ناصر: بطولة تأبى على الموت
...............................................................
بقلم : مســـعد غنيم
....................
من بين 3,504 نتيجة بحث ما بين كتاب و فصل في كتاب باللغات الأجنبية على موقع Amazon. Com أكبر مكتبة إلكترونية على الشبكة العنكبوتية، ، بالإضافة إلى 240,000 نتيجة بحث باللغة العربية عن كتب ومقالات، كلها عن الرئيس جمال عبد الناصر، لم يجد أحد كتاب ثقافة الهزيمة غير كتاب يتيم لكاتب واحد يتهم فيه ناصر بالعمالة لإسرائيل، ليعتمده مرجعا في الرد على حديث الأستاذ محمد حسنين هيكل عن تاريخ الملك حسين والذي أثبت في ظل حرية المعلومات علاقات ذلك الملك – العربي الأصيل- للأسف مع الكيان الصهيوني منذ بداياته بالوثائق التاريخية والكتب العديدة المنشورة، وثبوت تقاضيه راتبا من الخابرات المركزية الأمريكية مليون دولار شهريا حتى ألغاها الرئيس كارتر في الثمانينات، وذلك في إطار تحليل الأستاذ (هيكل) للمسرح التاريخي لهزيمة يونيو 67، بل يتمادى كاتبنا من مروجي ثقافة الهزيمة استنادا إلى ذلك الكتاب اليتيم في اتهام معظم رموز الحكم في مصر الثورة ومنهم الأستاذ، بالعمالة للكيان الصهيوني في جرأة تبلغ حد العبث ببساطة.
من السخف، بل ويكاد يكون من المضحك، أن يحاول كاتبنا من دعاة ثقافة الهزيمة أن يقنعنا أنه ينتهج منهجا علميا في استناده إلى مرجع هو كتاب واحد لكاتب واحد، وسط هذا الزخم الهائل من آلاف الكتب والدراسات كتبها كتاب عالميون وأكاديميون وصحفيون من العيار الثقيل عن الرجل الذى تأبى ذكراه على الموت، لم نسمع أو نقرأ في الشائع والمعلوم عنها أن أحدهم قال بمثل هذا الذي يبدو شاذا وغريبا.
ومن السهل جدا على أي مأجور أو عميل للمشروع الصهيوني أن يتهم رمزا تاريخيا في وزن جمال عبد الناصر بأي شئ، حتى بالعمالة للمشروع الصهيوني نفسه، ولكن اتهاما بهذه البشاعة لرجل لم يختلف على وطنيته الأغلبية الكاسحة من الشعب العربي ومازالت صورته تطل علينا رمزا للمقاومة الوطنية لكل صنوف الاستعمار والهيمنة كلما سارت مظاهرة في معظم عواصم العالم المتعاطفة مع القضية الفلسطينية، إتهاما بهذه البشاعة يتطلب بحثا جادا وموثقا ومعترفا به على المستوى الأدبي التاريخي أو المستوى الأكاديمي، وليس مجرد كتاب مجهول لكاتب مجهول.
وبعيدا عن الجدل السياسي النابع من انتماءات مختلفة ومتخالفة كطبيعة الحياة، ناهيك عن دس الحرب النفسية والعمليات المخابراتية، هناك بالتأكيد من هم أقدر مني على الرد على مثل تلك الاتهامات التي تنقصها الجدية وتشوبها الظنون وتشوهها الدوافع الغير معلنة، هناك البحث التاريخي والمعلومات الموثقة والدراسات الأكاديمية، ويكفيني كمواطن لايملك أكثر من انطباعاته الشخصية وذكريات شبابه عن الرجل الذى أعتبره عظيما بحق، يكفيني أن أتصور حال فلاحي مصر لو لم يقم ناصر ببناء السد العالي، وتبدو النتيجة واضحة وبسيطة بساطة ذلك الفلاح المصري الذي عانى طوال آلاف السنين من فيضان النيل تارة ومن تحاريقه (فترات جفافة) تارة أخرى، نتيجة تقول إن كانت مصر هي هبة النيل، فإن من يضبط النيل للأبد ويضاعف من خير وادي النيل بمشروع قومي واحد لم تعرف مصر الحديثة أكبر أو أهم منه، من يبني ذلك السد العالي الذي يهدد العدو الصهيوني بهدمه حقدا على مصر، من يبنى ذلك السد في معركة سياسية واقتصادية لصالح ذلك الفلاح البسيط لايعقل بداهة أن يكون خائنا، بل إن المرجح والمنطقي أن من يتهم من بنى لمصر أعظم مشروعاتها الاقتصادية الحديثة هو العميل والخائن، وقد ينبري كاتبنا أو غيره من مروجي ثقافة الهزيمة بالطعن في مشروع السد العالي من باب آثاره الجانبية في كلام مكرر وممجوج وجاهل، فأنا كمهندس عجوز أقول له ولأمثاله الحل بسيط جدا، أفرغوا بحيرة "ناصر" من مياهها في بضع سنين، واخلصوا من هذا السد الصداع و" يا دار ما دخلك شر"! فهل تجرؤوا على ذلك؟ بالطبع لا، بالضبط كما قد تجرؤوا على اتهام ناصر، ولكنكم أبدا لاتستطيعون هدم تاريخه، ذلك التاريخ المقاوم للمشروع الصهيوني والهيمنة الأمريكية، والذي بسببه تآمروا عليه وضربوه في 67، تاريخ امتزج بجسم السد العالي فاكتسب قوته وتعاليه على مثل تلك الترهات التي تلبس ثياب العلم، أما عن الأستاذ (هيكل)، فصمت مثل ذلك الرجل الأمين بالدليل والبينة الموثقة على تهجم مثل أولئك الصغار هو أبلغ رد.
شخصيا، أعتقد أننا قد نختلف مع رؤساء مصر، كل بتوجهه، وبما له وعليه، ولكني لا أجرؤ داخلي أن أطعن في وطنية أي منهم، وأرى أنهم يجتهدون على قدر طاقاتهم الإنسانية أن ينجحوا، فيخطئون ويسببون الكوارث، ولكنهم أبدا ليسوا خونة أو عملاء حتى ولو أعماهم كرسي السلطان، وهذا رأي شخصي، وأذكر هنا حديثا خاصا دار بيني وبين المشير الجمسي في أوائل التسعينات، وقد جمعني به أكثر من حديث كجيران سكن، في ذلك الحديث دفعني هاجس بسؤال خطير ورد على خاطري ذات يوم عن مدى احتمالية أن يكون أحد شخوص القيادة العليا في مصر خائنا، فأجاب المشير الجمسي بحسم وقوة بالنفي القاطع وقال لي "أبدا لا يمكن، كلهم وطنيون مخاصون" وكان هذا رغم إحساسه بالمرارة من جراء إقصائه عن المجال السياسي منذ اختلافه مع السادات، طبعا هذا كان حديثا شخصيا لا دليل لي عليه إلا ضميرى كفلاح مصري يعرف قيمة السد العالي ومن بناه ومن سار على دربه الشاق المؤلم في مقاومة المشروع الصهيوني، وأقلها مقاومة كتيبته من مروجي ثقافة الهزيمة.
أول أبريل 2009
.....................................
مصرنا ©