مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الدين لله والمقاومة للجميع
...............................................................
 

بقلم : مســـعد غنيم
....................

كتب الدكتورأفنان القاسم فى مقال "لا تنسوا أن حماس حركة فاشية!" أنه يجب إقصاء الدين " الفاشي بأتم معانيه" بحسب تعبيره، وذلك عن معادلة الصراع العربي مع المشروع الصهيوأمريكي، لأن القضية الفلسطينية هي سياسية في المقام الأول، وأن تحويلها إلى قضية دينية هو استراتيجية صهيونية، لتبرير وجودها بصفة دينية، ثم تم اختراع "الإرهاب الإسلامي"، وبه التحمت إسرائيل بمشروع الهيمنة الأمريكي بشكل أقوى وأكبر. كان الكاتب قاطعا في رأية متيقنا من رؤيته، وحكم من خلال مقاله على علاقة الدين بالمقاومة، كشكل من أشكال الصراع الإنساني، بضرورة الفصل، بقوله "..ومن يدعو إلى خيار المقاومة عليه أن يجد بيرقا آخر (يقصد غير الدين) ينضوي المقاومون تحته". وأعتقد أن الكاتب يتفق وتيار فكري سائد في القول بأن المشروع الصهيوني (العلماني) يستخدم الدين في تحقيق أهدافه الاستيطانية على حساب فلسطين، وأعتقد أن الشواهد التاريخية تؤكد ذلك. ولكن كاتبنا لم يبرر بما يكفي، تأكيده! بأن الهدف من تشكيل حماس هو تأجيج للصراع الديني على حساب البعد السياسي وبالتالي خدمة الهدف الصهيوني. إن اتهام حماس بالعمالة لإسرائيل أمر مطروح في ساحة الإعلام والرأي، ولكن دون إثبات جاد أو شواهد على الأرض. ولأن المعلومات المخابراتية ليست متاحة للعامة من أمثالنا، فلا يعدو الأمر في نظري أن يكون أكثر من حرب نفسية، فليس أسهل من الاتهام بالخيانة والعمالة بدون دليل!.

في ذروة إحباطة، أهال الدكتورأفنان القاسم جدران "المسجد الإسلامي" على رأس الأمة، وأدان الجميع بلا استثناء: الأنظمة العربية وبأثر رجعي، والشعوب العربية، والفئات السياسية والاجتماعية بحسب تعبيرة، ولم يستثن الدكتورأفنان القاسم ا حتى المقاومين المحاربين في لبنان. وأستطيع أن اتفهم أسباب الغضب والإحباط في مقال الدكتورالقاسم، ومن منا له بعض من عقل أو بعض من ضمير إنساني لايغضب ولا يحبط أو حتى يفقد عقله و"يشرب من نهر الجنون" كما علق الأستاذ هيكل بحكمة الشيوخ على فاجعة غزة، من تشريد وتقتيل شعب بأكمله تحت سمع وبصر القانون الدولي في القبضة الأمريكية، وتخاذل أو خيانة بعض الأنظمة العربية. ولكن أن يتحول الأمر من نقد الذات أو حتى جلدها إلى الانتحار الثقافي، فلا أعتقد أن الدكتورالقاسم يعني ذلك حقا.

حسمت الفلسفة طبيعة علاقة الدين بالصراع الإنساني إلى حد القول " ..وكما نسلم جميعا، يؤثر العلم الآن على حياة الناس أجمعين تأثيرا عميقا. بيد أن تأثير الدين أيضا (أو الأديان) على حياة الناس أجمعين تأثير عميق. وتاريخ الدين له على أبسط الفروض أهمية تاريخ العلم نفسها". كان ذلك اقتباسا عن Karl R. Popper، الفيلسوف الكبير في كتابه أسطورة الإطار The Myth of The Framework. ويضيف كارل بوبر عن العلاقة المباشرة بين الدين والحرب:" ..يصدق القول عن كل حروبنا تقريبا إنها كانت حروبا إيديولوجية: حروبا دينية أو اضطهادات أيديولوجية – دينية".  وفي سياق عربي،  وبتعبير نصر حامد أبو زيد: " لاخلاف على أن الدين – وليس الإسلام وحده – يجب أن يكون عنصرا أساسيا في أي مشروع للنهضة". 

كان هذا رأي الفلسفة في العلاقة الارتباطية بين الحرب والدين، ولنا في سجل التاريخ شرقا وغربا، وما سجله كاتبنا من الوجه الديني "المخطط" للصراع العربي الصهيوني، ما يمكننا أن نطمئن إلى أن الدين بجميع صيغه الأرضية ووحيه السماوي، كان عنصرا فاعلا بدرجة أو بأخرى، صريحا أومستترا، في الحروب البشرية. هذا من مستوى إمبراطوريات الهيمنة إلى صراعات القبائل. وبالتالي فإن ما يدعو إليه الدكتورالقاسم من ضرورة "البحث عن بيرق آخر غير الدين لانضواء المقاومة الفلسطينية تحته" هو طرح يصعب قبولة بجدية، فهو إضافة إلى مخالفته للثابت في الفلسفة وللمسجل في التاريخ، فهو غير عملى من النظرة الأولى لواقع صراع الحضارات القائم، ولا يعني هذا ترويجا لصموئيل هنتنجتون، بل هو قراءة مباشرة لواقع تاريخي وفلسفي، وتوجهات سياسية أيديولوجية تتراوح بين حلم رومانسي بحوار الحضارات، ومؤامرة استراتيجية لصراعها.

لقد رأينا أن الدين لا ينفصم عن الحرب غالبا، وأن الارتباط الغالب بينهما ثابت فلسفيا وتاريخيا، ومن العقلانية، ورفضا للانتحار، أن نسعى كمثقفين للبحث – على الأقل – عن باب للأمل. ولأن المعرفة غير يقينية بطبيعتها، فلا أعتقد أن عاقلا مهما كانت درجة إحباطة ويأسه يستطيع القطع باستحالة الأمل لأمة تحمل من رصيد الحضارة مالا يختلف عليه أحد، وتملك من موارد الحياة وإرادتها ما يكفي للاستمرار في المشاركة في ركب الحضارة الإنسانية، مهما كانت شراسة التحديات. يمكننا إذن وكحد أدنى أن نحاول تحديد أفضل معادلة لعمل الدين مع المقاومة بما يحقق تعظيم قوتها لدى الأمة، في اتزان مع باقي عناصر القوة الشاملة لها من سياسية واقتصادية وعسكرية، ويحررنا في نفس الوقت من اللاعقلانيه، بمعنى ألا يطغى أي تطرف ديني – إسلامي أو غيره - على عقلانية تحديد الاستراتيجيات والسياسات، ودعونا نستطلع رؤى العرب من أصحاب الرؤى العلمانية ، وليست الدينية، لتلك العلاقة.

يرى إدوارد سعيد المفكر الأمريكي الفلسطيني الأصل، في كتابه عن المثقف والسلطة، أن " الإسلام هو دين الأغلبية على أية حال، ولا أعتقد أن دور المثقف أن يقول وحسب إن " الإسلام هو الحل"، فيسوى بهذا بين معظم المنشقين والمخالفين، ناهيك عن التفسيرات التي تتفاوت تفاوتا شديدا للإسلام. فالإسلام قبل كل شئ دين وثقافة، وكل من هذين مركب من عدة عناصر، وأبعد ما يكون عن الكيان الصخري الجامد"، وفي موقع آخر يخاطب المثقف ويقول " إذا كان الأمر يتعلق بجماعات تعرضت للحصار مثل الفلسطينيين اليوم ، فإن الإحساس بأن شعبك  يتهدده الفناء أو الانقراض السياسي بل والمادي فعلا يلزمك بالدفاع عنه، وبأن تفعل كل ما في طاقتك لحمايته، أو للقتال ضد أعداء الأمة" ثم يضيف سعيد مقتبسا عن فرانسيس فانون في تحليله للموقف إبان ذروة حرب التحرير الجزائرية ضد فرنسا " لايكفي الانسياق وراء الجوقة التي تعلن رضاها عن الوطنية المعادية للاستعمار، ممثلة في الحزب والقيادة، فمسألة الهدف تبرر دائما حتى في خضم المعمعة، وتقضي بتحليل الخيارات المتاحة"

بينما يرى نصر أبوزيد، العلماني المغضوب عليه: " لا خلاف على أن الدين – وليس الإسلام وحده – يجب أن يكون عنصرا أساسيا في أي مشروع للنهضة، والخلاف يتركز حول المقصود من الدين: هل المقصود بالدين كما يطرح ويمارس بشكل أيديولوجي نفعي من جانب اليمين واليسار على السواء، أم الدين بعد تحليله وفهمه وتأويله تأويلا علميا ينفي عنه الأسطورة، ويستبقي مافيه من قوة دافعة نحو التقدم والعدل والحرية؟" ..هل يمكنني أن أضيف: والمقاومة أيضا؟

بهذا الطرح العقلاني، يمكننا أن نرى أنه لو كانت استراتيجية المشروع الصهيوني هي "تديين" الصراع بحسب رأي الدكتورالقاسم، وهي كذلك بالفعل، فإننا لاينقصنا العقل لإدراك ذلك كما فعل كاتبنا، ولاينقصنا التنظير العلمي والفلسفي كما رأينا في كتابات إدوارد سعيد و نصر أبو زيد مثلا، ويدعمنا التاريخ، فبالأمس القريب إنتصرت مصر ومعها سوريا ودعم البترول العربي، في الجولة الثالثة من الصراع العربي الصهيوني عام 1973 في ظل عقيدة قتالية محددة هي :النصر أو الشهادة، وانتهجت في الإعداد للمعركة وفي إدارتها منهجا علميا صارما، من أعلى مستوى استراتيجي وحتى أدنى مستوى تكتيكي. ولم تمنع صيحة الحرب "الله أكبر" من جنود الجيش الثاني الميداني المصري، من أن تكون قيادة الجيش الثاني الميداني لجنرال قبطي متميز،هو عزيز غالي.

تلك كانت صياغة براجماتية لعقيدة القتال المصرية، نجحت في مواجهة العدو الصهيوني، في لحظة تجلي للعرب تبدو وكأنها على بعد سنين ضوئية من شدة اغترابنا عنها. في ذلك الوقت ارتضى كل من التيار الديني و التيار العلماني تلك المبادرة، كل حسب رؤيته في معادلة براجماتية لم يرتفع عليها صوت قبل المعركة ولا أثناءها، ولكن الأصوات تعالت بعدها، وتزايد الصياح حتى اغتيل السادات نفسه في قمة مد ديني ضد معاهدة سلام لم يرتضيها، ومازالت أصوات التفتيت والتشرذم عالية وتزداد صخبا، ولكن الأمل يبقى معقودا دائما على العقل، في إرادة السياسي، وقلم المثقف، وبندقية المقاوم، في أن يستلهم قوة الدين – أي دين - دعما "للمقاومة" لدفاع مشروع بجميع المعايير الإنسانية، عن النفس والأمة.

16 يناير 2009  

 

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية