مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 نتيجة صلاة الجمعة لم ينجح أحد!
...............................................................

من الغير جائز استغلال الصلاة لتحقيق أهداف سياسية

بقلم : مسعد غنيم
...................

استمعت عبر إذاعة القرآن الكريم المصرية إلى خطبة صلاة الجمعة 26 فبراير 2010 (1431 هجرية) بمناسبة المولد النبوي الشريف. علمت فيما بعد أنها كانت مذاعة على التليفزيون وعلى عديد من محطات الإذاعة المصرية المحلية. ما استنفر حفيظتي وأثار غثياني هو التهجم المباشر للشيخ الأستاذ الدكتور الخطيب الأزهري على شخص الدكتور البرادعي دون أن يسميه. وقد تتوقع أن الخطيب قد اكتشف لاسمح الله أن الدكتور البرادعي كافر بالله يدعي الإسلام، أو أن فكره يشكل خطرا مباشرا على عقيدة الإسلام، أو أن أفعاله تخالف صريح الشرع والعقيدة، أبدا، ليس أي مما سبق صحيحا. كان هجوم سيدنا الشيخ على د. البرادعي حزبي الصفة مباركي الهوى ولادخل للدين في الموضوع من قريب أو بعيد، حتى مع التعسف المتهافت في اجتهاد الشيخ من لوي لعنق السيرة النبوية وتوظيف سياسي للنص القرآني، لإثبات عدم أهلية د. البرادعي لحكم مصر، والمعنى المباشر والمقصود هو تثبيت حكم آل مبارك. نمط عتيق ومحزن وعفن، يؤكد رسوخ تبعية المؤسسة الدينية الإسلامية في الدول العربية لسلطان الحكم منذ بني أمية وحتى الآن.الأمر الذي أجمع مفكرو الأمة المعتبرين على أنه يكاد يكون السبب الرئيسي في سيادة طبائع الاستبداد في جل فترات الحكم العربي وفساد مؤسستة الدينية المتحالفة معه.وعموما قرأت فيما بعد لبعض الشيوخ الأزهريين (أستاذة في الأزهر) نقدا وتخطيئا لهذا التأويل المتعسف والكاشف لإفلاس النظام الحاكم.

في تسعينيات القرن الماضي كان واضحا لدى الكثير من المسلمين ممن يحضرون صلاة الجمعة في مصر مدى تدخل أجهزة الأمن السياسي في ضبط وتأمين الجوامع بعد الأحداث الإرهابية التي هزت ضمير المصريين. كان هناك قبول نسبي لهذا التدخل في ضوء عنف موجات الإرهاب وخروجها عن أبسط مفاهيم الإسلام، وأي دين آخر. ولكن بعد سبتمبر 2001 تحول الأمر إلى ما يثير الشك في مدى سطوة وتعمق النفوذ الأمني على الشأن الديني داخل المسجد وأهم مظاهره خطبة الجمعة. أهاجت تلك الخطبة الأسبوع الماضي انطباعات مريرة لدى عن حال الجامع في مجتمعنا العربي بعد الانقلابة التاريخية بعد 11 سبتمبر 2001.

مما استحضرته تلك الخطبة المتهافتة إلى ذاكرتي، صلاة جمعة حضرتها في أحد الجوامع الكبيرة في القاهرة منذ سنوات مضت، والمثير في تلك الجمعة هو أني وغيري من الحضور لم نستمع فيها إلى خطبة الجمعة!!، كيف ذلك؟ كان الموقف مضحكا مبكيا، وقد قرأته من موقعي كمصلي على النحو التالي: أذن المؤذن بالآذان الأول لصلاة الجمعة، وتقاطر المؤمنون إلى الجامع وبدأوا في صلاة ركعتي السنة، وامتلآ الجامع وانتظر الجميع، وتسرسب المتأخرون وقاموا أيضا بصلاة ركعتي السنة، وانتظر الجميع الآذان الثاني الذي يسبق صعود الخطيب إلى المنبر. لم يؤذن المؤذن، وتململ الناس، وبدأو ينظرون إلى بعضهم البعض في تساؤل واضح، مالذي يجري؟ لأن أحدا لم يتطوع بأن يعلن عن تأخر الخطيب المعين من الجهات "المعنية" لخطبة الجمعة. كان واضحا أن الشيخ الأستاذ الدكتور تأخر عن موعد الخطبة لأسباب غير معلومة، ولم يكن التليفون المحمول قد انتشر بعد؛

توجهت أنظار الحاضرين إلى الصفوف الأمامية من المسجد استطلاعا لشئ قد يجيب على استفهاماتهم غير المنطوقة، فلم يجرؤ أحد أن ينطق بالتساؤل، ناهيك عن رفع الصوت به. تضم الصفوف الأمامية عادة المسئولين عن إدارة المسجد، والمفروض أن لديهم تفسيرا لما يجري. ولكن الأنظار جميعها ارتدت خاسئة وهي حسيرة، فلم يكن هناك في الصفوف المتقدمة إلا عيونا ليست أقل تساؤلا وحيرة من باقي المصلين.
صار الانتظار ثقيلا على أعصاب الناس وعقولهم، خاصة عندما سمع المصلون الصامتون في حيرة، عبر مكبرات الصوت خطيب مسجد قريب ينهي الخطبة الأولى من الجمعة، بما يعني انتهاء أكثر من نصف وقت الصلاة. بدأ القلق يتزايد وبدأنا نسمع على استحياء بعض الهمهمات هنا وهناك. وبدا واضحا للجميع أنه ليست هناك لدى إدارة المسجد خطة بديلة للطوارئ! فوقع الناس في "حيص بيص"، وبدأ المشهد في الجامع يأخذ شكلا هزليا يذكرنا بمسرح اللامعقول في الستينيات.

طبعا، لم أتوقف منذ بداية المشهد، الذي بدا لي كوميديا من وجه ما، عن التساؤل منطلقا من مفهومي البديهي والأولي لخطبة الجمعة في الإسلام، وهو المفهوم الذي طالما شهدناه ومارسناه في المساجد عبر عشرات السنين. فهناك عادة شخص محدد لخطبة الجمعة وهو شيخ الجامع، فإذا ما مرض أو تأخر فببساطة يقوم أحد الحضور وهو عادة الشخصية التالية في هيراركي المعرفة الدينية بالحي، فإن لم يكن موجودا فالتالي في الترتيب وهكذا. أمر بسيط ومفهوم، ولكنه نابع من أمر كبير ولم يعد مفهوما على اٌلإطلاق. فالأصل في الجامع أنه "جامع" لأهل القرية أو الحي يُصَلَّون فرض الله ويَصِلون فيما بينهم، سؤالا عن الغائب، واطمئنانا على المريض، واستشارة في مشاكل الدنيا واستفتاء في أمور الدين. والكل يعرف الكل فهم أهل حي واحد، وهم يجتمعون في "الجمعة" ولهذا سميت بهذا الاسم.
إن الصمت الذي ران على الناس ذلك اليوم لم يكن في تقديري خشوعا لله بقدر ما كان خشية من الحاكم (ليس بالضرورة بأمر الله). فلطالما سمعت وشاركت بالصوت المسموع في إطار هيبة بيت الله، في حوارات وتساؤلات داخل المساجد بلا حرح، فما الذي أخرس ألسن الناس وألجم عقولهم غير الخوف من غير الله؟ فالناس يأتون أصلا للصلاة أملا في رحمة الله و"خوفا" من عذابه، وهكذا يفعلون طوال قرون، ولم يمنعهم الخوف من الله أن يناقشوا أمور دينهم ودنياهم في بيت الله، بصوت مسموع وأحيانا بحدة تعلو مع الاختلاف. هكذا عرفت بيت الله طوال عمري، فماذ حدث لبيوت الله فأخرس ألسن الناس وأنطق الخوف في عيونهم؟

طبعا فكرت في أن أقوم وأتطوع لخطبة الجمعة، فقد فعلتها مرات قليلة من قبل، أيام الصبا والشباب، ولكن لأني لست مجيدا لحفظ القرآن والأحاديث فقد انتظرت لعل من هو أكثر علما وحفظا من الصفوف الأولى يتقدم للخطبة، ولكن يبدو أن التردد طال كثيرا!. بدا واضحا أن "شيوخ" الصفوف الأولى والذين "يحجزون" أماكنهم فيها حتى لتكاد تعرف بشخوصهم، ومنهم الأزهريون والأكاديميون القادرون على ذلك، بدا أن الخوف والاعتبارات الأمنية هي التي تحكمهم، لأن الوقت طال حتى أوشك وقت الصلاة في المساجد الأخرى أن ينتهي، ولأنه أخيرا وبعد انتظار طويل مخجل، أنقذ الموقف المخجل "متهور" من الصفوف التالية فصعد المنبر وخطب الخطبة (ببساطة واقتدار، للمفاجأة)، ولكنها خطبة لم يسمعها أحد لأنهم كانوا يتسائلون عن معنى ماجرى، وكواحد من المصلين كنت غارقا في غضب، ليس من أحد، ولكن من نفسي لأني ترددت في التصرف فوصمت نفسي بعار الجبن، بغض النظر عن نيتي أو "فلسفتي"!

في ذلك اليوم في خطبة الجمعة "الدينية" لم ينجح أحد "سياسيا" لأسباب "أمنية"، فكم ياترى سينجح في التغلب على "الخوف" من أمن السلطان، ونبايع سياسيا "المتهور" البرادعي رئيسا نختاره لاعتقادنا أنه الأفضل، ونضع الضمانات بأن نخلعه إذا ما أخطأ، وبأن نمنعه من توريث حكمنا لأبنائه أو بناته.

5 مارس 2010


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية