مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 تركيا ضد الانتحار الحضاري
...............................................................

بقلم : مســـعد غنيم
....................

كتب الدكتورأفنان القاسم، في موقعه على الشبكة، مقالا دسما ومركزا بعنوان " لأنتصار ولا هزيمة، ستون عاما أخرى لإسرائيل". شجب فيه عرض فيه الموقف الراهن للقوى المباشرة في الصراع العربي الإسرائيلي، وطرح رؤية متوسطة المدى تؤكد استمرار واقع "عدم السلم الدائم"، واستحالة رأب الصدع الفلسطيني، واستمرار سيطرة التوجه الإسلامي للشعب الفلسطيني، وعدم انتظار نتائج قريبة لنضال البدائل العلمانية، بمعنى الإختيار الطوعي لعبودية الأئمة. وفي النهاية رهن حرية الفلسطيني بحدوث ثورة اقتصادية عالمية صعبة المنال في الوقت الراهن، وأرى أن هذا يبدو طرحا واقعيا ينتهي إلى تكريس اليأس، ولا أقول الهزيمة. فإلى أي مدى يمكن أن يكون هذا الطرح صحيحا بالنهج العقلاني ذاته الذي انتهجه كاتبنا؟

أولا فإن معايير النصر والهزيمة في أي صراع تقاس بمدى تحقيق أهداف كل من طرفي الصراع. وأهداف أي صراع تحدد على مستويات حضارية واستراتيجية وتكتيكية. فعلى المستوى التكتيكي إذا كان أهم أهداف الهجوم الصهيوني هو تصفية حماس، فقد فشل. وإذا كان هدف حماس فلسطين هو الصمود فقد نجحت. وعلى المستوى الاستراتيجي فإذا كان الهدف المرحلي للمشروع الصهيوني هو التطبيع، فربما يكون قد نجح في المحور الاقتصادي – والناس على دين مصالحهم – بقوة السلاح والسياسة الأمريكية وتخاذل النظم العربية، ولكنه بالقطع فشل في التطبيع الإنساني الشعبي وهو بلاشك الأساس الفعلى لأي مشروع حضاري.   

تساءل الدكتورالقاسم" فهل ستحول مقاومة الشعب الفلسطيني دون خطب الزمان بعد عداء المكان لها؟"، وتضمن سؤاله بعدي الجغرافيا (المكان) والزمان (التاريخ)، ولكنه اختزلهما في خلل واضح، وحصرهما في فضاء فلسطين فقط، وأسقط أن حقيقة الصراع المثبته بالتاريخ أنه عربي صهيوني منذ 48 على الأقل، بمعنى أن بعدا الجغرافيا والتاريخ هنا يجب أن يشملا العالم العربي، بالواقع التاريخي والثقافي شاملا البعد الإسلامي. هذا الطرح المختزل المخل هو الذي يستخدمه بالتحديد، المشروع الصهيوني لتفريغ القضية من عروبتها كما رأينا، وإسلاميتها كما نرى. ومن هنا فالمكان العربي لم يعادي الشعب الفلسطيني، ولا الزمان أيضا، بل إن العكس هو الصحيح، فإسرائيل هي التي تمثل شذوذا جغرافيا – تاريخيا محكوم عليه بالتصحيح والتقويم في الزمان، ومنطقيا لن يكون ذلك على حساب العرب بحساب الحجم على الأقل. ولا شك أن الفضاء التركي الذي عاود انضمامه بقوة إلى أرض الصراع العربية ببعد إسلامي واضح الدلالة، يسقط تساؤل كاتبنا شكلا وموضوعا، في بعدى المكان والزمان.

وإذا كان من المحقق أنه " لا هوية شيوعية للبندقية أو إسلامية أو علمانية، ولا هدف آخر لها غير التحرير" كما أشار كاتبنا، إلا أن هذا لايحتم استحالة توحد الشعب الفلسطيني الذي هو في النهاية ليس حماس أو فتح فقط، وأن الحتم بأنه " ستبقى الأمور كما هي عليه الأمور كأمر واقع قائم على عدم السلم الدائم" ليس من العقلانية فيما أظن، وإن كان الواقع يؤيده بقوة السلاح الصهيوني 60 سنة أخرى كما يتنبأ كاتبنا، فإن هذا تحديدا هو مايؤكد عدم تاريخية ذلك الواقع أو إنسانيته، وبالتالي عدم عقلانيته، لأن مركزالقوة متحرك دائما في الجغرافيا والتاريخ.

من ناحية أخرى، فإني أتفق مع الدكتورالقاسم في رؤيته لثقل محور الصراع الديني – العلماني، كمحور من محاور الصراع العربي الصهيوني، وأتفق معه في أن عامل الزمن هو الذي سيحدد النتيجه، بل وأزيد  أن هذا هو أخطر محاور الصراع، وأسبق تاريخيا، بل ربما لا أتجاوز الحقيقة إذا ما قلت أنه هو السبب الجذري للقضية، وكل قضية للعرب والمسلمين. كما أعتقد أن عامل الزمن هنا يجب أن يشمل مفهوم الأولويات، وأن تلك الأولويات لاتعنى بالضرورة نفي محور على حساب الآخر نسبيا في الزمن، بل يجب أن تعنى بالمزيج الأمثل من محاور: الديني – العلماني، والقومي – الوطني، والحرب – التنمية، وذلك حسب طبيعة مرحلة الصراع، خاصة عندما يكون حضاريا. ولعل الانقلاب في الموقف التركي العربي من مدخل القضية الفلسطينية يفتح آفاقا لتناغم علماني ديني، بعد نضج تركيا الحضاري واعادة الاتزان بين العلمانية والدين، وتكون عاملا محفزا ومرجعا تاريخيا يكسر حاجز الخوف من العلمانية، ويخفف من غلواء الحداثة تجاه الدين.

أما عن عبودية الشعب الفلسطيني التي ربط الدكتورالقاسم إنهائها بشرط تغيير اقتصادي في الغرب عن طريق "ثورة اقتصادية صعبة المنال في الوقت الراهن"، فأعتقد أن هذا تعسف في الاستدلال يصب مباشرة في "ثقافة الهزيمة" واليأس. ليس حتميا أن تنتظر القضية مثل هذا التغيير التاريخي، فالعلم والعقلانية لايعرفان الحتمية، والمقاومة شأنها شأن أي فعل إنساني، لاينقصه الخيال والإبداع في اختراع الحلول بذلك العلم الذي لايعرف الحتمية، ومنها عدم حتمية افتقارنا للعلم، كما لا يعدم شأن المقاومة عمق الإيمان بالسماء التي لاتقفل بابا للأمل. إن " التغيير" الذي أشار إليه كاتبنا، يعصف بالعالم في جميع أوجه النشاط الإنساني وفي قمته الجيوستراتيجي والجيوإيكونوميك، في إيقاع تكنولوجي يقاس بالفيمتوثانية، وليس حتما أن ننتظر 60 سنة أخرى حتى نأمل في التحرير، فقد مضى 60 سنة ولم يحقق المشروع الصهيوني أهدافة بالقبول في المنطقة والقضاء على المقاومة.

في هذا المقام، فإن العودة القوية والمفاجئة لتركيا رجب طيب أردوغان بذاكرتها العثمانية المحملة بعبق التاريخ الإسلامي إلى حلبة الصراع ضد المشروع الصهيوني حتى وإن كان في حدود تكتيكية ولا يمس المصالح الاستراتيجية الثابتة، توضح غموض "التغيير" المحتمل في مسار التاريخ ضد الانتحار الحضاري للنظم العربية ومنظريها من جهة، وضد التقوقع الحضاري المفروض على تركيا بعد وصد أبواب أوروبا في وجهها الإسلامي. باختصار، أعتقد أن مجمل مقال الدكتور أفنان القاسم هو مقاربة ظاهرها العقلانية والواقعية، وباطنها قد يوحي بالانتحار الحضاري عمليا، وهو مطلب صهيوني فيما أظن، وبالتأكيد فهو مرفوض عربيا، وإسلاميا، وإنسانيا، وغير محتم علميا.

30 يناير 2009

 

 

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية