مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 أنا وابن عمي الإيراني
...............................................................

بقلم : مســـعد غنيم
....................

عنون الدكتور أحمد مطر مقاله بسؤال: "ثلاثينية نظام الخميني: نظام يستورد أم خطريقاوم؟"، وطرح في سياق المقال سؤالا آخر، بقوله: "أتمنى أن يجيبني عليه بهدوء ومعلومات بعض الإيرانيين العرب أي العرب الذي تفرسوا أكثر من الفرس" حسب تعبيره، والسؤال هو: الاحتلال الإيراني هل يختلف عن أي احتلال آخر؟. وإذا مانحينا جانبا حالة الاستقطاب والاستنفزاز المقصود الذي يغلف السؤال، فإن مبادرة "التهدئة" التي يطرحها الكاتب تستحق أن يستجاب لها، حيث أن قواعد الحكمة المصرية الشعبية تقول بأن "السؤال ما حرمش" أي أن السؤال غير محرم، كما أن التراث الديني يقول بأن "الحكمة ضالة المؤمن".

سياق السؤال

قبل أن نجيب على تساؤل كاتبنا، تقتضي المنهجية العلمية للحوار أن نقرأ سؤاله في سياق مقالاته السابقة في نفس الاتجاه، وهو سياق في مجمله يتلخص في قوله بنفسه: " من الوقائع الميدانية المتداولة فإن إسرائيل تحتل فلسطين، ولكنها تدير مفاوضات مع السلطة الفلسطينية من أجل الانسحاب ضمن حدود عام 1967 و.. إلا أنه في الواقع يحكم الفلسطينيون كل قطاع غزة وغالبية الضفة الغربية، رغم الحواجز والمداهمات والاعتقالات اليومية والمستوطنات العديدة، وما زالت إسرائيل تقرّ بقيام دولة فلسطينية حسب شروطها المرفوضة فلسطينيا. إلا أنه في الواقع الإيراني المفروض بالقوة ، فالأحواز العربية محتلة من عام1925  وترفض إيران الحد الأدنى من حقوق شعبها العربي، وتمارس بحقهم تطهيرا عرقيا لو مارسته إسرائيل ضد الفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم عام 1948 لما تكاثروا من 200 ألف عام 1948 إلى أكثر من مليون وربع عام 2008 ، و أيضا تستمر إيران في احتلال الجزر الإماراتية من عام 1971 رافضة أية مباحثات أو تحكيم دولي حولها وتستمر في التهديد بإعادة احتلال البحرين"، وفي قوله بموضع آخر: " بينما في الوقت ذاته انسحبت إسرائيل عام 1979 من كامل الأراضي المصرية المحتلة، ومنذ شهور تجري مباحثات علنية مع سوريا بهدف سوري صارم وهو الانسحاب من الجولان السوري المحتل عام 1967. ولا تهدد إسرائيل أية دولة عربية بالاحتلال رغم أنها القوة العسكرية الضاربة في المنطقة. بينما يستمر التهديد الإيراني بإسقاط كافة دول وأنظمة الخليج العربي".

إن مايعنيني هنا ليس الرد التفصيلي على هذا المنطق، بل هو استحضار ذلك السياق بهذا المنطق لدى القارئ الذي لم يقرأ مقالات كاتبنا، وذلك عند التعرض للإجابة على تساؤله المطروح آنفا.

التلاعب بالعقول

في مجال التلاعب بالعقول، هناك استراتيجية قديمة تعرف بطرح السؤال الخطأ، وذلك حتى يتم استلاب وعي المسئول من خلال استغراقه في الإجابة على السؤال، فلا يفكر خارج الإطار الذي يضعه السائل فيه، وحتى بالإجابة الصحيحة التي قد يتوصل لها المسئول تحت إلحاح السائل، فينبني عليها لزوم ما لا يلزم أصلا، هذا ما أرى كاتبنا يحاول أن يفعله بنا. إن أبسط أبجديات الاستراتيجية منذ صن تسو Sun Tzu  أبو الاستراتيجية منذ أكثر من ألفي سنة، وحتى كلاوزفيتز Clausewitz أبو الاستراتيجية الحديثة، تطرح السؤال الصحيح هنا وهو: ماهي أولويات العدائيات التي يتعرض لها العرب؟، وبإجابته لانغفل أولا عن رصد كل العدائيات التي تحيط بنا من جميع الاتجاهات وبدون استثناء، وثانيا نتمكن من التعامل مع العدو الأقرب كما تقول ألف باء الاستراتيجية. وللإجابة على هذا السؤال فهناك منهجا وآليات علمية معقدة تتراوح ما بين تحليل نقاط القوة والضعف أو SWOT Analysis في أبسط صورها، وطرق أكثر تعقيدا تعتمد علم بحوث العمليات Operation Research الذي أنتجته البحرية الأمريكية فيما بين الحربين العالميتين، وفيها يتم تحديد العدائيات المحتملة للدولة في إطار تعريفها لأمنها القومي، ثم يتم مقارنة وترتيب أولويات تلك العدائيات فيما يعرف بـ Plausibility Matrix.

