مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 مصر التي في خاطره!
...............................................................

بقلم : مســـعد غنيم
....................

في لقائه الصحفي مع "مصرنا" قبل أسبوعين، أسدل د. أحمد أبو مطر ستارة شديدة السواد على المجموع العربي في صراعه مع المشروع الصهيوني، حيث اختتم حديثه بقوله: " من يصدق حكام منذ أربعين عاما في السلطة والكرسي ونهب الثروة. وهذا من صنع أيدينا كشعوب عربية ، فهذه الشعوب هي التي تهتف للطغاة بالروح بالدم نفديك يا.....أي أننا كشعوب نستحق هذا الهوان لسكوتنا على مسببيه". ومن الواضح أنه لم يستثن مصر أو أي دوله عربية أخرى.  ثم إذا به في مقاله "خلفيات الحملة المشبوهة ضد مصر باسم دعم الصمود" انبرى للدفاع عن مصر بحماس شديد، وقام بـ " تحري الحقيقة من وراء هذه الحملة المشبوهة من أطرف عربية وإقليمية للتشكيك في الجهود المصرية الرامية لرأب الصدع الفلسطيني" كما يقول. وبغض النظر عن رأيه السياسي في الموضوع، فإنني هنا بصدد إلقاء الضوء على منهجه في "تحري الحقيقة" حتى نطمئن إلى سلامة الاستدلال والتحري قبل أن نعتبر وجهة نظره السياسية، فاختلاف الرأي لايفسد الود أولا وأخيرا.

قراءة في المنهج

بداية فواضح منهج كاتبنا منذ افتتاحية المقال في إصدار حكمه المسبق بتوصيف اختلاف طرف مع طرف بأنه "حملة مشبوهه"، قبل أن يبدأ في "تحري الحقيقة"، أي أن المنهج هنا عكس المنطق، الحكم أولا ثم التبرير ثانيا، وليس "التحري" كما تفيد دلالة اللفظ منهجيا، حتى لو كان يقصد تحري الحقيقة وراء حكمه المبدئي، فـ "تحري الحقيقة" في المطلق ينسحب منطقا على ماقبل الحكم. إذن نحن هنا لسنا بصدد تحري أي حقيقة كما يدعي كاتبنا، ولكن نحن بصدد موقف متحيز، وليس في الرأي عيب، ولكن العيب في المنهج المعكوس الذي يدعى العقلانية و"تحري الحقيقة". وهذا هو بيت القصيد من مقالنا هذا.

وواضح أيضا عدم الاتساق في الرأي مابين حديث ومقال، فهو في حديثه الصحفي أهال التراب على كل النظم العربية دون استثناء، و "سود" الدنيا في عيوننا، بينما في مقاله المشار إليه دافع عن مصر حكومة وشعبا ضد "محور الممانعة". هذا بينما يبدو الاتساق واضحا جدا في فكر الكاتب في الحديث الصحفي والمقال، في تركيز هجومه على إيران وسوريا وحزب الله وحماس تحديدا، وكأن الصراع هو بين مصر من جهة وإيران وحماس من جهة أخرى!، وليس الصراع مع المشروع الصهيوني بداهة، فماذا يمكن أن نفهم من هذا؟

قراءة في المفردات

وفي قراءة لمفردات الدكتور أحمد أبو مطر في مقاله، نجد أن الثابت هو الهجوم على إيران، والتذكير بأنها دولة "محتلة" لأرض عربية بمساحة أكبر من فلسطين، ولايذكر كم شخصا بهذه الجزر الجرداء – المتنازع عليها - مقارنة بملايين الفلسطينيين في مقارنته تلك، ويصورإيران باعتبارها العدو الرئيسي للعرب، التي تهدد بشكل دائم بإعادة احتلال البحرين وتهديد دائم لدول الخليج العربي، بل وتهدد بـ "محو" إسرائيل. وعندما يتحدث عن إسرائيل يذكرها باعتبارها جار له "حدود" مع الدول العربية، ويتحدث عن "مدن" و"حدود" إسرائيلية، ولم يستخدم مفردة "مستوطنات" أو استيطان، وتجاهل بجرأة حقيقة أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي ليست لها حدود معلنة، وأنها في توسع مستمر ولم تعلن بعد توقفها عن التوسع ولم يقل لنا كاتبنا رأيه في هذا أهو تهديد استراتيجي أم لا؟. هذا بينما تقتصر مفرداته في وصف مجزرة غزة بـ "الاجتياح" و "الاحتلال" و "العدوان" و "قصف" لغزة لم يفرق بين حجر وبشر، واختزل في مفردة "بشر" مئات النساء والأطفال الشهداء الذين بلغت نسبتهم إلى إجمالى القتلى والجرحى حدا غير مسبوق في الحرب، في جرائم حرب اضطرت وزيرة خارجية إسرائيل إلى السعي لتعديل القوانين الأوروبية حتى لاتحاكم قادتها مجرمي الحرب. فإلى أي اتجاه تشير تلك المفردات المختارة بعناية؟

قراءة في الأيديولوجية

من زاوية أخرى، فعندما يتحدث كاتبنا عن "نظام الملالي" في إيران، لا يتحدث بالمقابل عن "المشروع الصهيوني أو التعصب الليكودي" عندما يتحدث عن إسرائيل، وعندما يتحدث عن صمود المقاومة اللبنانية وفشل إسرائيل باعترافها عقب الحرب على لبنان، يسخر كاتبنا في إشارة دينية واضحة الدلالة بقوله " الانتصار الإلهي". وفي حديثة عن اتفاق مكة بين الفصائل الفلسطينية، يخلط السياسي بالديني بقوله عن وفد حماس " ثم عادوا متنكرين لاتفاق مكة ومناسك العمرة" فهل يمكن أن نسنتنج دون تجن أن كاتبنا يحكم على نوايا الآخرين وعلاقاتهم بالله؟

بحث عن الهدف الاستراتيجي

وإذا بحثنا عن هدف للمقال وراء الدفاع عن مصر، فلن نجد غير الهجوم على إيران وسوريا وحزب الله وحماس، الذين يدّعون "الصمود" بحسب تعبيركاتبنا، الذي لم يتعرض لشرح الصمود ضد من، باعتبار أن ذلك مفهوم بالواقع، ولكن ألا يستحق الاختلاف حول معنى الصمود قليل من الاعتبار باعتبار أن الهدف واحد بين فرقاء العرب والجوار؟، وألا يستحق كثير من التفرقه بينه وبين الاتفاق على "السلام" الذي لم يأت ولاتظهر بوادر على مجيئه؟ وألا يثير التساؤل والدهشة أن يتفق هجوم كاتبنا على "الصامدين" مع أهداف "العدو" الصهيوني، بالمعنى التاريخي لا السياسي،؟ وألا  يستحق الاعتبار بالتفكير أن هجوم كاتبنا على إيران ينسجم تماما مع الهجوم الأمريكي الجيوبولوتيكي عليها؟ وهل ذلك الهجوم هو فعلا لصالح القضية الفلسطينية؟ وهل الهجوم على إيران هو دفاع عن مصر؟ أم دفاع عن إسرائيل التي تهدد إيران نوويا لمجرد استخدام حقها في البحث النووي؟ ثم سؤال استراتيجي ساذج؛ ألا تعتمد إسرائيل في سلامها وسلامتها على "ردعها" لمصر والعالم العربي والإقليم على سلاح الردع النووي؟ وأن ذلك الردع النووي هو الحاضر الغائب في اتفاقية "السلام" المصرية، وهو الذي ينعكس على كل اجتهادات مصر في التعامل مع القضية الفلسطينية؟ وأليس ذلك الردع النووي هو بالضبط ما "يعيّر" به كاتبنا إيران وسوريا وحزب الله في عجزهم عن إطلاق رصاصة واحدة عبر "الحدود" مع "الجانب" الإسرائيلي؟. وأخيرا، هل يعني ذلك أن هدف كاتبنا هو تسويق "الإرهاب النووي" الإسرائيلي باعتباره واقعية سياسية، تستدعي حتى التهجم على الشقيق العربي، والجار التاريخي إيران؟

عن مصر

وفي محاولة فهم منهجه في دفاعة عن مصر، والارتكاز عليه في هجومه على إيران وسوريا وحماس، نجد أنه استهل مقاله بالتذكير بمصر الستينيات التي آوت وعلمت سكان القطاع، ولم يقل لنا ماذا تقدم مصر منذ الثمانينات وحتى الألفية الثالثة لهم. أي أنه حتى يستميل القارئ، استحضر لذهنه مصر "ناصر" بتوجهها القومي العربي دون أن يذكر ذلك صراحة، وتجاهل واقع مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد وتراجعها الظاهرعن أولوية التوجه العربي والقضية الفلسطينية، ذلك الواقع الذي لايشهد إجماعا عليه داخل مصر قبل خارجها. أعتقد أن واقع مصر لايحتاج إلى تجميل أو "تزييف"، فمصر "السادات" وقعت المعاهدة مع العدو الإسرائيلي في وضح النهار، ولها في ذلك استراتيجيتها ومعاييرها للأمن القومي المصري، ومصر "مبارك" استقبلت وزيرة الخارجية الإسرائيلية قبيل "تدميرها" لغزة وقتل أطفالها ونسائها، في وضح النهار أيضا، وهي في ذلك أيضا لها رؤيتها الاستراتيجية في التعامل مع القضية. كان هذا عن مصر "حكومة"، أما مصر "شعبا" كما يحدد كاتبنا، فقد نسى ما قاله في حديثه الصحفي عندما حكم على هذا الشعب نفسه بأنه " نستحق هذا الهوان لسكوتنا على مسببيه (يقصد الحكام)". إن مصر ليست على قلب رجل واحد، وهو أمر ديموقراطي طبيعي بحسب طبيعة العصر، وهناك الكثير الذين لايتفقون مع الحكومة في إدارة الأزمة، ولكن ذلك لم يعن مطلقا أي "إهانة" لمصر حكومة أو شعبا، فمصر التاريخية أكبر من مصر ناصر أو السادات أو مبارك، كما قال بحق أستاذنا الكبير محمد حسنين هيكل، فعن أي مصر يتحدث كاتبنا؟

لقد تعمدت أن أطرح من الأسئلة أكثر مما أستنتج من الإجابات خلال قرائتي للدكتور أحمد أبو مطر، وذلك حتى أترك لقارئنا العزيز أن يستنتج رأيه بنفسه فيما يكتبه كاتبنا، هل هو لصالح العرب وقضيتهم المركزية فلسطين، أم لصالح المشروع الصهيوني؟ وهذا التساؤل والنقد وهذه التعرية والشفافية، هي ما وعدت به عندما دافعت عن حق كاتبنا في ألا  يحكم عليه أحد بالتكفير السياسي لمجرد احتفاء بعض المواقع الصهيونية بكتاباته، والتي دافع هو عن نفسه بأنها مقتطعة ومجتزأة من مقالاته. أما عن دفاعه عن مصر ضد ما سماه "تصاعد المسلسل المشبوه للطعن في مصر وحكومتها وشعبها متناسين بحقد أعمى كل ما قدمته مصر للقضية والشعب الفلسطيني"، فأقول بوضوح إن مصر لم تدافع أبدا عن الشعب الفلسطيني، أي نعم، إن مصر "تدافع عن نفسها" لمن يفهم في الجيوستراتيجي، وما فلسطين إلا جزء من ذلك الجيواستراتيجي، وبوابتها الجغرافية للتاريخ شرقا، والقول بأن مصر ضحت من أجل الشعب الفلسطيني هو استهلاك جماهيري، لا يمت لأصول الجيوستراتيجي بصلة، وبالتالي فإن مصر، تلك التاريخية، لاتحتاج لدفاع أحد عنها، أما ما يدافع عنه كاتبنا، فتلك في رأيي مصر أخرى، "مصر التي في خاطره"!!.

6 فبرابر 2009

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية