مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الصراع على المعاني صراع على الوجود
...............................................................

بقلم : مســـعد غنيم
....................


تحريف الكلم عن موضعه

ستون عاما..ولم يتحقق حلم التحرير والعودة، ولم تتحقق بعد حزمة الأحلام العربية الأخرى التي تحيط به وتتشابك وتتشارط معه: الوحدة العربية والتحرير والنهضة والعدالة والديموقراطية بوجهيها الاجتماعي والسياسي. ولكن الأخطر من عدم تحقق الأحلام في الواقع هو المحاولات المنظمة لمصادرة الأحلام نفسها، وإعادة تعريفها لتعني "الأوهام" غير القابلة للتحقق أصلا بحكم طبيعتها الجوهرية. بل الذهاب أبعد من ذلك إلى إسقاط المسوغات الأخلاقية والتاريخية لتلك الأحلام / الأوهام. فهي – حسب خطاب القوة Discourse ورواية القوى Narrative – ليست مرفوضة فقط بمعيار الضرورة التي تجعلها غير قابلة للتحقيق، ولكنها مرفوضة بالمعايير المبدئية والعقدية. وإن لم يكن هذا كافيا، جرى تحميلها مسئولية النكبات والخيبات والانكسارات والانحطاط والعجز عن اللحاق بركب الحضارة العالمية. فبدلا من أن تكون تلك الأحلام مشاريع استجابة حضارية للتحديات التي تستهدف وجود الأمة وهويتها، تصبح بهذا المنطلق أساس المشكلة وأصل النكبات. كان هذا تحليلا لوليد سيف، الأكاديمي والكاتب العربي، في مقال له بعدد مارس من مجلة وجهات نظر المصرية الشهرية، ولم أجد خيرا منه في الرد على ممثلي ذلك الخطاب، خطاب القوة، ممن يكتبون على صفحات مصرنا، سواء بالكتابة مباشرة أو بالنقل عن مواقع أخرى.

إن جهود هؤلاء الكتاب تبدو موجهة بعناية ودقة إلى نقض البناء العربي من الأساس، لاستكمال تهالكه الواضح، ولاينفكون الولوج لنفس الموضوع باتجاه نفس الهدف، من مداخل نقدية تبدو إيجابية الشكل وبريئة الظاهر، ورغم تنوعها، نجدها تركز في مضمونها ولغة خطابها موضوعا واحدا لاتحيد عنه، وينتهي عمليا – بغض النظر عن نواياهم - إلى تكريس الإحساس بالهزيمة لدى الإنسان العربي، وهو الأمر الذي يتطابق، مضمونا، مع أهداف المشروع الصهيوني، رغم ظاهر معاداة هؤلاء الكتاب له، شكلا. فعلى غرار ما حلله سيف في مقاله، فليس هناك اختلاف على القيم الإيجابية للشجاعة والكرم والوفاء مثلا، ولا على القيمة السلبية للجبن والبخل والخيانة، ولكن الخلاف هو في إنزال هذا المعنى أو ذاك على واقعة بعينها وتعريفها به. فما يعرفه أحد الأطراف بالشجاعة، يعرفه هؤلاء بالتهور، وما يعرفه طرف بالكرم يعرفه هؤلاء بالإسراف .وهكذا، وبذلك يتمكن هؤلاء من تحقيق هدفين متعارضين معا في آن:

- الحفاظ على الحس المشترك بالانتماء إلى نفس التيار الوطني العربي، كما يتمثل في نظم المعاني والمفاهيم والقيم المشتركة التي يصدرون عنها من جهة،

- وخدمة تنازعهم أو نزوعهم إلى تحقيق مصالحهم وأغراضهم من خلال توظيف معان مختلفة من المرجع المشترك نفسه لفرض تعريفات مختلفة للواقع، من جهة أخرى.

يؤكد وليد سيف في مقاله أن التنازع على التعريفات والتأويلات لا يجري بصورة متكافئة. هنا تدخل علاقات القوة بكل تجلياتها المادية والمعرفية والروحية والسياسية، ليتمكن الطرف الأقوى من فرض تعريفاتة وتأويلاتة وتوصيفاته على عقول الآخرين. وبهذا يتمكن من السيطرة على العقول والأفئدة، وتشكيل نظرتها للعالم، وإدارة سلوكها واستجاباتها بناء على ذلك. هكذا يتشكل خطاب القوة Discourse ورواية القوى Narrative. هذا ما أجده منطبقا بشدة على مقالات كتابنا من أنصار ثقافة الهزيمة.

الأسماء والأشياء، الثوابت والمتغيرات

إن المعاني والخطابات بهذا المفهوم، يؤكد وليد سيف، أنها ليست مجرد تمثيل للواقع، بل هي الواقع نفسه، كما يتمثل في عالم الوعي والتصورات. وتغيب المسافة بين ثنائية الأسماء والأشياء، أو الدوال والمدلولات، لتصير الأسماء هي الأشياء، بقدر ما تتعرف الثانية بالأولى. وبذلك يكون الصراع على المعاني والخطاب، هو الصراع على العقول والمدركات، وهو في آخر المطاف الصراع على امتلاك الواقع وتشكيله. وهذا السياق يفسر إصرار كتابنا هؤلاء على توطين مفردات الهزيمة بدلا من المقاومة، والواقعية بدلا من إرادة التغيير والتحرر وهكذا.

اغتصاب الأحلام والأمل

من المعلوم أن أوجه الصراع مع المشروع الصهيو- غربي، شأنها شأن أي صراع حضاري طويل المدى، تتعدد بتعدد مكونات القوة الشاملة لأي أمة، من سياسية وتكنولوجية واقتصادية وثقافية وتاريخية. فبعد أن تفوق المشروع الصهيوني في مكونى السياسة والتكنولوجيا، وبعد أن " تمكن من الأرض والتغلب في معركة السلاح، ينقل المعركة الآن إلى ساحات المعاني والمفاهيم، ليستكمل غزو الأرض واغتصاب الوطن بغزو العقول واغتصاب الأحلام وفرض خطابهم الانهزامي ومعانيه وروايته"، بحسب تعبير وليد سيف، ويستطرد أن " هذه المرة، يتطوع النظام العربي نفسه – بعضه أو كله – وتيارات سياسية عربية تصف نفسها بالليبرالية، لتنهض بالمهمة. ذلك لأن نظام المعاني التحررية لايواجه الرواية الصهيونية إلا بقدر مايحرج النظام العربي ويتحدى تيارات الإذعان والخضوع التي تقنع بدعاوى الاعتدال والواقعية والعقلانية، فضلا عن الليبرالية".

اتجاه مخطط ونمط محدد

إن هذا الطرح العام من وليد سيف في مقاومة تيار الإذعان، ينطبق جملة وتفصيلا، وبصفة عامة، على مقالات كتابنا المشار إليهم، وليس هذا بمفاجأة، ولا يجب أن يكون، لأننا أمام اتجاه مخطط ونمط محدد لـ"تشكيلة" أسلحة هجوم ثقافية تتكلم بالضرورة باللسان العربي. ويمكن للقارئ الاستدلال على نوعية تلك المقالات بسهولة، إذا ما تعرف على ذلك الاتجاه وذاك النمط. وعن الاتجاه فهو في شكله العام مهاجم لإسرائيل بداية، وبعنف نسبي يتناسب مع درجة حرارة الحدث، مثلما كان في غزة، ولكنه دائما يسرع بالتحول عنها ليهاجم العرب، حكاما وشعوبا وثقافة، وأحيانا لغة أيضا، باعتبارهم المسئولين عن هزيمتهم – وهو قول لااختلاف عليه – ولكنه، أي ذلك الاتجاه، ينقض بأقصى عنف لغوي ومعنوي، ويزرع كل ما من شأنه تكريس الهزيمة وقتل الأمل في أي نصر. أما النمط، ومن حيث شكل التعبير عن المعاني، فنجد كتابات هؤلاء تستخدم ألفاظا محددة وفي نفس الوقت تستبعد ألفاظا أخرى للدلالة على المعاني الأساسية التي يتمحور حولها الصراع العربي الصهيوني. فمثلا لايستخدمون صفة "العدو الإسرائيلي" خشية أن يحيل ذلك إلى لغة الشعارات الثورية القديمة والإعلام الانفعالي؟ كما يحدد سيف في مقاله. وفي نفس الوقت لايستخدمون مفاهيم "المقاومة" و"الجهاد" ومعاني "التحرر" والتحرير والشهادة والاستشهاد لأنها تلتبس مع الإرهاب والتطرف، وتطيح بفرص السلام المقدس، وتردنا إلى ماضي التجارب القومجية الفاشلة أو إلى حاضر التيارات الإسلاموية المتطرفة، ويستمر سيف ليوضح كيف أن هؤلاء الكتاب المتطوعون، يتجنبون استخدام مصطلح "الوطن العربي" والأمة العربية، ويفضلون مصطلح "مصرنا" و"شعوب المنطقة". كما أنهم غالبا مايفضلون تجاهل رواية اغتصاب فلسطين عام 1948 ويفضلون أن تبدأ الرواية بهزيمة يونيو 1967، مع التركيز على المسئولية العربية عن قرار الحرب وأوزارها. وهم يصوغون الموقف العربي من قضيته المركزية، فلسطين، في مجرد "مساندة الشعب الفلسطيني"، ولكن يحذرون العرب –الطرف المعتدى عليه - من تعطيل الحلول السياسية بما يهدد أمن المنطقة، دون الإشارة إلى الخطر الإسرائيلي الأصلي.

حتمية تاريخية جديدة

إن مقالات هؤلاء المنهزمون أو الذين يريدون لنا الانتحار الحضاري، تذكرنا بالحكمة المسترجعة "كفي بكم شعارات عاطفية وأحلام كاذبة" بحسب تعبير وليد سيف، وتدعونا إلى قبول واقع الهزيمة الآن بشروطة المجحفة، وإلا فسوف نقنع مستقبلا بما هو دونه: حتمية تاريخية هي إذن!، حتمية من نوع آخر، ونواميس كونية حاكمة لا قبل لنا بتغيير مسارها، فلا مفر من الإذعان لها باعتبارها الأمر الواقع. ونقيضها الأحلام الكاذبة، والأوهام المدمرة بادعاءات النصر حيث كانت الهزيمة، وشعارات الماضي التي لم تنتج إلا الهزائم والانكسارات والخراب. أما هذا الأمر الواقع الذي تفرضه القوة - يدعي أحد كتابنا هؤلاء أن الأقوياء، يقصد الصهاينة، هم الذين يكتبون التاريخ- فيبدو في هذا المنطق وكأنه معطى خارجي موضوعي ثابت، ثبات قوانين الطبيعة، تنعدم معه المسئوليات الإنسانية والخيارات الأخلاقية. الأمر الواقع بهذا المعنى ليس نتاج الفعل الإنساني وعلاقات القوة المتغيرة التي تنتج جلادا وضحية يمكن أن تستسلم ويمكن أن تقاوم، وتنتج الخيانة والتواطؤ وخطابات الإذعان كما تنتج في مقابلها خطابات المواجهة والمقاومة والنهوض، هكذا صاغها وليد سيف.

تحرير المعاني

ثم يؤكد وليد سيف في مقاله بمجلة وجهات نظر، أنه بقدر مايملي علينا صراع المعاني أن نحرر معنى الحريات الليبرالية والديموقراطية ممن اختطفوها وحرفوا مقاصدها، فقد آن الأوان أيضا أن نسترد المعاني القومية والإسلامية والتحررية ممن اختطفوها منا، وقدموا من خلال أخطائهم وممارساتهم المتطرفة المسوغات التي يحتج بها المروجون لثقافة الاستسلام والإذعان والخضوع للبرامج الأمريكية الصهيونية في المنطقة. آن الأوان لنتحرر من شرك الثنائيات الأيديولوجية التي تتبادل الإقصاء، وأن نستعيد المبادرة في المعاني، فلا يتم ابتزازنا في موقفنا من رفض الإرهاب بحيث نتخلى معاني الجهاد والمقاومة، وأن نؤكد على معاني الاحتلال والاستيطان والغزو تأكيدا لمعنى المقاومة، ولا يتم استلابنا أحلامنا في النصر بالتوطين والتثبيت لمعاني الهزيمة في عالم القوة المتغير بحسب سنة الكون. وأقول أنه من هنا تبدأ أهمية القراءة الواعية لمقالات هؤلاء الكتاب الذين يريدون تزييف وعينا، واستثمار هزائمنا بتصويرها حتمية تاريخية، في زمن العلم الذي لايعرف أية حتميات، وأهمية أن يكون ذلك بالحوار المنصف لأننا يجب أن نكون منصفين، حتى لو كانوا مخادعين مزيفين. إن في استبيان المعاني الأصلية خلف الكلمات المحرفة عن موضعها، وتمييز العدو من الصديق، تكمن أولى خطوات الصراع على الوجود.

10 مارس 2009
 

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية