مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 هؤلاء الغوغائيون البسطاء وإنسانيتهم الجارفة
...............................................................
 

بقلم : مســـعد غنيم
....................

انتصار أخلاقي وإعلامي للمقاومة في غزة

استراتيجيات وتكتيكات إعلامية

هناك إجماع على الانتصار الإعلامي والأخلاقي الكاسح لحماس - غزة - فلسطين على منظومة الإعلام الغربي الأخطبوتية حتى بأذرعها العربية، والمنحازة أصلا، وفي تيارها الكاسح، ضد العرب لأسباب جيوسياسية وجيوثقافية مفهومة، وذلك في استمرارية تاريخية لأدبيات تراث استشراق أوروبي لاينقصه التحيز ولايخلو من التعصب ضد العرب والإسلام. ذلك التعصب الذي فندة المفكر الأمريكي والفلسطيني الأصل إدوارد سعيد منذ نحو 30 عاما بصدور كتابه: الاستشراق، ومازال حتى اليوم مثيرا للتأمل بقدرته على استشراف قضايا متجددة حول ثنائية الشرق-الغرب منذ قال أن الشرق عدو مفترض أو أسطورة خلقها خيال الغرب. وفي تقديري أن الشعوب الأوروبية قد نضجت حضاريا بالعمق الإنساني، وليس بالسطح التكنولوجي فقط، وأصبحت في قطاعات كبيرة منها، تعتبر القضايا الإنسانية بأبعادها السياسية والبيئية، هي قضاياهم بالدرجة الأولى، وفي تظاهرهم لنصرة تلك القضايا، أعتقد أنهم قادرون بنضجهم الحضاري أن يتفهمو – رغم رفضهم واستيائهم - ثقافة الشعوب المقهورة ومدى تأثير ذلك القهر،إنسانيا، على السلوك السوي والمتحضر المفترض منهم، وخروج بعض منهم على هذا السلوك في بعض المدن الأوروبية، تحت ثقل فاجعة إنسانية غير مسبوقة في غزة، من تعنت المعتدي وصمود المعتدى عليه وكم الدماء البريئة المسال ببرود غير مسبوق من نظم الهيمنة العالمية.

حركة الجماهير إنسانيا

إن ذلك الجمهور الأوروبي المتحضر، هو الذي صنع مظاهرات سياتل التاريخية ضد العولمة بكل ما صاحبها من مظاهر عنف لم يمنعها نبل المقصد، أو رقي المطلب، أو ارتفاع المستوى الثقافي والأكاديمي للمتظاهرين، ولكنهم بحسهم الحضاري استبقوا رؤية الدماء في العراق وفلسطين وغيرها من مواقع الهيمنة المرصودة ميدانا لحروب متوقعة في سياق العولمة والجيوستراتيجي الغربية، وقد حدث، ويحدث الآن في غزة. ووصل الحد أن شهدت إيطاليا – روما فيما أظن – أول "شهيد" للعولمة في مظاهرات عنيفة لمثقفي العالم ضد مؤتمرات وآليات مؤسسات العولمة. وفي غير ما مبرر إنساني أو قضايا بيئية، فإن الجمهور البريطاني الرافض لإهدار الإنسانية في غزة، هو نفس الجمهور الذي رأى الدماء تسيل في ملاعب الكرة تعصبا غبيا وعنيفا، وبالطبع لم يتم السكوت عليها، وأخذت حظها من النقد الذاتي إنجليزيا، والعقاب أوروبيا، بمنع الجمهور الإنجليزي المشاغب من حضور المباريات.   

تقرير لا تبرير

إذن، وفي غير ما تبرير إطلاقا، إذا كان عنف الجمهور الأوروبي في التحركات والتظاهرات الشعبية Mass movements، هو أمر إنساني مفهوم ومتوقع بالطبيعة، فلا أعتقد أن المجتمع الأوروبي سيكون أقل تفهما للعنف – المحدود في بعض المدن– الذي أبداه المغتربون العرب والمسلمون، تظاهرا ضد سفك دماء غزة، وهم من الشعوب الأقل حظا والأكثر سحقا من آلة العولمة والهيمنة. ومن ناحية أخرى فإن رفض هذا السلوك ونقدة وتصحيحه هو أمر منطقي وضروري، وهو الأمر الذي تم على بعض صفحات "مصرنا" باتجاهات مختلفة، والقارئ الواعي سيرى أن هناك على الأقل اتجاهان واضحان لهذا الرفض، الأول اتجاه نقدي بناء، مع حدته لايفقد انتماءه العربي رغم قسوة النقد. والثاني اتجاه يصعب صفته بالنقد، بل هو إلى النقض أقرب، ويكاد لايترك أملا في تصحيح لخطأ او تقويم لسلوك.

النقد والبناء الحضاري

يمثل الاتجاه النقدي ما جاء في مقال الزميلة زكية خيرهم في مقالها عن " مظاهرات للتضامن أم فوضى للاستنكار" على صفحات "مصرنا" عن السلوك الهمجي لبعض جمهور عربي وإسلامي في النرويج، فبعد وصف ماحدث من انقلاب التعاطف الأولي من الشعب النرويجي إلى سخط ورفض لهمجية المغتربين العرب في سلوكهم العنيف أثناء المظاهرة وانتهى المقال إلى تساؤل إيجابي: " لماذا نريد العيش في هذه البلاد الوديعة الآمنة بتقاليد بلادنا ؟ متى نتعلم أن المحافظة على قوانين البلاد التي آوتنا من خوف وأطعمتنا من جوع ، يكسبنا الاحترام والتعاطف مع قضايانا. ألف لماذا وألف متى تحتاج لصفحات لطرحها". أي أن الزمية زكية تطرح تساؤلات تحفيزية إيجابية تستنهض العقل باتجاه المصلحة بمثل ماتستنكر السلوك الغوغائي.

النقض والانتحار الحضاري

يمثل الاتجاه الثاني النقضي فيما كتب على صفحات "مصرنا"، ماجاء في مقال الدكتور أحمد أبو مطر بعنوان "غوغائيون حتى في تضامننا"، حيث استهل المقال ببداية ملتهبة حزنا وألما على الدم العربي الفلسطيني المسفوح في غزة، ونقمة واستمطارا للعنات على البربرية الصهيونية، ولكنه للغرابة ينتهي إلى نتيجة سلبية مظلمة، لم أستطع أن أربطها بالتعاطف البادي في في مستهل المقال، حيث يختزل الدكتور أحمد التظاهرات العربية بكل ألوان طيفها، السلمية منها والعنيفة، المتحضرة والهمجية، في أنها: " نفس الممارسات التي أصبحت صفة لازمة للمهنة الوحيدة التي يجيدها العرب وهي مهنة التظاهر والتصريحات"، هكذا!. تقرير واثق يقتل الأمل في أي إصلاح ويرسخ الانهزامية، حتى مع اعتبار غضب الكاتب وتأثره بتخلف الجماهير العربية، وتخاذل أنظمتها، في غضب يشبه غضب الأب على ولدة، إلا أن الأب دائما يفتح باب الأمل ويشير للحل، وهذا ما لم أجد أي منه في المقال.  هذه هي قرائتي للمقال، وقد أكون مخطئا، بل أتمنى مخلصا أن أكون كذلك، وأسعد بأي تصحيح لهذا الفهم.

استراتيجيات وتكتيكات إعلامية

بالقطع فإني لا أملك، ولا يملك أحد، أن يشكك في صدق النوايا والمقاصد هنا، إلا أن التساؤل عن المباني والمعاني يظل دائما أمرا مشروعا، بل واجبا، على من يتصدى لمخاطبة رأي عام واع ومسئول، مثل قارئ "مصرنا"، خاصة في ظل استراتيجيات وتكتيكات إعلامية وصلت إلى أعلى درجات الحرفية في التمويه والخداع، ولا يخفى على القارئ التكتيك الإعلامي المتمثل فيما ما يعرف بـ "التأثير النفسي العكسي" أو Reverse Psychology، حيث يبدأ الكاتب بالتعاطف مع القارئ حتى يضمن استقطابه نفسيا، ثم يقوم بتمرير رسالته الأصلية بأسلوب غير مباشر، وهي غالبا ماتكون عكس مقدمته المتعاطفة، وهناك من الأساليب ماهو أعقد بكثير بحيث تحتاج إلى خبراء لكشفها، ويصعب حتى على القارئ المثقف ألا يقع فيها، والتاريخ يخبرنا كثيرا عن "الخدع الكبرى" على مستوى العالم.

عن العرب والعروبة

مرة أخرى، وبعيدا عن النوايا وحصرا في النصوص، يحق لي أن أتساءل في سياق مقال الاتجاه الثاني، النقضي، فحين يتساءل الكاتب: " فلماذا العرب فقط أصبحت الوظيفة الوحيدة التي يجيدونها هي الكلام والتظاهر والثرثرة؟" هل يحمل السؤال إيحاءا إيجابيا أو تحفيزا إصلاحيا، مثل تساؤل اتجاه المقال الأول؟ ألا يحمل احتمالا بأن يكون تساؤلا أنثروبولوجيا يحمل إيحاءات عنصرية!؟ خاصة وأنه من باب الضمير، أقصد ضمير المتكلم "نا"، فبالمقارنة باتجاه المقال النقدي الأول، الذي استخدمت فيه الزميلة زكية ضمير المتكلم للجماعة "نا" من أول المقال لآخره، مثل " بلادنا، ثقافتنا، سلوكنا..."، بينما يخلو المقال الثاني "النقضي" للدكتور أبو مطر من ضمير المتكلم تماما، بطول المقال وعرضه، فيما عدا العنوان فقط. فهل عندما يتحدث عن العرب "العاربة أو  المستعربة"، على حد تعبيره، هو بسبب عدم انتمائه للعرب أصلا، وليس في هذا، بحد ذاته، أي خطأ أو صواب، أم أنه عربي قد تبرأ من العروبة، يأسا وغضبا، من جراء همجيتهم وعدم معرفتهم إلا بالصياح والتصريحات؟. وإذا كان غير عربي فهل يحق له، ككاتب ومفكر ذو حضور إعلامي واضح، أن يخفي انتماءه الثقافي أو العرقي عند توجيه مثل هذا الخطاب العنيف تجاه ثقافة أو عرق آخر؟ مجرد سوال برئ.

عن الإسلام

 استمرارا للمقارنة بين المقال "النقدي" والمقال "النقضي"، وبعيدا عن استنفار التعصب البغيض للعقائد، نجد أن الإشارة إلى الإسلام في مقال الزميلة زكية خيرهم النقدي ترد في أكثر من موضع، وفي إطار الإشارة أو الربط بين العربي والإسلامي، وهو الأمر الطبيعي تاريخيا وثقافيا، وهو الأمر الواقع بحكم التوجه الإسلامي لحماس غزة، دون حكم لهذا الأمر أو عليه، فليس هذا من شأننا هنا. هذا بينما مقال الدكتور أبو مطر، "النقضي"، يخلو تماما من أي إشارة أو ربط بالإسلام، اللهم إلا في اسم ابن القذافي "سيف الإسلام" في معرض نقد الكاتب بعنف ومرارة – وأتفق معه في ذلك – لموقف النظم العربية. وليس لي هنا من اعتراض أو رأي، فليس هناك مايؤخذ على المقال في ذلك، وإنما هي ملاحظة جديرة بالفهم، وأكرر، لا تثريب في ذلك إطلاقا.

عن الغوغائية

مع الثورة الصناعية الرابعة في المعلومات والاتصالات، ونضوج المجتمع المعرفي العالمي، أعتقد أن هناك تناميا في الوعي الحضاري للبشر عموما، وهناك زيادة في درجة التضامن الإنساني بين الشعوب، هذا بغض النظر، أو بالرغم من ازدياد شراسة نظم الهيمنة بدوافعها أو تبريراتها الجيوستراتيجية للاستحواذ على الموارد والثروة في الكرة الأرضية، وامتلاكها واستخدامها لأكثر النظم شيطانية في تزييف الوعي من خلال محاور تعليمية وثقافية وإعلامية باستخدام تكنولوجيات للمعلومات والاتصالات تتخطى في سرعة تطورها خيال حتى المتخصصين. وكما رأينا فالغوغائية والعنف في إطار حركة الجماهير هو أمر طبيعي وإنساني، سواء كانت عدوانيتها نابعة من ثقافتها المتخلفة أو من بشاعة الحدث التي تتظاهر ضده واستثارها، أو كانت تلك الجماهير مستثارة بفعل فاعل وعن عمد لتشويه صورتها، وهو أمر تاريخي معروف، وأيقونة أبدية في عنق أجهزة الأمن والمخابرات، وما الاحتفال بعيد العمال أول مايو عالميا إلا تذكير سنوي بمؤامرة نظام الأمن الأمريكي في شيكاجو والمتحالف مع منظومة الرأسمالية المتوحشة، عندما عمد إلى بث عناصره في المظاهرة العمالية السلمية لتحويلها إلى العنف وبالتالي تبرير استخدام العنف بل والقتل الجماعي ضدها، وقد تم اكتشاف ذلك وتسجيله تاريخيا، وهذا ماصنع عيد العمال العالمي.

طبعا ليس هذا بتبرير على الإطلاق لأي سلوك غير حضاري من العرب وغيرهم من خلق الله، عندما يتظاهرون بعنف من باب " ...إلا من ظلم"، ولكنه محاولة إثراء للحوار بطرح أوجه أخرى لرؤية نفس موضوع "الغوغائية"، فهؤلاء الغوغائيون البسطاء، وبرغم كل شئ، هم الضمير الإنساني الحي الذي تغلب على محاولات تزييف وعيه وحسه، يمارس حقه في "أضعف الإيمان" بإعلان رفض الظلم وتأكيد المقاومة، حتى ولو لم يقاتل، جبنا أو عجزا أو قهرا. فلم يعيب أحد على الضمير الغربي أنه لم يقاتل ضد المعتدين من أبناء جلدتهم وأنهم اقتصروا على مجرد التظاهر أوالصياح، أو في كتابات إنسانية منصفة، في ذلك الغرب، من رموز ثقافية سامقة مثل نعوم تشوموسكي اليهودي الأمريكي، ورموز إعلامية مثل روبرت فيسك في صحيفة الإندبندنت، ورموز برلمانية مثل جورج جالوواي في بريطانيا.

عن العلم والعقلانية

في آخر السطر أقول أن هذا اجتهاد في قراءة قد تخطئ وقد تصيب، لبعض ماينشر على صفحات "مصرنا"، والهدف هو اكتشاف الزوايا الأخرى للرأي والرؤية، وإثراء للحوار، حتى تتم القراءة الصحيحة بقدر الإمكان لما ينشر عن الصراع العربي الصهيوأمريكي في موقعة غزة - حماس. فمن العقلانية أن نطرح التساؤل دائما، ومن فلسفة العلم أن نشك حتى في أكثر النظريات والحقائق العلمية إثباتا وثبوتا، وما أكثر النظريات التي ثبت خطؤها، وما أكثر الحقائق التي انكشف زيفها.

18 يناير 2009

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية