هيكل وقطب: وجهان لزمن واحد
| |
هيكل | |
بقلم : حازم خيري
...................
منذ عقود وبالتحديد ما بعد الحرب العالمية الثانية ونشوء نظام عالمي جديد، ثنائي القطبية –السوفيت والأمريكيون -. انتبهت أنظار اثنين من مُفكرينا الواعدين، هما: محمد حسنين هيكل وسيدقطب، للعملاق الأمريكي الناهض القوي اقتصاديا والحالم بسيادة العالم. محمد حسنين هيكل صحفي مصري، شاب طموح ومصلحي التفكير. يعمل – وقتها – بصحيفة مصرية ناطقة بالانجليزية ويسافر كمراسل حربي إلى فلسطين.
بارع في نسج الصداقات والعلاقات مع الشخصياتالمؤثرة والنافذة على كافة الأصعدة. قاريء شديد العبقرية لاتجاهات السياسةالعالمية في لحظاتها المفصلية، وتداعياتها على صعيدي الداخل والاقليم. أما سيد قطب فهو شاب ثائر مُتمرد، وجد لتمرده مُتنفسا بداية في النقد الأدبي فكان وأمثاله– كأنور المعداوي – نجوم في سماء النقد في عصر مُشتعل فكريا. غير أن تمرد قطب لميلبث أن قاده إلى الإسلام السياسي – ولا أدري الملابسات -، فصار أحد أبرز مُنظريه،ساهم ربما كما لم يساهم غيره – عدا حسن البنا – في تزخيم البنية النظرية للإسلام السياسي.
هيكل وقطب– إذن – كلاهما تعرف على أمريكا. الأول من خلال عمله كصحفى محترف وصاحب يقظه غير عادية فكريا وسياسيا.
أما الثاني، أعني قطب، فقد زار أمريكا في رحلة شاهدت عنها فيلما وثائقيا شديد الأهمية، وافاني به صديق مدرس بالجامعة الأمريكية. هيكل رأىفي أمريكا سيدا ثريا مُتطلعا لحكم العالم، في حين رأى فيها قطب جبروتا وانحلالا. تماهى هيكل مع الحلم الأمريكي - حتى في تدخين السيجار ولعب الجولف، رغم تواضع النشأة -، هيكل تواصل مع ساسه ومفكرين واستخباراتيين أمريكيين على نحو حميم وغائم.
بينما تمرد قطب وناصب شريعة أمريكا العداء، وحلم بشريعته منافسا لـ"شريعة أمريكا". هيكل امتطى الصقر الأمريكي المُحلق، وبلغ على ظهره سماء السلطة والثروة والنفوذ. بينما وقف قطب داعيا لاصطياده في سذاجة ونبل ثوريين، كونه لم يُقدر شراسة الصقر الأمريكي والذى أغرى فعلا هيكل ورفاقه، فنصبوا المشانق وروعوا الرافضين لغير شريعتهم. وراحت أيام وجاءت أيام. وراحت أشهر وجاءت أشهر. وراحت سنوات وجاءت سنوات. وراحت عقود وجاءت عقود.
أورثنا هيكل ورفاقه نظاما عسكريا انتهى به الأمر إلى الفساد والظلم. فشلت الدولة وفسد المجتمع. قطب أيضا لم يكن مُفلسا، ترك تمردا اسلاميا ناصب العسكر والملكيات المستبدة عداءا شديدا وناصب أمريكا العداء الأشد، كون العسكر استقووابها عليه.
من هنا، قاد اليأس "السبتمبريين" إلى هجمات دموية في عقر وكرالصقر الأمريكي.. انتبه الصقر الأمريكي للرسالة الدموية وراجع استراتيجياته وقرر التخلى عن إرث هيكل وعدم ممانعة استدعاء حُلم قطب إلى رقعة الشطرنج، على أمل أن يضع الإسلاميون بأيديهم مشهد الختام في مسيرة حضارة عريقة تمردت على سنن كونية تقضي باحترام الحريات وحماية الفكر الذىنُبغض. ولسوف يكشف المستقبل عما اذا كان الصقر الأمريكي قد أحسن القراءة.
06/11/2014