الوطنية المزعومة والجراند شيروكي
| |
حسين | |
بقلم: أحمد حسين
...................
هناك كم لا بأس به من الناس التي لا تنفك تردد ان مصر في القلب والكبد والفشة والكرشة. حتى ان اي حانوتي قد يعجز عن حمل الاموات من ثقل الوطنية التي تتساقط من كفن الاموات. وبما اننا شعب متدين بطبعه والتدين يفرض علينا ان نكون فياضي المشاعر كثيري البكاء على الفاضية والمليانة ، لذلك تجدنا نتفاخر بوطنيتنا في كل وقت وحين حتى اخالني اننا نغني الاغاني الوطنية ونحن في الحمام . ولا يوجد سبب واضح لهذه الوطنية الزائدة اللهم الا اذا كنا في موضع اتهام من عدو او صديق. واذا جلنا النظر حولنا لنتاكد من عدم وجود من يتهمنا في وطنيتنا فسوف نصطدم في النهاية بكون اعترافنا دائما انما نابع من عقد نقص قد تراكمت على مر السنين. فترداد كلمة مصر في القلب مثل العلكة انسانا ان الزن على الودان امر من السحر . بمعنى ان تكرار كلمة معينة في الذهن يجعلنا اما ان نصدقها تماما وتصبح من المسلمات بدون البحث عن العلل والاسباب او تجعلنا نكرهها جملة وتفصيلة على اعتبار مبدأ ( كثرة السلام تقل المعرفة ) او كما قال الشاعر العربلمي :
اديك تقول ما اخدتش ، وان خدت ما تدنيش
دي مصر ام الحبايب وفساعة ما تتنسيش
انا قايم بقى يا معلم ، اوعاك حوش البقشيش.
هنالك نجد ان ارغام المرء على قول كلمة معينة ستجعله مثل الزمبلك الذي لن يتحرك الا بعد ملوه. ولن يكون ترداده لكلمة وطنية الا لانه تعود عليها وليس مؤمنا بها. فهو وان جاز عليه اعتباره مواطن فلا يمكن اعتباره واعيا لمعنى كلمة المواطنة. لان المواطنة والوطنية فعل وليس قول يطرح على شاشات التلفاز في صور اغاني عاطفية او لقاءات عنترية. ويجب علينا ان نتوقف عن ترداد هذه الكلمة في الاجيال الجديدة لانها ستضر اكثر مما تنفع. لان الانسان الذي كان يكررها في الماضي بدون مقابل سيحل مكانه انسان لن يقولها الا بمقابل سواء كان هذا المقابل ماديا او معنويا لسبب بسيط للغاية ، هو ان الوطنية لا يمكن ان تخرج من رحم الفقر. وبما ان الفقر بدأ يزحف على العقول بعد ان ترك الجيوب خاوية فلن تجد في النهاية الا شعب يمد لسانه لك بكلمة وطنية كانه يعايرك ويمد يده في جيبك ليسرقك. هذه هي النتيجة الحتمية لاقوال سهلة على اللسان ثقيلة في الميزان.
والمقابل الذي سندفعه جميعا بسبب سوء استخدام هذه الكلمة نجده في اي مغترب خارج مصر. فلك ان تنظر وتتعجب معي عندما تجد اقوام يسجدون للدرهم والريال والدولار من دون الله وعندما تنتقد الاوضاع في مصر تجدهم يتبارون في الدفاع عنها . فاذا باغتهم وسألتهم لماذا لا يذهبون للعيش في مصر بعد ان تراكمت لديهم من الاموال ما يكفيهم هم والحي الذي يقطنون فيه ، تجد اجابتهم من النوع الذي يثير الغثيان على شاكلة ، ( اه ان شاء الله ، بس اجيب الفيلا في الساحل ) ، ( اه طبعا اكيد ، بس انزل العربية الجراند شيروكي الاول ). ومن قمة المساخر من تجد لديه جنسية اخرى يتحامى فيها من غدر الزمان ثم تجده لا يفتأ يظهر من وقت لاخر ليدافع عن حقوق العمال والمشردين . وياليته دافع عنهما من مصر ولكنه يرسل الينا اشاراته الكونية عبر الاطلسي معتقدا انه سينقذنا من عذاب الجحيم. ولولا بقية من حياء تربيت عليه لاسمعتهم صوتا عابرا للقارات مثل الذي يطلقه العرب عندما تتنزل عليهم نازلة.
وبعد ان تستنفذ الوطنية المعطوبة كل صورها الشاذة ، تنمو في الافق صور الوطنية المعكوسة. بمعنى انك تجد اناس يمدحون الدول التي يعملون بها ليس بسبب انهم يجدون فيها رغد العيش ولكن بسبب انها انعمت على مصر في وقت من الاوقات. هذا المدح الذي يمدحونه ما هو الا مدح مزيف ارادوا منه ان يخدعونا. بمعنى ان هؤلاء الاشخاص بدلا من ان يقولوا بأفواههم بانهم فرحين من الاقامة والعمل في دولة اجنبية وفرت لهم سبل الحياة الكريمة وان علينا ان ننتبه الى ان اي رد فعل غير مدروس قد يؤدي الى ترحيلهم ، نجدهم يتبارون في الهجوم على من يعتقدون فيه انه يسئ الى البلد التي يقيمون فيها.. ويأخذ الصراع في الدفاع عن البلد الاجنبي بين المقيمين فيها وبين المقيمين في مصر منحى في منتهى الغرابة . حيث يتحول الصراع الى صراع بين الخير متمثلا في المغتربين والشر متمثلا في المقيمين في مصر وكأن لسان حال المغتربين يقول ، ( يا معفنين يا شحاتين يا ولاد البطة السودا ). فيرد عليهم المقيمين في مصر ، ( يا اندال يا خونة ياللي ما عندكوش وطنية ) .
فاذا ارتفعت نغمة الصراع ونزلت على ارض الواقع وتحققت بعض مخاوف المغتربين وتم ترحيل بعضهم بسبب المعفنين ، ستجدهم اول من يلعن مصر والمصريين وينسوا تماما انهم كانوا يتقلبون في اغاني الوطنية ويديرون الكاسيت باعلى صوته ليسمعوا الغرباء بانهم مصريين يتمرغون في حب بلدهم. والانكى من ذلك انك ستجدهم يمحون كلمة ( مصري حتى النخاع التي يكتبونها على مواقع التواصل الاجتماعي ) الى كلمة ( ارحمنا يا رب ) ........
ولكي اريكم ماذا يقول المصريين في الخارج ، هاكم جملة منقولة نصا من تعليق احد المصريين الوطنيين..
"زايد ليس في حاجة لمبني أو شارع لكي يكرم زايد الخير اسمه في قلب كل مصري فليذهب من لا يعجبه للجحيم"