باحث في شؤون البطيخ
| |
حسين | |
بقلم : أحمد حسين
.....................
هناك تنوع في الاراء داخل المنظومة الحياتية المصرية يدهش المراقب المتفرس للمشهد العام ، فمن جهة يشعرك هذا التنوع بوجود مجتمع مثقف مطلع عالم ببواطن الامور وخفايا المأثور ومن جهة اخرى تتعجب لعدم وجود توافق عام او شبه توافق للاحداث التي تشغل الراي العام. فكل رأي تجده منفصل على حدة ولا يماثل اي رأي اخر وكأن الحدث الواحد له الف تعريف او مدلول. ولوهلة قد يخدعك هذا التنوع اذا اخذنا في الاعتبار أن أصحاب الراي جلهم او معظمهم ممن يحملون شهادات عليا قد يفوق تعدادها اذا حصرناها الشهادات العليا الممنوحة لمواطني دولة مثل انجلترا او فرنسا مثلا ولكن العجيب في الامر ان هذه الدول متقدمة جدا ونحن في الدرك الاسفل من الدنيا. فكيف حدث هذا الفرق ومن اين اتى؟
الفرق الذي حدث هو ان هذه الشهادات لم تسعف اصحابها لترتقي بهم في سلم الحياة لوجود عوائق كثيرة تمنعهم من تحقيق اهدافهم فاتجهوا مدفوعين بغريزة البقاء الى محاولة ايجاد سبل لنشر افكارهم ومقترحاتهم لنهضة الامة. فبدل ان يكونوا هم عنصر فاعل في المجتمع بما تحصلوا عليه من العلم تركوا هذه المهمة واتجهوا الي النصح ايمانا منهم بان ما يفعلونه هو عين الصواب. واصبح علينا نحن ان نسمع لهم وننصت ممنيين انفسنا بما سيلقوا الينا هؤلاء الجهابذة من موعظة حسنة قد تساعدنا في فهم ما يحدث او ان يفكوا لنا شفرة الحياة التي نرتع تحت ظلالها. فمفهوم العلم لم يعد هو الكائن الذي يسوقك الى الارتقاء في سلم المعرفة والتقدم ولكنه اصبح بين ليلة وضحاها هو الكائن الذي تسوقه انت الى الارتقاء في سلم الجدلية والمغالطة. واصبحنا جميعا بدون اي استثناء منتظرين قطار التقدم الذي لا يأتي ابدا ونقف متذمرين وتنتابنا الحركات اللا ارادية من ضغط الجهل والصوت العالي الذي يصدر من الجميع على رصيف المحطة.
ويمر يوم بعد اخر وتزداد اعداد الواقفين في المحطة بدون اي اشارة لقدوم هذا القطار. وفاتنا جميعا ان ننظر في لوحة الارشادات الموجودة فوق رؤوسنا والتي تقول لنا بأن رحلة القطار وميعاده قد تم الغائهما لوجود عطل فني في العقول. واصبح سوق الشهادات الذي يقام كل يوم جمعة بمثابة مفرخة لصفارات انذار جديدة لن تنفع اكثر مما تضر. وبدل ان نتوجه الى البحث عن وسيلة انتقال اخرى بدل القطار ، تمسكنا بالامل وبقينا منتظرين القطار لخوفنا من ترك اماكننا حتى لا يحتلها غيرنا او لشكنا بان الوسيلة الاخرى قد تتعطل بنا في منتصف الطريق. فمفهوم الامل تغير ايضا داخل عقولنا واصبح الارتكان الى الاستسلام والتواكل عوضا عنه. واختلط علينا الامر فلم نعد نبصر ايضا مواضع اقدامنا من زحمة الواقفين. وغفل علينا بان الامل ما هو الا انتظار نتيجة افعالنا وليس انتظار المجهول. فسعي الانسان في الدنيا مرهون بالامل للوصول الى الغاية المرادة. فاذا كنت طالبا ، فغاية املك هو النجاح ولكن بعد ان تكون اتخذت من سبيل العلم والمذاكرة بدا. فالامل ما هو الا ردة فعل وليس فعل. ومن هذا المنظور يكون اختلط علينا ايضا شكل وفكرة الطموح التي لم يعد لها اي قيمة في حياتنا ولم نعد نجني منها الا ثمن بخس دراهم معدودة. ومع اشتداد الازدحام ينتاب البعض اليأس من الحياة لعدم جدواها وينتاب الجزء الاخر الارتياب والشك. ويتغلغل مفهوم الشك بهدوء الى الجميع فيخرج في صور شتى من الضلال والانحراف . تشك في صديقك وبيتك وزميلك في العمل وكل من تتعامل معهم ثم يأتي مشهد النهاية فتشك في الله ذات نفسه ويتطرق اليك مفهوم الالحاد وكل صور الشذوذ. ولن تسعفك شهاداتك ابدا بعد ان تساوت الرؤوس ولم يعد بيننا عالم او مرشد خبير الا اسماء فقط ، فتجد احيانا وضيع يقول كلمة افقه الف مرة من متعلم وتجد السفيه يناوئ العالم ويرد عليه الحجة بالحجة . فتصبح الصورة ضبابية بحتة لا تظهر الحقيقة ابدا مهما حاولنا. ويختلط مفهوم العالم والجاهل الى الدرجة التي يتساوي فيها الاثنين احيانا. فنندب حظنا وما آلت اليه دنيانا.
ويخرج من بين ظهرانينا مدعي العلم ومتفيهقي الدين ليقولوا قولا فيما لا يعلموه فتضحك علينا الامم بما جنيناه وتلوك الالسنة خبر المتخلفين وعندما تسأل من هذا الشخص الذي يطلق جهله على الجميع تجده حاصل على شهادة عليا من المعهد الفلاني مكتوبا فيها ، باحثا في شؤون البطيخ !!!!!