البعد الغائب في محور أبو مطر – برادلي
...............................................................
بقلم : مســـعد غنيم
....................
على صفحات مصرنا، قدم رئيس التحرير الأستاذ غريب المنسي، كتاب John R. Bradley عن مصر بعنوان داخل مصر Inside Egypt، وهو الكتاب الذي أثار جدلا في مصر عندما حاولت الحكومة منع أو عرقلة نشرة، وبعد قرائتي للكتاب لم تكن مفاجأة أن أجد الطرف الآخر لمحور مميز في ساحة الحرب الأيديولوجية والنفسية التي تطل علينا بوجهها الزلق حربا على العرب والمسلمين، والطرف العربي لذلك المحور يمثله فريق يطاردنا صوته وصورته في برنامج الجزيرة "الاتجاه المعاكس"، وغيرها من القنوات مثل الحرة والعربية الأمريكيتين، ويحاصرنا قلمه في الصحافة الورقية والإلكترونية، ومنها "مصرنا" التي هي ساحة حرة للرأي أيا كان. وسواء حسنت نية أصحاب هذا الفريق أو ساءت، ، فالعبرة دائما بالمآلات وليس بالمقاصد التي لا يعلمها إلا الله وليس لنا الحكم عليها، وتحديدا في مآل وقع ما يكتبون على القارئ العربي وقضيته المركزية فلسطين، وهو ما أراه سلبيا أكثر منها إيجابيا، ونقضيا أكثر منه نقديا. ويعتبر الدكتور أحمد أبو مطر من أكبر ناشطي هذا المحور على صفحات مصرنا. القاسم المشترك الأعظم بين طرفي هذا المحور هو أنهم في نقدهم أو نصحهم لمصر خاصة والعرب عامة، غالبا مايغيب البعد الإسرائيلي عن الصورة التي يرسمونها لفشل المشروع العربي عموما، وإن ورد ففي الهامش، ويأتي دائما هينا لينا ومبررا في الطرف الأمريكي في حالة برادليBradley ، وتحت هجوم لفظي شكلي في الطرف العربي في حالة أبو مطر.
مع التسليم المطلق بمسئولية العرب عن هزيمتهم، إلا أن تغييب إسرائيل عن الصورة وكأن:
"إسرائيل بلا جدال هي أكبر عامل تحريفي منفرد في توجيه مصر السياسي"
كما يقرر عالمنا الجليل جمال حمدان في رائعته شخصية مصر، هذا التغييب الواضح والمتعمد لا يجعلنا نثق كثيرا في دوافع ومقاصد ذلك المحور، مهما أجاد مستر برادلي العربية استشراقا، أو دافع الدكتور أبو مطر عن القضية العربية نقدا ذاتيا، ومهما كانت حرفيتهم في الكتابة، يكفي أن نقارن تغييبهم وتهميشهم للعامل الإسرائيلي بتعريف جمال حمدان لمعنى الخطر الإسرائيلي، لنفهم مقدار القصد في تغييب ذلك العامل، يعرف جمال حمدان الخطر الإسرائيلي:
"المعنى الشامل، التاريخي والجغرافي والاستراتيجي، في كلمة واحدة المغزى الجيوستراتيجي، للخطر الإسرائيلي...... هو أنه يكرر، نكاد نقول بحذافيره، الخطر الصليبي في كل نتائجه وانعكاساته ومحمولاته وكذلك ملابساته....فالغزوة الصهيونية الغشوم، تلك التي تنبع عقليا وعقائديا من أوهام وخرافات الماضي السحيق وتضع عقارب الساعة حضاريا إلى الوراء عشرات القرون، تعود فتقترب بنا اقترابا شديدا من استراتيجيات الصراع التاريخي في المنطقة أثناء العصور الوسطى."
كان هذا تحليل جيو استراتيجي لأستاذ الجغرافيا جمال حمدان في موسوعة أكاديمية عمل عليها أكثر من 15 عام، وبلغ عدد مراجعها العربية 245 مرجعا، والأجنبية 791 مرجعا. أما مستر برادلي الذي يقرر بأن عمله موجها للقارئ العادي، أشار إلى عدد من المراجع لايصل إلى 10، يبدأ تاريخها منذ 1989 وآخرها 2006، ومعظمها أجنبية المؤلف. وفي الفصل الأول"ثورة فاشلة: A failed revolution" من كتابه داخل مصر: ، يتعرض برادلي لتحليل مايراه فشلا لثورة يوليو من مدخل رواية علاء الأسواني الشهيرة "عمارة يعقوبيان"، حيث يعتبرها برادلي:
" نموذجا بارزا لإعادة التقييم المستمر في مصر لثورة 1952 والمعاكسة لنظام الحكم قبل الثورة"
وعندما يأتي على ذكر إسرائيل يجعل ذلك في سياق هجوم بالغ العنف على ثورة يوليو الذي يصفه دائما بالانقلاب، وهجوم أعنف على عبد الناصر – لا تفوته فرصه طوال الكتاب في قتل ناصر معنويا – حيث لا يخفي كرهه واحتقاره لرجال الثورة:
" أن وصف الضباط الأحرار بأنهم "حثالة المجتمع" هو من قبيل المبالغة! لآنهم عرفوا كيف يستغلون الكره ضد الأغنياء (ومعظمهم عمليا أجانب) وأن توفير المنافع للفقراء سوف يوفر لهم الدعم."
"ربما من أهم مايجب لفهم جاذبية وقبول ناصر هو الإحساس بالفخر الذي أعطاه للمصريين. وهذا لايصمد لحقيقة أنه قد خانهم عندما دمرت إسرائيل القوات الجوية المصرية في غضون ساعات في بداية حرب 1967 بينما إذاعة صوت العرب الممولة من ناصر تعلن في القاهرة عن نصر عظيم للمصريين."
هذا كل ما رآه السيد برادلي من العامل الإسرائيلي في تحليله للداخل المصري، مجرد شماته، بينما يركز كل تحليله على أخطاء ناصر والثورة بدءا من 1952، الأمر الذي لايجادل فيه مصري عاقل. ومن الغريب أنه في هذا التركيز على تحليل الثورة لا يتعرض أبدا لحرب 1948 طوال الكتاب، رغم أنها بشهادة جميع المؤرخين كانت الحضانة التي أفرخت ثورة يوليو. إن هذا التحليل المنقوص والمغرض بوضوح يؤكد لنا شدة التعسف في هدم صورة ناصر والثورة مقابل تغييب العامل الإسرائيلي تماما، لماذا؟ أعتقد أن الإجابة بسيطة: إن السيد برادلي لاينتقد حكم مبارك في كتابه بهذه الشدة حبا في المصريين أو رغبة في إصلاح حالهم، وإنما يريد أن يؤكد موت عبد الناصر فكرا وثورة ضد المشروع الصهيوني في الأساس وإن ابتدأت بالنظام الملكي المنهار والمنهزم في حرب 1948 حيث أضاع فلسطين.
يقوم السيد برادلي بالربط طوال كتابه بين مآسي مصر الحاضر في الألفية الثالثة مباشرة بناصر حتى بعد وفاته بـ 39 عاما، في إسقاط متعسف لكل مشاكل وانحدار مصر بعد ناصر عليه شخصيا وعلى الثورة، أو الانقلاب، كفكرة قطعت مشوار التطور الليبرالي في عهدها الذهبي قبل الثورة، وكأن ثورة مصر هي عمل شاذ في تاريخ العالم الذي يخلو من الثورات تماما!!، ثورة يراها السيد برادلي فقط من منظور عمارة يعقوبيان وبعض من أفراد الجيل الثاني لطبقة الـ 5 % التي استحوذت على ثروة مصر قبل الثورة، وأضاعت فلسطين، وبعض من الذين انهزموا روحيا أمام المشروع الصهيوني أو انضووا تحت جناح المشروع الأمريكي للهيمنة العالمية، أو انبهروا بأضوائه الهوليودية والحلم الأمريكي. هذا بينما نفى من البداية معارضوه المحتملون المؤمنون بالثورة واعتبرهم من المستبسلين Diehard في الدفاع عنها، وبالتالي أخرجهم من دائرة بحثه!، أي أنه جاهز بالحكم على الثورة وناصر بالإصرار والترصد.
برغم هذا الإسقاط المتعسف والبعيد المدى (39 سنة) لمشاكل حكم مبارك (28 سنة حكم) والسادات (11 سنة حكم) على ناصر (18 سنة حكم)- ولا يجادل عاقل في أخطائه - فإن السيد برادلي يعتم بشدة على العامل الإسرائيلي بمشروعه الاستيطاني الذي سبق الثورة فقط بثلاث أعوام! من أن يكون له أي دور في تعثر مصر. بالطبع فإن السيد برادلي يمكن أن يقول بأن مسئولية الهزيمة تقع على مصر الملك في 48 و ناصر 67، وكل دولة مسئوليتها التعامل مع الأخطار الخارجية بنجاح، وأن يقول بأنه يحلل الداخل المصري فقط، وهذا بالضبط مكمن التلفيق حيث أنه ما فتئ طوال الكتاب يتعرض للخارج، وإن كان بشكل غير كاف.
إن تحليل السيد برادلي للداخل المصري الذي لايتعرض للخارج المصري بشكل كاف، كأن هذا الخارج لاعلاقة له بأي شأن داخلي. وعندما اضطر إلى ذكر فضيحة لافون والأعمال الإرهابية للموساد الإسرائيلي إبان العدوان الثلاثي على مصر1956، فإنه ذكرها على مضض ومضطرا في سياق تركيزه على عمليات ترحيل اليهود من مصر على أثر تلك الحرب، ولم يذكره كسبب رئيسي في التهجير بالإضافة إلى جرم الحرب نفسها، بل كحدث مؤسف وخطأ من إسرائيل ساعد ناصر على تهجير اليهود من مصر!.
إن هدف السيد برادلي في دعم المشروع الصهيوني واضح، في سعيه لمحو كل أثر وفكر لثورة يوليو، والعودة للملكية السابقة! التي يحلم بها من حاورهم من الليبراليين الجدد المصريين، وذلك بمنطق بسيط هو أن طالما أن المشروع الصهيو-أمريكي قد هزم الثورة شر هزيمة، إذن فهي ثورة فاشلة، ووهيا بنا نعود إلى الملكية، أما إسرائيل فهي مالها ومالنا طالما العيب فينا والهزيمة بسببنا؟!!، نفس منطق الطرف العربي من محور برادلي – أبو مطر.
10 أبريل 2009
...........................................
يرجى مراجعة:
مقال الدكتور أبو مطر البعد الإسرائيلي : ليس غائبا ولكنه شماعة لتخلفنا وهزائمنا
مصرنا ©