مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 لا....ليـث تـوريـثــا
...............................................................

بقلم : مســـعد غنيم
....................

نامـت نواطيـر مصـر عـن ثعالبهـا *** فقـد بشمـن ومـا تفنـى العناقيـد

 

مصر الآن تبدو عارية بكل معنى، فهي عارية بمعنى أنها ملك لمبارك الأب

 

أعتقد أن هناك لبسا، وربما تلبيسا كبيرا، في تسمية وتوصيف ما يجري الآن في شأن حكم مصر. فالتوريث له تعريف شرعي وقانوني معروف لدى الأمي قبل المتعلم والمتخصص. بالتالي فليس المقام هنا مقام تعذير بجهل أو بعدم علم، خاصة وأن الجهل بالقانون لايعفي من العقوبة. ويبدو أن التوصيف المنطقي هو "جريمة" اغتصاب علني لمصر، مكتملة الأركان الشرعية بما فيها الشهود وعددهم 80 مليون، هم أهل مصر "بذات نفسها". إن أبسط المفهوم عن تعريف التوريث هو أن الموُصِي أو الموَّرِث (بكسر الراء) لابد أن يملك شرعا وقانونا مايورثه من ميراث، أو ما يعيره من عارية، وإلا يعتبر الفعل غصبا أو "اغتصابا". فمصر الآن تبدو عارية بكل معنى، فهي عارية بمعنى أنها ملك لمبارك الأب له الحق في إعارتها أو توريثها، وهي، أي مصر، عارية بالمعنى المباشر، فهي عارية من أي موجبات للخجل التاريخي، تباعد ما بين ساقيها غصبا، بعقد عرفي "مضروب" يسمى الدستور، وليس بطريقة المرحوم نجيب سرور. لا ليس هذا توريثا، بل اغتصابا باعصاب باردة.

أصل التعبير

الزعيم الوطني أحمد عرابي هو الذي صك تعبير التوريث سياسيا، هذا فيما نقل عنه قوله: أننا لن نوَّرَث (بفتح الراء) بعد اليوم. وكان هذا عندما ثار في وجه الخديوي توفيق (المتحالف مع الإنجليز المحتلين ضد الشعب المصري). في هذا التعبير نقل عرابي شأن مادة التوريث باعتبارها الحكم أو العرش، لتصبح شعب مصر نفسه، ويكمن هنا، في اعتقادي، عبقرية التعبير الذي تناقلته الأجيال مترجما وعيها وشعورها الوطني الثوري في ذلك الحين. ورغم ذلك، فلا أعتقد أن تعبير عرابي يصلح لتوصيف المشهد المصري الآن، فلم تعد مصر أرضا وشعبا ملكا لمحمد علي وخلفائة. كان محمد على نفسه هو الذي صاغ شكل حكم مصر بما يتسق وملابسات عصره على هذا النحو: أن يكون المالك الأوحد لأرض مصر، وبالتالي يعمل لديه شعبها أجراء في الحد الأقصى، أو "عبيد إحساناتهم" بحسب تعبير أحمد عرابي. فيما بعد، استقطع محمد على أعوانه من الشراكسة والألبان وبعض المحظوظين من الأعيان المصريين، استقطعهم قطعا من أرض مصر، ليدشن بذلك عصرها الإقطاعي.

الإقطاع الرأسمالي الجديد

كان جمال عبد الناصر هو الذي أنهى ذلك العصر الإقطاعي، ولكن للأسف ليس بلا رجعة، فالواقع يقول أن مصر شهدت على مدار الثلاثين سنة الماضية عودة عصر الإقطاع أكثر شراسة واستعبادا غير مباشر لشعب مصر. كما أن ذلك الإقطاع (أراضي وثروة عقارية، وحتى مصانع) في القرن الـ 21 يتسلح، من خلال تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات، بشبكات علاقات مصالح مع النخبة الرأسمالية العالمية العابرة للقوميات والقارات، في إطار الاقتصاد العالمي الجديد. ولايعني هذا بالطبع أن ذلك الاقتصاد الليبرالي المتوحش (الذي رضع لبنه مبارك الإبن منذ بواكير نضجه) يدعم التخلف بالعودة لعصور الاقطاع والاستعباد بالشكل القديم، ولكنه يعيد إنتاجه بشكل جديد يلبس ثياب الديموقراطية وحقوق الإنسان، الليبرالي طبعا!.

حقوق الإنسان ...الليبرالي

مثلا، فإن موت أكثر مليون طفل عراقي أثناء حصار عراق صدام بسبب نقص الغذاء والعلاج، يعتبر عملا ديموقراطيا من أجل عراق ديموقراطي حر، تماما كما أن قتل مايقرب من مليون عراقي تحت "الاحتلال" الأمريكي يعتبر ثمنا مبررا لتثبيت ديموقراطية العراق والحفاظ على حقوق الإنسان الأمريكي في احتلال العراق!. مصريا، فإن ارتفاع معدل البطالة لمعدلات نسبية عالية، وازدياد معدل المصريين تحت مستوى الفقر حسب آخر تصريح "رسمي"، هي أمور طبيعية في مجتمع ديموقراطي يحترم حقوق الإنسان الرأسمالي في إدارة أعماله بحرية وديموقراطية من أجل زيادة معدل النمو. ذلك النمو الذي لايمل مبارك الرئيس من الحديث عن رغبته في أن ينال محدودو الدخل نصيبهم منه، فقط "حديث ابن عم كلام" كما يقول المثل الشعبي.

كما أن اكتظاظ السجون بأعداد كبيرة من المعارضين السياسيين، خاصة الإخوان المسلمون، في ظل قانون طوارئ أزلي، هي من الأمور اللازمة لحماية الاستقرار من سراب الإرهاب الهوليودي الفضائي، استقرار نظام يحترم حقوق الإنسان المباركي في أن "يغتصب" حكم مصر ديموقراطيا في انتخابات "حرة ونزيهه" في ظل دستور "تفصيل"، وبضمان قوة شرطة "توصيل"، وبشرعية مجلس "تضليل".

نظام حكم "عالمي"

مخظئ من يراهن على عدم صلاحية مبارك الإبن للحكم، ومخطئ أيضا من يظن أن "ثقل دمة" وتواضع شخصيته، بالإضافة إلى انعدام كارزميته، هي أمور كفيله بإفشال اغتصابه للحكم "دستوريا". طبقا لتقرير مجلس المخابرات القومي الأمريكي (NIC) الأخير في نوفمبر 2008، استشرافا للاتجاهات المستقبلية للعالم في 2025، تحت عنوان فرعي "عالم متحول"، فاليوم يتجه النظام العالمي لطبيعة أكثر تعقيدا هي التي ستضمن نجاح عملية "الاغتصاب"، بل وستوفر قدر من المتعة للمغتَصَبة مصر. هذا النظام العالمي في ظل الهيمنة الصهيو- غربية، سيدعم اغتصاب السلطة في مصر، لصالحه أساسا. وسيتم هذا عن طريق ضخ مزيد من المنح لتستحوذ عليها أو ترتشي بها أقرب حلقات السلطة قربا من قصر مصر الجديدة. بالإضافة إلى مزيد من تدفقات الاستثمار الخارجي تصب في مصلحة الحلقات التالية قربا من القصر. وبالإضافة إلى بعض المشروعات التنموية قصيرة الأجل ومشروعات تجميل وجه الخدمات الأساسية، تنال حظ "مقاولاتها" الحلقات الأبعد قليلا عن سور القصر الرئاسي. وبالطبع سيلزم "إلقاء عظمة للشعب"، على صورة بعض الأعمال الخيرية على غرار رحلات "الألف قرية الأكثر فقرا" الذي يقوم مبارك الإبن بها حتى يضمن عدم اشتعال الرماد من تحت النار حين يحين موعد الاغتصاب، غضبة لشرف أو صرخة من جوع.

هذا النظام العالمي الجديد هو الذي سيضمن إخراج عملية الاغتصاب على أنها أجمل حفل زفاف شهدته مصر والعالم، طالما كانت لصالحه. إن هذا العالم الجاري ولادته، طبقا للتقرير الأمريكي عن مستقبل العالم 2025، يتميز بأنه في الوقت الذي تتضاءل فيه سلطة الدولة، تتعاظم قوة المؤسسات خارج نظامها من قوى رجال أعمال، وجماعات دينية، وقوى قبلية، ومنظمات غير حكومية، وحتى شبكات الجريمة غير المنظمة. وقد لايلاحظ الكثير أنه خلال العامين الماضيين عقد المخططون لعملية الاغتصاب صفقة انتخابية مع الجماعات الصوفية، وهاهو البابا شنودة يعلن تحالف "جماعته الدينية" مع مشروع الاغتصاب، وهاهي روائح الطبخة مع الإخوان المسلمبن قد فاحت. وها نحن نرى سعي مبارك الإبن إلى التحالف مع "قبائل" النوبة، وغدا ربما يسعى لقبائل غرب مصر في الواحات ومرسى مطروح وسيوه. وطبعا فإن تحالف رجال الأعمال الجدد هو أول الجماعات خارج نظام الدولة التي تقف مع مشروع اغتصاب مصر.
أما دعم النظام العالمي لهذا المشروع، فهو رهن بنجاح التحالفات الداخلية التي يسعى النظام المحلي وراءها، نجاح يضمن الرضوخ التام للمصالح الصهيو- غربية في صراعها الشرس والقادم مع القوى العالمية الناشئة في الصين والهند، والعائدة في روسيا. هذا الصراع الجيوسياسي هو أساسا على الموارد المعروفة في المنطقة العربية - الشرق أوسطية، وعلى موقعها الجغرافي الذي يشكل "رمانة الميزان" للعالم والمعروفة جيوسياسيا بأوراسيا. ولا شك أن النظام الحالي لمبارك الأب قد قدم أوراق اعتماد أكثر من كافية لدعم مصالح المشروع الصهيو-غربي بدءا من احتلال العراق وتدمير لبنان- حزب الله، وذبح غزة، والعداء المتصاعد مع إيران.

تلك هي المقومات والدعائم والمصالح الجيوسياسية للخارج والتي تدعم نجاح عملية اغتصاب مصر، أما الداخل فيكفيه، بالمقاييس العالمية، قطعة جاتوة لعصابة السلطة، وعضمة للشعب المغلوب على أمره. شعب شهد أول وآخر ثورة شعبية له بقيادة "إيبوير" السحيقة البعد في أوائل العصر الفرعوني!

1 نوفمبر 2009

نـامَت نواطِـيرُ مِصـرٍ عَـن ثَعالِبِهـا فقــد بَشِــمْنَ ومـا تَفْنـى العنـاقيدُ ..
المتنبي

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية