مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

محاولة لتشريح فكرة

 

أركون

 

بقلم : حازم خيري
......................

الإخوان المسلمون: "هيئة إسلامية جامعة، تحمل مشروع اليقظة في العالم الإسلامي كله"، هذه هي فكرة جماعة الإخوان كما وردت في موقعها الرقمي الرسمي. الفكرة خطيرة، غير أنها – برأيي – لم تحظ بالدراسة الكافية من جانب باحثينا، عكس الحال مع باحثى الغرب، فجامعات الغرب تذخر بدراسات أكاديمية، لا تترك صغيرة وكبيرة في الجماعة إلا وأحصتها!

الناس عندنا – حتى مفكرينا وباحثينا – مشغولون بالأحداث اليومية والسلوكيات الإخوانية، فتجدهم إما كاره لها كراهية التحريم، وإما مُحب لها مُدافع عنها بالحق والباطل. والنتيجة الحتمية ما نراه، خاصة على الفضائيات والمواقع الرقمية من عراك الديوك، وهو مشهد كاشف للعجلة والمصلحية، على خلاف ما يُعتقد. من يُرد الفهم يبحث عن "الفكرة التأسيسية".

الفكرة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين تحتاج لدراسة مُكثفة وعميقة، وما أحاوله هنا - مجرد - إطلالة سريعة في شعاب الفكرة، على أمل تطوير لاحق، والتنبيه لخطورة الفكرة.

ماذا أرد حسن البنا بجماعته؟ سؤال تفتح الإجابة عليه أروقة النقاش. الثابت هو أن الراحل حسن البنا درس تجربة النبي محمد وكيف نجح في خلق نواة صلبة لمجتمع جديد، سرعان ما زاد عدد أفراده على نحو مُذهل، وتوسع ليضم أراض وشعوب خارج شبه الجزيرة العربية. وجد البنا في عبقريته دعما لحلمه وسعيه النبيل للملمة حبات عقد الخلافة المنفرط.

السؤال اللاحق: هل انتبه البنا لاختلاف ظروف التجربتين، أعني النبوية والاخوانية؟

النبي محمد بدأ المجتمع الإسلامي من نقطة الصفر، حيث لم يكن له وجود قبلي، أما البنا فقد سعى ليس للبدأ من نقطة الصفر، وإنما لإيقاظ المجتمع الاسلامي القائم ولملة حبات عقده المنفرط، فقد تزامنت جهود البنا مع انهيار الخلافة الاسلامية واقتسام الغربيين لأراضيها الشاسعة. أهداف إخوانية نبيلة لا خلاف، لكن المأزق هو عدم مراعاة البنا لاختلاف ظروف تجربته. بدا ذلك واضحا في مُحاكاته للتجربة النبوية وتجاهله لما سينشأ لاحقا من إزدواجية.

حدث هذا بالفعل، إذ سرعان ما بدأت المناوشات ثم الصدام الصريح بين المجتمعين، الإخواني الوليد وكيانات المجتمع القائم/القديم. رحل حسن البنا ولم يجد أو بمعنى أصح لم يُمهله الزمن لعلاج هذه المعضلة، معضلة تحول المجتمع الاخواني الوليد لمجتمع "مواز"..

التطورات اللاحقة ساهمت في تعقيد الأمر، وليس التخفيف من حدته. فقد أعقب إغتيال حسن البنا خضوع العالم الاسلامي، بما فيه منطقتنا، لأنظمة عسكرية وملكيات مُستبدة، عملت – ولاتزال - على تجييش المجتمع القائم بقوة ضد مجتمع الاخوان "المواز". أسفر ذلك عن:

[1] نزوع المجتمع الاخواني للتقوقع على الذات وسعيه لبلوغ الاكتفاء الذاتي، حتى يستطيع الصمود، فعناصره – أو معظمها - مُضطهدة ومحرومة من الالتحاق بالمؤسسات الرسمية. [2] سعى المجتمع الاخواني لاكتساب حاضنة شعبية، على حساب أمور كثيرة، لعل أخطرها تجاهله لجاهلية أخلاقية يحياها المجتمع القائم، بل وربما تورط المجتمع الإخواني – بوعي أو بلا وعي - في تقديم الغطاء الشرعي لها، من خلال إفراط رموزه وحلفائه - من الدعاة والوعاظ – في إشاعة أن الظاهر كفيل بإصلاح الباطن، وإلا فكيف نفسر التدين الشديد والانحطاط الأخلاقي. [3] افتقاد المجتمع الاخواني لقوته كقاطرة أُريد لها إيقاظ المجتمع وإحياء همم أبنائه الساقطة، فحظ المجتمع الإخواني من الابداع والخلق، قد لا يُجاوز الصفر بقليل.

بعد هجمات 11 سبتمبر تخلى الغربيون عن الأنظمة القائمة وأبدوا عدم ممانعة بل وربما أيدوا وصول الإسلاميين إلى الحكم. جماعة الإخوان المسلمين هي الأعرق بين حركات الإسلام السياسي، ومن ثم يأتي صعودها الرسمي وبالتبعية صعود الاسلام السياسي منطقيا إلى حد كبير. فهم بحق الوجه ربما الوحيد الحي لحضارتنا، بفضل حماقة العسكر وقصر نظرهم.

أوصل الصعود الرسمي لجماعة الاخوان – ومن ورائها بقية حركات الاسلام السياسي – أوضاع مجتمعاتنا لحافة الهاوية! فنُذر الحرب الأهلية في كل مكان. أو بعبارة أخرى: كيانات المجتمع القائم/القديم في مواجهة المجتمع الاخواني "المواز". المجتمعان ضعيفان، ومن هنا تصنع المحددات الدولية والاقليمية الفارق، وهي بوضوح في صالح صعود الإسلام السياسي.

الاسلاميون – وغيرهم من المفكرين غير الاسلاميين – عليهم واجب الترفع عن تفاصيل الأحداث اليومية، ومناقشة كيفية صياغة قواعد جديدة داخلية للعبة في مجتمعاتنا ما بعد دولة العسكر، فنحن أبناء حضارة واحدة. ونجاح الاسلاميين – إن هو حصل، رغم تضاؤل فرصه – نجاح لحضارتنا العريقة. لنناقش كيفية مساعدة المجتمع الاخواني "المواز"، على الخروج من قوقعته، فلم يعد ثمة حاجة للتقوقع، ولنناقش التداعيات المحتملة لهكذا بنية إخوانية داخلية على السلطة في بلادنا، فروابط القرابة والمصالح المشتركة والمُشترك الأيديولوجي، لن تكون مُفيدة للجماعة ولا لمجتمعاتنا ونزاهة الحكم فيها، كما كنت مُفيدة للجماعة في أزمنة الاضطهاد..

لنناقش محنة الجاهلية الأخلاقية في مجتمعاتنا وكيفية الخروج منها، خاصة وأنها على ما يبدو تسللت إلى حركات الاسلام السياسي نفسها، وهو ما يستلزم تطعيم حضارتنا بطرائق جديدة للتفكير، في مقدمتها التفكير الفلسفي. لنفتح رئات جديدة في صدر حضارتنا المخنوق.
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية