واقعية العالم الافتراضي وافتراض العالم الواقعي
...............................................................
بفكر حسين راشد
.......................
رئيس الاتحاد العربي للإعلام الالكتروني
الحيرة والدهشة دائماً ما تأتي عند اختلال موازين العقل.. و ظهور ما لا تتوقعه حاسة الاستقبال عند الإنسان.. و هي صدمة لرد الفعل الغير متوقع و الغير منتظر.. وهنا قد نجد هذه الدهشة و الحيرة الحقيقية في هذا العالم الذي ظهر تحت مسمى (العالم الافتراضي) و هو قريب جداً مما يُعرفه الإنسان بأنه (عالم الخيال) أي أنه عالمه الخاص الذي يستطيع أن يحدد اختياراته و أدواته التي يتعامل بها.. و يستطيع أن يشكل لذاته عالمها المأمول وصنع قالب يخصه وحده دون تدخل الآخر.. ولأن الإنسان لا يستطيع العيش بما يشتهيه, فيبتدعه (يفترضه) في خياله ويعيش به .. كالعالم الذي يصنعه الأديب والشاعر في بعض أعماله وهو بعيد عن العقل أي بعيد عن إمكانية حدوثه على ارض الواقع أو أن حدوثه لم يتم بعد فلم تتعارف عليه العقول ..وكلما كان عمله افتراضيا كلما علا إبداعه.. شاهدنا جميعاً ( أفلام الخيال العلمي) وهي قريباً جداً من العالم الافتراضي (اللا واقعي) و لكن بعد مرور سنوات ومع تقدم التكنولوجيات والعلم الإنساني نجد أنها أصبحت واقعية وحين نراها لا تحدث لنا الصدمة أو الدهشة بل ولا الحيرة التي كانت في الماضي فلا عجب لأنها أصبحت من واقعيات العالم الآن .. ففي الماضي على سبيل المثال حكت لي جدتي أن الراديو حين ظهر وكان في ذاك الزمن إبداع جديد لم يستسيغه الواقع بعد.. بل أن الكثير من العامة كانوا يعتقدون اعتقادات (افتراضية) كثيرة.. ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن هذا الصندوق به أناس حقيقيين متواجدون به.. كانت هناك قريبة لجدتي تجلس بجوار هذا الصندوق العجيب ( الراديو) بارتياب ..تسمع القرآن الكريم يرتله شيخ من شيوخ هذا الزمان.. وقبل أن يفرغ من القراءة تكون هذه السيدة قد جهزت له فنجاناً من القهوة واضعة إياه بجوار الراديو -على أنه أصبح واقع- وعلى ما اعتقدت أنه حين يفرغ من قراءة القرآن سيخرج من الراديو ليشرب قهوته.. كما تعودت وتعود أهل هذا الزمان القريب فعله مع الشيوخ أو قارئي القرآن في المحافل الدينية أو المآتم أو غير ذلك.. ولكن الآن لا عجب أن نرى الناس يسمعون الراديو أو يشاهدون التلفاز دونما دهشة..لأنه أصبح شيئاً عادياً بل أصبح واقعاً حقيقياً تعايشوا معه وأصبح من أدواتهم ومخزون عقولهم التي استساغوها و عقل العقل على واقعية وجودها.. فلم يصبح عالم افتراضي بل واقعي. ولأن العقل البشري والفكر الإنساني له قدرات غير محدودة فيجلب بين الحين والحين من أفكاره عالم جديد.. أدوات جديدة تكون في بدايتها فكرة ثم تتحول إلى علم وسريعاً ما يتم تحديث فكرتها و استخدامها كأداة جديدة من أدوات العصر فيطفأ بريقها بعد فترة و هكذا....وما أكثر الأدوات التي يستخدمها الإنسان في هذا العصر وهذه الحقبة الزمنية كأدوات معتادة وهي في فترات قريبة جداً من الزمن كانت درباً من دروب الخيال.. ولا شك أن الثورة التكنولوجية والمعرفية اجتازت حدود الزمان والمكان بسرعة تفوق التخيل حتى أصبحنا في نفس الزمن منا من يستسيغ أدوات العصر و يعتبرها من الأدوات العادية ويتعامل معها على أنها واقع..وهناك من يقف فاتحاً فاه ولم يستعب بعد هذه التكنولوجيا.
و لسرعة ودقة الأداء الذي يتحول بين الفينة والفينة متطوراً بشكل غير مسبوق.. يكفي أن نشير إلى أن العالم في الماضي الذي كانت النقلة فيه بطيئة جداً.. كانت الاكتشافات التي تمت و استخدمت في غضون مأتيين عاماً تقريباً قد غيرت شكل الأرض جغرافياً وتاريخياً حتى بتنا نسمع مصطلح ( عصور الظلام و عصور الفوضى والعصر الحجري والثورة الصناعية ) وكثيرا من العصور التي وإن اختلفت فهي قريبة جداً في عاداتها و تقاليدها الإنسانية.. وانفتاح العالم على بعضه البعض من خلال أيقونات تسمح له بالتجوال داخل حدود الزمان والمكان دونما تعب أو سفر جسدي.. بل أن في العصور الماضية حينها كانت الأدوات المستخدمة التي وان استحدثت فيما بينها لم تكن بها اللا معقول هذا الذي نراه في زماننا هذا..لأن أدوات تلك العصور كانت من ذات الموجودة أمام أعينهم.. فلا عجب أن يصنعوا من الحديد سيوفاً.. ولا من الخشب بيوتاً و أثاثاً ولا من الطين والرمال أسواراً وقلاعاً وحصوناً .. بل كان التطور فيما بينهم طبيعياً ومن أدواتهم المرئية والملموسة.. فيتقبلها العقل بماديته المعروفة .. و إن جئنا عند حادثة صناعة أول سفينة و التي صنعها النبي نوح .. لم يكن العجب حينها أنها سفينة ستحمل الناس عليها .. ولكن كان العجب على أنه كان يصنعها في صحراء .. أي أن العقل حينها استساغ وجود الإبداع الجديد ولكن لم يستسيغ وجودها في مكان ناء عن المياه .. ..
ولا شك أنه قد تغير شكل الإنسان ذاته فيما بين هذه العصور وهذا العصر خصيصاً في قبول ( الخيال) كافتراض واقع أو واقع مفترض .. و أصبح التفاوت في القدرات عظيم .. بل إن التفاوت بين الفرد ومن بجواره أكبر مما يتخيله البعض .. حتى أن مواصفات العالم فيما مضى ومعايير العلم أيضاً قد تبدلت وتغيرت .. وكذلك أسلوب انتقال العلم .. أصبحت (الافتراضات) هي ذاتها الواقعيات .. و أصبح الواقع الحقيقي درباً من دروب الخيال .. فنجد أن بعد كل هذه النقلة العلمية والتكنولوجية من يتمنى أن يعيش بجوار نهر في بيت من الخوص ويشرب مباشرة من النهر أو البئر .. وأن يجد مساحات وقت يتأمل فيها إلى السماء. مع أن هذا كان الواقع البسيط الذي عاشه إنسان القرون الماضية كواقع لا إبهار فيه ولا افتراضية .. و أن هذا الإنسان في هذا الزمان كان يحلم بأن يطير بالهواء أو يركب السجادة السحرية التي تطير به من .. إلى .. فباتت هذه الافتراضات الآن من أدوات العصر وواقعه .. ولا عجب .
عالم اليوم وخاصة على الشبكة العنكبوتية والذي يسميه البعض (عالم افتراضي) هو ذاته العالم الواقعي الذي أخرج الكثير والكثير من مكبوتات البشر .. من فضفضات وإبداعات و اهتراءات و علم وجهل وثقافة إيجابية وسلبية ودين وإلحاد .. و صداقات وزمالات وعداوات بل وأصبح معتمداً للبعض على التعارف والزواج .. و أصبحت الصلة الالكترونية بديلة عن الزيارات واللقاءات على ارض الواقع .. فبتنا نرى اجتماعات أدبية ومحافل على منتديات خاصة بذلك كما أصبحت الاتجاهات السياسية تأخذها كمنبر رئيسي ومعتمد أول في التواصل بين أعضائها ونشر فكرها بين الجميع .. ولم تترك الحكومات مساحاتها فأخذت لها مواقع هي الأخرى لتتواصل مع المواطنين .. و الصبية تركوا الشوارع ليبحثوا عن ألعابهم المفضلة .. و الحديث منها خاصة . فأصبح هذا العالم واقعهم .. والواقع أصبح افتراضياًً.
أي أن ما سمي العالم الافتراضي من وقت قريب أصبح هو الواقع الأكيد .. ,إن أدوات هذا العصر الرقمي لم تعد كسالف عهدها الافتراضي , بل تحولت إلى واقع لا مفر منه إلا بقطع هذه الشبكة ....
وكيف لا يصبح هو العالم الواقعي .. وهو من يدخل الشخص عليه متجرداً من كل ما يرتدي من أقنعة أمام البشر (الواقعيين ) ليختبأ خلف شيئاً واحداً قد يكون ( الاسم المستعار) مثلاً وقد لا يختبئ .. و يخرج كل ما لا يقدر على إخراجه في حياته الطبيعية .. فتنكشف الشخصية الحقيقية ( الواقعية) من مميزات وعيوب بلا تجميل أمام هذا العالم (الافتراضي) حين يتعامل مع شخص أخر رجل كان أو امرأة.. وكثيرا من الحوادث و الأحداث التي عرت البعض و أكدت البعض في شخصياتهم .. اغترارا منهم بأن هذا العالم الالكتروني ( افتراضي) وليس عالم حقيقي يمكن الكشف فيه عن الهوية .. و كثيراً ما تجد العلاقات على الشبكة العنكبوتية مختلفة تماما عن العالم (الواقعي) . , رغم بعد المسافات والثقافات و الأيدلوجيات التي يتأثر بها الإنسان في حياته إلا أنه يعود لهذا العالم القديم الذي لا خيار له إلا أن يعيشه بشفافية حتى وإن كان يعتقد أنه (غير معروف ) فالكبت النفسي الذي يلازم البعض وجد له مكاناً يعتقد أنه أميناً على سره وهو هذا العالم (الافتراضي) فيدخل الشبكة و يخرج ما ثقل عليه ولا يستطيع إخراجه على أرض الواقع أو بين من يعرفونه شخصياً فيصبح بلا رتوش وبلا زينة ويتجرد من هذا كله فيظهر بمظهره الواقعي ويدخل الشبكة باحثاً عن شهواته و ميوله ما حسن منها وما ساء (أساس شخصيته وتركيباته النفسية دون تجميل) فلا يكذب ولا يتجمل .. وهذا هو الواقع الحقيقي والشفافية المنطقية التي تسلب الإنسان الشكل الديكوري لتضعه على الشبكة العنكبوتية كشخص متجرد من الكماليات والزينة التي يتزين بها وهي ليست ملكه في الأصل .. لكنه يتعامل في الواقع ( بافتراضية هذا الشكل ) ولا شك أن هناك من البشر من يعرفون و يحذرون في التعامل و يأتيهم الشك من بين أ يديهم ومن خلفهم فلا يتعاملون إلا (افتراضياً) سواء كان في الواقع أو على الشبكة العنكبوتية .. وأن العالم بالشيء دائماً غير الجاهل به .. والمنبهر بالشيء دائماًُ ما يغفل ما يمر بجواره لشدة انتباهه لشيء واحد فتضيع عليه فرصة التعرف على الشكل بالكامل .أما العالم به فلا ينبهر فتكون لديه المساحة الكافية لاستكشاف هذا العالم بهدوء .. دون أن يقع في براثنه أو يسقط في حفراته .
وللحديث دائماً بقية .
التعريف بالكاتب:
نائب رئيس حزب مصر الفتاة
وأمين لجنة الإعلام
رئيس تحرير جريدة مصر الحرة
رئيس الاتحاد العربي للإعلام الالكتروني
www.misralhura.tk
www.auem.org