مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 عمرو خالد وكنز حائط البراق "المبكى"
...............................................................

مســـــعد غـنـــيـم
.............................


أنا لا أشاهد ولا أقرأ للـ "الداعية" النجم عمرو خالد لأسباب أراها وجيهة، وبداية فإني لست متخصصا حتى أعلق على ما جاء بمقاله فى جريدة الدستورمن فكر وتفسير أو تأويل ديني، ولعلي أقتبس منهج الأستاذ فهمي هويدي في التعليق على مقال للشيخ القرضاوي - مع الفارق طبعا في شخص الناقد وشخص الداعية - وأقول بأنني "لست في صدد مناقشة المعاني التي أراد توصيلها الداعية الشاب بقدر عنايتي بمنهجه في التوصيل، كما أنني لا أشكك في أن ما صدر عن الداعية الشاب كان مبعثه الإيمان بدينه والدعوة لخير الناس، لكننا نعرف جيداً أن صدق النية ونبل الهدف لا يغطيان الآثار السلبية التي تترتب علي كلامه، لأن العبرة بالمآلات وليست بالنيات". وقد صادفت مؤخرا إحدى الأكاديميات المصريات المميزات تحدثت عنه بانبهار لا يتناسب في نظري مع مكانتها العلمية، حيث أني أرى – وطبعا ربما أكون مخطئا في ذلك - بأنه يخرق المنهج العلمي أحيانا عندما يتحدث باسم العلم أو الدين، وبالتالي تأتي الخطورة من تأثيره السلبي - رغم حسن نيته المفترض - على عقول مريديه من حيث لا يشعرون، وهم قطاع عريض من شباب الأمه يتحداهم في الألفية الثالثة واقع عولمي مخيف يحكمه تنافس شرس لا سبيل للنجاح فيه إلا بالعلم وبالمنهج العلمي.

ثم قادتني المصادفة أن اقرأ مقال في جريدة الدستور بتاريخ 19/9/2008 في الحلقة الثامنة عشرة من سلسلة مقالات تحت عنوان "عمرو خالد فى قصص القرآن"، تناول الداعية الشاب قصة النبي موسى عليه السلام والخضر تحت عنوان " ذهب موسي للخضر وهو يحمل مشكلة أمة فأراه الخضر كيف أن قدر الله يحل كل المشاكل" و كتب في مقدمته الحلقة أنها عن "العلم" الذي سوف يكتسبه النبي موسى من الخضر، وهو مايربط موضوع المقال بالمنهج العلمي الذي يعنينا هنا.

لم أجد عناء في البحث في مقال الداعية لأجد ما يؤيد رأيي في أنه يخرق المنهج العلمي بل وربما أمانة العرض أيضا. وضمانا للحيدة وعدم التأثير على رأي القارئ فسأستعرض بعض الفقرات التي توضح وجهة نظري من نص مقال الداعية، ثم ننظر بمنطق ومنهجية علمية أين اخطأ الداعية من حيث اتباع المنهج العلمي. وقد تعمدت نقل تلك الفقرات كاملة (مع إضافة خط أسفل المعاني التي أركز عليها) لضمان عدم اجتزاء فكر الداعية عن سياق المقال، ولابد أن نفترض أن الكاتب الداعية يعني تماما مايقول ويعرف مواضع كلماته جيدا، لأن عكس ذلك يعفينا من مناقشة الموضوع أصلا.
بين الحتمية والجبر والاختياربشكل عام ومن منظور علمي فإن موضوع مقال الداعية يمكن أن يندرج تحت فرضية الحتمية، وهي فرضية فلسفية تقول ان كل حدث في الكون بما في ذلك إدراك الإنسان و تصرفاته خاضعة لتسلسل منطقي سببي محدد سلفا ضمن سلسلة غير منقطعة من الحوادث التي يؤدي بعضها إلى بعض وفق قوانين محددة ، يؤمن البعض بأنها قوانين الطبيعة من منطلق علمي مادي، في حين يؤمن آخرون من منطلق ديني، بأنها قضاء الله و قدره الذي رسمه للكون و المخلوقات، ومن المنطقي أن نفترض انتماء داعيتنا للاتجاه الأخير. وقد تفرع من هذا مسألة الجبر والاختيار في التاريخ الإسلامي، وهي مسأله فلسفية لم تجد جوابا شافيا بعد، هذا إن وجد، تماما مثلما لا ينتهي الجدل داخل مدرسة المنطلق العلمي المادي بين أنصار الحتمية الذين يدعون أنها فلسفة علمية، وأنصار اللاحتمية الذين ينقدون الحتمية نقدا مريرا من منطلق فلسفة العلم، حيث يصفها إدوارد سعيد المفكر الفلسطيني- الأمريكي بـ"خرافة" الاستمرارية التاريخانية Historicism ، كما صاغ كارل بوبر أحد أهم وأغزر المؤلفين في فلسفة العلم في القرن العشرين مجموعة من الانتقادات المنهجية في كتابه Misθre de l’historicisme حيث اقترح تفنيدا للتاريخانية أو "الحتمية التاريخية" مظهرا أن كل تنبؤ مطلق بالمستقبل مستحيل لأسباب محض منطقية، لأن التاريخ الإنساني في العمق، يجب التفكير فيه كشيء غير قابل للتحديد ،كما أن اللايقين والاحتمال أصبحا عنوان ابستمولوجيا العلم في الكوانتم، الذي شكك بالحتمية وطاردها خارج إطار الفيزياء الحديثة.

وبالقطع فإنه لامجال هنا للخوض في ذلك الجدل، فهناك من هم أهله وأقدر عليه. وإنما سنقرأ مقال الداعية بعين ناقدة معتمدين على الحدس والمنطق العلمي

علم الغيب وعلم الرضا

يقول الداعية:
والعلم الذي يملكه الخضر هو علم الغيب، علم الرضا عن الله –عز وجل-، علم القضاء والقدر وعلم اليقين بأسماء الله الحسنى الثلاثة: العليم، الحكيم، الرحيم. باختصار الخضر تجسيد للغيب، ولقضاء الله – سبحانه وتعالى- وقدره، وسيُريَ الله – عز وجل- موسى – رضي الله عنه- ثلاث قصص في الحياة، فقد اختار الله – عز وجل- لموسى – عليه السلام- أكثر ثلاث قصص تمسنا كبشر: قصة الرزق، وقصة فقد الأحباب، خاصةً الأولاد، وقصة تأخر الرزق بما يحتويه من تأخر الزواج، وتأخر المال ومنال هذا الرزق لأحد آخر - في نظرك- لا يستحقه. فسوف نرى ماذا يحدث في هذه القصص في الجزء الأول؟ ثم نرى كيف يحولها القدر إلى خير في آخر الأمر؟ فإذا كان فرعون قد آذى موسى – عليه السلام- فقدر الله – سبحانه وتعالى- بما به من حكمة وعلم فوق فرعون، أن يعود موسى – عليه السلام- ونفسيته مختلفة بعدما حدث في بني إسرائيل.

وفي موضع آخر يقول:
"أقسم بالله لم تسقط ورقة من شجرة إلا بعلم ولحكمة من الله – عز وجل- فما بالك بإعصار أو بحادثة سير؟ يقول الله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }(الأنعام59)، فلا شيء إلا ويحدث لحكمة من الله وكل حكمة متعلقة بالخير المتلقى، فلا يصدر عن الله الشر أبدًا، وإن بدا لك أن ما يحدث متناقضا أو شرًّا فلا يمكن أن يكون إلا خير، وهذا ما توضحه قصة "موسى – عليه السلام- والخضر"."

إذن نحن بصدد علم الغيب وعلم الرضا! بحسب تعبير الداعية، ماعلينا. الإشكالية هنا هو من أين لنا خضرا آخر يخبرنا كل يوم عما إذا كان ما يحدث أو سيحدث لنا من حوادث هو قضاء نافذ طبقا لعلم الغيب، أو هو أمر جار بحكم قوى الطبيعة أو فعل البشر ويمكن التعامل معه بالإرادة والفعل الإنساني لمنعه أو حتى التخفيف من أثره؟. ودعنا نعيد طرح نفس الأمثلة التي ساقها الداعية في الرزق والإعصار وحادثة السير.

لا...ليست مجرد وجهة نظر

عن الرزق، إذا كانت قلة رزق غالبية الشعب المصري بسبب نقص فيضان النيل مثلا، فإن المعنى المباشر لكلام الداعية هو أن هذا قضاء الله ولا راد له، وعلينا الصبر والرضا طبقا لأصول علم الرضا!؛ ولكن العلم الحديث له رأي آخر في علم الرضا هذا، فالإيمان بقدرة الله وقضائة أمر مسلم به لدى المؤمنين، ولكننا لا نعرف بالتأكيد إن كان مايحل بنا هو قضاء الله النهائي والنافذ أم هو أسباب طبيعية أو بشرية يمكن التعامل معها لمنع وقوع المصائب او للتخفيف منها. أرسل الله الخضر للنبي موسي ليخبره بالغيب، بمشيئة الله مسبقا حيث منع الخضر النبي موسى من التدخل بالـ "الفعل البشري" عندما أبدا اعتراضه، لأن أمر الله نافذ. كان هذا درسا خصوصيا للنبي موسى ليكمل رسالته، ولكن الله لايرسل لنا كل يوم خضرا ليخبرنا بالغيب حتى نفرق بين أمر الله النافذ فنرضى به، وحوادث الكون التي أمرنا الله أن نتفكر فيها ونرى ماذا يمكن أن نفعله حيالها.

بالنظر في كتاب الكون الذي خلقه الله بقوانين فيزيائية يكتشف العلماء المزيد منها كل يوم – والشر بره وبعيد عننا - ، وبهذا العلم يمكن لإرادة الإنسان أن تتعامل مع القوى الطبيعية. على سبيل المثال، وللتغلب على تقلبات فيضان النيل قررعبد الناصر بناء السد العالي فتحكمت مصر نهائيا في فيضان النيل وجفافة. ثم إن العلم لا يتوقف عند مجرد الدفاع السلبي ضد تقلبات الأنهار، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث أثبت علاقة فيضان النيل في مصرنا العزيزة بتيارات المحيط الهادئ الدافئة والتي تسبب ظاهرة النينو عند سواحل أمريكا اللاتينية، والتي بدورها تسبب الرياح الموسمية في المحيط الهندي فتحمل الريح سحابا فيحمل السحاب مطرا فيسوقه إلى بلد ميت وهي إثيوبيا فتسقط مطرها عند الاصطدام بالهضبة الإثيوبية فيأتي إلينا النيل رخاء ويزداد المحصول ويعم الخير. أكثر من ذلك أن بالعلم يتم استحداث وسائل على مستوى مناخ الكرة الأرضية لحل مشاكل الجفاف والتصحر، لا حدود لآفاق العلم في التعامل مع الكون الذي خلقه الله بقوانين تتكشف كل يوم، وآخرها نظرية الانفجار العظيم BIG BANG التي هلل لها بعض علماء المسيحية واليهودية والإسلام باعتبارها نصرا دينيا!.

ومن منظور الفعل البشري، ففي هذه الأيام النكده ومع عودة اتساع هوة الرزق بين غالبية الشعب المصري وأقلية محدودة منه، فإن الداعية يوصف هذه المشكلة باعتبارها "وجهة نظر" ولا تستدعي الدهشة بقدر ما تستدعي الصبر على القضاء والرضا بالمقسوم حيث يقول ".. وتأخر المال ومنال هذا الرزق لأحد آخر - في نظرك- لا يستحقه." ، ولكن المنهج العلمي له رأي آخر- ومرة أخرى طالما أن الله لم يرسل لنا خضرا ينبئنا بالغيب - فبالنظر في كتابي علم الاقتصاد السياسي وعلم الاجتماع؛ نجد أن العلم يتعامل مع فجوة الدخول ومسالة توزيع الثروة في الشعوب من خلال دراسة وتحليل عوامل الاقتصاد الحر وترويضه بالسياسة الرشيدة التي تحدد استراتيجية بناء المجتمع بناء متوازنا يضمن السلم الاجتماعي واستمرار النمو.

ذلك هو المنهج العلمي لـ"علم الصبر" وعلم "الرضا"! في فهم الرزق، وليس الخنوع والقبول باختفاء الطبقة المتوسطة وانضمامها لطوابير الفقراء وهبوط الفقراء تحت خط الفقر، واعتبار الأمر مجرد وجهة نظر!!، بل أعتقد أنه لعمى نظر وإلغاء العقل أقرب، والدين منهما براء، والله أعلم.

حوادث سير أم سلوك؟
أما عن حوادث السير، فما قلنا أن أي خضر لم يخبرنا عن مدى قدرية وقضاء تلك الحوادث، فإن المنهج العلمي قد استقرأ إحصائيات الحوادث في مصر وأفاقت الحكومة أخيرا عندما أدركت أنها تفوق معظم معدلات الحوادث في العالم، وقامت بمعالجة المشكلة باعتبارها نتاج عمل بشري يمكن التعامل معه وأصدرت قانونا للمرور، هذا بغض النظر عن أن الأمر أكبر من مجرد إصدار قانون للمرور وأنه يستدعي البحث عن الأسباب الجذرية للمشكلة بالمنهج العلمي في الإدارة الاستراتيجية، ووضع استراتيجيية متكاملة الحلول والإجراءات؛هذا هو المنهج العلمي لـ"علم الصبر" وعلم "الرضا"! في التعامل مع حوادث السير والسلوك، وليس الاستمرار في مشاهدة حوادث القتل اليومية على الطرق ببلادة وبساطة ودروشة باعتبارها قضاء وقدر مطلوب الصبر عليه!!، فهذا خبل عقلي وإلقاء للنفس موارد التهلكة، وأعتقد أن الدين – مرة أخرى – منهما براء، والله أعلم. لا.... ليس خيرا أبدا
يقول الداعية تحت عنون " لعله خير":

فقصة "النبي موسى – عليه السلام- والخضر" تذكرنا بقصة "لعله خير": يحكى أنه كان هنالك ملك ووزير، فكلما حدث شيئٌ للملك قال الوزير "لعله خير"، ولم يرَ الملك الخير في كل مرة مما يحدث. فذهب الملك مرة ليصطاد، فجرحه الرمح وتسبب في قطع إصبعه، فقال له الوزير: "لعله خير"، فثار الملك وأمر بسجنه، فقال الوزير: "لعله خير". وبعد ذلك ذهب الملك ليصطاد، فرأته قبيلة تقدم قرابين بشرية للنار، فعندما عاينوه لاحظوا ما أصاب إصبعه، فتركوه كي لا يقدموا قرابين معيوبة للنار، فرجع الملك للوزير وأفرج عنه، ولما سأله لما قال لعله خير عندما سجن؟ فرد الوزير قائلاً: "يا مولاي لو كنت معك لأخذوني". فكما قال الله تعالى: " {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }(البقرة216) "فانطلقا"، وهنا تشعر بخروج النبي موسى – عليه السلام- إلى عوالم الله العظيمة لكي ينظر إلى الكون، والثلاث رحلات تتضمن علاقات بين الناس ومشاكلهم، فهي رحلة بحرية ورحلة برية ورحلة قدرية، فرحلة مع مساكين ورحلة مع شباب ورحلة مع بخلاء وأيتام، فأدخلته – عليه السلام- الرحلات الثلاث في وسط المجتمع، فيجب على رجال الدين أن يكونوا وسط الناس ومشاكلهم اليومية ليعرفوا شعورهم وأحوالهم."

بقراءة هذه الفقرة من منظور كلي نجد أن الداعية قد ساق ثلاث نصوص متتالية في سياق واحد، الأول هو الإشارة لنص القرآن عن قصة النبي موسى والخضر، والثاني قصة أو رواية "بشرية" لم يشر الكاتب لمرجعيتها، والثالث نص قرآني مباشر، ثم ختم الكاتب الفقرة بالعودة إلى مسار المقال في تفسيره أو خواطره عن قصة النبي موسى والخضر.

إن الداعية هنا يربط ببساطة وبراءة بين القصة "القرآنية" عن النبي موسى مع الخضر، وقصة "بشرية" لم يحدد مرجعيتها بعنوان " لعله خير"، وبما يوحي للقارئ من حيث يدري أو لا يدري بأن الـ"القصتان" على قدم المساواة من حيث المصداقية بل وربما القداسة أيضا، ثم أعقب نص القصة البشرية بنص مباشر لآية قرآنية، بل وحرص على التقديم للآية باستخدم أسلوب التأكيد بحرف الفاء في جملة (فكما قال الله تعالى) وهي كما يعلم الداعية تفيد العطف والتعقيب والسببية. إذن فإننا هنا بصدد فعل واع من الداعية وليس مجرد عدم حيطة منه في توضيح الفرق بين ما هو مقدس وما هو بشري، وهو أمر أتعجب صدوره من داعية، ولا أعتقد في صوابه، وكان من الواجب أن يكون أكثر حذرا عند الربط بين كلام الله سبحانه وتعالى مع كلام الناس! وطرحهما في سياق واحد بل وبأسلوب تأكيدي يسوي بينهما في وعي أو "لا وعي القارئ،

فماذا يعني ذلك قياسا على المنهج العلمي؟. من التحليل السابق لمنهج الداعية وأسلوبه في طرح فكره ودعواه لإقناع سامعه أو قارئه من حيث اتباع المنطق والأصول العلمية، نجد أنه يتسم بضحالة المستوى البلاغي وعدم دقة الاستدلال أو فساده بمعنى أدق، ويعبر عن خلط واع أو غير واع بين ما هو مقدس وما هو بشري، وهو الداعية الديني، وذلك في سبيل إقناع القارئ بتفسيره أو رؤيته، وهذا ليس من المنهج العلمي ولا من أصول الدين والله أعلم.

أما عن الاستدلال بالقصة البشرية فهي قصة تشبه "حدوتة" أمنا الغولة في إشارتها إلى التضحية بالبشر، حيث تأكل أمنا الغولة الولد الشقي وتترك الولد الطيب!، فهل كان الوزير عالما بالغيب؟ أم كان الموضوع مجرد صدفة؟ إن مجرد صبر الوزير على الابتلاء واستبشاره برحمة الله ليسا شرطا منطقيا ولا دينيا لضمان نجاته كما تلمح القصة، فما أكثر ما أنبئنا به التاريخ الحقيقي عن أناس صبروا واستبشروا وماتوا أو استشهدوا (آل ياسر المبشرون بالجنة مثلا) فأي منطق يسوقه الداعية هنا ؟ إن النص هنا ليس مقدسا حتى ولو دسه الداعية وسط النصوص الدينية، وإنما هو حكاية "أمنا الغولة" وبالتالي من حقي أن أتساءل وبجرأة، إن لم يكن هذا عبث منطقي وخزعبلات ودروشة فماذا يكون؟

عن الســــببية

يقول الداعية:
معنى وقيمة الرضا:قد تكون أي مشكلة تؤرقك في حياتك خيرا لا تعلمه أنت، وإن حاولت أن تتذكر أكبر إنجازات في حياتك، فسوف تجد قبلها أزمة شديدة أدت إلى هذا الإنجاز، فبسبب قصة ذبح إسماعيل – عليه السلام- التي قد تبدو في أولها أزمة، كانت سببا بعد ذلك في إطعام فقراء العالم إلى يوم القيامة في عيد الأضحى، ومن دون أزمة السيدة هاجر وابنها إسماعيل – عليه السلام- ما كانت تفجرت عين زمزم، ولولا إلقاء يوسف – عليه السلام- في البئر ما نجت مصر من المجاعة، فبسبب الصراع بين الأوس والخزرج، وجد الأنصار الخلاص عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فقبلوه، ولولا حروب الردة وما كان فيها من تدريب للمسلمين، وما انتصروا على الفرس والروم، مما أدى إلى إسلام مصر والعراق وفلسطين.

لا أتذكر أن قرأت استدلالا أكثر تعسفا وأشد ضعفا من هذه الاستدلالات التي يسوقها الداعية تدعيما لوجهة نظرة في تفسير "علم الصبر"، فبرغم أنه أكد "احتمالية" أن تكون المشكلة خيرا بلفظ "قد"، إلا أن استدلالاته التالية جاءت بصيغة التأكيد والقطع بالـ"الفاء" والـ"سوف"، وجاءت باقي الاستدلالات في نفس سياق التأكيد والقطع. لماذا لم يجر الداعية "الاحتمالية" على باقي الاستدلالات؟ هل هذا اتساق منطقي يربط المقدمات بالنتائج؟ أشك جدا، هل تلك أمانه في الاستدلال؟ أشك!. لم يسق الداعية أي دليل منطقي على أي من استنتاجاته التعسفية، ويمكنني أن أدعي بنفس منطقه أو "لا منطقه" أنه لولا الفتنه الكبرى وحرب المسلمين بعضهم بعضا وبعد أن تدربوا على القتال لما تم فتح الأندلس! دون أن أبحث عن أي رابط منطقي بينهما.
إن الاستدلال المنطقي والربط بين السبب والنتيجه له منهجه العلمي وأحد تطبيقاته يدعى تحليل السبب الجذري Root Cause Analysis، فأي منطق استخدمه الداعية، وإن هناك مقاربة دينية من علوم الدين استخدمها ليؤكد لنا استنتاجاته تلك؟

الصبر ليس مطلق

يمكنني أن أفهم صبر الأب الفرد على قضاء الله بوفاة ابنته انتظارا لخير الله المؤكد بعد نفاذ قضائه الذي لا يفهمه عقل الأب البشري (وهو المثال الذي طرحه الداعية في مقاله)، وهو أمر لا حيلة لأي بشر حياله والتسليم به والقبول بنتائجه هو من قبيل حقائق الحياة، ومن هنا يمكننا تقبل مفهوم الصبر والرضا بالمقسوم. ولكني لا أفهم الصبر الذي يدعو له الداعية على مستوى الأمة، والذي قفز إليه الداعية من مستوى الفرد دون تقديم أو تحليل، فهل يعني الداعية ألا نقاوم العدوان الخارجي على أرضنا وعرضنا والاستبداد الداخلي بكرامتنا وحريتنا وأن نصبر عليها انتظارا واستبشارا بقدر الله فينا، ويكفينا تخيل موقفنا يوم القيامة عندما نكتشف إنصاف الله لنا فنذوب حبا في الله بحسب تعبير الداعية؟

وفي الختام نقول أنه من حيث المنهج فإنى أرى أن مقال الداعية النجم متهافت في البناء ومتعسف في الاستنتاج، إن لم يكن غير أمين، وهو أمر كفيل بالقضاء على مستقبل جيل الشباب المتلقي من هذا الداعية إن اتخذوه قدوة واتبعوا منهجه غير العلمي في مواجهة عالم يتنافس أساسا بالعلم ومنهجه الدقيق،

ومن حيث المضمون فهو يدعو الأمة للصبر والرضا والاستبشار اقتداءا بدروس الخضر الثلاث للنبي موسى، لكن الإشكال هنا أن الخضر لم يخبر أحدا بعد بنتائج الظلم الواقع على الأمة، ولا أظنه أخبر الداعية، أم أنه فعل؟؟ فإن كان قد فعل فربما يكون من الأفضل لنا أن نصبر على اغتصاب إسرائيل لفلسطين والمسجد الأقصي ونرضى بعمليات تشريد الفلسطينيين والقتل اليومي لأطفال فلسطين والعراق وأفغانستان والسودان في دارفور والصومال، وربما يكون قتل الطفل محمد الدرة بيد الاحتلال الصهيوني على الهواء هو مجرد رمز ومقدمة لاستمرار إخفاء كنز عظيم مخبأ للأمة الإسلامية تحت حائط البراق "المبكي"، أليس هذا ما يمكن استنتاجه مما يقول به الداعية الشاب بنفس منطقه التعسفي؟!

أما إن لم يكن الخضر قد أخبرالداعية عمرو خالد بشئ، فهل يستدعي الداعية دعوة الفلسفة الشرقية لللاعنف Pacifism؟ والتي مثلها الزعيم غاندي؟ تلك قصة أخرى تستعيد السريدات التي كتبت بشان هذه الفلسفة تحليلا ونقدا، وليس هنا مجالها، فكما قلت هناك من هم أجدر وأقدر على مناقشتها. فإن لم يفعل، أفلم يقرأ الداعية النجم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ؟

أنا لا أعرف إذا ما كان للداعية الشاب مقالات أو أحاديث أخرى يدعو فيها لتفعيل إرادة الإنسان من منطلق الأمانة التي حملها الإنسان، ومنها مقاومة الاستعمار الخارجي بأي شكل، والتصدي للظلم والاستبداد الداخلي، ولست ملزما بمتابعتة كل ما ينشره الداعية. إنه لم يشر أو يحتط في المقال الذي بين أيدينا، منشورا كوحدة مستقلة، بأن يوضح الفرق – خصوصا للقارئ أو السامع العادي - بين مجال استسلام الإنسان لقضاء الله وقدره لاكتشاف السلام الباطني، ومجال مسؤولية الإنسان عن الأمانة التي حملها وأولها دفع ظلم الإنسان لنفسه ولغيره، وترويض الطبيعة.
ليس هناك من سبيل إلا العلم بالقوانين التي أودعها الله في فيزياء الكون وإنسانية الإنسان، واتباع المنهج العلمي حتى نفهم موقعنا من هذا الكون.

تساؤل أخير، هل هناك كلام يسعد إسرائيل أكثر من دعوة الداعية الشاب؟

لا ياسيد عمرو...ليس خيرا أبدا ما تدعو إليه، والله أعلم.



25/9/2008
 

 

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية