم عدل وانصاف على من اشتركوا فى أحداثها المأساوية ، سيبقى البرادعى متهما عندى ولو بشبهة قطرة دم واحدة من أنهار الدم التى سالت على أرض العراق.

3- جائزة نوبل : حصول البرادعى على جائزة نوبل فى عام 2005 مناصفة مع وكالة الطاقة الذرية لا يعنى فى الحقيقة الشئ الكثير ، فالجائزة كما يعلم المتابعون والمنصفون تحكمها عوامل السياسة ، وليس أدل على ذلك من حصول الرئيس الأمريكى باراك أوباما عليها ، رغم أنه لم يقدم شيئا بعد للسلام ، بل انه أمر بارسال مزيد من الجنود ، وتوسيع نطاق الحرب فى أفغانستان ، فى نفس الفترة التى تم اختياره للجائزة ، حتى أن الصحافة الأمريكية نفسها لم تستسغ أن تمنح الجائزة على النوايا وليس على الانجازات الحقيقية ، والمتأمل فى تاريخ الجائزة يجد أمثلة مثيرة للتعجب ، ففى عام 1973 حصل عليها هنرى كيسنجر Henry Kissinger وزير الخارجية الأمريكى آنذاك ، وهو أكبر أفاك فى تاريخ السياسة المعاصرة ، مع الفيتنامى الجنوبى Le Duc Tho لدورهما فى مفاوضات اتفاقية السلام ، والغريب أن الذى حدث هو امتداد الحرب لتشمل لاوس وكمبوديا مما تسبب فى مقتل الملايين من المدنيين والأبرياء ، وكان كيسنجر هو المهندس وراء أحداث تلك الفترة حتى أن Christopher Hitchens اتهمه فى عدد فبراير ومارس 2001 من مجلة Harpers Magazine بارتكاب جرائم حرب ، وجرائم ضد الانسانية ، وخرق القانون الدولى ، والتآمر للقتل والتعذيب والاختطاف ، واتهمته أيضا مجلة LA Weekly بما عرف حينها بسياسة القصف السجادى carpet bombing ، والذى استهدف كل شبر فى كمبوديا لقطع خطوط تموين قوات المقاومة الفيتنامية Viet Cong ، والذى أدى الى موت عشرات الألوف ، ومهد لسيطرة الخمير الحمر ، وموت المزيد من الأبرياء ، حتى ليقدر ضحايا تلك الأحداث بين 3-4 ملايين ، ولا يقتصر دور كيسنجر على امتداد الحرب الفيتنامية فقط ، بل ان له دورا مشبوها فى ترتيب القلاقل التى حدثت بمناطق أخرى من العالم مثل شيلى واندونسيا وتيمور الشرقية ، ومازال البعض فى الولايات المتحدة يطالب بمحاكمته كمجرم حرب ، وان كان أمرا بعيد الحدوث ، وممن حصلوا على الجائزة أيضا الرئيس المصرى السادات مع رئيس الوزراء الاسرائيلى مناحم بيجن Menachem Begin فى عام 1987 ، ومناحم بيجن واحد من أكبر عتاة الاجرام ، وأساطين الارهاب ، وهو مؤسس عصابات الأرجون المسلحة ، والمسئولة عن مجازر عديدة بفلسطين ، منها مجزرة دير ياسين ، واجتياح لبنان عام 1982 ، ومجزرة صابرا وشاتيلا التى أشرف عليها وزير دفاعه ايرل شارون ، وفى عام 1996 حصل على الجائزة ياسر عرفات مع اثنين آخرين من المجرمين والقتلة ، وهما شيمون بيريز Shimon Peres وزير الخارجية الاسرائيلى ، و اسحق رابين Yitzhak Rabin رئيس الوزراء ، والعجيب أن لجنة جائزة نوبل ، والتى تتكون من خمس شخصيات نرويجية سياسية وحزبية وأكاديمية معروفة ينتخبها البرلمان ، استبعدت المهاتما غاندى فى السنة التى رشح فيها للجائزة ، مما يقدح فى نزاهة اللجنة وحيادها ، لأنه ليس هناك أحق من غاندى بتلك الجائزة ، غير أن قليلا من التفكر يجعل المرء يدرك أن غاندى استعمل الممارسات السلمية لتحرير بلاده ، وتخليص أمته من جور الاحتلال وظلمه ، فى حين أن ياسر عرفات استخدم السلام ليبيع %80 من أرضه ووطنه ، بينما السادات استخدم السلام ليعترف بشرعية كيان عدوانى غاصب محتل فى سابقة غير معهودة فى تاريخ الجنس البشرى ، ولذا كرم عرفات والسادات ، وكرم أيضا جورباتشوف Mikhaail Gorbachev فى عام 1990 لدوره فى تفكيك بلده الاتحاد السوفيتى ، بينما حرم من التكريم غاندى وهو أولى به لأن سلامه ليس مما يقره الغرب ويهواه ، والذى يعلم هذا التاريخ لا يجد عجبا فى حصول البرادعى مع وكالة الطاقة الذرية على الجائزة فى عام 2005 ، رغم الفشل فى منع حرب العراق ، ورغم أن حربا ضد ايران بسبب برنامجها النووى ما زالت أمرا محتملا ، يدفع اليه غلاة المحافظين ، ومحبى الدماء والخراب والدمار فى الولايات المتحدة واسرائيل .

وقد يعجب البعض من ابتداء هذا المقال بالحديث عن البرادعى ودوره فى وكالة الطاقة الذرية ، وحصوله على جائزة نوبل ، غير أنى قصدت ذلك لأن ادارة الوكالة وجائزة نوبل هما المؤهلان اللذان دفعا البعض الى تزكيته للترشح للرئاسة ، رغم أنهما انجازان فرديان ، لم يكن فيهما ممثلا لمصر ، ولا وكيلا عنها ، كما أنهما كل ما يحسب له عند النظر فى مواصفاته الفردية والمهنية ، لأنه لا دور له فى الاصلاح والتغيير المحلى ، ولا تاريخ له فى قيادة نضال من أى نوع فى المجتمع المصرى ، وخاصة أنه قضى حوالى سبعة وعشرين عاما من حياته خارج حدود الوطن.

ثانيا : البرادعى ومكانته المحلية من حيث تناول الصحافة ، والنخبة ، والشعب ، والقراء.

1- الصحافة القومية : شنت الصحافة القومية هجمة عنيفة على البرادعى ، وأمر الصحافة القومية لا يعنينى من قريب أو بعيد ، فالصحافة التى بلغت خسائرها 13 مليار دولار ، ويتولى أمورها قيادات معروفة بالنفاق والتدليس والتضليل ، وجمع ثروات طائلة من نهب المال العام ، واستغلال المناصب ، والارتزاق بكل السبل ، لا تستحق التعليق على سفهها وسوقيتها ، علاوة على انصراف غالبية القراء عنها ، حتى أن البرادعى نفسه ذكر فى حديثه مع David Kenner محرر مجلة Foreign Policy فى 1-24-2010 أن هجوم الصحف القومية عليه حوله فجأة لبطل قومى .

2- النخبة : العجيب فى أمرالنخبة المصرية ( ان صح أن فى مصر نخبة !! ) أنهم تحولوا جميعا الى جوقة من المطبلين والمهللين للبرادعى ، وسأستخدم هنا مثلين للتدليل ، أولهما ما كتبه علاء الأسوانى فى صحيفة الشروق بتاريخ 15-12-2009 تحت عنوان ( الحرباء تهاجم البرادعى ) ، وفيه يقول : من الصعب أن يجد المصريون مرشحا لرئاسة مصر أفضل من الدكتور محمد البرادعى ... أثبت البرادعى فى مواقفه جميعا أنه يقول ما يعتقده ويفعل ما يقوله ... كما يشخص الطبيب الماهر أخطر الأمراض بكلمات قليلة استطاع الدكتور البرادعى أن يضع يده على مواطن الخلل فى النظام الاستبدادى الجاثم على أنفاسنا ... نريد أن نثبت له أن رسالته النبيلة قد وصلتنا وأننا نحبه ونحترمه وسوف نبذل قصارى جهدنا معه حتى تنهض مصر وتصل الى المكانة التى تستحقها ، وثانيهما ما كتبه عمرو الشوبكى فى صحيفة المصرى اليوم بتاريخ 17-12-2009 ، وفيه يقول : والحقيقة أن قيمة البرادعى لا تكمن فقط فى قامته الرفيعة انما أيضا فى نجاحه فى ادارة مؤسسة دولية كبرى كوكالة الطاقة الذرية وفق معايير قانونية ومهنية صارمة بعيدا عن عواطفه المؤكدة تجاه العالمين العربى والاسلامى وفى مواجهة الضغوط الأمريكية والاسرائيلية عليه لأنه اعتمد على القانون والقواعد بعيدا عن أى تحيزات أو عواطف أو ضغوطات ، والمتأمل فى تلك العينتين يدرك كيف يصنع المصريون فراعينهم ، وكيف يخلعون عليهم كل صفات المجد والعظمة ، وكيف يوحون اليهم أنهم معصومون لا يخطئون ، وكاملون لا يعتريهم ما يعترى العامة من نقص وخلل ، وكان الأولى بالأسوانى والشوبكى أن يقيما ميزان الاعتدال ، وأن يذكرا للرجل ما له وما عليه ، وأن يؤكدا أنه لم يفعل لنا شيئا بعد نقيمه به ، وأن مجموعة من التصريحات والمطالبات رددها غيره الكثير لا يمكن أن تصنع منه الجراح الماهر الذى وضع يديه على مواطن الخلل ، أو الادارى الصارم الملتزم بالمعايير والقوانين ، أو تجعل منه أفضل من يرشح لرئاسة مصر ، ومما يجدر ذكره هنا أن الله جل وعلا حذرنا فى كتابه الكريم من منهج الفرعونية ( ما أريكم الا ما أرى وما أهديكم الا سبيل الرشاد ) غافر 29 ، ماذا كانت النتيجة ؟ ( وأضل فرعون قومه وما هدى ) طه 79

3- الشعب المصرى : لا يعرف الشعب المصرى عن البرادعى الشئ الكثير ، وربما يدرك البرادعى أيضا أنه لا يعرف عن الشعب الشئ الكثير ، وخاصة أن تحولات جسام ، وتغيرات كثيرة طرأت على الناس وسلوكياتهم ، وظروفهم الاقتصادية والاجتماعية ، كما أن مؤسسات المجتمع وأجهزته قد اعتراها الخلل ، ودبت فيها عوامل التدهور والفوضى ، وحصول البرادعى على قلادة النيل لا يختلف فى كثير عن جائزة نوبل ، فالسياسة تحكم هذه وتلك ، وغالبية أفراد الشعب قد سئمت السياسة وأكاذيبها ، وملت الأمانى والوعود، وتريد من يبعث فيها الأمل ، ويحيى فيها روح التغيير ، ورغبة الاصلاح ، ولن يكون ذلك الا عندما يحس الناس بتحسن أمورهم ، وصيانة سلطان العدل لحقوقهم ، ساعتها تنتعش فى جوانبهم خيالات المستقبل ، وما يحمله لهم من حرية وكرامة .

4- القراء : آثرت أن أختص قراء الصحف بجزء من هذا المقال ، لأنهم يمثلون عينة من الطبقة المتوسطة ، والتى تقود عادة عمليات الاصلاح والتغيير فى المجتمعات المختلفة ، علاوة على أن الفرد الذى يختار أن يبذل الجهد والوقت فى قراءات المقالات ، والتعليق عليها ، وتبادل الآراء مع غيره من القراء ، لا بد أن يكون مدركا عقليا لأهمية رأيه ودوره فى المجتمع ، حتى وان كان مجرد تعليق بسيط ، ولا بد أيضا أن يتملكه شعور قلبى بأهمية وطنه وبلده وشعبه ، واحساسه بالحب والعاطفة تجاه هذا الوطن ، وهؤلاء الناس ، وقد اطلعت على 1200 تعليق على مقالات نشرت بصحف المصرى اليوم والدستور واليوم السابع والشروق والمصريون ، وكلها تدور حول البرادعى ، ورغم أن احساسا جارفا برغبة التغيير فى تلك التعليقات ، الا أن احساسا آخر مثيرا لخيبة الأمل والاحباط فى كل تلك التعليقات ، لأنها جميعا تنهج منهج النخبة فى صناعة الفراعين ، ولننظر الى أمثلة أنقلها بنصها وحرفها وأخطائها الاملائية والنحوية : البرادعى هو الحل - البرادعى هو الأمل - البرادعى هو الخامنئى المصرى - فأنت أمل لنا جميعا - البرادعى شهاب أم كوكب فى قلب سماء مص (يقصد مصر ) - فى نظرى د . محمد البرادعى هو امتداد لمحمد على باشا الكبير ، شخصية قوية محترمه لها كاريزما وقبول فى الشارع المصرى والعربى بكافة طوائفه - اللهم أنعم علينا بهذا الرجل ليساعدنا على النهوض - الدكتور البرادعى مثال فريد لا يقاس عليه وفرصة لن تتكرر - أتمنى من جريدتكم المحترمة البدء فورا لعمل استفتاء على ترشيح د/ البرادعى وأعتقد أن النتيجة ستكون كالاتى %99 للبرادعى ، %1 فقط للحزب الوطنى - الى د البرادعى اقول لك كل الشعب المصرى ينظزر منك ( يقصد ينتظر ) أن تأخذ بيد هذا الشعب الى الأمام - ممكن تكون آخر فرصه وغباء متناهى اذا لم يلتف المصريون حول البرادعى - مهاجمة النخبة المنافقة للبرادعى وسام على صدره - لم يجدوا فى الورد عيب قالوا أحمر الخدين - لو أراد الله خيرا بمصر لنصر البرادعى ونصرنا معه - مرحبا بالبرادعى زعيما وليس رئيسا فقط - حفل استقبال البرادعى بالمطار سيكون مشهدا مصورا من وكالات الأنباء العالمية قبل المحلية لهذا نرجو الحرص أن يكون الاستقبال به مليون على الاقل نقترح توزيع تى شيرت عليه صورة البرادعى طباعة صور البرادعى على أكواب المج وتوزيعها للفقراء وربات البيوت - كفاية جدا أن نفتخر حتى وان زورت الانتخابات وفى الغالب ستزور ان شخصية مرموقة عالميا مثلك دخلت الانتخابات - نصيحة لوجه الله لا تطأ أرض مصر فهى لا تستحقك - بيشرب خمرة ولا بيشرب عرق سوس هنرشحه ، كافر ولا مسلم برضه هنرشحة ، كان مع العراق ولا ضد العراق برضه هنرشحة ، مش مهم بيعمل ايه فى بيته ولا بيصلى ازاى ، واحنا مالنا ومال العراق ، مصر أولا - متكسرش بخاطر المصريين . والمتأمل فى تلك التعليقات يدرك بما لا يدع مجالا للشك أن بيننا وبين الاصلاح والتغيير مسافة بعيدة ، فعندما يصل الأمر بالبعض لاستجداء واستعطاف البرادعى وكأنه فى مشهد تسول ( متكسرش بخاطر المصريين ) ، وبالبعض الآخر الى اعتباره أكبر من مصر وقدرها حتى أنها لا تستحقه ( لا تطأ أرض مصر فهى لا تستحقك ) ، وغير ذلك مما يدلل على مدى التخريب والتضليل الذى عصف بعقول المصريين وأفكارهم ، والعجيب أنه حتى من علقوا على حديثه لمجلة Foreign Policy ، سلكوا نفس المسلك فى المبالغة الممجوجة ، حيث كتب أحدهم The last hope for Egypt ، وكتب آخر Please doctor try to save our future & humanity , please be our next president ، والعجيب أن من بين ال 1200 تعليق التى قرأتها ، يوجد ثلاث تعليقات فقط أدرك أصحابها أن التغيير لا يحدثه الرئيس فقط ، وأن عليه أن يطرح برنامجا انتخابيا للتدليل على جديته ، واستعداده للعمل من أجل مجتمعه.

ثالثا : رؤية البرادعى للاصلاح والتغيير.

بمراجعة حديث البرادعى لمجلة Foreign Policy ، بتاريخ 1-24-2010 ، ومقاله فى الدستور بتاريخ 27-1-2010 ، نجد أنه ربط احتمالية ترشحه لانتخابات الرئاسة بتحقيق مجموعة من الشروط :

1- الاشراف القضائى الكامل على العملية الانتخابية .
2- الاشراف الدولى أو المراقبة الدولية لسير العملية الانتخابية.
3- توفير مساحة اعلامية بالتساوى لجميع المرشحين .
4- القدرة على الترشح كمستقل.

واعتبر تحقق تلك الشروط الخطوة الأولى فى برنامجه للاصلاح السياسى ، والذى يشمل أيضا تحت بنود هذه الخطوة التصويت عن طريق الرقم القومى ، ومشاركة المصريين بالخارج ، والذين يقدر عددهم بحوالى سبعة ملايين ، وحظر الترشح قدر الامكان على أعضاء السلطة التنفيذية ، وأن يكون جميع ممثلى الشعب بالانتخاب وليس بالتعيين ، على أن يشرف على تنظيم تلك العملية ، وضمان نزاهتها لجنة مستقلة من شخصيات حيادية ، أم بالنسبة للخطوة الثانية فتشمل تعديل مواد الدستور 76 ، 77 ، 88 ، وهذه المواد ألغت اشراف القضاء ، وأعطت للرئيس حق الترشح لأجل غير محدود ، بينما المادة 76 قصرت حق الترشح على أفراد قلائل لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة ، بينما الخطوة الثالثة تشمل تشكيل لجنة من السياسيين والقانونيين وأهل الفكر لوضع مشروع دستور جديد يتواءم مع قيم الديمقراطية الحقيقية ، واعتبر البرنامج أن الاصلاح السياسى مقدمة للاصلاح الاقتصادى والاجتماعى .