وفي هذه الطرق جميعا ليس هناك في قاموس الاستراتيجية لتعريف وتحديد العدائيات ما يصفه كاتبنا بأن دولة ما "تدير مفاوضات" أو "لا تهدد" أو "تقر بقيام دولة ..." أو "تجري مباحثات"، فتلك كلها أشكال دبلوماسية سلمية، أو تكتيكية صراعية، لتحقيق أهداف سياسية محددة في إطار استراتيجية تم تحديدها بمنهج علمي صارم. ذلك المنهج يحلل الجغرافيا والثقافة والتاريخ والاقتصاد من خلال ما يعرف بالجيوستراتيجي Geostrategy والجيوإيكونوميك Geo-economics والجغرافيا الثقافية Geo-Culture للتعرف على محركات الصراع العالمي، ومحفزات الصراع الإقليمي، ومقومات القوة الوطنية، وتصميم استراتيجية الدولة، وتحديد أهدافها الاستراتيجية في إطارعناصر التهديد من الجوار الإقليمي والصراع العالمي، هذا قبل أن يحدد من هو العدو الأولى بالاعتبار في الأولويات ودرجة الخطر.

تهافت السؤال والسياق

بناء على ذلك التقديم الملخص جدا لمفهوم الاستراتيجية، يمكننا إلى الاطمئنان إلى أن كاتبنا بنى رأيه الملخص فيما سبق من أقواله، على تلك الأشكال من الدبلوماسية أو تكتيكات الصراع على سطح الأحداث اليومية، وأنه لم يتعرض لأي من المقومات الاستراتيجية لتحديد من هو العدو، ومن هو العدو الأقرب، وهذا، بهدوء، يضع كاتبنا بين خيارين أحلاهما مر، وهو إما يتفق معنا أن خطابه لايرقى لمستوى أبسط أبجديات الاستراتيجية، وبالتالي فبهدوء يحق لنا أن نتجاهل رأيه تماما وأن نهمل سؤاله باطمئنان، أو أنه يلم بها ولسبب ما يتعمد عدم اتباعها، وبالتالي فإنه يحق لنا أن نشكك في مقاصده من أسئلته!، وأبسط تلك المقاصد منطقا هو عدم اكتشاف القارئ لتهافت منطقه وضحالة أو إخفاء السياق المعرفي الكاشف للحقائق، بقصد تمرير وتطبيع المشروع الاستيطاني الصهيوني، وتعظيم درجة عداوة المشروع الإيراني، وذلك تحقيقا لأهداف استراتيجية هي، وللغرابة الشديدة، معلنة فعلا من خلال استراتيجية الهيمنة الأمريكية في إطار نظرية السير هالفورد جون ماكندر Helford J. Mackinder التي تتبناها العسكرية الأمريكية في وثائقها المعلنة، وهي الاستراتيجية التي تتمحور على أهمية السيطرة على أوراسيا أو الـ Heart Land ، بحسب تعبير ماكندر،  حيث يقرر أن من يسيطر على أوراسيا وهي المنطقة الآسيوية شرقا من أفغانستان إلى المنطقة الأوروبية غربا في بولندا. وللوصول إلى أوراسيا، فإن أي قوة غربية، بدءا من الأسكندر الأكبر مرورا بنابليون وحتى الجنرال اللنبي، فالجنرال شوارتسكوف، يجب عليها السيطرة أو المرور  في منطقة الحافة أو الـ Rim Land، وفي قلبها فلسطين وعلى أطرافها العراق وإيران شرقا ومصر غربا، ومن هنا كان قرار إنشاء إسرائيل، واحتلال العراق وتهديد أو احتواء إيران مابعد الشاه الحليف.

والآن يأتي دورنا في سؤال كاتبنا من موقع العلم والمعرفة: في ضوء تلك الاستراتيجية الأمريكية الكونية المعلنة بالضرورة، وفي قلبها إسرائيل، هل تساؤل كاتبنا في التركيز على استعداء العرب ضد إيران، ذلك الجار التاريخي للعرب لأنه محتل لبعض مناطق الجوار المتنازع عليها، والتي تم تخطيطها بمعرفة الاستعمار البريطاني كما يقرر ذلك عالم الجيوبوليتيك الشهير Peter J. Taylor، وفي نفس الوقت يحاول كاتبنا تمرير أو تبرير "الواقع الميداني" الإسرائيلي، هل هذا التساؤل يصب في مصلحة المشروع العربي أم في مصلحة المشروع الصهيو-غربي؟

الإجابة الصحيحة على السؤال الخطأ

ورغم خطأ سؤال كاتبنا من حيث المنهج، حيث أمنا أنفسنا ضد الانزلاق في الملعب الخطأ والغرق في تفاصيل تكتيكية تجرفنا بعيدا عن استراتيجية أمننا القومي، وبالإضافة إلى استعراضنا "للمعلومات" في أصول وأدوات الاستراتيجية في تعريف وتحديد العدائيات وتصنيفها وتحديد أولوياتها، وباستحضار التراث الشعبي المصري عبر تاريخه المتعدد الألفية، في استخلاصه لطبيعة الصراع الإنساني، فإيران  إبن عم وجار، وإن جار يمكننا مراجعته، أما إسرائيل فهي دخيل غريب وإن طالت إقامته، وإن اضطررنا مؤقتا لإستيعابه، وبالتالي تكون الإجابة ببساطة وبـ "هدوء" بأنه: "أنا وأخويا على ابن عمي، وانا وابن عمي على الغريب".

21 فبراير 2009

 مقال الدكتور أحمد أبو مطر

ثلاثينية نظام ملالي الخميني : نموذج يستورد أم خطر يقاوم؟

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية