المواطنه في بر مصر
...............................................................
| |
المواطنه | |
مجدي المصري
.................
تم إجراء تعديل للدستور المصري لتصبح الماده الأولي منه كالآتي :
إن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم علي أساس "المواطنة" والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل علي تحقيق وحدتها الشاملة .. ولكن لماذا تم تعديل الدستور وإقرار "المواطنه" دستوريا علي إستحياء اليوم فهل لم يعرف الشعب المصري معني كلمه المواطنه أو بمعني آخر هل هذه هي السابقه الأولي في تاريخ المواطن المصري للتعاطي مع المواطنه ؟
لنرجع الي الوراء ونبحث قليلا فمصر وبعد الفتح الإسلامي لها أصبح المصريون فئتين هم "المسلمين" و "أهل الذمه" ولقرون طوال خلت ظل أهل الذمه وهم اليهود والنصاري يدفعون للدوله الجزيه ولا يقومون بأداء الخدمه العسكريه أي لا يُجندون في الجيش وإن كانوا يتمتعون بكافه حقوق المواطنه الأخري كالتملك والبيع والشراء والإقامه والتنقل ودارت الأيام بحلوها ومرها ما بين الإفساح التام لهم والتضييق التام عليهم في الحياه والمواطنه وما بين الأمرين بالزياده والنقصان تبعا لأهواء حكام مصر آنذاك ..
حتي جائت الحمله الفرنسيه علي مصر والتي تسببت في تحريك الكثير من المياه الراكده وتغيير كثير من الأفكار والمفاهيم الباليه لتنطلق مصر بعد رحيل الجنود الفرنسيس في ثوره نهضويه وتنمويه وتحديثيه شامله قادها محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثه وتبعه أبناءه من بعده في السير في إتجاه الحداثه بكل ما تحمله الكلمه من معاني ..
فسعيد باشا والي مصر أراد تمصير مصر بإشراك أهلها في حكمها فأخرج الأتراك من سلك الوظائف المدنيه ومن الجنديه وحل محلهم أبناء البلد من المصريين حتي أنه أسقط الجزيه عن الأقباط في العام 1855 وأرسل بذلك إرادة "أمراً" إلي ديوان المالية يقول فيه:-
"من حيث إن دوام النظر بعين الرأفة إلي الرعايا هو ملتزم إرادتنا كما علمتم وقد سبقت إرادتنا بالتجاوز عن جملة مبالغ كانت تحت التحصيل إلي الميري بناء علي حصول المرحمة به فالآن قد تعلقت إرادتنا بالتجاوز عن تحصيل الوركو الشرعي "الجزيه" المترتب تأديته من الرعايا أهل الذمة العيسوية والإسرائيلية "الاقباط واليهود”.. فإحسانا من لدنا قد تجاوزنا عن ذلك وتركناه وأصدرنا أمرنا هذا إليكم لتحرروا بإجراء مقتضاه كيلا يصير مطالبة أحد من أهل الذمة المذكورين بشيء من ذلك كما تعلقت به إرادتنا" ..
ولم يكتفي بذلك فقد سمح بإنخراط شباب الأقباط في الجيش حيث أرسل أمراً إلي إبراهيم بك مدير أسيوط يقول فيه:-
"قد عرضت علينا تحريراتكم المؤرخة بتاريخ 7 رجب سنة 1274 نمرة 24 بخصوص إستئذانكم في أخذ جنود من المسيحيين وقبول الشبان السليمي الأعضاء الذين توجد في أعينهم بياضة خفيفة فقط والشبان الذين تنقصهم أصابع السبابة والإبهام من الأشخاص البالغين سن الجندية في مديريتكم وحيث إن من مقتضي المصلحة قبول الشبان السليمي الأعضاء الذين يليقون للخدمة العسكرية ولو تنقصهم السبابة والإبهام أو توجد بياضة خفيفة في أعينهم اليسري حينما تكون العين اليمني سليمة وقبول أخذ المسيحيين للخدمة العسكرية موافق لإرادتنا أيضا بشرط أن تلاحظوا بالدقة والعناية الأشخاص الذين تنقصهم الأصابع المذكورة أو فاقدي العين هل هذه العاهات حديثة أم قديمة العهد فإذا تحقق وظهر لكم أنها حديثة الوقوع تجب محاكمة هؤلاء ومجازاتهم بأقصي العقوبات فلذلك بادروا بإجراء موجبه" ..
فهكذا أسقطت الجزية عن الأقباط وحمل أبناؤهم السلاح وإنخرطوا في سلك الجنديه أسوة بأبناء الوطن من المسلمين فتزامنت هذه الإجراءات مع إتجاه الدولة إلي الإعتماد الكامل علي المصريين أبناء البلد في وظائف الدولة المختلفة والجيش وهكذا أرسي سعيد باشا والي مصر أولي مبادئ المواطنه في مصر ..
ثم إستكمل إسماعيل باشا والي مصر ما بدأه سلفه حتي تكتمل كل معاني المواطنه في مصر بأن وقع مع الحكومه البريطانيه في العام 1877 معاهده الغاء ومنع الرق في بر مصر ليتحول كل العبيد والرقيق بين ليله وضحاها الي مواطنين أحرار لهم كافه الحقوق والواجبات بل والحقهم بالوظائف المدنيه وسلك الجنديه وقد رفض رجال الدين في مصر و علي رأسهم شيخ الإسلام و مفتي الديار المعاهده زاعمين أنها مخالفه للأصول الدينية و لكن إسماعيل لم يأبه بإعتراضهم بل عزل شيخ الإسلام و مفتي الديار و أنذر بإلغاء هيئة العلماء ..
ومن بين بنود تلك المعاهده ..
تضمن البند الأول تعهداً من حكومتي مصر و بريطانيا بعدم إدخال رقيق من و إلي مصر و ملحقاتها ما لم تتحقق صحة عتقه و حريته ..
و تضمن البند الثاني تعهد الحكومة المصرية بتشكيل مجالس عسكرية لمحاكمة كل من يضبط متاجرا في الرقيق ..
وتضمن البند الثالث تعهدا من الحكومة المصرية برعاية الرقيق المضبوط بأيدي التجار نظرا لصعوبة إعادته إلي بلاده ..
وتضمن البند الرابع تعهدت الحكومة المصرية علي العمل بقدر المستطاع لمنع وقوع المقاتلات بين القبائل الأفريقية والتي ينتج عنها أسر الرقيق والمتاجرة فيها ..
وتضمن البند الخامس تعهد آخر بإصدار أمر خديوي بمجرد توقيع المعاهدة يحدد الجزاءات المختلفة لمخالفة أصول هذه المعاهدة ..
أما البند السادس فقد منح الحكومة المصرية حق التفتيش والبحث والقبض علي أي مركب تكون متعاطية هذه التجارة في خليج عدن وساحل بلاد العرب و الجهة الشرقية من أفريقا وسواحل مصر والجهات التابعة لها وتسليمها الي أقرب مركز تابع للحكومة المصرية لمحاكمة التجار وعتق الرقيق المضبوط معهم كما نص هذا البند علي المعاملة بالمثل من جانب الحكومة المصرية حيث خولها حق ضبط وتفتيش السفن البريطانية التي تتعاطي هذه التجارة ومن يتم ضبطه بداخلها فيجري عتقه بمعرفة الحكومة المصرية ..
هكذا أصبح كل من يعيش علي أرض مصر مواطن حر يحمل كل حقوق وواجبات المواطنه دون النظر الي دينه أو مذهبه أو لونه أو حتي ماضيه ..
ولكن وبعد مرور أكثر من قرن ونصف من الزمان علي هذه الإجراءات والقرارات التي رفعت مصر الي مصاف الدول المدنيه ذات المقومات الحداثيه بكل ما تعنيه الكلمه ..
ما الذي إستدعي اليوم وفي القرن الواحد والعشرين وبعد أن أصبح العالم كله قريه صغيره تعديل الدستور لينص في مادته الأولي علي حق "المواطنه" لكل المصريين ..
ثم هل طبقت الدوله نفسها ممثله في حكومتها وقياداتها هذا التعديل الدستوري علي أرض الواقع ؟؟
سؤال يحتاج الي التروي جيدا والتفكير مليا قبل الاجابه عليه ..
06/11/2014