مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 عن تغييب العقل العربي.....والانفجار العظيم
...............................................................

 مسعد غنيم
..............


في حوارها القصير معي، ذكرتني الأستاذة الجامعية دون قصد بمقالة الأستاذ زكريا توفيق عن العقل العربي بعنوان "نظرية التطور والجنس". سألتني بوجه متهلل بالروحانيات الرمضانية: هل تشاهد عمرو خالد؟ وفي الواقع فلم يكن ذلك تساؤلا منها بقدر ما كان استدعاء أو دعوة للتشارك في التعليق على أحد البرامج أوالطقوس التليفزيونية الرمضانية، حيث اعتبرت من جانبها أنه من المفروغ منه أنني أشاهد البرنامج ولم يخطر ببالها أننى لا أشاهده. ولكن إجابتي نقلتها من اطمئنان وراحة الثقة إلى دهشة وقلق الاستفسار، فقد أجبتها بأنني ببساطة لا أشاهده ولا أنوى أن أفعل، حيث أقنعتني إبنتي المهندسة منذ عامين، بعد إصرار منها، أن أشاهده على سبيل التجربة، ولما شاهدته وجدت فيما يقدمه ما زاد قلقي على العقل العربي بقدر ما أدهشني مقدار انتشارهذا الداعية – ولا أعرف من أين تأتي تلك المسميات والألقاب – الشاب أو نشره بمعنى أصح.
تحدتني الأستاذة الجامعية باطمئنان الواثق أن أشاهده في برنامج تلك الليلة، وأن نتناقش بعده فيما لم يعجبني، ونظرا لضيق الوقت فاضطررت أن أختصر الحوار وقلت لها بأن مايقوله ابتداءا هو من كتاب الله وسنة رسولة، فلا محل لنقد ما يقول، وإنما النقد فيما لا يقول وفيما تتضمنه رؤيته أو تفسيره أو تأويله.

طبعا فإن ما على المحك هنا ليس مناقشة نية الدعوة إلى الله فتلك محلها القلب، وليس تحليل التفسير أو التأويل فتلك محلها الدراسات الفقهية المتخصصة، وإنما مجال الحديث هنا هو المنهج العلمي بمعناه العام لمن هو من عامة الناس مثلي، وهل هذا الداعية ينطلق من القلب حيث محل الإيمان أم من العقل مناط التكليف ومحل العقل ومجال إعمال المنهج العلمي.

استأنفت الاستاذة الجامعية الحوار بثقة وذكرت موضوع حلقة فائتة للداعية، على أنها سوف تكون كافية لإقناعي بتفرد وجدة أسلوبة ومقاربته "العلمية". ولخصت لي الأستاذة الجامعية الموضوع في أن الداعية الشاب قد فسر سورة الكهف بتوسع وعمق تاريخي شمل روايات مماثلة في الثقافة الألمانية والروسية، بل وذهب إلى الموقع الجغرافي للكهف نفسه، وفسر من داخله هندسة الكهف طبقا للنص القرآني، وهنا أتينا إلى لب المشكلة مع مثل تلك الاجتهادات في "التفسير العلمي" للقرآن.

ولأنني غير متخصص، وأن ما أكتبه أو أقوله في هذا الشأن مجرد انطباعات مبنية على بداهة المنطق والمعرفة بالمنهج العلمي، فقد اكتفيت بسؤال الأستاذة الجامعية عن المنهج العلمي الذي اتبعه الداعية في إثبات حقيقة الكهف، وهل كان ذلك في إطار الأنثربولوجيا أم الآركيولوجيا؟. كانت إجابتها بأن على العلماء المتخصصين أن يثبتوا ما ادعاه الداعية، ولما ذكرتها بأن الأصل هو أن المدعي عليه البينة أدركت الأستاذة أخيرا التناقض المنطقي في منهج الداعية، حيث أنه لا أساس علمي هناك لمناقشتة في عمل بلا منهج علمي، ولأنها أستاذة جامعية أمينة مع نفسها فقد أضافت من عندها، بعدما تذكرت، أن كثيرا من الرسائل الجامعية لنيل الدكتوراه غالبا ماتفشل بسبب خلل في المنهج. ثم أضافت أن مجتمع الطب النفسي الذي تتخصص فيه قد رفض "فتوى" سابقة للداعية الشاب لأن مقاربته كانت ناقصة علميا، وهنا أدركت أنها أفاقت اخيرا.
ما معنى ذلك؟ عندما يصل الأمر إلى تغييب العقل العلمي لمن يمارسون المنهج العلمي يوميا في قمة الهرم التعليمي والعلمي، فما تأثير ذلك على الغالبية الكاسحة من الشباب التي تتبع ذلك النجم الداعية؟ ولا مأخذ لي عليه شخصيا. إن الجيل الحالي لم يفقد فقط فرصته في تعليم حقيقي، بل يتم إفقاده أي فرصة في تصحيح مفهوم المنهج العلمي بإغراقه في شبه غيبوبة علمية ترتدى ثياب الدين، مع خالص الاحترام للنوايا الحسنة.

