مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 غزة – ألامو، والشهداء أيضا يكتبون التاريخ
...............................................................

بقلم : مســـعد غنيم
....................

يفخر ويعتز الأمريكيون في ولاية تكساس ببطولة حوالي 400 مقاتل أصروا على الدفاع عن موقعهم في كنيسة صغيرة حتى الموت، ولم ينج منهم إلا اثنان، أحدهما عبد والأخر مكسيكي الأصل، في معركة "الألامو" عام 1836 إبان الحرب الأمريكية المكسيكية في الصراع على الاستحواذ على تلك الولاية المتنازع عليها بين المستعمرين الأسبان في الجنوب، والمستعمرين الأنجلوساكسون في الشمال. وإذا مازرت يوما مدينة سان أنطونيو، فغالبا ماسيرتب لك مضيفك زيارة لموقع المعركة بكل فخر واعتزاز، لماذا؟ لأن تلك المعركة سجلها التاريخ الأمريكي كنقطة انقلاب في الحرب، ، حيث استفزت هذه التضحية الجيش الأمريكي، فهاجم الجيش المكسيكي انتقاما لما حدث في الألامو تحت شعار "تذكروا الألامو"، وطردوا المكسيكيين وأصبحت "جمهورية تكساس" للأمريكان. وهكذا كتب "الشهداء" الـ 400 المستعمرون تاريخ بلدهم. فلماذا يتوقف التاريخ عن الكتابة عن صمود غزة بشهدائها الـ 900 حتى اليوم السادس عشر من الهجوم الإسرائيلي في معركة غزة؟ مع الفارق في المضمون والشرعية بين من يدافع عن أرض يستعمرها ويقتل أهلها، ومن يدافع عن وطنه وبيته ضد مغتصب؟

في عتابه على حماس – وحزب الله أيضا بأثر رجعي- لخطئها في حسابات "موازين القوى" في قرار المقاومة ضد الحصار والهجوم الإسرائيلي على غزة، كتب الدكتور أحمد أبو مطر على هذه الصفحة، يؤكد أن الأقوياء هم الذين يكتبون التاريخ، ويقصد إسرائيل باعتبارها الطرف الأقوى طبعا، واستشهد بالاعتراف المعلن للسيد حسن نصر الله، والغير معلن لمشعل، بخطأ الحساب. هذا بينما أقر بصحة حسابات حماس من حيث ميزان الرعب الناتج عن صواريخها مع بدائيتها، مقابل أثر الترسانة  العسكرية على الشعب الفلسطيني.

ولأن هذا الرأي من زميل شرفت بالكتابة إلى جانبه على هذه الصفحة، فإني أستأذنه في أن أختلف معه، كثيرا. ولأن رأيه يحمل ويحتمل قدرا واضحا من التوجه السياسي، والرأي السياسي، أولا وأخيرا، يعبر عن رؤى وانتماءات ومصالح تخص أصحابها. والسياسة كما هو معلوم بالضرورة هي تعبير عن قوى وطموحات واستراتيجيات دولية، محلية أو إقليمية أو عالمية. وأنا هنا لست معنيا بأي حوار سياسي، وإنما أنا معني بالدرجة الأولى بالمنهج العلمي التحليلي الذي انتهجه الكاتب تدليلا على رأيه السياسي، بغض النظر عن توجه هذا الرأي يمينا أو شمالا، فهذا أمر يخص صاحبه، وهو حر فيه.

إن ما دفعني لهذا الحوار –  وفاجعة غزة تزداد مأساوية مع بداية الأسبوع الثالث للهجوم الإسرائيلي وثبوت صمود غزة - أمران: أولهما هو خطورة معنى هذا الخطاب السياسي المضاد لاستراتيجية المقاومة، للرأي العام العربي والعالمي، والمشتعل تأييدا لموقف حماس في استرجاع الحق الفلسطيني المقر من جميع المؤسسات القانونية الدولية. هذا بعد ثبوت المكسب المؤكد لقرار حماس بالمقاومة في إحياء القضيبة الفلسطينية، حيث وضعتها على قمة أجندة الرئيس المنتخب أوباما، بعد أن كانت خلوا منها تقريبا، وأجبرت مؤسسات العالم على التحرك الإيجابي لتحريك الركود والخنق المتعمد للمباحثات لتحقيق الهدف الإسرائيلي. هذه النتائج الواضحة لمقاومة حماس – رغم فداحة الثمن في صفوف المدنيين - هي بالتأكيد ضد استراتيجية إسرائيل في تصفية القضية الفلسطينية، وهو الهدف الاستراتيجي الأعلى للمشروع الصهيوني برمته، وذلك في هدوء على طاولة المباحثات التي لا ينتهي انعقادها.

الدروس لمن؟

ثانيا هناك تساؤل منهجي: هل توصل الكاتب إلى هذا الرأي بعد تحليله لـ "موازين القوى" بحسب تعبيره، في قرار مقاومة حماس؟ أم أن عملية التحليل المنهجي هي وسيلة استخدمها الكاتب لإثبات أو تبرير رأي مسبق بالفعل؟ وهو الأمر الذي ينتفى معه المنطق العلمي الذي يغلف رأي كاتبنا؟! إن هناك أكثر من شاهد على تناقض التحليل، وأولها ما انتهى إليه الكاتب في نهاية مقاله، وبعد استخلاصه للدروس التي يهدف بها إلى ترجيح التفاوض (ولا أقول الاستسلام) واستقصاء المقاومة،  يخلص إلى القول بأن  " كل هذه الدروس لا يمكن أن تنسينا بشاعة وهمجية الاحتلال، جرائمه هذه لا تعني إلا أنه غير معني إلا بسلام حسب الشروط الإسرائيلية ، وهي شروط لا يقبلها أي خائن فلسطيني أو عربي ، فهل يعي الاحتلال هذا الدرس ؟" والتناقض هنا هو، إذا كانت إسرائيل غير معنية بغير سلام حسب شروطها، وأن هذه الشروط لايقبلها أي خائن، فمعنى هذا أن باب التفاوض مغلق ولا أمل فيه، وبالتالي، فما هو الحل غير المقاومة؟. هل يقول بالاستسلام الآن من منطق الواقعية السياسية المطلوب تمريرة لتصفية القضية تاريخيا؟، وتأجيل المقاومة إلى أجل غير مسمى؟!!.

ثم إني لم أفهم تساؤله الأخير عن مدى استيعاب الاحتلال لهذا الدرس!، أي درس يعني؟، إن كل الدروس التي ساقها، كلها موجه لنقد غباء حماس وداعميها من محور الممانعة باختيار المقاومة، وليس فيها درس واحد موجه لإسرائيل!، بل إن الذي يمكن أن يكون درسا لإسرائيل هو مكافئتها بالتأكيد على أنها هي من سيكتب التاريخ بالقوة!! إن لم يكن هذا تناقضا منطقيا، فماذا يكون غير ترسيخ لمنطق الأمر الواقع السياسي بحساب موازين القوى كما يراه كاتبنا؟!

مدخل تاريخي تحليلي

من مدخل تاريخي بحت، فكما يعلم كاتبنا والسادة القراء، كثيرة هي صفحات التاريخ التي سطرها الشهداء، وأشهر مثال تاريخي هو شهداء المسيحية الأوائل، حيث تمسكوا بدينهم بإصرار وإيمان في مواجهة القوة المطلقة للإمبراطورية الرومانية فاستشهدوا واعين بقضيتهم، وكان ذلك الاستشهاد مدخلا للانتصار على الإمبراطورية الرومانية عقائديا، حيث انتهت إلى إمبراطورية مسيحية في النهاية. ولايخفى عن كاتبنا سيد الشهداء الحسين رضي الله عنه، والتاريخ المضئ الذي كتبه باستشهادة في معركة هزم فيها بحساب موازين القوى العسكرية والسياسية، ومازال انتصاره التاريخي بتحقيقه لأهدافه الأخلاقية مدويا حتى اليوم!.

ومن مدخل تحليلي علمي وطبقا لنظرية القوة كما صاغها كاتبنا ، فبالرغم من هزيمتهم ميدانيا، يعتبر شهداء المسيحية أقوى من الإمبراطورية الرومانية، والحسين أقوى من معاوية، لأنهم كتبوا تاريخا أقوى وأبقى على مر الزمن. وإذا كان التدليل بالمثالين السابقين يحمل مدلول وإيحاء البعد الديني المقدس، فهناك على الصعيد الإنساني العادي مثل "الألامو"، هناك في كل أمة شهداؤها الوطنيون الذين كتبوا تاريخها رغم هزيمتهم عسكريا، لأنهم كتبوه بالصمود والإصرار على الحق الذي حققته الأجيال التالية الذين تلقوا الرسالة وحفظوا العهد، هذا طبعا في تضاد مع من فقدوا حياتهم في معارك الباطل بالمفهوم الإنساني العام. فما هي تلك القوة التي يملكها هؤلاء الشهداء حتى يكتبون التاريخ بانتصار أممهم في النهاية؟

كان ذلك مدخلا تاريخيا تحليليا للرد على كاتبنا، وإن كان ذا بعد ديني فهو تاريخ إنساني في النهاية، وغني عن الذكر أن البعد الديني هو الأعلى صوتا في مجزرة غزة، فإن إسرائيل وداعموها ما كانوا ليرفضوا حماس بمجرد انتخابها، ثم يهاجموها بهذا الحقد والعنف إلا لأنها تمثل اتجاها إسلاميا "الإخوان المسلمون"، هو الإرهاب بحسب التعريف الصهيوأمريكي وبحسب نظرية صراع الحضارات. وفي المقابل، فإن إسرائيل رغما عن خطابها الرسمي ووجها العلماني، فإنه يكفي مشاهدة صورة الجندي الإسرائيلي يقرأ التوراة ويهتز بشكل آلي قبل المعركة، لنعرف حجم الشحن العقائدي الميداني خلف الوجه السياسي العلماني، وما توجهات وتصريحات المتطرفين اليهود بخافية عن مسامع ومرأى القارئ. ورغم أني أعتبر أن "تديين" الصراع خطأ استراتيجيا، إلا أن واقع الأمر وعلى مستوى الوعي العام والفطري للشارع العربي يصعب إقناعه بغير ذلك، خاصة بعد تصريح بوش الأيديولوجي بالحرب الصليبية الجديدة، رغم موقعه السياسي العلماني. وهذا يبدو دفعا مخططا لصراع الحضارات كما صاغها منظر اليمين المسيحي المتصهين الأمريكي صموئيل هننجتون.

تعريفات موازين القوى

يعرف قاموس الجغرافيا الاستراتيجية قوة الدولة بأنها مجموع قوى يشكل مايعرف بالقوة الشاملة، وتلك القوة تشمل القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية والثقافية. واستخدم زبيجنيو بريزينسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق نفس التعريف في كتابه الأشهر "The Grand Chess Board " في تحليل عناصر القوة الأمريكية المؤهلة للهيمنة على العالم. ومايعنيني هنا هو عنصر القوة الثقافية كما بينت سابقا، فهو يشكل المدخل للقوة المعنوية وهو نوع من القوة "الناعمة" بحسب التعبيرات السياسية، وهي قوة يعتد بها إلى جانب القوة المادية للسلاح في حسابات القوى الشاملة في الحروب والصراعات.

وعلى المستوى الفلسفي، وطبقا لموسوعة الويكبيديا، فقد صاغ Steven Lukes الأكاديمي البريطاني تعريفا للقوة يشتمل على ثلاث أبعاد: قوة صناعة القرار، وقوة وضع الأجندة، والقوة الأيديولوجية. وتلك الأخيرة تعني في نظر كثيرين الهيمنة الثقافية Cultural hegemony، وهي تتناول كيف تتحدد اختيارات وأولويات المجتمع المدني والرأي العام، والتي يتم تشكيلها لهم بمعرفة هؤلاء الذين في مواقع القوة عن طريق الإعلام و"البروباجندا". ومن ناحية أخرى فإن البعض في تيار مابعد الحداثة postmodernism أو مابعد البنيوية، يدعى أن القوة ليست في يد القلة أو النخبة كما يقول بهذا عالم الاجتماع G. William Domhoff، وإنما هي موزعة خلال المجتمع ككل، وبطرق مختلفة.

من هذا الاستعراض المختصر جدا لمفهوم القوة من كل من المنظور الجيوستراتيجي والفلسفي، يتضح أن القوة الناعمة الممثلة في الهيمنة الثقافية أو قوة الأيديولوجيا، هي مكون رئيسي من مكونات القوة الشاملة التي تقوم بحساباتها الدول في صراعات الوجود حتى تضمن كتاباتها لتاريخها بمعرفتها. والآن دعنا نطبق ذلك التعريف على حالة حماس في قرارها بالمقاومة للحصار والعدوان المفروض قبل الهجوم الشامل، ثم الإصرار على الصمود للعدوان في المعركة الشاملة، وهي في كل ذلك ممثلة للشعب الفلسطيني في أنزه انتخابات عربية وربما الوحيدة في نزاهنها، في التمسك بحقوق ذلك الشعب في استرداد أرضه المغتصبة، المتبقية، وإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية. إن الحقائق على الأرض تقول بأن حماس قد كسبت المعركة الإعلامية والأخلاقية على مستوى المجتمع الدولي برمته ممثلا في الرأي العام، رغم الإعداد المسبق والقوي لمسرح الحرب بالضغط السياسي والإعلامي الرسمي الصهيوأمريكي والعربي المعتدل. استمر الصلف الإسرائيلي والعنجهية الأمريكية في الظهور بمظهر الواثق المنتصر والمصر على استكمال مهمته حتى بعد مرور أسبوعين على الحرب، كانا غير كافيين للجيش الإسرائيلي، الأقوى في المنطقة، لكسر إرادة مقاومي حماس في غزة، رغم كم الدمار والدم المقاتل والمدني الذي جرى في غزة. هذا الصلف والعنجهية لم يخفيا حقيقة اهتمامهم وقلقهم من الانتصار الأخلاقي للمقاومة على المستوى الشعبي العالمي بشكل مذهل. معنى ذلك سقوط مشروعية العدوان الإسرائيلي لدى الرأي العام العالمي، هذا علاوة على سقوطه الأول باعتبار أن إسرائيل دولة محتلة للأراضي الفلسطينية قانونا، وهذه بالتعريف الاستراتيجي والفلسفي قوة حقيقية.

المقاومة أقوى، من منظور القوى الشاملة، والزمن

بعد بيان التناقض المنطقي، على الأقل، في محاولة إثبات كاتبنا لخطأ استراتيجية المقاومة، دعنا نرى ما انتهجه في نفس اتجاه التبرير لرأيه السياسي، حيث يبدو أنه انتحى منطقا عقلانيا حلل فيه حسابات المكسب والخسارة من منظور "موازين القوى"، وحيث قرر أن الأقوياء فقط يكتبون التاريخ، إلا أن التاريخ المكتوب يقول بأن الشهداء أيضا يكتبون التاريخ، ليس لمجرد أنهم شهداء، بل لأنهم امتلكوا عناصر القوة على كتابته، بدءا من الرؤية التاريخية الصحيحة لقضيتهم، ومشروعية وأخلاقية أهدافهم، وتلك قوة أيديولوجية أو ثقافية، أقرها ضمن "موازين القوى" كل من فلاسفة التاريخ، ومنظروا ما بعد الحداثة، وخبراء الجغرافيا السياسية (الجيوستراتيجي)، كما سنرى فيما بعد.

تلك القوة الأيديولوجية أو الثقافية وحدها، هي التي كتبت نهاية تاريخ كل خروج عن ناموس الإنسانية مهما بدا انتصاره مدويا، لأن موازين القوى تعمل في الزمن، وهو بعد غائب عن تحليل كاتبنا. إن موازين القوى عند حسابها قبل المعارك الحربية الموقوته بأهدافها الآنية، تختلف تماما عن موازين القوى عند حسابها قبل الحروب الطويلة المدى، وتختلف جذريا عند حسابها عند خوض صراع حضاري مثل المفروض على العرب والمسلمين. ومن المعلوم أن التضحية التكتيكية بنتائج بعض المعارك الصغيرة أمر شائع ومفهوم في سبيل تحقيق الأهداف الاستراتيجية لحرب طويلة المدى، فما بالكم عندما تكون الأمة هي التي على المحك في صراع حضاري؟. لا يعني هذا أبدا تبرير إراقة الدماء البريئة لنساء وأطفال غزة بمعنى استخدامهم وتعريضهم للقتل، الأمر الذي لم يقل به أحد في غزة، وبالتالي فإن تلك الدماء لم تريقها استراتيجية المقاومة، حتى بالخطأ التكتيكي، لآن غزة هي كل مايملكونه من أرض ليدافعو عن قضيتهم من خلالها، بل أراق تلك الدماء تجبر وصلف غير إنساني لايتفق مع أدنى شعارات حقوق الإنسان الأمريكية، بل وحتى الحيوان.

إن مثل هذا الخرق للناموس الإنساني وبهذا الحجم من التواطؤ الغربي والخذلان العربي، لايمكن أن يدخل في حسابات أي مخطط لمعركة في الألفية الثالثة، بله في معركة مقاومة مشروعة ضد احتلال وحصار وتقتيل يومي (حتى قبل قرار الهجوم). ليس الخطأ في حساب موازين القوى الآنية، ولكن الخطأ في هو في إنسانية السياسيين الغربيين، وفي الخذلان العربي الرسمي.

والسؤال الآن هل تكفي هذه القوة لحماس غزة لكتابة التاريخ كما صاغها كاتبنا ؟ أعتقد أنها كافية جدا على المدى القصير، إذا استنفرت بطولة غزة الأمة بما يكفي، وحققت التغيير المنشود بالضغط على الحكومات لتأخذ موقفا يحقق الحد الأدنى من مطالب الجماهير الغاضبة، وهي مطالب حماس والشعب الفلسطيني. وحتى إذا لم يتم ذلك فورا، وفي سيناريو أكثر واقعية وأقرب لموازين القوى الأخرى وأهمها العسكرية والسياسية لإسرائيل وأمريكا، وهي حاسمة بطبيعة الحال، إذا استمرت قوة الدفع لذلك الرأي العام  المستنفر(القوة الناعمة) تحت تأثير تعنت إسرائيل وعدم الاستجابة لمطالب الفلسطينيين، فإنها ستؤثر أيجابيا بدرجة ما على مجريات الأحداث التي ستلي وقف الحرب، وستؤثر في كتابة تاريخ المرحلة لصالح الفلسطينيين.

إن ذلك بالتأكيد يتوقف على مدى قيام الرأي العام العربي والحكومات باستكمال بقية المعادلة التي قامت حماس بدورها بكتابة شقها الميداني كاملا. باختصار لقد قامت حماس والشعب الفلسطيني بدورهما بالإصرار على المقاومة وعدم التفريط في الحق، وكسبا المعركة الأخلاقية وشحنا القوة الثقافية للرأي العام العالمي والعربي، ويبقى الدور على الشارع العربي وكراسي حكمه في استثمار ذلك الانتصار. وبمعنى آخر، إذا لم يتم كتابة التاريخ في البعد الزمني لهذه المعركة كما تريد حماس فلسطين، فلن يكون ذلك خطأ في حسابات القوة الشاملة للمقاومة، بل في تبعثر القوة الشاملة للعرب بالتخاذل ولا أقول الخيانة.

إن أي صراع تاريخي طويل المدى مثل الصراع مع العدو الصهيوني لا يجب أن يقاس بنتائج معركة أو عدة معارك، فلقد احتل الصليبيون القدس طويلا قبل أن يكتب صلاح الدين التاريخ العربي لها من جديد. وحتى إذا خسرت حماس ميدانيا وتم تصفيتها، فالذي خلق حماس هو التمسك بالحق في القضية الفلسطينية، أي المقاومة، وليس العكس، واستراتيجية المقاومة تلك، قادرة على خلق غير حماس، وهكذا تنتصر حماس حتى في اختفاءها سياسيا وعسكريا. هذا هو سر القوة الثقافية والأيديولوجية في "موازين القوى" عبر الزمن، فهي من الثوابت التي تعبر المتغيرات التكتيكية وتنتصر في النهاية، بفضل مشروعية قضيتها وإنسانية أهدافها، والإصرار على استراتيجية المقاومة مهما طال الزمن.

ليست مظاهرات البشر في كل عواصم العالم إلا شهادة إنسانية بذلك. فإن كان هؤلاء المتظاهرون من دهماء وغوغاء لايفهمون آليات السياسة وتعقيدات القانون، فإن تلك الجهات بثت من إعلامها الموجه لتثبيت وجهة نظرها في دعم العدوان مايكفي لغسيل كل أمخاخ البشر، ولكنه يأبى أن ينغسل. تلك هي قوة الإنسانية التي ستنتصر في النهاية، بحساب "موازين القوى" في الزمن. وبهذا القانون الطبيعي الإنساني المرتكز على الجغرافيا – رغم انكماشها ورغم التكنولوجيا – وعلى التاريخ والثقافة، فيوما ما، سيقول الفاتحون للقدس من جديد للمغتصب الصهيوني "تذكروا غزة".

12 يناير 2009

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية