مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 مستقبليات: اتجاهات عالمية 2025 - الجـزء الرابع والأخير
...............................................................

 بقلم : مسعد غنيم
....................


عالم متحول في 2025

 

علم المستقبليات

 

هذا هو الجزء الرابع والأخير من سلسلة مقالات عن أحد أهم نتائج علم المستقبليات، ممثلا في تقرير مجلس المخابرات القومي الأمريكي (NIC) الأخير (نوفمبر 2008)، استشرافا للاتجاهات المستقبلية للعالم في 2025، تحت عنوان فرعي "عالم متحول". والتقرير لايتنبأ بشكل المستقبل بقدر ما يهدف إلى تحفيز التفكير الاستراتيجي حول المستقبل بالتعرف على الاتجاهات الرئيسة، والعوامل التي تشكل دوافعها، وإلى أين تتجه، وكيف يمكن أن تتفاعل.

في الأجزاء الثلاث الأولى من هذه السلسلة تم تقديم ستة محاور وردت في الملخص التنفيذي للتقرير الأمريكي، من أصل تسعة محاور. حيث تم تقديم المحور الأول (النظام العالمي)، والثاني (النمو الاقتصادي)، ومن الثالث إلى السادس ( أجندة جديدة عابرة للقوميات – التغير المناخي – التكنولوجيات الجديدة – توقعات الإرهاب والصراع الدولي). وفي عقب تقديم كل محور تم تطبيق المفاهيم المستقاة منه على حالة مستقبل مصر، في استقراء انطباعي للتقرير لايرقي للدراسة الأكاديمة بالطبع، ولكنه يكفي – في ضوء نتائج التقرير وما تمثله من جهد علمي موثق – للفهم على مستوى القارئ الغير متخصص من أمثالنا. وفي هذا المقال سيتم تقديم المحاور من السابع إلى التاسع والأخير من الملخص التنفيذي للتقرير، كما سيتم تطبيق نتائج كل محور على الحالة المصرية .

المحور السابع: نظام عالمي أكثر تعقيدا

يؤكد التقرير أن الاتجاه نحو تسرب وانتشار أكثر للسلطة والقوة، الأمر الذي يحدث على مدى عقدين من الزمان، يبدو أنه سوف يزيد تسارعا بسبب ظهور لاعبين عالميين جدد، وبسبب العجز بالمؤسسات، بالإضافة إلى التوسع المحتمل للتكتلات الإقليمية، وكذا النمو الحاصل في قوة اللاعبين وشبكات المصالح خارج إطار الدولة. إن تعدد اللاعبين على المسرح العالمي يمكن أن يضيف قوة – بمعنى ملئ الفجوات الناشئة عن تقادم مؤسسات مابعد الحرب العالمية الثانية، مثل الأمم المتحدة – أو أن يزيد من تشظي النظام العالمي ويحد من قدرة التعاون الدولي. إن التنوع في نوعية اللاعب الدولي ستعلى من إمكانية التشظي التي ستحدث خلال العقدين القادمين، خاصة مع المصفوفة العريضة من التحديات العابرة للقوميات والتي تواجه المجتمع الدولي.

ويؤكد التقرير أن القوى الصاعدة المكونة من كل من الصين وروسيا والهند والبرازيل (BRIC) من غير المحتمل أن تتحدى النظام العالمي كما فعلت ألمانيا واليابان في القرن 19 والقرن الـ 20، ولكن بسبب نمو فاعليتهم الجيوسياسية والاقتصادية، سوف يكون لديهم درجة عالية من الحرية في تكييف سياساتهم السياسية والاقتصادية بدلا من تبني المعايير الغربية كاملة. ومن المرجح أيضا أن تلك القوى سوف تحافظ على حرية سياساتها في المناورة، بما يسمح للأخرين أن يتحملوا الحمل الأساسي في التعامل مع موضوعات مثل الإرهاب والتغير المناخي وانتشار الأسلحة النووية وتأمين الطاقة.

ويضيف التقرير أن المؤسسات الدولية الموجودة حاليا، ضخمة ومترهلة، وتم تصميمها من أجل نظام جيوسياسي مختلف، وهي سوف تواجه صعوبة في التأقلم سريعا لتنفيذ مهام جديدة، أو لموائمة العضوية المتغيرة للدول الأعضاء، أو أن تدعم مواردها.

وأن المنظمات غير الحكومية (NGOs) – بالتركيز على موضوعات بعينها – سوف تكون باطراد جزءا من المشهد العالمي، ولكن شبكات تلك المنظمات من المرجح أن تكون محدودة في قدرتها على إحداث تغيير في غياب جهود صلبة من قبل المؤسسات المتعددة الأطراف وكذا الحكومات. إن جهودا بدرجة شمولية أكثر – لكي تعكس مدى ظهور القوى الجديدة – يمكن أن تجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للمنظمات الدولية كي تتعامل مع التحديات العابرة للقوميات. إن احترام وجهات النظر المتعارضة للدول الأعضاء سوف يستمر في تشكيل أجندة المنظمات وفي الحد من الوصول إلى حلول يمكن تجربتها.

يتوقع التقرير أن التوجه الإقليمي الآسيوي الكبير – المحتمل اكتماله بحلول 2025 – سوف يكون له أصداء عالمية، بما سيولد أو يقوي الاتجاه نحو تشكيل ثلاث تجمعات تجارية ومالية يمكن أن تصبح تكتلات متوازية: أمريكا الشمالية، وأوروبا، وشرق آسيا. إن إنشاء مثل تلك التكتلات الموازية سوف يكون له إنعكاسات على القدرة على إنجاز اتفاقيات مستقبلية لمنظمة التجارة العالمية (WTO). ويمكن للتجمعات الإقليمية أن تتنافس في وضع معايير إنتاج عابرة للأقاليم في مجال تكنولوجيا المعلومات، والبيولوجيا الحيوية، والنانوتكنولوجي، وحقوق الملكية الفكرية، والموضوعات الأخرى لـ" الاقتصاد الجديد." ومن ناحية أخرى، فإن غياب تعاون إقليمي في آسيا يمكن أن يساعد في اشتعال منافسة بين الصين والهند واليابان حول موارد مثل الطاقة.

ويضيف التقرير أن هناك عامل داخلي في التعقد المتنامي للأدوار المتداخلة للدول، والمؤسسات، واللاعبين خارج نظام الدول، وهذا العامل هو ذوبان أو امتزاج الهويات السياسية، الأمر الذي يؤدي لتكوين شبكات جديدة ومجتمعات يعاد اكتشافها. وليس من المتوقع أن تهيمن هوية سياسية واحدة في معظم المجتمعات بحلول عام 2025. ومن المحتمل أن الشبكات ذات الأصل الديني، ستصبح شبكات الموضوعات الجوهرية وبصفة عامة يمكن أن تلعب دورا أقوى في عديد من الموضوعات العابرة للقوميات مثل البيئة أو عدم المساواة، هذا مقارنة بالمجموعات العلمانية.

مستقبل مصر في ظل نظام عالمي أكثر تعقيدا

في ضوء ذلك المحور، فإن مصر لاناقة لها ولاجمل فيما يخص التكتل الآسيوي وظهور قوى عالمية جديدة. هذا بينما نجد أن المنظمات غير الحكومية كما تم تحليل دورها في التقرير، تمثل واقعا حاضرا في مصر بالفعل، ولكن للآسف، فإن دورها في الحالة المصرية يكاد يكون غير وطنيا بالمرة. فمن المنشور في الإعلام والإنترنت، نعرف أن المنظمات غير الحكومية في مصر يتم تمويلها من الخارج في معظمها وفي المعلوم منها، حيث أنه عندما انقطع الجزء الأمريكي من تمويلها بعد الأزمة الاقتصادية الحالية (2009)، انكشفت قدرتها على النشاط وعلى تفسير الثراء الفاحش الذي هبط على مؤسسيها والعاملين بها، وبدا أنه مهدد بعد انقطاع التمويل. والحال هكذا، فإن معظم تلك الجمعيات ليس بعيدا عن الشك في تنفيذه لأجندات غير وطنية.

إن جمعيات بهذه المواصفات لايعول عليها في تصور فعل إيجابي لمستقبل مصر، والعكس أقرب للواقع، فهي في معظمها تنفذ أجندات مبرمجة ومؤدلجة تعمل لإقصاء مصر عن مستقبلها. مثلا، فتلك الجمعيات، فكرا وتوجها أو توجيها، ترفض ما تمثلة الحقبة الناصرية جملة وتفصيلا، فقط لتأكيد انصياعها للأجندة الغربية في التوجه الليبرالي في الاقتصاد والسياسة، فأسقطت مع هذا التوجه كل قيم الوطنية التي ميزت الحقبة الناصرية، قيم صنعت لمصر قوتها الجيوسياسية في باندونج على سبيل المثال. وذلك يتسق منطقيا مع المصالح الأمريكية في المنطقة. فمصر الوطنية والقوية والمنتمية إلى محيطها العربي والإقليمي ليست بالضرورة حليفا للمصالح الأمريكية، هذا إن لم تكن حائلا أو مانعا لها في حال ثبوت المصلحة الوطنية، ولعل انحياز مصر للجانب الإسرائيلي، أو على الأقل حيادها، أثناء عدوانه على غزة 2008، والتصعيد المستمر وغير المبرر تجاه الجار التاريخي إيران، مثالان صارخان لاستبدال المصالح الأمريكية-الإسرائيلية الواضحة، بالمصالح المصرية العليا على المدى الطويل، لأنه من الواضح، طبقا للتقرير الذي بين أيدينا في هذا المحور، فإن نظام العالم يتعقد أكثر فأكثر بعيدا عن انفراد الولايات المتحدة بالقوة والهيمنة.

إلى جانب ذلك السيل من الجمعيات غير الأهلية، هناك في مصر الآن المؤسسات التعليمية التي تمثل مراكز القوى العالمية بنسب واضحة، فلدينا الآن إلى جانب الجامعة الأمريكية، الجامعة الألمانية والفرنسية والكندية و...الباب مازال مفتوحا على مصراعيه لتدفقات الثقافة الغربية، وفي نفس الوقت مغلقا في وجه أي توجه وطني، بتأكيد غيبة الوعي والتخطيط للحفاظ على الثقافة الوطنية، مع تفعيل نشاط مواز لتقزيم وتشوية وتعجيز منظومة التعليم في مصر.

من أهم نقاط هذا المحور هو تركيز التقرير على دور الشبكات ذات المرجعية الدينية في تشكيل مستقبل النظام العالمي. وهنا تكاد تنطبق نتائج التقرير على الحالة المصرية، إن لم تكن بالفعل مصر هي المقصودة بذلك بشكل أو بآخر. فتنظيم الإخوان المسلمين هو تنظيم مصري الأصل والنشاة منذ أكثر من نصف قرن، وأصبح الآن تنطيما عابرا للقوميات بحسب تعبير هذا التقرير، ومع الإقرار بقوة أي تنظيمات دينية إسلامية أخرى، شرقا أو غربا، فإن الأخوان المسلمين، سواء كانوا ضالعين في التورط في المخططات الاستعمارية بدءا بالمخابرات البريطانية، وانتهاء بالمخابرات المركزية الأمريكية، أو كانوا مخلصين لما يدعونه حقا، فهم قوة فعلية على أرض الواقع، لم تتح لهم أبدا فرصة الفعل لنحكم على حقيقة توجهاتهم. فهل ستتاح لهم الفرصة الآن، مع كل الإرهاصات والبروباجندا والتفاعلات على الساحة المصرية الآن تمهيدا لمسرح لعبة الانتخابات الرئاسية القادمة في 2011، في صراعهم مع النظام القائم بمشروعه الجاري للتوريث؟

إن النظام المصري الوارث شكلا لثورة 52 منذ 1970 بوفاة جمال عبد الناصر، قد أثبت ولاؤه وإخلاصه للمصالح الأمريكية، والإسرائيلية بالتبعية، فهل وصلت قوة الأخوان المسلمين في عرف معدي التقرير إلى الحد الذي يجعلهم مرشحون لتمثيل تلك الشبكات الدينية التي اعتبرها التقرير جزءا أساسيا من تشكيلة النظام العالمي الجديد الأكثر تعقيدا، وبالتالي تتيح الولايات المتحدة لهم فرصة الحكم لأول مرة؟ أم سيبقى دور الأخوان المسلمون كما هو، فزاعة في الحد الأدنى، وحكومة ظل على الأكثر؟. ليس هناك من المؤشرات ما يكفي لترجيح أي من الاحتمالين، فيما أظن طبعا.

المحور الثامن: الولايات المتحدة، قوة أقل هيمنة

يتنبأ التقرير أنه بحلول عام 2025 ستجد الولايات المتحدة نفسها واحدة من عدد من اللاعبين المهمين على المسرح العالمي، وإن تكن القوة الأعظم. وحتى في المجال العسكري، حيث ستظل الولايات المتحدة تمتلك مميزات معتبرة في عام 2025، فإن التقدم الذي يحرزة الآخرون في العلم والتكنولوجيا، وفي التبني المتزايد لتكتيكات الحرب غير التقليدية بمعرفة كل من الدول واللاعبين خارج نظم الدولة، وفي انتشار الأسلحة الدقيقة والبعيدة المدى، وفي نمو استخدام هجمات الحرب السيبرناطيقية، كل ذلك سوف يقيد من حرية الولايات المتحدة في التصرف. إن دورا أكثر تقَّيدا للولايات المتحدة سيكون له انعكاسات على الأخرين وعلى مدى كفاءة التعامل مع مشاكل الأجندة العالمية الجديدة.

ويضيف أنه بالرغم من تزايد الشعور العدائي للولايات المتحدة، فسوف يتم الاستمرار في اعتبارها قوة موازنة يُحْتاج إليها بشدة في الشرق الأوسط وآسيا. وسوف يتم الاستمرار في توقع أن تلعب الولايات المتحدة دورا هاما في استخدا م قوتها العسكرية لمواجهة الإرهاب العالمي. وبشأن موضوعات الأمن الجديدة مثل التغير المناخي، فإن قيادة الولايات المتحدة سوف يتم النظر إليها بدرجة كبيرة على أنها هامة لترجيح وجهات النظر المتنافسة والمنقسمة من أجل إيجاد الحلول.

ويؤكد التقرير أنه في نفس الوقت فإن تعدد الأقطاب المؤثرة، وانعدام الثقة في القوى العظمى، يعنيان أن هناك فرص أقل للولايات المتحدة في حسم المشاكل الدولية بدون دعم شراكات قوية، وأن التطورات في باقي دول العالم، شاملة التطورات الداخلية في عدد من الدول الهامة – خاصة الصين وروسيا – من المرجح أيضا أن تكون من المحددات الهامة لسياسة الولايات المتحدة.

 

مستقبل مصر في ضوء الأجندة الجديدة

 

مستقبل مصر في ظل وضع الولايات المتحدة كقوة أقل هيمنة
بتأكيده أن أمريكا ستصبح قوة أقل هيمنة، فالتقرير هنا يؤكد قصر نظر وخطأ التوجه الاستراتيجي الذي أطلقه السادات في قولته الشهيرة: " أن 99 % من أرواق اللعب في يد أمريكا"، كما يؤكد صحة رأي التيار العام من الوطنيين المصريين في رفض ذلك التوجه منذ البداية. لقد قام النظام المباركي، ليس فقط بالالتزام بالتوجه الساداتي، بل بالمضي به إلى أبعاد أكثر تبعية وصلت، عربيا، حتى مستوى "التنسيق" مع العدو الصهيوني أثناء عدوانه على غزة، كما أنه يوغل، إقليميا، في عدائه لإيران لحساب إسرائيل مباشرة، بينما يبدو مشدوها أمام التحركات التركية في بنائها لتحالفات إقليمية مع سوريا وإيران وحتى أرمينيا.

هذا المشهد الإقليمي – العالمي تشكل موسكو خلفيته الطبيعية في الشمال بجدارة وبقوة، ولاتغيب عنه بكين في الشرق أبدا. ورغم ذلك تبدو كل من موسكو وبكين أبعد كثيرا من واشنطن في عرف القاهرة التي ما زالت ترى أن 99 % من أوراق اللعبة بيد أمريكا. ومن ناحية أخرى يجد النظام المصري نفسه "تائها" في إفريقيا إلى حد تهديد موارد مصر من النيل، بينما تزداد الذراع الإسرائيلية فيها قوة وامتدادا كل يوم. فهل يمكن للنظام الحالي أن يقوم بتصحيح ذلك التوجه الذي ثبت خطؤه وقصر نظره؟ إن هذا في حكم غير المرجح، بل ويبدو مستحيلا مع نظام شاخ وأصابه العجز المادي والنفسي، وأصبح كل مايرى من همه هو توريث الحكم جينيا، في شكل يمثل أدنى محركات الفعل الإنساني في مطلع الألفية الثالثة، شكل يعود بنا إلى الغرائز الحيوانية الأساسية، ويمثل منتهى التخلف بالمعايير البشرية في التطور والارتقاء.

لا أعتقد أن يقوم النظام المرشح للوراثة بتغيير مسار هو نفسه أكبر مؤهلات الحكم الحالي والجاري توريثه بكل مواصفاته الجينية والجيوسياسية. والخلاصة أن من المرجح أن تظل بوصلة مصر الجيوسياسية على انحرافها غربا، ضد كل شواهد المنطق، ورياح التغيير التي جعلت الولايات المتحدة قوة أقل هيمنة.

المحور الثامن: عام 2025 – أي نوع من المستقبل؟

يتوقع التقرير أن الاتجاهات السابقة ترجح حدوث اضطرابات كبرى وعدم استقرار، وصدمات، ومفاجآت، مثل استخدام الأسلحة النووية أو انتشار الأوبئة عالميا. وفي بعض الحالات، فإن عامل المفاجأة يكمن فقط في التوقيت: فالتحول في الطاقة، على سبيل المثال هو أمر لايمكن تفاديه؛ والسؤال الوحيد هو متى، وكيف سيتم هذا التحول ما بين المفاجئة والتدرج. إن التحول في مصادر الطاقة من من نوع واحد من الوقود (الوقود الأحفوري) إلى آخر (بديل) هو حدث تم تاريخيا مرة واحدة في القرن على الأكثر، وكان له تبعات ضخمة. إن التحول من الخشب إلى الفحم قد أطلق الثورة الصناعية. وفي تلك الحالة، فإن التحول – خاصة النوع المفاجئ – عن الوقود الأحفوري سوف يكون له ارتدادات على منتجي الطاقة في الشرق الأوسط وأوراسيا، مسببا على الأرجح، انحدارا مستمرا في بعض دول تمثل قوى عالمية أو إقليمية.

ويضيف التقرير أن حدوث اضطرابات أخرى أمر أقل توقعا، ومن المرجح أن تنتج عن تفاعل اتجاهات عديدة وتعتمد على نوعية القيادات. ويضع معدو التقرير في اعتبارهم بعض من عدم اليقين مثل عما إذا كان ممكنا أن تصبح الصين أو روسيا ديمقراطية في هذا المقام. إن الطبقة المتوسطة المتنامية في الصين تزيد من فرص ذلك، ولكنها لا تضمن أن يكون مثل ذلك التطور حتميا. بينما تبدو أن التعددية السياسية غير مرجحة في روسيا في غياب التعددية الاقتصادية. ويمكن للضغط من أسفل أن يحرك الموضوع، أو أن زعيما يمكن أن يبدأ أو أن يحسن العملية الديموقراطية للحفاظ على استدامة الاقتصاد أو تحفيز النمو الاقتصادي.

ويؤكد التقرير أن انبعاجا أو زيادة دائمة في أسعار البترول والغاز يمكن أن يغير الشكل العام وأن يزيد من التوقعات لمزيد من التحرر الاقتصادي والسياسي في روسيا. ولو أن لأي من البلدين أن تتحول للديموقراطية، فإنها ستقدم موجة أخرى من الدمقرطة بمعنى عريض، كقدوة لعدد من الدول النامية الأخرى.

ومن قبيل عدم اليقين أيضا، نتائج التحديات الديموجرافية التي تواجه أوروبا واليابان وحتى روسيا. وليس في أي من تلك الحالات يجب أن تتنبأ الديموجرافيا بأن مصيرا أقل قوة أقليميا وعالميا، هو نتيجة لايمكن تفاديها. إن مواضيعا مثل التكنولوجيا، والدور الذي تلعبه الهجرة، وتحسين الصحة العامة، وقوانين تشجيع مشاركة نسائية أكثر في الاقتصاد، هي بعض من المعايير التي يمكن أن تغير مسار الاتجاهات الحالية التي تشير إلى نمو اقتصادي أقل، و زيادة التوترات الاجتماعية، ونكماش محتمل (الأمر الذي حدث بالفعل مع انهيار سوق المال العالمي ودخول الاقتصاد العالمي في كساد بأواخر 2008 وحتى الآن).

ويوضح التقرير أن المؤسسات العالمية سواء استطاعت أن تتأقلم أو تتجدد – موضوع آخر غير مؤكد – فهذا أيضا أمر وظيفي للقيادة. ترجح التوجهات الحالية أن تشتتا للقوة والسلطة سوف يخلق نقصا عالميا في الحكم الرشيد. ويتطلب عكس خطوط تلك الاتجاهات قيادات قوية في المجتمع الدولي بواسطة عدد من القوى، شاملة تلك الناشئة.

وسيكون هناك نتائج أكبر لبعض موضوعات لايقينية - في حال حدوثها – أكثر من غيرها. ويؤكد معدو التقرير على الاحتمالات الكبيرة لصراعات أكبر، قد تهدد بعض من أشكالها العولمة الحالية، ويضعون الإرهاب بأسلحة الدمار الشامل، وسباقا التسلح النووي بالشرق الأوسط في هذا الصنف. وقد تم مناقشة أهم الموضوعات اللايقينية، وكذا أثارها المحتملة وتم تلخيصها في نهاية هذا المقال (ملحق 1).

وقد ركز معدو التقرير من خلال أربعة سيناريوهات متخيلة على التحديات الجديدة والتي يمكن أن تنشأ نتيجة للتحولات العالمية الجارية. كما عرضوا أوضاعا جديدة، ومعضلات، أو مآزق تمثل انتقالا من التطورات الحالية. ثم أوضحوا أن ذلك، كمجموعة أوجه للدراسة، لاتغطي كل المستقبليات المحتملة، وأكدوا أن لا واحدا من تلك المستقبليات المحتملة يمثل أمرا لا مفر منه أو حتى أنه محتمل بالضرورة؛ ولكن، وكمثل الموضوعات اللايقينية الأخرى، فإن تلك السيناريوهات هي لعبة متغيرات محتملة. وتتلخص عناوين تلك السيناريوهات فيما يلي:

1. في عالم بدون الغرب، حيث ستحل القوى الجديدة محل الغرب في كقادة على المسرح العالمي.

2. توضح مفاجأة أكتوبر أثر تغير المناخ العالمي الغير منتبه له؛ والآثار الكبرى الغير متوقعة ستحد من مدى الاختيارات للعالم.

3. في حال فشل مجموعة (BRICs) (الصين – الهند – البرازيل – روسيا) في إحراز السبق على الغرب، فسوف تنشأ الصراعات على الموارد الحيوية، كمصدر للنزاع بين القوى العظمى – في هذه الحالة قوتان ناشئتان من الوزن الثقيل – الهند والصين.

4. في حال أن السياسة ليست دائما محلية، ستظهر الشبكات خارج نظم الدولة لتضع الأجندة العالمية في شئون البيئة والحكومات الغاربة.
مستقبل مصر عام 2025 – أي نوع من المستقبل؟
يمكن الاكتفاء بما تم تصوره لمستقبل مصر على المحاور السبعة السابقة، حيث أن هذا المحور يمثل خلاصتها جميعا، ويمكن للقارئ الكريم أن يتستنتج بنفسه الصورة الجزئية لمصر في إطار الصورة الكلية للعالم كما يتصوره التقرير بحلول 2025، مع كل موضوع من الموضوعات الـ 13 في الملخص الموضح بالملحق التالي.

ملحق : ملخص كامل لأهم الموضوعات اللايقينية وآثارها المتوقعة

1. الموضوع: نشوء نظام عالمي جديد مع صعود الصين والهند وآخرين. وأيضا زيادة القوة النسبية لكل من اللاعبين خارج نظم الدول، ومؤسسات الأعمال، والقبائل والمنظمات الدينية، وحتى شبكات الجريمة المنظمة.

الأثر المحتمل: بحلول عام 2025 لن يتواجد "مجتمع دولي" مفرد مكون من دول – أمم. وستكون السلطة موزعة أكثر بين لاعبين جدد، محدثة بذلك قواعد جديدة للعبة، بينما ستزيد المخاطر حتى أن التحالفات الغربية التقليدية سوف تضعف. ويمكن أن تنجذب دول أكثر لنموذج بديل ممثلا في التنمية الصينية، هذا بدلا من تمثل النماذج الغربية للتنمية السياسية والاقتصادية. إن الانتقال الغير مسبوق للثروة والقوة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق تقريبا، سوف يستمر. وبينما تستثمر بعض الدول أكثر في قوتها الاقتصادية البشرية، يمكن أن تزداد الحوافز تجاه الاستقرار الجيوسياسي. ومع كل، فإن هذا التحول يزيد من قوة دول مثل روسيا التي تريد تحدى النظام الغربي.

2. الموضوع: تظل الولايات المتحدة منفردة البلد الأكثر قوة ولكن تبقى أقل هيمنة

الأثر المحتمل: من المحتمل أن انكماش القوى الاقتصادية والعسكرية يمكن أن تدفع الولايات المتحدة إلى مجموعة صعبة من الخيارات بين الأولويات الداخلية مقابل الخارجية.

3. الموضوع: النمو الاقتصادي والعسكري المستمر - بالإضافة إلى زيادة سكانية محتملة بمقدار 1.2 مليار نسمة بحلول 2025 – سوف تضع ضغوطا على موارد الطاقة والغذاء والمياة.

الأثر المحتمل: سوف يصبح معدل الإبداع التكنولوجي هو المفتاح للنتائج في تلك الفترة. إن كل التكنولوجيات الحالية غير كافية لاستبدال بنية الطاقة التقليدية بالقدر المطلوب.

4. الموضوع: سيقل عدد الدول ذات نسبة الشباب العالية في "قوس عدم الاستقرار"، ولكن السكان في عدد من الدول ذات الزيادة في نسب الشباب مرشحة لتبقى على مسارات نمو سريعة.

الأثر المحتمل: مالم تتحسن ظروف التوظيف بشكل كبير في الدول ذات نسب الشباب العالية، مثل أفغانستان ونيجيريا وباكستان واليمن، فإن تلك الدول ستبقى بيئة مناسبة لعدم الاستقرار ولفشل الدولة. وستزداد احتمالات الصدام نتيجة لتغيرات سريعة في أجزاء من الشرق الأوسط الكبير ولانتشار القدرات المميتة. وسوف تزداد الحاجة إلى الولايات المتحدة لتلعب دور اتزان في الشرق الأوسط، بالرغم من أن قوى أخرى – روسيا والصين والهند – سوف تلعب أدوارا أكبر من اليوم.

5. الموضوع: من غير المرجح أن تختفي الهجمات الإرهابية بحلول 2025، ولكن إغرائها قد يكون أقل إذا استمر النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط، وإذا تم خفض معدلات البطالة. وسوف يضع تسرب التكنولوجيا إمكانيات خطيرة في متناول الإرهابيين النشطاء.

الأثر المحتمل: سوف تزداد فرص الخسائر البشرية الضخمة باستخدام أسلحة كيماوية وبيولوجية وبنسبة أقل، الأسلحة النووية، وذلك مع تسرب التكنولوجيا، وتوسع برامج القوة النووية (ومحتمل أسلحة أيضا.) وسوف تتعاظم النتائج العملية والنفسية لمثل تلك الهجمات في عالم يوغل في العولمة.

6. الموضوع: عما إذا كانت الفترة الانتقالية للطاقة بعيدا عن البترول والغاز – مدعومة بأساليب تخزين طاقة محسنة، والوقود الحيوي والفحم النظيف – ستتم خلال الفترة الزمنية حتى 2025.

الأثر المحتمل: مع أسعار مرتفعة للبترول والغاز، سوف يتمكن كبار المصدرين مثل روسيا وإيران من رفع مستويات قوتهم الوطنية بشكل ملموس، ومع الاقتراب المحتمل لمقاربة الناتج المحلي الإجمالي لروسيا لنظيره البريطاني والفرنسي. إن انخفاضا مستداما في الأسعار، ربما مصحوبا ومدعوما بتحول أساسي نحو مصادر جديدة للطاقة، يمكن أن يسبب تراجعا طويل المدى للمنتجين بصفتهم لاعبين إقليميين أو عالميين.

7. الموضوع: بأي سرعة يحدث التغير المناخي وفي أي مواقع سيكون أشد تأثيرا

الأثر المحتمل: من المرجح أن يعجل التغير المناخي من ندرة الموارد، خاصة ندرة المياه.

8. الموضوع: عما إذا كان المذهب التجاري سيؤذن بالعودة وأن الأسواق العالمية سوف تتراجع

الأثر المحتمل: إن الانغماس في عالم من قومية الموارد يزيد من مخاطر المواجهة بين القوى العظمى

9. الموضوع: عما إذا كان التقدم تجاه الديموقراطية سيحدث في كل من الصين وروسيا

الأثر المحتمل: في روسيا، تبدو التعددية السياسية أقل ترجيحا مع غياب التنوع الاقتصادي. وفي الصين، فإن نمو الطبقة المتوسطة يزيد من فرص التحرر السياسي مع اتجاه قومي أكبر محتمل.

10. الموضوع: عما إذا كانت المخاوف من إيران المسلحة نوويا ستطلق سباقا للتسلح وعسكرة أكبر.

الأثر المحتمل: إن دورات من الصدامات المنخفضة الشدة والإرهاب، تأخذ مجراها تحت مظلة نووية، يمكن أن تؤدي إلى تصعيد غير مقصود وإلى صراعات أوسع.

11. الموضوع: عما إذا أصبح الشرق الأوسط الكبير أكثر استقرارا، وخاصة عما إذا كان العراق سيستقر، وعما إذا كان الصراع العربي الإسرائيلي سيتم حله سلميا

الأثر المحتمل: من المرجح أن تزيد القلاقل في معظم السيناريوهات. ويمكن لإحياء النمو الاقتصادي، وعودة الرخاء للعراق، وحل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، أن يبعث بعض من الاستقرار بينما يتعامل الإقليم مع إيران الآخذة في الاستقواء، وتحول عالمي عن البترول والغاز.
 
12. الموضوع: عما إذا تغلبت كل من أوروبا واليابان على التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تسببت فيها الديموجرافيا أو صاحبتها.

الأثر المحتمل: يمكن لاندماج ناجح للأقليات المسلمة في أوروبا أن يوسع من حجم قوة العمل وأن يتجنب الأزمات الاجتماعية. إن نقص الجهود من قبل أوروبا واليابان للتخفيف من التحديات الديموجرافية يمكن أن يؤدي إلى اضمحلال طويل المدى.

13. الموضوع: عما إذا عملت القوى العالمية مع المؤسسات المتعددة الأطراف لتوفيق هياكلها وأدائها مع المشهد الجيوسياسي المتحول.

الأثر المحتمل: تظهر القوى العالمية الناشئة معارضة باتجاه المؤسسات العالمية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، ولكن ذلك الموقف يمكن أن يتغير عندما تصير تلك القوى من اللاعبين الكبار على المسرح العالمي. وقد يؤدي التكامل الآسيوي إلى ظهور مؤسسات إقليمية قوية. وسيواجه حلف الناتو تحديات صلبة في تصديه للمسئوليات خارج المنطقة مع إمكانيات عسكرية متناقصة. وسوف تضعف التحالفات التقليدية.

الخاتمة
كان هذا هو الجزء الرابع والأخير من الملخص التنفيذي لتقرير مجلس المخابرات القومي الأمريكي (NIC) الأخير (نوفمبر 2008)، استشرافا للاتجاهات المستقبلية للعالم في 2025، تحت عنوان فرعي "عالم متحول"، مع بيان مدى انطباق نتائج التقرير على مستقبل مصر 2025.
وبعد أن تم التعرف على نتائج تطبيقات علوم المستقبليات من خلال قراءة الرؤية الأمريكية لمستقبل العالم 2025، حاولنا خلالها تصور موقع مصر في تلك الرؤية وبناء عليها، فمن المنطقي، بل ومن الضروري، أن نستكمل أوجه النظر بقراءة الرؤية المصرية لمستقبل مصر 2025، خاصة الرسمية منها والصادرة من مركز معلومات مجلس الوزراء في 2008 أيضا، فإلى لقاء.

30 أكتوبر 2009

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية