هل نفرط في صلاة الظهر يوم الجمعة
| |
حسين | |
بقلم : أحمد حسين
.....................
لكم اجهدني واضناني البحث في هذا الموضوع حتى كدت ان اتركه الى حين. ولكنني اثرت ان اطرحه بما توصلت اليه من كتب الحديث والسيرة والفقة واستعمال العقل حتى اجد بيانا شافيا لهذا الموضوع الشائك. ومع كل ذلك فانني لا اقسم بانني قد توصلت الى الحقيقة ولا ادعي في الوقت ذاته بان ما اقوله صحيح مائة بالمائة وذلك بسبب ان هذا الموضوع قد انتابه الغموض ولم يكن له صريح عبارة او فصيح كلمة تزيل اللبس فيه وتخرجه لنا كما الشمس في رابعة النهار. لذلك قد ارتأينا ان نحلله ونفصله جزءا جزءا ونحاول في النهاية تجميع هذه الاجزاء حتى يتبين لنا الصورة النهائية له وان كادت لتغمض علينا ايضا. ومن هنا نحب ان نؤكد ان هذا بحثا لايضاح نقطة مطروحة للنقاش ولا نريد منها التشويش على احد او الطعن في احد. ولا نجزم في الوقت ذاته بصحة كلامنا وهو كما سترى ليس كلاما مرسلا ولكنه مدعوم ببعض الاحاديث الصحاح وبعض التعليقات من هنا وهناك. والذي دفعني الى البحث في هذا الموضوع هو شكل وهيئة وطبيعة صلاة الجمعة التي نؤديها وهي كما يراها البعض تصلى ركعتين فقط يسبقها خطبتين. اما المشكل الذي نراه فسوف نورده في السطور التالية.
كلنا نعلم ان صلاة الجمعة تاتي في وقت صلاة الظهر، والذي لفت نظري هو اننا لا نصلي الظهر وهي تعتبر صلاة مفروضة ولكن نصلي صلاة الجمعة بهيئتها تلك. فسالت نفسي لماذا لا نصلي الظهر قبل صلاة الجمعة والذي دفعني للشك في هذه النقطة هو ان بعض الطوائف تصلي الظهر اولا في حالة غيبة الامام او ما ينوب عنه. والسؤال الاخر هو ، هل هي فرض ام سنة؟ بمعنى هل هي فرض يغني عن صلاة الظهر ام انها سنة؟ عند هذه النقطة بدأت في البحث في كتب السنة والفقه علني اجد جوابا صريحا لهذه النقطة. ولكنني ويا للغرابة لم اجد اي سؤال او تلميح او استفسار جاء به احد من السابقين برغم الالاف المؤلفة من الاسئلة والاجوبة التي تعج بها كتب الفقه والحديث. وبرغم اهمية مثل هذا السؤال ولكنه لم يلفت نظر احد او تواتر على خلد احد. والاجابة على هذا السؤال هي من الاهمية بمكان ان ندرك اننا على الحق واننا لا نفرط في فرض قد نفاجأ يوم القيامة باننا فرطنا فيه ولم ندرك بانه موجود.
لذلك دعنا نبدأ بسبب نزول سورة الجمعة والخاص بلب الموضوع :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) "
تقول اسباب النزول كما وردت في صحيح البخاري بان عير قد اقبلت ورسول الله قائما يخطب في المسلمين فتركوا الخطبة وذهبوا اليها ليبتاعوا حوائجهم. فانزل الله السورة لتحض المسلمين على عدم فعل ذلك وان الخير كله في التقرب وذكر الله تعالى. ثم حثهم على الانتشار والعمل في الارض بعد الصلاة. ولنا ان نتوقف قليلا عند هذه النقطة وهي ان الصلاة المفروضة لا تحتاج الى نصيحة. فالسورة في هذه الصياغة تاتي في صورة تنبيه ولو انها صلاة مفروضة لاتت في سورة تحريم. بمعنى انه لوجب عليهم الذنب ان تركوها. وهذه الايات نزلت لحالة خاصة ، بمعنى انها تعالج موقف معين . واذا حاولنا تقريب المشهد ، فسنرى ان الرسول واقف يخطب في المسلمين وبالتالي فهو يوضح لهم امور دينهم وهم كما كلنا نعلم كانوا حديثي عهد بالاسلام. وبالتالي فالاصح لهم خلقيا ان يبقوا لسماع الخطبة. وواضح من سياق الخبر ان يوم الجمعة هذا تصادف ان يكون به سوق اقبلت عليه العير. ونحن نعلم بان الاسواق في السابق لم تكن تقام الا اسبوعيا. بمعنى ان الانسان الذي يريد ان يبتاع حوائجه كان لزاما عليه ان ينتظر من الاسبوع الى الاسبوع اللاحق لكي يشتري اغراضه. والاية في بدايتها تشير الى النداء للصلاة ثم حددت يوم الجمعة ، بمعنى انها خصته بهذا النداء وبالتالي فهذه صلاة خاصة اي انها تقع في يوم الجمعة وانها ليست من ضمن صلوات الفروض الخمسة فهي زيادة عليهم. وكونها تقع في وقت صلاة الظهر فهذا لا ينفي اقامة صلاة الظهر لان الصلوات المفروضة لها ميقات، وكما نرى مما يحدث الان من اطالة الخطبة والتوسع في الصلاة فهذا يخرجها من الاداء الى القضاء. بمعنى اننا نقضي الصلاة ولا نؤديها وكل من يفهم ، يفهم كلامي.
واذا حاولنا تقريب معنى الميقات ، فوقت صلاة الظهر يحين عند زوال الشمس. وزوال الشمس ليس معناه اختفائها كما يظن البعض ولكن عندما يقل ظل الشئ تماما قبل ان يعاود في الازدياد. وصلاة العصر عندما يكون ظل الشئ مماثلا مرتين طوله. ولك في الكتب مرجع اذا اردت التوسع في الفهم. المهم ان الصلاة لها ميقات معلوم ومحدد ولا يجوز التاخير عنه. وبالتالي فوضع صلاة الجمعة هو وضع خاص وليس عام. وهذا يدعونا للتساؤل عن معنى كلمة خاص والمقصود بها فيمكن لنا ان نناقش حديث موجود في سنن ابي داود هذا نصه ..
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِيَاسِ بْنِ أَبِي رَمْلَةَ الشَّامِيِّ قَالَ
شَهِدْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَالَ أَشَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَكَيْفَ صَنَعَ قَالَ صَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ فَقَالَ مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ.
هذا الحديث يشير الى ان العيد جاء يوم جمعة فسال معاوية بن ابي سفيان زيد عن وضع الصلاة فيهما فاشار عليه بانه صلى العيد ورخص في الجمعة، بمعنى انه لم يصلي الجمعة وهذا الحديث يقول صراحة بان صلاة الجمعة ما هي الا بمثل صلاة العيد تماما. بمعنى انها عيد في حقيقتها. وهذا ما نعتقده جميعا وهذا ما يقوله شيوخنا بانها عيد حتى ان هناك احاديث تدعو الى الغسل والتطهر والتطيب ولبس الجديد يوم الجمعة. اي انها في الاصل صلاة عيد وليست صلاة مفروضة او تغني عن المفروضة.
وهذا حديث اخر في سنن ابي داود ايضا :
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ عَطَاءٌ
اجْتَمَعَ يَوْمُ جُمُعَةٍ وَيَوْمُ فِطْرٍ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا فَصَلَّاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ.
هذا الحديث يقول ان ابن الزبير صلى الصلاة باكرا وهي صلاة العيد ولم يصلي الجمعة.
وفي مسند احمد :
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي سَرِيَّةٍ فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ فَقَدَّمَ أَصْحَابَهُ وَقَالَ أَتَخَلَّفُ فَأُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ قَالَ فَلَمَّا رَآهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَغْدُوَ مَعَ أَصْحَابِكَ قَالَ فَقَالَ أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ مَعَكَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ أَلْحَقَهُمْ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ مَا أَدْرَكْتَ غَدْوَتَهُمْ.
هذا الحديث يشير الى انه ارسل ابن رواحة في سرية فتخلف عنها بداعي الصلاة مع النبي يوم الجمعة. فعاتب عليه النبي ما فعل ، وهذا معناه ان الصلاة ليست فرضا لانها لو كانت كذلك لما عاتبه. ومن هنا نود ان نوسع دائرة البحث لنقول بان صلاة الجمعة في هيئتها وشكلها الحالي ما هي الا صلاة سنة وليست فرضا. وهي كمثل صلاة العيد تماما. بمعنى انه يجوز اقامتها متى طرأ طارئ ووجب على الامام اقامتها لعرض هذا الامر على المسلمين.
وفي مسند احمد ايضا ما يدعم ان صلاة الجمعة هي صلاة عيد في الشكل والهيئة والفعل ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مُعَاوِيَةَ يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ لُدَيْنٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ.
وفي صحيح البخاري حديث عن سلمان الفارسي
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ وَدِيعَةَ حَدَّثَنَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ثُمَّ ادَّهَنَ أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ أَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى.
هذا الحديث يشير ايضا ان صلاة الجمعة ما هي الا صلاة عيد حتى انه المح الى نقطة كادت ان تمر علينا وهو ان الرسول اشار فيه الى الصلاة المكتوبة. فالصلاة المكتوبة لا يمكن ان يبدلها صلاة اخرى وانها لو كانت كذلك لوجب من الله ان يوضحها في القران. فالفروض جميعا واضحة في القران ولن نخوض في تفسير كل شئ فهذا البحث ليس مجاله.
وهناك حديث اخر في البخاري يشير الى موضوع الصلاة المفروضة ،
- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ
جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ
فهذا الحديث يسال فيه الرسول احد الداخلين الى المسجد بعدما وجده يجلس تقريبا. والرسول هنا لا يمكن ان يسأل سؤال استفهامي. بمعنى ان هذا الشخص دخل امامه ولم يراه يصلي فكيف يساله مثل هذا السؤال الا في حالة انه يسأله عن الصلاة المفروضة. فيمكن ان يكون هذا الشخص صلى في بيته ،لذلك فسؤال الرسول هنا تاكيدي على تادية الصلاة ام لا. ولا يمكن ان يكون المقصود صلاة تحية المسجد التي ندعيها. لانها لو كانت كذلك لأمره الرسول بها ولم يسأله عنها وهو داخل امامه. وبرغم من اننا نعلم جيدا ان هذه الاحاديث ظنية بحتة الا اننا نحاول ان نستنطق معاني الكلمات والاشارات والتلميحات علنا نجد جاوبا شافيا.
ومن هنا نود ان نختم حديثنا بان صلاة الجمعة ليست مفروضة الا لسبب وجيه. بمعنى انها صلاة تقام لحث او تنبيه المسلمين او دعوتهم الى حرب او ما شابه. وهي بهذه الهيئة ما هي الا سنة بمعنى انها لا تغني عن صلاة الظهر او تعادلها. فكل ما في الامر انها كانت صلاة لدعوة عامة مثلها مثل ما تدعي المسلمين لامر ما. واذا علمنا ان الجامع في الماضي كان قبلة المسلمين للاجتماع يتدارسون فيه كل شئ فكان لزاما عليهم ان ينادوا الى الصلاة لتعليمهم القران الذي كان ينزل على الرسول. بمعنى ادق كان الجامع هو وسيلة الاعلام الموجودة في هذا الزمان وهم كانوا يستغلونها بهذا الشكل فعلا وكان اللقاء اسبوعيا. ولا يمكن ان يكون هذا الدرس يغني عن الصلاة المفروضة باي شكل من الاشكال.
وفي النهاية نترك الرد لعلماء المسلمين علنا نجد جوابا وردا صحيحا علينا حتى نزيل اللبس وحتى نقيم الدين كله لله.