غزوة الصناديق .. غنائم ثورة التحرير
| |
ماهر ذكي | |
ماهر ذكي
............
في يوم الجمعة الثامن عشر من مارس /أذار الجاري أي قبل إجراء إستفتاء على التعديلات الدستورية في مصر بيوم واحد .. نـُشر لي مقال بعنوان ( أول خازوق ديمقراطي .. لشباب التحرير ) أكدت فيه على ان شباب التحرير خرجوا من المولد ( بلا حمص ) أي خاسرين لكل شئ بعد كل ماقدموه في ثورتهم .. و ان الثورة قد سُرقت منهم بالفعل .. وقد هاجمني من هاجمني .. و وصفني البعض بالسوداوي و المتشائم و كانت هذه أراء من أراد أن يحترمني .. اما ( فل ) من فلول الحزب الوطني البائد .. و ضالع في الثورة المضادة .. و عدو الشعب .. و عميل للنظام البائد و عميل لأمن الدوله المنحل و غيرها فكانت هي الوجه الثاني لصفاتي كما رأها البعض .. و قد أعلن احد القراء على أحد المواقع انه مستعد ان يراهنني بأن ( الثوار ) هم من سيربح نتيجة التصويت على التعديلات الدستورية ( لا ).. و لأنني كنت أمني النفس بأن يحدث ذلك .. فلم اقبل مراهنته .. و ياريتني راهنته.
تم إجراء الإستفتاء في يوم من الأيام النادرة في تاريخ مصر .. ما أجمل المصريين حينما يملكون الإراده على فعل شئ .. ان طوابير المقترعون و التي إمتد بعضها لكيلو متر من المسافة و أكثر كانت ترسم لوحة فنية وحده الله الواحد القهار القادر على رسمها .. لأن هذا المنظر المهيب في إعتقادي الشخصي لم يكن ليَرد على مخيلة أعتى الفنانين السرياليين في العالم حتى ولو كان بيكاسو أو رسام تصويري عبقري مثل دافنشي .. الجميع متراصون في طابور تحت الشمس بالساعات من دون ملل ولا تعب ..من أجل ماذا ؟ من أجل الإدلاء بأصواتهم .. من أجل المشاركة في صنع مستقبل مصر .. وهناك من إصطحب أطفاله معه ليعلمهم كيف تكون الديمقراطيه .. و رئيس الوزراء يقف في الطابور إلى ان يطلب منه الناس ان يتقدم و يتنازلون له عن دورهم ليدخل اللجنه قبلهم .. و طرد محافظ القاهرة من اللجنه لأنه حاول الدخول في غير دوره في الطابور .. الله عليكي يامصر .
لكن في وسط هذا المشهد البديع لا أعلم لماذا لم أكن أشعر بالإرتياح .. و كأن سوسه كانت تحوم في رأسي من و في كل الإتجاهات .. و لم أفهم لماذا هذا الشعور الذي ظل مسيطر علي طوال اليوم و انا اتابع هذه المشاهد على الفضائيات التي لا تتحدث العربية لأنني لا أملك مشاهدة غيرها هنا .. و حل المساء و إنتهى التصويت و العالم كله يشيد بالمصريين على أدائهم الرائع .. و بهذا اليوم الذي مر بسلام على الرغم من عدم وجود أمن ( الذي كان لابد من وفيات في وجوده في الإنتخابات ) .. و لكنني ظللت أشعر بعدم الراحة لليوم التالي حتى شاهدت بعض البرامج ( البايته ) على مواقع تعيد إذاعة بعض البرامج المسجلة من اليوم السابق .. و في هذه اللحظات إستقبلت على هاتفي المصري الذي أحمله معي هنا رساله نصها الأتي ( شنوده و ساويرس و العلمانيين هايقولوا لا ......... إنت هاتقول إيه ؟ ) و فهمت وقتها لماذا تملكني بالأمس شعور عدم الراحة .. و كيف خرج كل هؤلاء الناس ( أو اغلبهم ) بالملايين بهذا الشكل .. و عرفت ان السبب كان للحفاظ على الإسلام .. و لحماية المادة الثانية من الدستور .. و وقتها فقط و قبل إعلان النتيجه بيوم تأكد لي ان ( الثوار ) فعلاً أكلوا خازوق ديمقراطي اصلي .. وندمت أشد الندم لأنني لم أقبل رهان هذا القارئ .
و شنوده ياساده لمن لا يعرفه هو قداسة البابا شنوده الثالث بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازه المرقسية وسائر أقباط المهجر .. برأيي لو كان من بعث لي هذه الرسالة يعرف من هو شنوده ماكان أرسل لي و لغيري هذه الرساله و ما كان خاف على الماده الثانية من الدستور .. لأن شنوده هو من قال و في أكثر من مناسبة لا مساس بالماده الثانية من الدستور لأنها تتناسب مع الأغلبية المسلمة في مصر.
أما ساويرس .. فهو نجيب أنسي ساويرس الملياردير المصري المعروف و أحد ملاك شركة أوراسكوم المالكة لشركة موبينيل للهاتف الجوال و شركات أخرى عديده .. و أنا لا أعرف رأيه في الماده الثانية من الدستور .
أما العلمانيين .. فإنهم كُثر .. و على رأسهم كما أشيع عنه أنه علماني و يريد ان يـُشرع زواج المثليين و يبيح الزنا .. الدكتور محمد البرادعي ( المرشح لرئاسة مصر ) و أعتقد ان فـَهم ماحدث للبرادعي من أعتداء عليه أثناء إدلائه بصوته في إحدى اللجان يكون سهلاً جداً بعد هذه الرسالة .. المهم .. لو انك رجل بسيط متدين إلى حد ما او لست متديناَ لكنك مسلم .. بعد ان تعرف ان هذا التشكيل سيقوم بالتصويت بــ لا ماذ ستفعل ؟؟ هل ستصوت مثلهم بــ لا ام ستصوت بــ نعم .. نعم مع الله .. التصويت بنعم واجب شرعي كما تقول إحدى اللافتات .. عليك ان تختار ان تكون مع المؤمنين او الكفار .. هذا مافهمته انا من الرسالة و لو كان هناك أي مفهموم اخر لهذه الرسالة و غيرها.. بالله عليكم دلوني عليه .
و تتوالى الأحداث .. و تأتي النتيجة نعم بإكتساح .. 77.2% صوتوا بنعم .. و يطير الخبر هنا وهناك حتى يحط على رأس الشيخ محمد حسين يعقوب وهو يلقى درس من دروسه على الحاضرين في أحد مساجد إمبابه .. و يقطع الشيخ درسه ليقول ماهو نصه ( جائتني أخبار سعيده الأن بنعم .. الله أكبر الله أكبر .. إنتصرت كلمة الله .. هي دي غزوة الصناديق .. كانوا السلف الصالح الله يرحمهم لما يتكلموا مع أهل البدع يقولولهم بيننا و بينكم الجنائز .. بيننا و بينكم ايه ؟ الجنائز .. يعني لما حد يموت نشوف من اللي بيمشوا وراه اكتر يبقوا هما الأغلبية .. فكانوا يقولوا لهم ايه ؟؟ بيننا و بينكم الجنائز .. و إحنا النهارده بنقولهم بيننا و بينكم ايه ؟ الصناديق .. غزوة الصناديق ) و يهلل الموجودن و تعلو صيحات التكبير الله اكبر الله اكبر.
هكذا قام العالم الجليل بتلخيص مكونات الشعب المصري في حزمتين .. من قال " نعم " فقد إنتصر لله .. و من قال "لا " فهو من أهل البدع ( بنو علمان ) .. أي الكفار. (كل بدعة ضلاله و كل ضلالة في النار).
و هكذا ذهبت غنائم غزوة التحرير ( الثورة سابقاً ) في يد من لم يشارك فيها إلا بعد نجاحها .. هكذا ذهبت الغنائم لمن أعلن أثناء الثورة أن الخروج على الحاكم لا يجوز و ان من يقوم بذلك فهو آثم .. هكذا ذهبت الغنائم لمن أعلن أنه لن يشارك في مظاهرات 25 يناير و لم يشارك بالفعل حتي تحولت لثورة شعب فظهر في الصورة .. هكذا خرج المحاربون الحقيقيون من المعركة بقلة لم ترتقى لمستوى ربع المصوتين ليعرفوا حجمهم الحقيقي في الشارع على حد وصف حاصدي الغنائم .
و الغريب في الأمر ان جماعة الإخوان المسلمين كانوا يرفضون تعديل الدستور من اللجنه التي كلفها مبارك بتعديل نفس المواد بعينها و بنفس الصيغة .. و قالوا عليها ترقيع الدستور كما صرح عصام العريان و المرشد العام محمد بديع و محمد البلتاجي و سعد الكتاتني و غيرهم من قيادات الجماعة على كل الفضائيات .. و لكنهم غيروا رأيهم من اقصى اليسار لأقصى اليمين بين عشية و ضحاها .. لماذا ؟!!
هكذا إنتهى الحلم بكابوس .. و أرجو الا يقول لي أحد انني متشائم و لا سوداوي و لا الكلام ده .. و اللي عايز يراهنني على ان البرلمان اللي جاي برلمان ديني خالص بزعامة الإخوان .. وإن الحكومة ستكون من الإخوان .. و الرئيس هو من سيرضى عنه الإخوان .. و الدستور الجديد سيكتبه الإخوان .. اللي عايز يراهنني على الكلام ده انا جاهز .. ياريتني راهنت الأخ بتاع المقال اللي فات.