الفساد في مصر: طبيعة حمائية وقابلية للاستدامة
| |
جاهين | |
بقلم : حازم خيري
......................
للفساد المصري – ولا أدري مدى انطباق هذا على شركائنا في الثقافة – طبيعة حمائية، لا أظنها متاحه لغيره، على الأقل بنفس الصقل والحبكة. فلا تكاد تفكر في الفساد المصري إلا وتجد نفسك أمام كتلة متشابكة من الخيوط الدقيقة، تجد نفسك أقرب إلى اليأس منك إلى الرجاء، تجد نفسك أقرب إلى الضحك الساخر منك إلى البكاء. وسرعان ما تتمتم: ما كل هذا العفن الأخلاقي؟! لم يقنع الفساد في مصر على الأرجح بما يقنع به نظيره في سائر المجتمعات، فأحاط نفسه بدروع واقية، أكثرها خطورة "حاضنة شعبية"، قد لا توجد خارج هنا!
في مقالة سابقة تحدثت عن فكرة الحاضنة الشعبية للفساد، وخلصت إلى القول بجاهلية أخلاقية تعيشها مجتمعاتنا، تتجاور جنبا إلى جنب، مع القيم العليا والعقائد الموروثة، في سلام مُشبع بالقداسة، لا تؤرقه – إن لم تكن تحض على توقيره – خصائص حضارية، بمأمن من التفكيك والتخريب الخلاق، في ظل تجفيف منابع التطرف والطرائق "غير الفقهية" في التفكير.
الأمر إذن شديد التراكم والتعقيد، والحاضنة الشعبية لا بديل عن اختراقها وتدميرها، كي لا تجد الجاهلية الأخلاقية ملاذا آمنا، ويتسنى للثوار "الأخلاقيين" اصطيادها. الشعب هو من يُنتج الجاهلية الأخلاقية ويغذيها ثم يعود ليتأثر بها! دائرة مُفرغة جهنمية لابد من كسرها، ولنبدأ بأضعف حلقاتها، وهي البيروقراطية المصرية، كونها تتآمر على مُناهضي الرداءة والركود..
هذا على المدى القصير، أما على المدى الطويل، فلنشرع في ايقاف كارثة التجفيف المنهجي لمنابع التطرف والخروج عن السياق المجتمعى العام، عبر السماح بطرائق فلسفية وعلمية في التفكير. الاسلاميون مهما بلغ نقاء الكثيرين منهم وحسن القصد، لن يقدروا بطرائقهم الفقهية في التفكير – وحدها – على بلوغ أحلامهم في خلافة إسلامية غير فارغة المضمون.
دليل ذلك مُعاناتهم اليوم في مواجهة دولة العسكر الهرمة والفاسدة، العسكر ليسوا أقوياء، وإنما الشديد الضعف هو الاسلام السياسي، لعدم امتلاكه قوة الخيال! فلا اطلاع لكوادره على التفكير الفلسفى، ولا استفادة من القوة الناعمة للفنون الراقية، ولا تخلص من رهاب الفشل والخطأ. الاسلاميون لا يستوعبون محنتهم ومحنة أبناء حضارتنا: [ما بداخلنا لا يريد الحقيقة]!