مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 بين مجهول البرادعي ومعلوم آل مبارك
...............................................................

 

الرئيس مبارك

 

بقلم : مسعد غنيم
....................


يبدو أن بعض المصريين، كثروا أم قلوا، يريدون البرادعي رئيسا لمصر ليس لأنهم فكوا كل شفرة المجهول عن الرجل، ولكن لأنهم يأسوا من كل معرفة بآل مبارك. وأعتقد أن هؤلاء استندوا في انطباعهم على مؤشرات الداخل المصري التي هي سيئة بكل المقاييس والمؤشرات، محلية وعالمية، وهي مؤشرات لم يعد يُخْتَلف عليها كثيرا، أو بالأحرى لم يعد يجدي أركان نظام مبارك نفعا أن يختلفوا حول ما استقر عليه العالم في الألفية الثالثة من معايير الشفافية. وإزاء تلك المؤشرات فأقصى ما يمكن أن يفعله سدنة الحكم ومنظروه هو تجاهل المفزع والصادم من المؤشرات، وانتقاء ما يستر عورة النظام، فإن لم يجدوا حتى مايكفي للستر، فيشككون في مرجعية وأهداف مصدر المؤشرات، أو يهونوا من شأنها، أو يقارنوا بدول لايعقل أن تقارن مصر بها، ليس استعلاءا، ولكن ظروفا وتاريخا. وأفضل ما في جعبة النظام في هذا الشأن هو اختراع "الخصوصية" المصرية وخلط الأوراق، في مزيد من الاستخفاف بشعب مصر.

أيا كانت التحليلات لأسباب نجاح البرادعي في فرض نفسه على بركة السياسة المصرية العفنة، وفي تفعيل حراكها وبث بعض الحياة بها، فمن المنطق أن نتعامل مع نتائج ذلك الحراك بواقعية وذكاء. ومن الواضح أنه لا يساوي ولا يجدي كثيرا الرد على المهاترات الفجة لفيلق مرتزقة إعلام النظام للتجريح في البرادعي، ولا أعتقد في جدية تأثير النشاط "الماسخ" لشباب حزب النجل المبارك على شبكة الإنترنت أو بالمظاهرات المصنوعة برداءة، للتجريح في الرجل المحترم بالمعايير الدولية والمحلية على السواء.

إن استدعاء الدين وتوظيفه مباشرة في "معركة التوريث"ضد البرادعي أمر له دلالته على إفلاس نظام آل مبارك سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ومن زاوية أخرى لا يمكن إخفاء الشعور بالغثيان والقرف عندما نسمع لأحد من شيوخ السلطة على معظم الإذاعات المصرية في خطبة الجمعة 26 فبراير 2010 – 12 ربيع أول، في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، في تلفيق متجاوز ومقحم، يسقط الخطيب الدكتور الشيخ الأزهري ملامح شخصية النبي الأمي كـ"قائد" للأمة على آل مبارك بصفتهم غير علماء وغير متخصصين (ولا أقول جهلاء)، لينفي في مواربة مكشوفة عن البرادعي أو زويل أهليتهم لـ "قيادة" مصر اكتفاء بأنهم علماء متخصصون، واستنادا إلى عدم ممارستهم السياسة والالتحام بالجماهير كما هو "معلوم" عن آل مبارك. تماما كما لانستطيع أن نخفي، وإن كنا نفهم، أسباب التقية التي دفعت البابا شنودة "المسيحي" لتأييد استمرار "الخلافة!" في آل مبارك!

مع الاحترام لتقييم المثقفين المخلصين وقبولهم لمن يستحق تقدير الشعب المصري، وبغض النظر عن فرحة اليائسين بالمخلص القادم من الغرب، وبعيدا عن فزع المرتزقة بنظام الحكم من العامل المفاجئ في معادلة استمرار استيلاء آل مبارك على حكم مصر، فمن اللازم قطعا تقييم الرجل قبل القبول به رئيسا لمصر لأنه آت من المجهول نسبيا. وللتقييم هناك مدخلان نمطيان لتناول مسألة البرادعي، المدخل المحلي والمدخل الخارجي.

البعد الداخلي

ومن المنشور والمطروح إعلاميا، فالشأن الداخلي كما ذكرنا لايحتاج كثيرا للتقييم، فالحال أكثر من محزن وأشد من محبط، وأقصي ما في جعبة مرتزقة النظام من المنظرين والمسئولين هو اتهام الرجل أنه لايعرف الداخل المصري بحكم غربته الطويلة، أو التشكيك في جنسيته أو ولاءه، وهذا تهافت مخجل، ليس لأصحابه، فهم على مايبدو لايخجلون، ولكن لكل ذي لب وحس، وهم قد قاموا بالرد الكافي على ذلك التهافت. بمعنى آخر فالبرادعي بكل روافده العلمية وخبرته العالمية ليس أقل من أي خبير أجنبي يستقدمه النظام لنقل نتائج " أحدث ما وصل إليه العلم والتكنولوجيا "، تلك الجملة السخيفة التي لايمل بيروقراطيو النظام من إتحافنا بها كلما استجلبوا خبيرا ليدفعوا له أو لمؤسسته الملايين من ثروة الشعب ليحلوا بها معضلات ومشاكل عجز فسادهم وجهلهم عن حلها، وغالبا ما ينالهم من تلك الثروة جانب، هذا بحكم المعلوم والمنشور من واقع الفساد المصري.

محور التوجه الاجتماعي

قارن البرادعي بذكاء واختصار بين المادة الأولى للدستور الفرنسي التي تنص على أن فرنسا دولة ديموقراطية إشتراكية!، بينما تم حذف لفظ الاشتراكية من الدستور المصري بعد التعديل (من آل مبارك)، وفسر ذلك ببساطة أن المقصود ليس لفظ الاشتراكية بل المقصود هو العدالة الاجتماعية. يكفي أن نقارن هذا المنطق البسيط والعميق الكاشف بمقولة النجل المبارك "أن الظلم في توزيع الثروة خير من العدل في توزيع الفقر" لنعرف الفرق الهائل بين استيعاب البرادعي لتاريخ قيادة الشعوب وحاضره أيضا، وتجاهل أو جهل النجل المبارك بألف باء سياسة الشعوب بغير المليون ونصف فرد أمن وشرطة ظاهرة وخفية.

وفي كل هذا نجد أن المجهول من مسألة البرادعي هو أفضل بكل المقاييس من أي معلوم لآل مبارك، حيث لم نسمع عنهم علما يرجع إليه، وإذا كان الحاكم لايشترط أن يكون عالما، فالرد أن نتائج حكم آل مبارك لم تزد الفقراء إلا فقرا، في وقت تم استقطاع ذوي القربى والنفوذ وحتى الإسرائيليين، أرض مصر وغاز مصر وثروة القطاع العام المصري التي بناها الشعب، وفي جميع الأحوال فليس بمقدور البرادعي أن يزيد الأمر سوءا حتى لو أراد، وحتى لو لم يبق إلا الأمل في أي تغيير، لعل وعسى، فهو أفضل من الركود والعفن الذي لانعلمه فقط، بل نعيشه ونتنفسه، ولم يجدي معه أي شعارات كاذبة عن التغيير من الداخل!، فمنذ متى تبرع مستبد بالحرية لشعبه؟ وكم مرة أعاد إقطاعي طواعية ما استولى عليه غصبا ؟.

البعد الخارجي

أما المدخل الخارجي، فلم يقل ما ناله من التحليل والتعليق في الإعلام المنشور، وتراوح بين الشطط في اتهام البرادعي بالعمالة المستترة للغرب الذي استقطبه ووظفه كل تلك السنين، ومن جهة مقابلة الترحيب بالخبير المصري العالمي بشئون سياسات الدول وخاصة في أخطر ملف لها في عرف السياسة الدولية الحالية، وهو الملف النووي.

في إطار المدخل الخارجي لمسألة البرادعي، فإن البعد الذي لم أقرأه في المنشور عن البرادعي من الترحيب والترهيب، والتحليل والتضليل، والتأكيد والتشكيك، هو البعد الجيوسياسي (تأثير الجغرافيا على السياسة). إن صانع القرار السياسي المصري، سواء كان البرادعي أو آل مبارك، لايستطيع عمليا ومنطقيا أن يخرج على موازين القوى العالمية في المنطقة. وما يحكم تلك الموازين هو الخارج أساسا مهما كان وضع الداخل، حتى ولو كان لهذا الداخل وزنا يعتد به في الحسابات الجيواستراتيجية (تخطيط المعطيات الجغرافية لتحقيق غايات سياسية وعسكرية).

المنظور الجيوسياسي

وإذا حاولنا أن نزن مقدار تأثير القوى المختلفة من منظور جيوسياسي على أي قيادة مصرية يمكننا أن نقرر بداهة أن العامل الأمريكي، والعامل الإسرائيلي بحكم الارتباط والواقع، هو العامل الأكثر حسما، شئنا ذلك أم أبينا، وما مقولة الدكتور مصطفى الفقي في هذا الشان ببعيدة. ولا أعتقد أننا بحاجة لمزيد من القراءة والتحليل لمواقف نظام آل مبارك على مدى ثلث قرن لنعرف مدى "انسجامه" مع كل الخطوط الخضراء والصفراء والحمراء للجيوسياسة الأمريكية في المنطقة.

وأعتقد أن مايمكن أن يحسب لنظام آل مبارك في هذا الشأن هو أنه رغم اضطراره أو استمرائه أو مغالاته في تنفيذ كل بنود اتفاقية كامب ديفيد سياسيا وعسكريا واقتصاديا وثقافيا، فإن الواقع يقول بأن هذا السلام "المزعوم" على مستوى الدولة، ما زال باردا على المستوى الشعبي والمؤسسي. ويمكن إرجاع ذلك إلى صلابة الموقف الشعبي المستند إلى عمق خلاف العقيدة وطول تاريخ الدم مع دولة إسرائيل، أو نتيجة طبيعة المشروع الصهيوني مع استمرار عدوانيته، وعدم التخلي عن عنصريته، واستدعاء تعصبه الديني. ولكن في جميع الأحوال لايمكن استبعاد نظام آل مبارك من التأثير في هذا الملف من باب تجذر الوطنية وعمق الحس الاستراتيجي التاريخي، حتى ولو كان مخفيا لأسباب سياسية، أو حتى مخدرا بمؤثرات اقتصادية تصب في المصلحة الشخصية لنظام الحكم.

أي أن المعلوم هنا في الشأن الخارجي عن آل مبارك يمكن حصرة، من المنشور في الإعلام، بين مغالاة المعارضة في اتهامه بالانبطاح في أدناها وبالعماله في أقصاها، ومغالاة منظري النظام وسدنة السلطة في التأكيد على صفات الوطنية العاقلة والسياسة الحكيمة والاتزان المستقر، والأمر غالبا يقع بين مغالاة هنا ومغالاة هناك، كشأن طبيعة الأمور غالبا. فماذا عن مجهول البرادعي في هذا الشأن الخارجي؟ وهل سيختلف كثيرا عن معلوم آل مبارك؟

محور أمريكا وإسرائيل

فقد نشر موقع الحملة الشعبية لدعم ترشيح البرادعي أنه كان مؤيدا لوزير الخارجية إسماعيل فهمي في معارضته لاتفاقية كامب ديفيد، وأنه هو الذي سلم استقالة ورفض إسماعيل فهمي إلى النائب حسني مبارك في ذلك الحين، كما أنه كتب إلى السادات معارضا توقيع مصر على اتفاقية عدم الانتشار النووي قبل توقيع إسرائيل. ويمكننا أن نفهم ذلك على أنه إعلان عن نية عدم الانبطاح، وحتى لو كان ذلك للاستهلاك المحلي كما عودنا نظام آل مبارك، فعلى الأقل سيكون لدينا مانحاسبه به، وطبعا هذا يعني أن نؤكد ضامن صلاحية محاسبته كرئيس مصر وليس وجوب عبادته كفرعونها.

محور العروبة وفلسطين

في حديثه لأحمد المسلماني في قناة دريم تحدث البرادعي عن "القضية" الفلسطينية وواقع تصفيتها، وتحسر على تشرذم العرب وانسحابهم من المشاركة أو الإضافة الحضارية للعالم، وقارن بين جامعة الدول العربية ذات اللغة العربية الغالبة، والاتحاد الأوروبي ذو الـ 27 لغة، في إشارة واضحة وهادئة لمفهوم الوحدة العربية.

المحور الإقليمي وإيران

أوضح البرادعي في حديثه لقناة دريم المصرية أن إيران جار وعضو ضروري في منظومة إقليمية وإسلامية تفرض التعاون الاقتصادي ( كما تفرضها عوامل الجغرافيا وتؤكدها صفحات التاريخ).

الخلاصة

كانت تلك أهم المحاور في المقارنة بين مجهول البرادعي ومعلوم آل مبارك، وهناك محاور أخرى تختلف في الأهمية، ولما كان المقام هنا مقام انطباع وليس مقام درس واطلاع، فيمكننا بقدر من الاطمئنان أن نستنج بشكل مبدئي نتيجة تلك المقارنة قبل أن نختار رئيس مصر المقبل، هذا إذا كانت هناك حقيقة فرصة لذلك بدستور جديد وبدون تزوير أو تلاعب.

فبالقراءة البسيطة لالتزامات وتوجهات البرادعي نكتشف أنه معلوم جدا، ومحمل بالأمل في التغيير من "خارج صندوق" السلطة، ويحتمل ترشيحه وضع الضوابط والحدود للمحاسبة والمسائلة للرئيس وعائلته. وبنفس درجة البساطة في القراءة للملف المعلوم والمثبت بالتاريخ لآل مبارك نستنتج أنه أيضا ملف معلوم جدا، ومثقل بالفشل واليأس والإحباط، ولاينتظر معه أي تغيير في طبائع الاستبداد التي تأصلت في النظام بحكم طول الزمن، ولايبدو هناك شفاء من فظائع الفساد الذي يزداد انتشارا وفجورا كل يوم.

إن البرادعي ليس مجهولا بما قال وكتب ووعد، فهو صفحة بيضاء توحي بالأمل في التغيير الديموقراطي، كما أن هناك فرصة حقيقية في وضع ضوابط مسائلته ومحاسبته وبالتالي تزداد الفرصة في تقلص الفساد التابع للاستبداد، وأن هناك أمل للفقراء في بعض التحسن، لأنه انحاز إلى العدالة الاجتماعية ابتداءا، وأنه أكد أن الاشتراكية لاتعني ارتدادا عن التنمية الرأسمالية. ثم أنه مع التوحد العقلاني النفعي مع المحيط العربي في عالم التجمعات والاتحادات، وأنه لم يوافق على اتفاقية السلام التي أفرزت عوامل الانبطاح أمام إسرائيل، وليس مضطرا لاصطناع عداء مع إيران لايخدم إلا إسرائيل، ثم أخيرا هو ضد تصفية القضية الفلسطينية.

وفي المقابل فإن آل مبارك معلومون ومكشوفون حتى النخاع، فمن تاريخهم الذي يصرحون بعد ثلاث عقود منه بضرورة الإصلاح!، لايبدو معهم أي أمل في تغيير طبائع الاستبداد، ومن واقع الحال، فليست هناك فرصة جادة لأي تغيير ديموقراطي بأن يضع الشعب أي ضوابط لمسائلتهم أو محاسبتهم، فنحن في هذه اللحظة ومنذ البداية، نحن الشعب المصري فاشلون في وضح حد لاستئثارهم بالترشح لمنصب الرئاسة بتعديل دستوري مفصل على مقاس النجل المبارك. ثم إن المتوقع ازدياد الأغنياء غني وازدياد الفقراء فقرا، لأن مبارك النجل أعلن انحيازه الصريح لدولة الظلم في توزيع الثروة تذرعا بالتنمية، مستندا في ذلك إلى قوة دولة القمع (قانون الطوارئ) وترزية القوانين، ومجلس نواب يضم القتلة وناهبي مخصصات العلاج على حساب الدولة، أما عن الفساد فحدث ولاحرج، فكل إناء ينضح مما فيه.

كما أن نظام آل مبارك يكفر بالعرب (تصريح علاء مبارك في معركة الكرة مع الجزائر) ويصطنع عداءا استراتيجيا مع إيران الجار التاريخي لايقنع إلا المستفيدين، كما أنه في الوقت الذي يقتل فيه الناس في "معركة" أنبوبة الغاز، ينسال الغاز رخيا وبيسر لإسرائيل في عهد آل مبارك. كما أن النظام يبني جدارا فولاذيا يزيد من معاناة الشعب الفلسطيني المحاصر إسرائيليا في غزة في إطار تصفية القضية الفلسطينية، بتذرع بالأمن القومي لم يقنع الأغلبية من الشعب المصري، لأن قضية فلسطين هي بؤرة الصراع الحضاري مع المشروع الصهيوني، شئنا أم أبينا، بالجغرافيا أو بالتاريخ، وبالرغم من غوغائية الانعزاليين والمسطحين تاريخيا، والجهلاء جيوسياسيا، والجهل هنا ينفي شبهة العمالة.

26 فبراير 2010
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية