القضاء العرفي والنصب
...............................................................
|
جلسة قضاء عرفى حيث يتولى أحد كبراء القبيلة أو العائلة تسوية النزاعات بقانون عرفى بعيد عن ساحات المحاكم |
بقلم : مجدي المصري
........................
*القضاء العُرفي في مصر غني عن التعريف .. فهو الأكثر إنتشارا في كل ربوع مصر من أدناها الي أقصاها .. وهو ليس بإحدي درجات التقاضي التي نظمها الدستور والقوانين المكمله له .. بل ولا ذكر له علي الإطلاق في الدستور أو القوانين .. ولكنه موجود وموازي للقضاء القانوني بل ومُعترف به من كافه سُلطات الدوله ..
*وإن كان القضاء القانوني يُحَد بالإختصاص المكاني والزماني ونصوص القانون .. الا أن القضاء العرفي يستطيع تجاوز كل ذلك .. ولا يُحد .. والدوله بجلاله قدرها وسلطانها وسلطاتها تُقر بما يصدر عن القضاء العرفي من أحكام .. بل وكثيرا ما تلجأ هي أي الدوله إليه ..
*فالشرطه تُقر بأحكامه ولا تعارضها .. والشهر العقاري يوثق أحكامه .. بل والمحاكم القانونيه تأخذ بما يصدر عن القضاء العرفي من أحكام .. بل ووصل الأمر الي أن هناك الأن قضاه عرفيين أكثر شهره من قضاه المحكمه الدستوريه بين الناس ..
*وأيقن الكثير من الناس هذا الأمر .. بل ولجأ الكثير من الناس للقضاء العرفي هربا من تعقيدات المحاكم وبطئ إجراءات ومراحل التقاضي .. وهذا يعد بالشيئ الحميد عندما يصبح القضاء العرفي معاونا للقضاء الرسمي [مع التحفظ] علي أن هذا يعد إخلالا بسلطات الدوله .. وإضعافا لهيبتها .. ولكن إن كانت الدوله راضيه .. فلنخرج نحن من الأمر ..
*وكما ذكرنا سالفا بأن الناس عرفوا عظيم قدر القضاء العرفي لدي الدوله .. فقد قرر البعض إستغلال هذا القدر قدر المستطاع في الحصول علي منافع لأنفسهم تتخذ الشكل القانوني عرفا ومن ثم قانونا لسلب ممتلكات الغير .. وحتي لا يكون الكلام مرسلا أو بغرض في نفس يعقوب .. سوف أورد مثالا ونموذجا حقيقيا لذلك .. مع إحتفاظي بكافه البيانات والمستندات الداله علي ما أقول ..
*المثال أو الحكايه "النَصَبه" .. تبدأ بتوجه شخصين الي القضاء العرفي لحل النزاع القائم بينهما علي قطعه أرض فضاء .. "مملوكه للغير ومسجله" .. حيث يدعي أحدهما بأنه قد إشتري الأرض المذكوره من الثاني وأن الثاني يرفض تسليمها له ..
**ويتم كتابه ما يسمي "مشروطه تحكيم" بواسطه القضاه العرفيون وفيها يتعهد الطرفان بقبول الحكم الذي سيصدر عن القضاه العرفيين .. ثم يتم النظر في الموضوع حيث يقر الطرف الثاني بأنه قد باع الارض "التي ليست ملكيته في الأساس" .. ولكن يتبقي مبلغ من المال ولن يُسلم الأرض الا بعد إستلام كامل المبلغ .. وهنا يقر الطرف الأول بتسليمه باقي المبلغ في الحال أثناء إنعقاد الجلسه .. ويسلمه المال بالفعل .. ويقر الطرف الثاني بالموافقه علي التسليم .. ويُكتب كل شيئ في "المشروطه" ويوقع الطرفان والقضاه والشهود وينصرف كل الي حاله ..
***ثم يلجأ الطرف الأول الشاري الي المحكمه القانونيه المختصه "مكانيا" رافعا دعوي قضائيه لإستصدار حكم بتسليم وتسلم الأرض .. ويقدم المستندات وهي عقد بيع إبتدائي بينه وبين الطرف الثاني .. ومشارطه التحكيم العرفي "الموثقه" .. وبهذا يستصدر حكما بالزام الطرف الثاني بتسليمه الأرض محل النزاع والتي هي في الأساس ملكا للغير ..
****ثم يلجأ للشرطه لتنفيذ الحكم القضائي بتسلم الأرض .. وتتحرك قوات الشرطه علي مرئي ومسمع من الجميع وتسلم الأرض للطرف الأول تنفيذا لحكم القضاء ..
*****و هنا أصبحت الأرض ملكا خالصا له من دون أصحابها الحقيقيين الذين يملكونها بعقود موثقه .. ثم وبسرعه قبل أن يدروا بالأمر ويبدئوا في التحرك .. يغير من ملامح الأرض بأن يجري عده عمليات بيع وهميه لأشخاص آخرين .. ويستصدر أحكام قضائيه بصحه توقيع .. بل ويستصدر أيضا تراخيص للبناء فوقها وهكذا ..
أما أصحابها الأصليون فيتفاجئوا بأن أرضهم أقيم فوقها مبني يسر الناظرين فماذا هم فاعلون !!!!
*هذه قصه أخري نحكيها في مره أخري ..
*ولكن .. هكذا تتحول دوله القانون وبالقانون الي دوله الكانتونات .. لأنها قد قبلت ببدائل أخري تغني عن ساحات العداله التي أنشأتها "هي" وترعاها "هي" ..
*ثم تقبل "هي" أي الدوله .. الإحتكام والعوده الي العرفيه القبليه في القرن الواحد والعشرين مره أخري لتلغي بذلك كل مكتسباتها "هي" أي الدوله .. المدنيه والحضاريه وتنمحي سلطه الدوله المدنيه في مواجهه السلطه القبليه تدريجيا بواسطه الأحكام العرفيه .. والعزاء قاصر ...