رابعا : هل البرادعى هو الشخص المناسب للانتقال بمصر من حالة الفوضى والفساد الى حالة المجتمع الصالح ، الذى تصان فيه الحقوق ، وتؤدى الواجبات ، وتتحقق فيه النهضة فى جميع المجالات ؟

الاجابة على هذا السؤال حتى لحظة كتابة هذا المقال هى بالقطع لا ، وذلك لأن ما ذكره البرادعى لا يعدو أن يكون كلاما ردده غيره كثيرا ، غير أنه لم يخبرنا عن كيفية تحقيق تلك الشروط ، ولم يقدم لنا برنامجا انتخابيا كاملا للاصلاح والتغيير يتناول مشاكل المجتمع المزمنة فى الاقتصاد ، وفى التعليم ، وفى الجوانب الاجتماعية ، والعلاقات المصرية العربية والاسلامية والاقليمية والدولية ، والعلاقات مع اسرائيل ، وغيرها الكثير من القضايا الملحة والبالغة الأهمية ، ولم يبذل وقتا ولا جهدا يتنقل بين قرى مصر ومدنها وأحيائها ومصانعها ومؤسساتها ، يأكل مما يأكل الناس ، ويعانى مما يعانون ، ويرى الحياة المصرية بدون تجميل أو رتوش ، يتحدث الى طبقات المجتمع المختلفة ، يسمع اليهم ، ويقدم لهم تصوراته ورؤيته لتغيير أمورهم ، وتحسين أحوالهم ، ولم يجمع حوله الخبراء والأمناء والمخلصين يطلب منهم الرأى والمشورة ، أى أنه فى حقيقة الأمر لم يفعل غير مجموعة من التصريحات الاعلامية تقول للناس وببساطة : جاهدوا وغيروا ، وافعلوا ما تستطيعون ، حتى اذا ما تحققت شروطى ، ساعتها سألبى طلبكم ، وحتى يحدث ذلك فأنا متنعم بحياتى ، مع حفيدتى ، فى بيتى بجنوب فرنسا ، ولا يدرى المتأمل فى هذا المشهد الا أن يرى بعده عن واقع الحياة ، ومجافاته لسنن الاصلاح والتغيير ، وقد رأينا الرئيس الأمريكى أوباما ينفق عاملين كاملين متنقلا فى كل الولايات المتحدة ، بلا ملل أو كلل ، يقابل الناس ، ويتعرف على مشاكلهم ، ويطرح عليهم رؤيته وبرنامجه ، وكذلك فعل منافسوه ، حتى اذا استحوذ على عقول الناس ، وأقنعهم بأفكاره وتصوراته ، اختاروه رغم لونه وأصله ، وهذا هو ما يجب على البرادعى فعله ، بدل أن يضع لنا شروطا ، ويتمنع علينا ، وكأننا نستدر عطفه ، ونستجدى رضاه ، ان الشعوب هى التى تضع الشروط ، وتحدد المقاييس لرضاها أو رفضها ، ويجب علينا أن نراعى أيضا أن التغيير عملية شاملة يساهم فيها كل فرد فى المجتمع ، وأن تغيير الرئيس وحده لا يعنى شيئا ، ولا يحقق تقدما ، الا اذا اصطحبه تغيير السوكيات والمفاهيم ، ومشاركة الجميع فى دفع عجلة النهضة والتقدم ، كما أن التركيز على الجانب السياسى أو الدستورى لا يعنى الكثير ، فكم من دساتير عطلت ، وقوانين لم تنفذ ، وأيضا لا ننسى حالة الطوارئ التى يرزح تحتها المجتمع لأكثر من ربع قرن من الزمان ، ان المجتمع بأجمعه فى حاجة الى التغيير ، وعندما يدرك الناس حقوقههم ، ويؤدون واجباتهم ، وتتغير ممارسات منظمات المجتمع وأجهزته ، وتنقشع روح السلبية واللامبالاة ، ويؤدى كل دوره باخلاص واتقان ، سينزاح عنا الفاسدون والمنافقون ، وستنصلح أحوال هذا المجتمع بالبرادعى أو بغيره ، ان الشئ الذى ينبغى على الجميع فهمه أن الرئيس ليس نابغة ، ولا خارقا للعادة ، ولكنه متى كان أمينا على مصالح أمته ، مخلصا لها ، جمع حوله الصفوة من المفكرين والمبدعين ، وولى خيرة الناس على الوزارات والهيئات ، وأبعد المنافقين والمدلسين ، وبذلك تنصلح الأحوال ، وهذا هو كل دور الرؤساء .

سعد رجب صادق
saad1953@msn.com


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية