عفواً يا قبط مصر .. من أنتم؟!!
...............................................................
بفكر : حسين راشد
.......................
من هم قبط مصر.. و لماذا يؤكد النصارى نسبهم لحام ? كلما طفت على السطح كلمة قبط أجدني مُدهشاً مما يسيغه الإعلام العربي والعالمي و تتبارى الأقلام بالكتابة عن قضايا أقباط مصر , منهم من يقف بجوارهم و منهم من يلعنهم ولا أحد أراد أن يتعب عينيه ليبحث عن أصل الحكاية و الرواية وعمن يتكلم , واكتفى أغلب كتاب هذا العصر بالحكاوي الشعبية أو بالمصطلحات المتداولة دونما عودة إلى جذور المصطلح وهل هو صالح أم طالح , ومن اصطلح هذا المصطلح و من أراد أن يخرجه من جوهره ولماذا؟ ,أجدني في مثل هذه الأحوال ضارباً كفاً بكف , عمن يتحدثون هؤلاء؟!! هل يتحدثون حقاً عن قبط مصر ؟ وهل يعلمون حقيقة ماذا تعني هذه المفردة ... و كثيراً ما كنت أحاول أن أتمالك قلمي لأسطر مقالاً عن هذه الحادثة كي نوقف مهزلة المتحدثين باسم أقباط مصر , و هم في الأساس لا يعون لماذا يتمسك الغرب خاصة بمساندتهم تحت هذا المسمى , ولماذا يقفون بجانب مثل هذه التجمعات التي نشأت وترعرعت خارج مصر , و التي يدَّعون أنهم لا سواهم أقباطها, بل وكيف أصلاً و أساساً تبلورت و تحرفت و قصت و حبكت معنى نصارى مصر إلى أقباط مصر, ومن الأغرب و الأعجب الآن أننا بتنا نسمع عن أقباط دول أخرى .. و كأنها أصبحت موضة أو تقليعة .
أولاً يجب أن نعرف من هي مصر أولاً و كيف لاسم علم أن يتحول إلى اسم أخر في ترجمته , ومن المعلوم في عالم اللغات أن الأسماء لا تتغير و خاصة و إن كان هناك حروفاً مقابلة لحروف الأسم من لغة إلى أخرى , فقد تتغير حروف مثل الحاء ة الخاء من اللغة العربية إلى بعض اللغات الأخرى لعدم وجود ما يقابلها في النطق , ولكن حين يكون هناك حروفاً تقابلها مثل الميم و الدال فنجد أن الاسم ينطق بلا تحريف أو تزييف , وعلى هذا فكان اسم آدم في كل اللغات هو آدم لوجود الحروف الثلاث منطوقة بنفس اللحن و نفس مخارج الحروف تقريباً , و إذا نظرنا إلى كلمة "مصر" سنجدها أيضاً تحمل ثلاثة أحرف موجودة في أغلب اللغات إن لم يكن جميعا على نفس طريقة النطق , بما في ذلك إعادة تشكيلها و كتابتها منطوقة "MISR" إذا فلا داعي أن يبحث صاحب اللغة الأخرى عن اسم بديل لها !, إذن كيف تم ترك اسمها الاساسي و تحولت إلى اسم أخر ؟
يذهب الدكتور/ عبد الحليم نورالدين ، العميد الأسبق لكلية الآثار ، وأحد أبرز علماء الآثار في العالم، أن تسمية مصر قد تكون ذات أصل مصري قديم
فيذكر في كتابه (آثار وحضارة مصر القديمة ج1) أنه و منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد، قد وردت مسميات مصر على النحو التالي: اللغة الأكدية = مصرى ، اللغة الآشورية = مشر ، اللغة البابلية = مصر ، اللغة الفينيقية = مصور ،اللغة العربية القديمة = مصرو ، العبرية = مصراييم. أي أن مصر قد عرفت منذ فترة مبكرة بتسميات قريبة من كلمة مصر الحالية، أما عن الأصل المصري لتلك الكلمة – والمرجح أنه انتقل لهذه اللغات- فهو كلمة " مجر" أو " مشِر "، والتي تعني المكنون أو المُحصن... وهي كلمة تدل علي كون مصر محمية بفضل طبيعتها ، ففي الشمال بحر ، وفي الشرق صحراء ثم بحر، وفي الجنوب جنادل (صخور كبيرة) تعوق الإبحار في النيل، أما الغرب فتوجد صحراء أخرى.. وحتى اليوم تعرف مصر لدى المصريين بأنها " المحروسة.
أما عن تحول الكلمة إلى "مصر" ، فهو أمر من المألوف أن يحدث عندما يتم التحويل بين حروف الجيم والشين والصاد، وإليكم بعض الأمثلة :
شمس = شمش ، سمع = شمع ، إصبع = جبع
** أما عن أصل كلمة مصر من وجهة النظر العربية: فكلمة " مصر" والتي جمعها " أمصار" تعنى المدينة الكبيرة ، تقام فيها الدور والأسواق و المدارس وغيرها من المرافق العامة ( راجع المعجم الوجيز مادة م ص ر)، فهكذا كان إطلاق هذا الإسم على مصر على أساس كونها من أقدم المدنيات الباقية.
أما من الناحية الأخرى والتي أتى بها المسعودي في كتابه "مروج الذهب و معادن الجوهر" :- ذكر جماعة من الشرعيين أن بيصر بن حام بن نوح لما أنفصل عن أرض بابل بولده وكثير من أهل بيته غرب نحو مصر، وكان له أولاد أربعة: مصر بن بيصر، وفارق بن بيصر، وماح وياح، فنزل بموضع يقال له منف، وبذلك يسمى إلى وقتنا هذا، وكان عدمهم ثلاثين فسميت ثلاثين بهم، كما سميت مدينة ثمانين من أرض الجزيرة وبلاد الموصل من بلاد بني حمدان، وإنما نسبت إلى عدد ساكنيها ممن كان مع نوح في السفينة، وكان بيصر بن حام قد كبر سنه، فأوصى إلى الأكبر من ولده، وهو مصر، واجتمع الناس إليه وانضافوا إلى جملتهم، وأخصبت البلاد، فتملك عليهم مصر بن بيصر، وملك من حد رفح من أرض فلسطين من بلاد الشام، وقيل: من العريش، وقيل: من الموضع المعروف بالشجرة، وهو آخر أرض مصر، والفرق بينها وبين الشام، وهو الموضع المشهور بين العريش ورفح - إلى بلاد أسوان من أرض الصعيد طولا، ومن أيلة - وهي تخوم الحجاز - إلى برقة عرضا، وكان لمصر أولاد أربعة، وهم قبط، وأشمون، وإتريب، وصا، فقسم مصر الأرض بين أولده الأربعة أرباعا، وعهد إلى الأكبر من ولده - وهو قبط - وأقباط مصر يضافون إلى النسب إلى أبيهم قبط بن مصر، وأضيفت المواضع إلى ساكنيها، وعرفت بأسمائهم، فمنها أشمون وقبط، وصا، فى تريب، وهذه أسماء هذه المواضع إلى هذه الغاية، واختلطت الأنساب، وكثر ولد قبط، وهم الأقباط، فغلبوا على سائر الأرض، ودخل غيرهم في أنسابهم؟ لما ذكرنا من الكثرة، فقيل لكل قبط مصر وكل فريق منهم يعرف نسبة واتصاله بمصر بن بيصر بن حام بن نوح إلى هذه الغاية. فكانت تنسب إلى أول من استوطن الأرض وهو مصر بن بيصر بن حام بن نوح , وهو كما هو معروف أنه أول من سكن مصر بعد الطوفان. وإن كنا سنعتمد ما جاء به المسعودي فنستطيع القول بأن قبط وهو ولد من أولاد مصر , وهو ما جاءت به التوراة كما يلي :- مصرائيم كما ينطق بالعبرية Mitsri-im وهو ابن حام كما جاء فى سفر التكوين 6:10 بالعهد القديم ،كما جاءت فى دائرة المعارف الصادرة عن جامعة كولومبيا ، وفى قاموس إيستون الإنجيلي وقاموس سميث الإنجيلي : أن مصر ابن حام ابن نوح هو الشخص الذى تم تسمية أرض مصر كلها باسمه ، وكان ينطق اسمها باللغة المصرية القديمة "مشر" md-r ، أي "مصر" و السؤال مرة أخرى , لماذا تركوا اسم مصر و جاءوا لنا باسم جديد لا يمت بصلة إلى مصر بل وقد جاءوا لنا باسم ابن مصر و تم تحريفه لتكون البلاد باسمه " أجنبياً" قبط ,بل أن الأدهى والأمر أنهم جاءوا لنا بأقاصيص أخرى لأصل تحوير أسم مصر إلى اللغات الأخرى و التي أصبح أسمها بأخر الأمر "Egypt" و من المثير أن أعاد هذا الاسم إلى قبط بن مصر و منهم من عاد بها إلى أدراج أخرى و حورها كما يحلو له حتى وصلت بنهاية المطاف إلى هذا الذي وصلنا إليه, إيجبت.
ونأتي للمهم , فإذا كان اسم مصر هو في الأساس لمصرائيم بن حام , و أن مصرائيم ولد قبط , فأصبح قبط هو ولد مصر .. أي أن الاثنين معا يشكلا معنى ابن مصر , و أقباط مصر مجازاً هم جموع أبناء مصر بن بيصر بن حام , وهذا له دلالة أخرى و نتائج لم يحسبها من يدَّعون أنهم أقباط مصر , ولا يعرفون لماذا يريد الصهاينة خصيصاً أن يتمسكوا بهذا المسمى , ولعله قد وضح بعدما بينا أن قبط هو ابن مصر بن بيصر بن حام , وعليه يخرج أبناء مصر من السامية وأبناء سام "المكرمون" كما يعتقد اليهود و زرعوها و غرسوها في نفوس العالمين , فيما بين لنا الإسلام أن الخطاب الذي خاطب به الله سبحانه و تعالى البشر لم يحدد منهم أحداَ بعينه ولا بنسبه ولا بعرقه , بل كان الخطاب كما جاء بالقرآن الكريم " يا أيها الناس" و في موضع أخر " يا بني آدم" و حينما كان يريد الله سبحانه و تعالى توجيه خطابه لبعض البشر كان سبحانه يسميهم عامة لا خاصة . "قل يا أيها الكافرون" , "يا بني إسرائيل" ولدلالة هذه الأطروحة نجد في القرآن الكريم ما يدلل على أن الخير و الشر في كل بني البشر فكان خطابه سبحانه وتعالى لخلقه الآدميين جميعاً بقوله " يا بني آدم , فلم يكن هناك خصوصية بل كانت عمومية للجنس البشري ,
هنا يمكننا أن نقول أن " الفكر الشيطاني" حاول أن يفرق الناس إلى أجناس مختلفة , و لماذا؟ لأن بعد هذه التفرقة سيتحدث البعض عن العرق السامي , و أن ما دونه هو عبارة عن "حيوانات على شكل آدمي" كما هو موجود بالفعل في الفكر التلمودي, و إخراج أبناء مصر من سلالة سام يعني خروجهم من "شعب الله المختار" وإدراجهم تحت حكم الحيوانات التي يستحلون دمائهم و أموالهم و نسائهم , وذلك لأنه كما هو معروف أن أبناء قبط بن مصر أبناء حام .. و من هنا فمعنى أن أقباط مصر – شعب مصر – و الذي اختزله البعض في فئة نصارى مصر سيخرجون تلقائياً من هذه الفئة المختارة فلا يحق لهم أن يتحدثوا عن حقهم في دم المسيح الذي حمله بني إسرائيل في أعناقهم .. و الذي تبرأ من دمه الحاكم الروماني " اليافثي" من أبناء يافث, والذي هو الأخر ليس له الحق في أن يكون من هذا الشعب المختار , ومن هنا سنجد أن هذا الفكر الشيطاني يريد أن يفتت أبناء أدم تفتيتاً يسمح له بأن يستعبد كل من هو خارج إطار السامية المزعومة رغم أننا لا نستطيع أن ننفي أن أبناء الانبياء من نسله أو نؤكد ذلك , لأن المراجع الإنسانية عامة لا يصدق بها تصديقاً إيمانياً بل تصديقاً عقلياً , ولذلك كانت الرسالات السماوية التي تقطع الشك باليقين , فكان جواب خالق الخلق في الرسالات هو ما يؤكد أو ينفي هذه الأقوال , ولأن في الكتب السماوية القديمة والتي يعرف نصارى ومسلمين أنها قد حرفت و لعبت الأيادي البشرية بها فلا يمكن أن نأخذ بها إلا إذا ثبت لنا في الكتب التي تلتها تأكيداً أو نفياً , فالإنجيل على سبيل المثال لم يتطرق لمثل هذه المسائل و اعتمد أتباع المسيح على أن دين المسيح ديناً عالمياً لعموم العالم و لعموم الناس , أي أنه ليس خالصاً لبني إسرائيل و بهذا سنخرج بحقيقة تقول أن أبناء نوح جميعهم وهم جميعاً من سلالة أدم لهم أن يؤمنوا فيكونوا مكرمين أو يكفروا فيكونوا ماكرين خارجين عن العهد الإلهي , وهذا ما يثبته القرآن الكريم , أن لا فرق بين عربي و أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى , أي أن الجميع كما أشار الرسول الكريم "محمد" صلى الله عليه وسلم , بأن الناس متساوون أمام الله كأسنان المشط , فهل لمن يعتقدون أنهم وحدهم أقباط مصر أن يعوا هذه المسألة التي تخرجهم بإقتدار من كونهم آدميين, و ينتفي حقهم في إتباع رسول الله عيسى بن مريم , لكونه هو وحده من بني إسرائيل "السامي" الذي ينتسب لعرق غير عرقهم و نسل غير نسلهم كما هو في معتقدهم , وهل لنا جميعاً أن نعرف أن هذه الفئوية المقيتة وهذه النعرة الجاهلية الحديثة هي من فعل شيطان العالم الجديد , الذي يبحث دوماً عن فرقة بني آدم , و يدعوهم إلى الضلال المبين ,
ولنا في الحديث بقية إن شاء الله
06/11/2014