محور كوبنهاجن – الهجانة: من يسرق المليارات؟
...............................................................
| |
الدكتور طلبة | |
بقلم : مسعد غنيم
...................
فشلت قمة المناخ في كوبنهاجن. السبب الواضح هو الصراع الاستراتيجي الكوني بين تحالف الولايات المتحدة وأوروبا، والصين، وبخاصه التنافس الاقتصادي. السبب الأعمق هو الخلل الهيكلي في النموذج الرأسمالي الذي يستهلك موارد الكوكب بمعدل متسارع، وبشكل غير راشد بيئيا. ويبدو أن المتصارعين الكبار لايعنيهم كثيرا دمار أجزاء من الكوكب يقع معظمها في البلدان النامية، كما لايعنيهم تشريد وموت الملايين فيها، من ندرة مياه، ونقص غذاء، وانهيار نظام صحي.
معركة الهجانة
كمصريين، لايجب أن نتظلم من مثل ذلك التحيز للقوة والسلطة عندما نتحدث عن آثار تغير المناخ. فإن الحكومة المصرية في "معركة الهجانة" بحسب تعبير جريدة المصري اليوم، قد ضربت أقبح الأمثلة في التعامل مع الفقراء عندما تلوح في الأفق مصالح النخبة المتسلطة. وعزبة الهجانة هي إحدى عشوائيات القاهرة عاصمة مصر مبارك، والهجانة لا تمُّت إلى كوبنهاجن العاصمة الدانماركية بأي صلة لغوية. لكنهما قد بدتا مؤخرا في علاقة عكسية من حيث إدارة البيئة، وذلك فيما بين مستوى الأداء المتقدم في قمة المناخ في كوبنهاجن 2009 رغم الاختلاف السياسي، وعشوائية التخلف والفساد الحكومي في "معركة الهجانة".
لا يحتاج الأمر إلى جهبذ في علوم البيئة أو إلى مخضرم في علم السياسة، ليكتشف مدى "الانحطاط" الذي تتعامل به حكومة مصر مع ملف البيئة والاحتباس الحراري. ولفظ الانحطاط هنا ليس من قبيل التجريح أو النقد العنيف، وإنما مجرد وصف واقعي ولغوى صحيح للفرق بين مستوى رقي وعمق ثقافة محمد ناشيد رئيس جمهورية المالديف في ندوة المناخ التي عقدتها محطة البي بي سي البريطانية على هامش قمة المناخ في كوبنهاجن في 17 ديسمبر 2009، وبين قرار حكومة مصر بهدم عزبة الهجانه لأن "منظرها" لايشرف المبنى الحكومي الهام الذي سيقام على مشارف العزبة العشوائية بعدما أصبح موقعها استراتيجيا، بحسب توقع الدكتور ممدوح حمزة في برنامج تليفزيوني بقناة الحياة المصرية، في نفس الوقت الذي لم تحرك نفس تلك الحكومة الهمامة ساكنا أمام حقيقة أن بمصر 20 ملعب جولف يستهلك الواحد منها ما يكفى لزراعة 10 آلاف فدان قمح! بحسب جريدة المصري اليوم.
إنـحــطــــاط
في ضوء أخطر كارثة بيئية تهدد الجنس البشري كما تبين في كوبنهاجن، يمكن تصور هول انحطاط أداء حكومة مصرمن منظور بيئي إذا قرأنا تقرير الدكتور مصطفى كمال طلبة عن "التغير المناخي وأثره على الدول العربية" في المنتدى العربي للبيئة والتنمية 2009 (AFED). يصف الدكتور طلبة حال الدول العربية وأكبرها مصر في التعامل مع تلك الكارثة البيئية بقوله:
" بالرغم من أن انبعاثات الدفيئة من العالم العربي تساوي 4.2 % من الانبعاث العالمي، فإن أثر تغير المناخ على البيئة الهشة للمنطقة وسكانها يتوقع أن يكون شديدا...وقد تبين أن الدول العربية في استعدادها لتحديات التغير المناخي لم تفعل إلا القليل. فلم يتم التوصل إلى دلائل تجميع وبحث بيانات بطريقة منسقة، وذلك فيما يخص أثر التغير المناخي على مختلف المجالات مثل الصحة والبنية التحتية والسياحة، بينما بدا أن الأثر الاقتصادي قد تم تجاهله تماما. كما يندر وجود سجلات مضمونه لنماذج المناخ في الإقليم. لذا يجب على السياسيين (العرب) أن يرتفعوا بوعيهم بأثر التغير المناخي على الأوجه المتعددة للحياة الاجتماعية والاقتصادية، وأن يأخذوا خطوات عاجلة للتصدي لتلك المشكلة." ولمن لا يعرف، فالدكتور طلبة علم مصري مشرف رفرف على برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP حيث عمل الرجل مديرا تنفيذيا لسنوات عديدة، وهنا نتبين أحد أهم أوجه انحطاط الأداء البيئي المصري، فالرجل بكل هذا الوزن العالمي والتخصصي، تجاهلته نخبة السلطة في مصر، وأهدرت مايمكن أن يضيفه لمصر في مثل هذه الكارثة، فهو من المغضوب عليهم فقط لأنه تجرأ وانضم للمعارضة مع حركة كفاية مع المرحوم العلامة د. المسيري، وكما نشهد الحملة المسعورة على علم مصري آخر هو د.البرادعي.
وجه آخر لانحطاط الأداء البيئي نقرأه في مقال لأحد أبواق النخبة المتسلطة وهو عبد المنعم سعيد أحد أهم منظرى حزب الحكومة ورئيس تحرير الأهرام. فهو، في ظل تغييب جهبذ بوزن الدكتور طلبة، يكتب في مقال بعنوان "مصر والاحـــتباس الحراري؟" في أهرام 14 ديسمبر: " وكأن مصر كان ينقصها مشكله اضافيه بحجم وعمق قضيه' الاحتباس الحراري', فلم يكفها حاله الانفجار السكاني, ولا مصاعب التنميه, او حتي وقوعها ضمن منطقه لا يوجد فيها الا اشكالا متعدده من الصداع السياسي وحتي العسكري. ولكن المشكله جاءت علي ايه حال، وما عاد ممكنا الهروب من مواجهتها"!!!! هنا، فالانحطاط يكمن في أن الرجل يريد أن يقنعنا بواقعية نظامه الحاكم في الاعتراف بالمشكلة – والنظام لايعترف أبدا إلا بالشديد القوي- بينما أن الواقع المخيف أن سعيد ونظامه الذي يريد أن يجمله لم يفق من غيبوبته ولم يستوعب حجم الكارثة بعد، لأن العالم أجمع يعمل على الكارثة منذ سنوات عديدة ولم يفاجئ بها، فقط كان الجدل العلمي قائما إلى أن حسم مؤخرا، ولكنه لم يكن في غيبوبة.
من سمع الجرس؟
دليلي أن الحكومة المصرية لم تستوعب حجم الكارثة بعد هو أن أهم عنوان في موقع وزارة البيئة المصرية هو أنه "تم اختيار المهندس/ماجد جورج – وزير الدولة لشئون البيئة ضمن شخصيات الموسوعة لعامين متتاليين طبقا لإنجازاته الدءوبة والمستمرة لتحسين حالة البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية فى مصر." ...فمن تقرير د. طلبه يمكن تبين مدى الغيبوبة والانحطاط المتمثل في الاهتمام بمثل هذا النفاق القذر في توقيت كارثة عالمية يتم علاجها، وكارثة بيئية مصرية لم يتم الاستعداد لها بحسب تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية 2009. مثل هذا البيان الوزاري المصري يثير الغثيان والقرف! بينما يثير مقال عبد المنعم سعيد كل الغثيان وكل القرف. وهوتماما كما وصفه أستاذنا محمد زكريا توفيق في مقاله بـ "مصرنا" باعتباره من "البطانة والزبانية الذين يسوقون الكذب والنفاق، ودهن الناس بدهن النارجيل وإطعامهم بما يزيغ الأعين ويغير الأحوال ويذهب العقول، فتسمن أجسامهم ويصبحون مثل البهائم، يساقون مثل القطيع إلى ملكهم المستبد، لكي يفترسهم فرادا وبالجملة؟"
وفي فاصل مثير للشفقة على عبد المنعم سعيد في نفاقه الرخيص، في مقاله عن البيئة حيث كتب في استخفاف وقلة حياء: " أن ظاهره الاحتباس الحراري تؤدي الي تسريع تبخر مياه النيل, وبالتالي خفض المياه العذبه, الامر الذي سينتج عنه تفاقم النقص الذي تعاني منه البلاد في مجال مياه الشرب والري وتوليد الطاقه الكهربائيه. وستواجه مصر أيضا ازمه غذائيه حاده من جراء ازمه التغير المناخي حيث توصل تقرير لمركز معلومات مجلس الوزراء الي ان هناك توقعات بارتفاع درجات الحراره في مصر بحوالي1.5 درجه مئويه عام2050 ونحو2.4 درجه خلال عام2100, وهو ما يوثر علي انتاجيه المحاصيل الزراعيه في مصر." يبدو استخفافه في أنه لم يفتح فمه بأي ذكر للمعنى الاستراتيجي للسفه المائي الذي تمارسه الآن نخبة رأسمالية متوحشة وجاهلة على شكل 20 ملعب جولف تستهلك ما يروي 200,000 فدان قمح!!، حقا، إذا لم تستح فاكتب ماشئت! وتتجلى قلة حياؤه في أنه اختار الحديث عن مدى زمني بعيد نسبيا وهو 2050 بينما تشتد المعارك في كوبنهاجن على مدى زمني لايزيد عن 2020 وحتى 2015، للتصدى للكارثة.
الـــعـــار
إني أشعر بالعار عندما يحتفل موقع وزارة البيئة المصرية بإنجازات وزير البيئة بينما مصر تقع في المركز الثالث عالميا في التأثر الكارثي بتغير المناخ القائم. وأشعر بالعار عندما يتصدى بوق سياسي منافق مثل عبد المنعم سعيد للحديث عن البيئة في ظل تغييب عالم مثل د. محمد كمال طلبه، هذا بينما تقول كوني هيذاجارد، وزيرة مؤتمر المناخ لدى الأمم المتحدة في كوبنهاجن 2009. في افتتاحها للمؤتمر: "أنا أقول: انتهى الوقت! رنّت أجراس المنبه مرات عدة. وزاد عن حده عدد المرات التي ضغطنا فيها على زر إطفاء المنبه." أشعر بالعار لأنه على ما يبدو لم يستمع أحد للمنبه في حكومة مصر، وقد يستمع ولا يفهم إلا الاستعداد لسرقة المنح العالمية القادمة لعلاج آثار تغير المناخ، وما ختم به عبد المنعم سعيد مقاله بقوله :" تبلغ تكلفه هذا الحل عده مليارات من الدولارات ربما ان اوان البدء في ادخارها من الان!." إدخارها؟ أي استخفاف واستظراف؟ مصر تدخر؟ بالبلدي يمكنني أن أقول "منين يا حسرة!" بعد كل هذا النهب والفشل والعجز في الموازنة وغيرها. أعتقد أن عبد المنعم سعيد أخطأ سهوا في اختيار كلمة ادخارها، وربما كان يقصد "احتوائها"! وضمير الغائب هنا لايعود على المليارات في مصر، بل على مليارات المنح البيئية القادمة.
رغم النتائج المخيبة للآمال لقمة المناخ في كوبنهاجن، فإن آليات العمل الدولي في ظل ثقافة علمية ووعي سياسي وبيئي للمجتمع المدني الديموقراطي العالمي، تقول بأن الأمل لم يفقد في الإنقاذ، أما التخلف والفساد الواضح في معالجة "معركة الهجانة" فليس هناك ما يجعلني آمل في تصحيح قريب لهما بحكم غياب الديموقراطية و تغييب عقول مصر النابهة، بل ومحاربتها ووأدها حية، فلا يظهر على السطح إلا ما هو غث وسفيه وفاسد، في الغالب الأعم.
الحـــزن
على هامش قمة المناخ الرسمية، شاهدت ندوة المناخ التي عقدتها محطة البي بي سي البريطانية على هامش قمة المناخ في كوبنهاجن في 17 ديسمبر 2009،ورأيت محمد ناشيد رئيس جمهورية المالديف يتحدث على المنصة التي ضمت رئيس وزراء البرازيل، ورئيس وزراء استراليا، وممثل الاتحاد الأوروبي، وممثلة جنوب أفريقيا. لم تصدمني الثقافة الراقية سياسيا واقتصاديا للمتحدثين بصفة عامة، وبصفة خاصة الرئيس المالديفي وذكاؤه الحاد مع صغر سنه، ولكن الذي صدمني هو عدم مقدرتي على تخيل رئيس مصري يقف على المنصة كفؤا لمحمد ناشيد الرئيس المالديفي، مع تغييب وحجب عقول مصر العظيمة، مثل د. محمد كمال طلبه، ود. محمد البرادعي، وغيرهما ممن تنجب مصر كل يوم ويأده نظامها قبل أن نتعرف عليهم، ناهيك عن الأمل في إخلاصهم في حل مشكلة مثل مشكلة "الهجانة"!، ويحزنني أن الأغبياء سارقي المنح في النخبة الحاكمة لايرون في الكارثة الكوكبية إلا فرصة للفوز في مسابقة من يسرق المليارات القادمة من منح البيئة ؟
20 ديسمبر 2009
06/11/2014