| | | | ما وراء مــالتــوس وانفـلونـزا الخنـازيـر ...............................................................
بقلم : مســـعد غنيم ....................
" في أوقات الخداع الكوني، فإن القول بالحقيقة يعتبر عملا ثوريا" جورج أورويل
ستيفين هوكنج عالم بريطاني من أبرز علماء الفيزياء النظرية وعلم الكون على مستوى العالم، وله مساهمات في مجال الفلك والجاذبية الكمية، خاصة في مجال الثقوب السوداء. ظل كتابه عن الكون بعنوان "ملخص تاريخ الزمن" على رأس قائمة أكثر الكتب مبيعا في الصنداي تايمز لفترة قياسية بلغت 237 أسبوعا منذ صدوره عام 1996. وفي عام 2001 صدركتابه الثاني في نفس الموضوع "الكون في قشرة جوز"، وفيه يصور مشكلة الانفجار السكاني في العالم بقوله: أنه بحلول عام 2600 وفي ظل معدلات الاستهلاك الحالية للكهرباء، سيصل ازدحام سكان الكوكب إلى حد ملئ سطحه بوقوف الناس كتفا إلى كتف، وسيصل استهلاكهم للكهرباء إلى حد جعل كوكب الأرض يتوهج احمرارا عند النظر إليه من الفضاء. ويقرر أن معدل النمو الحالي بهذا الشكل الرياضي الأسي لايمكن أن يستمر للأبد، وأنه لمواجهة تلك المشكلة فإن إعادة هندسة الجينات الوراثية DNA للبشر أمر مرجح حدوثه سواء أحببنا ذلك أم لا! كما ينقل عن ألبرت إينشتين قوله " سوف تحتاج الإنسانية إلى طريقة جديدة تماما في التفكير، إذا ما أرادت أن تصمد في الحياة."
في عدد الجمعة 13 نوفمبر 2009، نشرت مجلة الإيكونومست نتيجة استفتاء بدأ في أكتوبر الماضي، http://goliveinternet.economist.com/debate/overview/151، وموضوعه "هل البشر أكثر من اللازم؟" بدأت نتيجة الاتفتاء بقيمة 70% مع، و 30% ضد، وذلك في أول نوفمبر 2009، وارتفعت نسبة الموافقين إلى 80% بدءا من يوم 4 نوفمبر وحتى انتهاء الاستفتاء في 11 نوفمبر 2009. ومعنى هذا أن معظم المشاركين يرون ضرورة الحد من المعدلات الحالية للنمو السكاني في العالم.
مجلة وورلد ووتش العالمية http://www.worldwatch.org، نشرت تقريرا في عام 1998 بعنوان " مـا وراء مـالـتــوس" يقع في 167 صفحة، ويحدد عوامل الزيادة السكانية بعدد 19 عاملا. ينتهي معدو التقرير؛ ليستر براون، وجاري جاردنر، وبريان هالويل، إلى نتيجة واضحة محددة وهي "ضرورة البدء فورا في التوسع في برنامج التخطيط العائلي (تحديد النسل) على مستوى العالم، ومساعدة ملايين الأزواج الذين لايستطيعون الوصول للبرنامج."، ومالتوس هو الباحث السكاني والاقتصادي السياسي الإنجليزي الشهير. وهو الذي وضع نظرية متكاملة في السكان وقد فرضها على علم الاقتصاد عندما اشار إلى وجود عامل يجب دراسته إلى جانب الإنتاج والتوزيع والتبادل، ذلك لأن العلاقة وطيدة بين تطور عدد السكان وتطور كمية الأنتاج. وفي هذا الشأن يقول معدو تقرير ماوراء مالتوس: منذ 200 سنة، قدم توماس مالتوس فهما متطورا للإنسانية عن السعة الاستيعابية للكوكب من خلال أفكاره عن علاقة السكان بالإمداد بالغذاء. ويضيفون: اليوم، فإن فهمنا للسعة الاستيعابية للأرض تشمل العديد من الأبعاد (19 بعدا)، وأن الأدوات التحليلية فاقت في تعقيدها ودقتها حدا يجعل مالتوس مندهشا من المتغيرات المتعملة في تحليل علاقة السعة الاستيعابية K والغذاء.
وينتهي تقرير ما وورا مالتوس بالقول: "نحن نعيش في عالم منقسم ديموجرافيا، الأول حيث بعض الدول (مثل ألمانيا والمجر والسويد في السبعينات) وصلت أو في طريقها للاتزان الديموجرافي إلى المرحلة الأولى حيث معدل الوفيات يتزن مع معدل المواليد ولكن عند معدلات منخفضة، بينما في الثاني تدفع الزيادة في الأحياء بعض الدول إلى المرحلة الأولى حيث يزيد معدل المواليد عن معدل الوفيات، وفي هذه الحالة لاتبقى الدول في هذه الحالة لفترة طويلة!" والمقصود أنها ستتعرض للفتن والصراعات العرقية والإثنية والسياسية.
وكما تعودنا منذ انتشار الإنترنت، فإنها تموج بحديث المؤامرة العالمية بدرجات متفاوتة، وبمصداقيات مختلفة، وبأسانيد متفاوتة مابين العلمية والخيال العلمي. وموضوع الانفجار السكاني يمثل أحد الموضوعات الرئيسية لحديث المؤامرة. هناك عدد لا بأس به من مقالات وأفلام فيديو تتحدث عن نظرية مؤامرة للقضاء على كثير من سكان العالم الثالث والمرضى والمهمشين بصفة عامة. ولعل أشهر جهة أمريكية وعالمية في هذا الصدد هي "حركة لاروش" LaRouche movement، حيث يدعى لاروش وجود مؤامرة، إنجليزية تحديدا، لخفض سكان العالم. ومن أحدث مانشر مؤخرا في 30 أغسطس 2009 فيديو منسوب إلى وزيرة الصحة الفنلندية Luukanen-Kilde، تدعي فيه الوزيرة أن موضوع إنفلونزا الخنازير ما هو إلا مؤامرة عالمية للتخلص من ثلثي سكان العالم البلغ عددهم 4 مليار نسمة. من الملفت للنظر أنها أشارت إلى خطة لهنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق تعود إلى عام 1974 للحد من حجم سكان العالم. وقد شاهد الموضوع على الإنترنت حتى اليوم 11 نوفمبر 2009 مايقرب من 2 مليون مشاهد ( 1,972,473).
طبعا هناك من يؤيد لاروش والوزيرة الفنلندية وهناك أيضا من يعارضهما ويتهمهما بالتخريف، وأن الوزيرة الفنلندية مثلا تؤمن بالأطباق الطائرة وماشابه ذلك. إن مثل تلك الادعاءات بوجود مخططات إبادة للبشر على مقياس عالمي، سواء كانت حقيقة أو وهما، ليست بجديدة في التاريخ الإنساني، ولعل محرقة اليهود المزعومة تكون أشهرها (شخصيا لم أقرأ مايجعلني أفهم وأقتنع بصحتها أو كذبها). وفي سبعينيات القرن الماضي زادت حدة أزمة الغذاء العالمي، وقامت "حركة الغذاء من أجل السلام" بتقديم تفسير تآمري لما ادعت أنه خطة هنري كيسنجر وقوله: "يجب أن يكون خفض التعداد البشري Depopulation هو الأولوية الأولى للسياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه العالم الثالث." ومثل هذا التفسير التآمري الذي نشر في عام 1995 فقد مبرراته منذ أن أتاحت التكنولوجيا وفرة الإنتاج العالمي من الغذاء، بل وانخفاض الأسعار نسبيا خاصة قبل الأزمة المالية العالمية بمطلع 2009، ولم يصاحب ذلك طوال 14 عام إلا مزيد من الانفجار السكاني في العالم الثالث، وربما يعود هذا الفكر التآمري مرة أخرى مع ارتفاع أسعار الغذاء مرة أخرى، وندرته النسبية.
على الإنترنت، هناك مواقع شهيرة وجادة وعلمية، تحظى بدرجة مصداقية عالية فيما تدعيه خارج التيار العام للإعلام العالمي، بل وضده. وبعضها يؤيد وجود نظرية المؤامرة الكبرى، وإن كانت في مجالات متعددة تشمل حتى المجتمع العلمي نفسه في إجماعه على أصول العلم الحديث.
من تلك المواقع: http://www.larouchepub.com/ كما سبق بيانه، وصاحب الموقع هو المعارض الأمريكي الأشهر ليندون هـ لاروش. وهو مؤسس الحركة المسماة باسمه، وهي حركة سياسية وثقافية عالمية تأسست منذ 1974، وتشمل أحزابا في أمريكا والعالم، وشبكة كثيفة للمطبوعات من كتب ومجلات أشهرها مجلة Executive Intelligence Review. وتضم الشبكة مجموعة مترابطة من المفكرين الذين يقدمون مبادرات في المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية. كما تشمل الحركة جموع من الشباب حول العالم، وكذا عديد من الشخصيات العامة. يتهم السيد لاروش نفسه في كتاباته وأحاديثه التليفزيزنية شخصيات تاريخية مشهورة بالمؤامرة على الإبادة الجزئية للجنس البشري لصالح القلة المختارة. ممن يركز على اتهامهم، الفيلسوف الأنجليزي برتراند رسل، والأمير الأنجليزي فيليبس.
ربطت تلك المجلة مؤخرا بين خطة أوباما للرعاية الصحية، في خفضها للمخصصات للمسنين، وخطة النازية للإبادة الجماعية لغير الآريين. ويكفي أن نقرأ تعليقات كبريات الصحف والشخصيات الأمريكية على لاروش لنعرف الوزن الجاد للرجل، فهو يشكل لهم كابوسا معارضا. والرجل له رؤية فلسفية ذات مضمون اقتصادي ومالي لمشاكل العالم ويرى أن المؤامرة الكبرى للسيطرة على العالم تأتي من الإمبراطورية الإنجليزية، ويحدد أنها إمبراطورية مالية وليست جغرافية سياسية كما قد يفهم الناس. وهو يعارض موضوع الخفض ويرى أن القيمة المضافة للجنس البشري هي نتاج عقله في الإبداع والابتكار، وأنه قادر على إيجاد موارد كافية خارج منظور الموارد التقليدية الحالية، وهي التي بنى عليها مالتوس نظريته عن علاقة موارد الأرض من حيث الغذاء ومعدلات الزيادة السكانية. وبغض النظر عن مدى صحة فكر لاروش الذي هو خارج التيار العام للإعلام العالمي والمجتمع العلمي بصفة عامة، إلا أنها تحمل مضمونا يستحق التفكير فيه، ولاتبدو بداهة صادرة من "منابعٌ وهميةٌ" أو أنها مجرد خيال علمي للرجل.
وهناك موقع آخر http://www.thirdworldtraveler.com/، يمثل أرشيفا للمقالات وملخصات الكتب التي تسعى لقول الحقيقة حول الديموقراطية الأمريكية، والإعلام الأمريكي، والسياسة الخارجية الأمريكية، وحول أثر أفعال حكومة الولايات المتحدة، والشركات متعدية القوميات، والمؤسسات التجارية والمالية العالمية، وإعلام الشركات، وكذلك عن الديموقراطية والعدل الاجتماعي والاقتصادي وحقوق الإنسان والحرب والسلام في العالم الثالث والدول المتقدمة. نشر الموقع في 12 نوفمبر 2009 نقلا عن موقع جلوبال ريسيرش مقالا عن تقارير سويدية عن وفيات محتملة نتيجة التطعيم ضد انفلونزا H1N1 .
ومن المواقع التي تضاد التيار العام: http://www.avlll.co.uk/ ويدعى "وجهة نظر بديلة" وهي حركة مناهضة بريطانية، أعلنت عن عقد مؤتمر لمدة ثلاث أيام بدءا من 13 نوفمبر 2009، يتحدث فيه بعض العلماء المتخصصين. من هؤلاء العلماء الدكتورة "مي وان هو" مدير معهد العلم في المجتمع ISIS والذي يناهض الاستخدام الغير أخلاقي للبيولوجيا الحيوية. تتحدث الدكتورة مي في المؤتمر عن الانتشار الغير محكوم للجينات المعدلة، حيث تتخوف من فقد السيطرة على انتقال الجين المقاوم للمضادات الحيوية الذي تم عزله من البكتيريا واستخدم في بعض المحاصيل المعدلة وراثيا GM، وتتخوف من احتمال عودته من النباتات إلى الأنواع المختلفة من البكتيريا. وفي حال حدوث ذلك، سوف نفقد القدرة على معالجة الأمراض الكبرى مثل الإلتهاب السحائي وبكتيريا الأيكولاي E-Coli. وفي النهاية تحذر من خطورة نتائج الأنشطة العلمية الحالية طبقا لأجندة التعديل الوراثي، والذي تعتبر أساسية لفهم أين ينوي مشروع المخطوطة الإصلاحية Codex Alimentarius أن يأخذنا جميعا.
ربما يكون معظم المنشور على الإنترنت عن نظرية المؤامرة لخفض عدد سكان الكوكب من قبيل الوهم والخيال العلمي أو حتى مدسوسا من الإعلام الرسمي للتشكيك في كل أنواع المعارضة للتيار العام. وقد تعتمد تلك المقالات على تفسير وقائع وأحاديث رسمية خارج سياقها الصحيح لتأكيد فكر المؤامرة بشكل مهووس وغير واقعي. ولكن لايمكننا تجاهل كل الاجتهادات المنشورة خارج التيار العام للإعلام الحكومي والرسمي، وهو في الغالب وبواقع المصالح يتبع للشركات عابرة القوميات، فقط لأنها ضد التيار العام ومخالفة للمألوف!. وفي هذا المقام نذكر مقولة أرثر شوبنهاور- 1818 "إن مهمتنا ليست في رؤية ما لا يراه الجميع بقدر ما هي في التفكير فيما لم يفكر فيه أحد قط حول مايراه الجميع."
تضم قائمة المتفقين على ضرورة خفض سكان الكوكب، كما أوضحنا، شخوصا على قمة المجتمع الإنساني مثل الأمير الإنجليزي فيليبس، والفيلسوف برتراند رسل في أوائل القرن العشرين، وعبقري الفيزياء النظرية ستيفين هوكنج، والسياسي الداهية هنري كيسنجر، كما شملت القائمة أخيرا 80% من المشاركين في استفتاء صحيفة الإيكونوميست، بينما يعارض ذلك شخصية معارضة عالمية مثل ليندون هـ لاروش، ويعتبر الأمر مؤامرة. وبالطبع فإن هناك الكثير غيرهم ممن لم يشملهم البحث، من مؤيدين من منطلقات علمانية، أومعارضين من منطلقات دينية. ويمكن القول باحتمالية صحة تلك المقولات التي تدعي وجود مؤامرة لخفض عدد كان العالم بما يتوافق وسعة الأرض التي يرمز لها بالرمز K. ويستتبع ذلك الفرض أن نفهم أنه في وجود هدف بهذا الحجم الكوكبي، متفق عليه على هذا المستوى العلمي والفكري والسياسي، فلا يجب أن نندهش إذا ماكانت هناك خططا كوكبية لتحقيق ذلك الهدف، ومن البديهي أن تكون مثل تلك الخطط خفية وغير معلنة. وكلنا نعلم أن الحكومات لاتعلن عن كل ماتفعل من منطلقات الأمن القومي. ويبقى القول أنه من المعقول أن نعتقد أن ليس كل ماينشر عن مؤامرة كوكبية بهذا الشأن هو من قبيل التخريف أو الهوس بالشهرة، فهدف خفض سكان العالم أمر متفق عليه، ويبقى فقط أسلوب التنفيذ.
13 نوفمبر 2009 06/11/2014
مصرنا ©
| | ..................................................................................... | |
| | | | |
|
|