ومن المفارقات المحزنة أن أخوض هذا الحوار عن "اللاعلم" مع أستاذة جامعية في الوقت الذي تعلن فيه أوروبا عن نجاح اختبار الجهاز الأوروبي LHC لتجربة "الانفجار الكبير" محاكاة لبداية خلق الكون منذ حوالي 15 مليار سنة في إطار نظرية الانفجار الكبير BIG BANG وتعاظم فرص حل إشكاليات علمية مستعصية.

" يشهد الوقت الراهن فيضا من الكتب التي يعتقد مؤلفوها أنهم وجدوا في العلم تجلي علامات على وجود الله. يرى مسيحيون (وبالقطع يهود أيضا) في نظرية الانفجار الكبير تأكيدا لقصة الخلق في سفر التكوين. آخرون أو أولئك المؤلفون أنفسهم يرون قوانين مماثلة لقوانين "العهد القديم" أو التوراة، آخرون يجدون البرهان في نصوص دين من أديان الشرق الأقصى مثل كتاب الطاوية (وهو نفس الموقف من الداعية الشاب الذي نتحدث عنه مع بعض مفكري المسلمين بالتفسير العلمي للقرآن الكريم– الكاتب) والحق أن تلك الكتابات تخوض في الأجواء الشاعرية وبالتالي تفتح الباب أمام تأويل غائم وفضفاض إلى حد كبير" كان ذلك نص من من كتاب هام قرأته مؤخرا " فلسفة الكوانتم - فهم العلم المعاصر وتأويله"، رأيت في استرجاع مقتطفات منه فرصة لاستدعاء مزيد من المعرفة المنهجية في إشكالية العقل والعلم والدين، وقد يبدو من عنوان الكتاب أن موضوعه بعيد عن هموم يومنا ورغيف العيش العزيز، وتطلعات غدنا، حيث أن الفلسفة موضوع يبدو لكثير "ثقيل الدم" والكوانتم مفهوم ضبابي لمن درس الهندسة أو الفيزياء، وبعيد تماما عمن لم يتعرض لهذين العلمين، إلا أنه في الواقع ليس لنا من أي أمل في تحسين يومنا أو التطلع لغد أفضل إلا بالعلم والفلسفة رغم أنف "أبي ذر"!

وكتابنا هو:
Quantum Philosophy – Understanding and Interpreting Contemporary Science
تأليف: رولان أومنيس، وترجمة: د. أحمد فؤاد باشا و د. يمنى طريف الخولي، وقد يفيد تقديم آخر تعريفات أو التذكير بمفردات عنوان الكتاب، توحيدا للمفاهيم وتأكيدا لوصول الرسالة، فيما يلي:
فإن ما استقر عليه العلماء في تعريف العلم هو " أن العلم هو كل مايمكن إثبات خطأه" أي أن العلم "لايقيني" في جوهرة، وأنه قابل دائما للشك، وينمو بالتصحيح من خلال التعلم من الأخطاء، بمعنى مباشر فإن اليقين الجازم في الرأي، وعدم قبول التشكيك فيه، هو سلوك ينم عن عدم المعرفة بحقيقة العلم وجوهره.

وبتعريف أدق: فالعِلْـمُ هو منظومة من المعارف المتناسقة التي يعتمد في تحصيلها على المنهج العلمي دون سواه، أو مجموعة المفاهيم المترابطة التي نبحث عنها و نتوصل إليها بواسطة هذه الطريقة ..
وعن علاقة العلم بالفلسفة: فإنه عبر التاريخ إنفصل مفهوم العِلم تدريجيا عن مفهوم الفلسفة، التي تعتمد أساسا على التفكير و التأمل و التدبر في الكون و الوجود عن طريق العقل، ليتميز في منهجه - أي العلم - بإتخاذ الملاحظة و التجربة و القياسات الكمية و البراهين الرياضية وسيلة لدراسة الطبيعة، و صياغة فرضيات و تأسيس قوانين و نظريات لوصفها.

والكوانتم – لغويا : يعود إلى أصل لاتيني، وهي ببساطة تعني "كمية معينة مقيسة بعدد صحيح" وعلميا فإن الكوانتم يعود إلى الفيزيائي الألماني "كارل بلانك" (1858 -1847) لاكتشافه عنصر الكم أي "الكوانتم" كوحدة للطاقة المنبعثة من الأجسام، واضعا بذلك أساس نظرية جديدة ونظرة جديدة يؤرخ بها لنشأة الفيزياء الحديثة والمفارقة للفيزياء الكلاسيكية ابتداء من عام 1900، وتعرف "بنظرية الكم أو الكوانتم"
المقتطفات:
"يبدو أن ثمة هوة أو صدعا بين عالم الفكر، العالم النظري، وبين الواقع الفيزيقي. ويبدو أن قوة المنطق والرياضيات، بعد أن رصدت أدق تفصيلات هذا الواقع، عاجزة عن اقتحام ماهيته"
" تتقدم المعرفة عن طريق التحليل المنطوي على استعمال حصيف للكلمات، ويجري التعبير عن حصائله بالكلمات، وقد كان النمط الكلامي هو النمط الوحيد للبحث في العصور الوسطى، إرتباطات لانهاية بين الكلمات"
" حين يكون العقل شديد الثقة بقواه الخاصة، قد يخدع نفسه ويقع في الخطأ، ويصل إلى الفكرة الصائبة فقط عن طريق الصدفة"
" صفوة القول أنه كلما صارت معارفنا أكثر وأكثر، بدا أن ما نفهمه أقل وأقل "
" الرياضيات لا سواها هي التي تملك الشراك القادرة على اقتناص مفاهيم الفيزياء"
" بات ينظر إلى المسلمات والبديهيات – كلتيهما – على انها حقائق محتمله فقط، وتستحق الاستكشاف من أجل خصوبة معقباتها المنطقية"
" تؤكد الجوانب الأكثر صورية لنظرية الكوانتم علاقات اللايقين الشهيرة لـ"هيزنبرج"، عند تطبيق هذه العلاقات على جسيم ما، فإن الدقة في تحديد موضع الجسيم تكون على حساب نقص الدقة في تحديد كمية حركته أو "سرعته"، وهي نتيجة مباشرة لا جدال فيها"
" لقد تعرفنا أخيرا على النظام الخفي الذي يحكم الأشياء التي نراها ويعطي للغة معناها "
" الحس المشترك Common sense هو مجرد نتيجة لقوانين طبيعية، وأن هذه القوانين لها بنيتها المنطقية الخاصة "
" في عالم يسوده النظام، وعن عملية كيميائية تولدت الحياة التي راحت تتطور وترتقي، نحو المزيد من التعقيد والقوة، حتى وصلت إلى المخ البشري، العضو الذي يدرك النظام (نفسه)"
" إن الاتساق المنطقي الكامل قد اصبح خاصة أساسية للعلم، والعلم دائما على استعداد لوضع الاتساق فيه موضع الفحص والاختبار حتى لو كانت في هذا مخاطرة بفقدان فادح، وهذا ما لا يمكن أن يفعله لاهوت"
" ثمة دراسات اجتماعية عديدة، بل وعلوم بأسرها من قبيل علم السكان وعلم الاقتصاد، و(علم الإدارة)، تستخدم الرياضة استخداما مكثفا، وخصوصا الطرق الإحصائية،.......في خاتمة المطاف تظل القوة التنبؤية للعلوم الاجتماعية محدودة جدا "
" يجب أن يظل شعارنا : لايدخل علينا من لم يلم بعلم الهندسة"!
" ...تجل من تجليات الحياة: الم نكتشف أخيرا، ونحن مشدوهون حقا، أن شكل الموجات التي تتكسر على الشاطئ، أو السحب التي تتلاقى في السماء، أو المنظر الطبيعي للجبال ، يمكن أن تكون محاكاة أمينة لأشكال ناتجة عن حسابات تتمثل الفركتال – أي عن أشياء رياضية تمتلك تماثلا بارعا يجعلها مشابهة لنفسها في أي مجال يمكن أن تلاحظ فيه"
" إذن من الطبيعي أن تمثيل الواقع الذي يتقدم به العلم المعاصر لابد أن يمر من خلال المنطق والرياضيات، أما أن هذا النظام يمر بخبرة لغتنا الطبيعية والحس المشترك االلذين يعملان على التعبير عنه، فذلك لأن كليهما محصلة لهذا النظام نفسه."

" إن سطوع الشمس يعمي عيون طيور الليل، وبالمثل تماما عيون عقلنا يعميها التحديق في الحقائق الأشد سطوعا" (أرسطو)
" إن الاعتقاد بأن العالم محكوم بقواعد عقلية ويمكن أن يفهمه العقل لهو اعتقاد ينتمي إلى مجال الدين (أينشتين) ...العالم بدون الدين أعرج، والدين بدون العلم أعمى" .
نهاية الاقتباس

أرجو أن أكون قد أوضحت بقدر ما أطلت وهو ما أعتذر عنه للقارئ العزيز والذي لايملك رفاهية الوقت.

mosaadg@hotmail.com
18/9/2008

 

 

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية