مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الصدمة والرعب استراتيجية فاشلة، لم ولن تنجح في وقف المقاومة
...............................................................

بقلم : مســـعد غنيم
....................

رغم صدمة الهزيمة وبرغمها، وفي يوم رائع يحسب للشعب المصري في تاريخه الطويل، خرجت الملايين يومي 9 و 10 يونيو عام 1967، في جميع مدن مصر، ترفض الهزيمة وتطالب رئيسها الذي تنحي اعترافا بمسئوليته عن الهزيمة العسكرية،  بالمقاومة والثبات حتى النصر، وقد كان له ذلك بالإرادة وبالفعل. لم يرتعب المصريون آنذاك من طائرات العدو الإسرائيلي الصهيوني التي ترتع فوق رؤوسهم في سماء مصر بلا رادع، بعد أن اكتسحت القوات الصهيونية سيناء في 6 أيام. كانت تلك باختصار وقوة، وفي ارتجال شعبي فوري وعبقري، رسالة مصر إلى الجنرال ديان، الواقف على البر الشرقي لقناة السويس، منتظرا إعلان استسلامها الذي لم يحدث أبدا. أدرك الشعب المصري بفطرته الحضارية أن تلك الهزيمة العسكرية ما هي إلا مرحلة في صراع حضاري طويل، ولم ينكسر أمامها، بل ازداد صلابة وإصرارا على هويته وقوميته وقضيته المركزية فلسطين. والشعب الفلسطيني العظيم، اليوم في غزة المحتلة والمذبوحة ببرود وصلف، يكرر نفس الرسالة بأروع مايكون، رغم أبشع وأحدث آليات الصدمة والرعب من ترسانة الحرب الأمريكية، ليس في الصحراء الواسعة، وإنما في أزقات وحواري المخيمات حيث تستصرخ جثث الأطفال والنساء من يواريها التراب. وبالأمس القريب، أرسل اللبنانيون نفس الرسالة من الجنوب الصامد، وتحت نفس آلة الصدمة والرعب.  وفي العراق، لم تمنع سنوات الصدمة والرعب، حذاء الريدي من القذف في وجه بوش، في محاولته الأخيرة البائسة لإعلان نصره المزعوم!. ولكن العدو الصهيوني لايريد أن يفهم الرسالة، والإمبراطورية الأمريكية تحت القيادة الحالية أفلست في إدارة الصراع التي فرضته هي على العالم، ولم تعد تملك إلا أن تكرر نفس الاستراتيجية الفاشلة: الصدمة والرعب.   

في أواخر أيام إمبراطورية بوش الإبن في البيت الأبيض، يصر المحافظون الجدد بغباء تاريخي، على استراتيجية الصدمة والرعب لتحقيق مخططاتهم في الهيمنة الإمبراطورية على العالم. ومجزرة  غزة التي تشهد يومها الثاني عشر، ببرود وصلف غير مسبوق، على يد الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وكيل أعمال الأمبراطورية في نطاق حزام الدول الإسلامية والعربية. ذلك الحزام الذي يطوق أوراسيا، وهي المنطقة الجغرافية غرب آسيا وشرق أوروبا، أي النطاق الذي يطوق روسيا من الجنوب ويرقب الصين من الغرب ويشرف على أوروبا من الشرق. تلك المنطقة سماها السير جون هالفورد ماكندر، أحد أهم الجيوستراتيجيين في العالم، في مطلع القرن العشرين، بقلب الأرض (Heartland)، وهذا هو بيت القصيد والهدف الحقيقي لاستراتيجية الهيمنة الأمريكية. وربما تكون تلك المجزرة هي آخر محاولات الهيمنة الإمبراطورية الأمريكية في هذه الحقبة التاريخية، وقبل قيادة أوباما لاستراتيجية أخرى في تحقيق نفس الأهداف الإمبراطورية.

في إطار هذا الصراع الكوني يسهل جدا فهم توظيف إمبراطورية الهيمنة الأمريكية للصراعات الإقليمية، واختراع الذئب الإيراني عدوا لخراف العرب، وخلق المحاور المتعددة بين مذاهب وعرقيات ودرجات اعتدال. هذا رغم أن "الذئب" الإيراني في أقصى طموحاته الإمبراطورية الشاهنشاهية وبالدعم الصهيوني المباشر، لم يشكل خطرا حقيقيا على المنطقة ولم يشن حروبا على العرب مثلما شنتها إسرائيل. إنما بدأ ترويج الخطر الإيراني مع هرولة الإمبراطورية الأمريكية لوضع يدها على مصادر الطاقة في العراق (ثانى أكبر احتياطي بترول في العالم)، وذلك بعد انطلاق العملاق الصيني في التنمية (10 % سنويا)، واستفاقة الدب الروسي بعد البيات الاستراتيجي على إثر انفكاك إمبراطوريته السوفيتية. ومن السهل أيضا فهم تطبيق استراتيجية الصدمة والرعب على حزب الله اللبناني لأنه مدعوم من إيران في صراعه مع المشروع الصهيوني من الشمال، وهذا شرف لإيران وليس اتهاما يرد عليه!، هذا قبل توجيه دفة الصدمة والرعب إلى حماس السنية، وياللغرابة، المدعومة من حزب الله وإيران الشيعية!. إن العامل المشترك هنا هو مقاومة المشروع الصهيوني، فأيا كان لون المقاومة، فهي مستهدفة رغم توظيف نفس الألوان المذهبية والعرقية لتبرير الهيمنة على العراق مثلا. في عرف الهيمنة الأمريكية، فالمقاومة القومية الناصرية  وغيرها مرفوضة، والشيعية اللبنانية مرفوضة والسنية الحماسية - والفتحاوية أيام زمان- مرفوضة أيضا. فقط الانبطاح والاستسلام هو المقبول.

يبدو أن الإمبراطورية الأمريكية الصهيونية لم تتعلم من التاريخ شيئا، ومن تعلم؟!. صدمت وأرعبت أفغانستان في تورا بورا واحتلتها، وإن يكن! فقد احتلها الروس من قبل، ومن قبلهم الانجليز، ومن قبل قبلهم الإسكندر المقدوني، بنفس استراتيجات الصدمة والرعب وإن اختلفت التكنولوجيا! (يعتبر الإسكندرأكثر قادة التاريخ دموية بحسب تقييم المؤرخين الغربيين أنفسهم). قل نفس السيناريو عن العراق بدءا من المغول والتتار ومرورا بالإنجليز وانتهاء بالأمريكان. ومصر العصور الوسطى بدءا من الصليبيين، ومرورا بنابليون فرنسا (يهتم ساركوزي أولا بأمن إسرائيل ويساوي بين المقاوم والمحتل في محاولة لتجميل الوجة اللاأخلاقي لاستراتيجية الصدمة والرعب)، ثم الانجليز ثم رأس الحربة الصهيونية. ولنا عبرة في الجزائر، صاحبة شرف المليون شهيد، وتاريخ مقاومتها للاستعمار بل ومحاولة التوطين من فرنسا الحرة صاحبة شعار الحرية والإخاء والمساواة، طبعا للجنس الأوروبي والغربي فقط! ترى لماذا بقى فقط الوجه الإسلامي لأفغانستان وغيرها من الدول الإسلامية، بعد أكثر من أربعة عشر قرنا من دخولة إليها؟ بالتأكيد لم تكن الصدمة والرعب استراتيجية المسلمين عربا وفرسا عندما فتحوا دول وسط آسيا والهند والصين وسواحل أفريقيا، بل كانت الحضارة والتجارة.

قد يقول قائل، ولم لانستسلم بالعقل والدهاء مثلما فعلت اليابان بعد صدمة ورعب، هي الأقصى في تاريخ البشرية، بالقنبلة النووية الأمريكية في هيروشيما ونجازاكي؟. أعتقد أن المقارنة في غير محلها، فلم تستوطن طوكيو جماعات غربية وخلقت لها وطنا في قلب اليابان مثلما استزرعت إسرائيل في فلسطين في قلب الوطن العربي، ولم تستهدف استراتيجيات الغرب الثقافة اليابانية واللغة اليابانية تمهيدا لمحوها من التاريخ! وأعتقد أنه لو أن هناك إسرائيل ما في قلب اليابان، ما قامت لها قائمة.

صدر كتاب محاربون في السويس Warriors in Suez  من تأليف أحد موظفي وزارة الخارجية الأمريكية في السبعينيات، وينقل عن بن جوريون الصهيوني المؤسس لدولة إسرائيل، مقولة ضرورة قيام الجندي الصهيوني – في بدايات احتلال العصابات الصهيونية لأرض فلسطين – بممارسة قتل العرب بعنف حتى يتخلص من عقدة الاضطهاد والذل الذي عاناه اليهود في العالم العربي، هكذا يقول بن جوريون. وقاموا بالفعل بالقتل والترويع لتهجير الفلسطينيين، ولكن بعد ستين عاما من النكبة، هل لايزال اليهودي الصهيوني يحمل ذلك الذل المدعى داخله؟ ألم يتخلص بعد من شعورة بالمهانة والدونية الذي أراد بن جوريون التخلص منه؟ أم أن ما نراه من وحشية وبربرية في قتل الأطفال والنساء في غزة اليوم هو رد فعل عكسي تعويضي، لهذا الشعور الدوني لدى اليهود الصهاينة؟

بالقطع لن تدوم الإمبراطورية الأمريكية الصهيونية، ومن المؤكد أنها ستزول كما زالت غيرها من الإمبراطوريات، ولا أعتقد أن في مقدورها البشري المحدود، رغم تملكها ناصية العلم والتكنولوجيا، أن تمحو العالم العربي والإسلامي من خريطة العالم، لا جغرافيا، ولا ثقافيا بما يشمل العقيدة، هذا رغم تخلفه الظاهر. فالإنسان بصفة عامة، أعقد كثيرا وأقوى من أن ينهزم وأن تنقرض ثقافته بسهولة. فاليوم وبعد 200 سنة من الاستيطان الأوروبي لأمريكا، وتحديدا في شمال ألاسكا، عاد السكان الأصليون، الإسكيمو، لإحياء لغتهم الأم، وهي غير مكتوبة، بعد أن كان المستعمرون البيض يحشون فم من يتكلم بها بالتراب حتى يتكلم الإنجليزية فقط، تلك حضارتهم العنصرية!. وفشلت فرنسا، رغم محاولتها المستميتة، في أن تمحو اللغة العربية في المغرب العربي والجزائر تحديدا. ولن تنجح إسرائيل رغم كل تكنولوجية الغرب في تغيير الهوية العربية للمنطقة، ولن تنجح الإمبراطورية الأمريكية في صراعها الحضاري – طبقا لهنتنجتون – مع الإسلام الحضارة، ولا أقول الإسلام السياسي، رغم أنف التكنولوجيا، ورغم تخلف العرب والمسلمين اليوم، فوعيهم بالحضارة الإنسانية عميق بعمق الحضارة نفسها، تماما مثلما تعى الأم الفلسطينية في غزة، بفطرتها البشرية الحضارية، أن الصراع طويل، فتلد الطفل بعد الآخر، ذخيرة بشرية للمستقبل وتهبه للمقاومة بكل شجاعة، فالصراع مستمر والنفس طويل، رغم أنف استراتيجية الصدمة والرعب التي تمارسها الدولة الصهيونية وتروج لها فضائيات الغرب مثل الـ CNN و الـ  BBC وغيرها في حرب إعلامية موازية وقذرة، حيت تساوي مشهد "خضة" طفل إسرائيلي من صوت صاروخ فلسطيني بدائي (لم يمت طفل إسرائيلي واحد حتى الآن)، بجثث أكثر من مائتي طفل فلسطيني في غزة حصدتهم قنابل أمريكا الذكية في اليد الصهيونية.

رغم الانفعال الإنساني بحكم حجم الحدث، فإن هذا حديث عقلاني تماما، ولايحمل أي تعبئة عقائدية، فالعقيدة ليست محل صراع وإن كانت محل استغلال طوال التاريخ، وما الإشارة إلى الإسلام إلا من الوجه الحضاري للحضارة الإسلامية والعربية بالضرورة والتي دامت طوال ثمان قرون ارتكازا على المتطقة العربية، هذا بغض النظر عن سقوط رمز هذه الحضارة بسقوط الإمبراطورية العثمانية، ولكن الحضارة لم تمت، بل هي حية إلى درجة أن صموئيل هنتنجتون وضعها كطرف أساسي في صراع الحضارات الذي يراه.

إن عقلاء مابعد الحداثة في الغرب نفسه، قد أدركوا أهمية العنصر الإيماني في تركيبة الحضارة الإنسانية، بعد أن شط فلاسفة الحداثة في نبذ الدين من مدخل الكنيسة الغربية، واقتنعوا باستحالة استكمال فهم الإنسان وبناء حضارته بالاعتماد على العلم فقط ومنهجيته العقلانية. هذا المكون الإنساني الإيماني هو القاعدة الراسخة في مقاومة المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة العربية، وهو أكثر من كاف لمقاومة ودحر ذلك المشروع، برغم تخلف المكون العلمي والعقلاني للعرب.

إن عرب فلسطين في الداخل الإسرائيلي قبلوا صامدين وممرورين العيش في الدولة الصهيونية، ولكن ذلك لم يشفع لهم في حق المواطنة حتى مع المغتصب، فهاهي المسئولة الصهيونية تعلن نوايا التهجير لما يقرب من مليون ونصف فلسطيني إلى الشتات. وهذه رسالة إلى من يحلم من الليبراليون الجدد "بالشعبطة" في قطار الحداثة الغربي، وينكرون قوميتهم العربية، ويتنكرون لتراثهم الإيماني،  فهم في اعتقادي واهمون وغالبا لن يحظوا بمقعد أكثر أهمية من مقعد قطة علقت على شجرة فأثارت دموع طفلة أمريكية فتحركت لإنقاذها عربة مطافئ!. أما المقاومون الصامدون وطليعتهم اليوم في غزة فهم على المسار الحضاري الصحيح والذي سينتصر على تلك الهجمة الوحشية، وإن استراتيجية الإيمان الطبيعية ستتغلب على استراتيجية الصدمة والرعب، كما كان الحال دائما طوال التاريخ. وهاهو ساركوزي فرنسا يقرر بأن ليس هناك كاسب وخاسر في هذه الحرب، ورغم عدم ثقتي بكلامة عموما وعدم احترامي له شخصيا، فقد يحمل كلامة بعض الحقيقة، وذلك يعني بالتأكيد فشل استراتيجية الصدمة والرعب حتى على المستوى الميداني أمام الإصرار على المقاومة.

8 يناير 2009

 

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية