مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 غزة...بين مبررات الهيمنة ومشروعية المقاومة
...............................................................

بقلم : مســـعد غنيم
....................

في رواية تاريخية فولكولورية، عن إحدى فترات الزمن الردئ في التاريخ المصري، أن ملك الهكسوس الذين احتلوا شمال مصر قرابة 150 سنة حول القرن 18 قبل الميلاد، أرسل إلى فرعون مصر القابع في طيبة، تهديدا بالحرب لآن صوت فرس النهر في طيبة الواقعة في جنوب مصر، يزعج الملك الهكسوسي في بلبيس الواقعة في شمال شرق مصر على بعد مئات الكيلومترات!، وكان ذلك توطئة لمزيد من التوسع لمملكة الهكسوس على أرض مصر، وتبريرا للهيمنة الهكسوسية. ونعلم طبعا أن أحمس القائد المصري الأصيل، طرد الهكسوس في نهاية الأمر، فلم يكن للمقاومة المصرية أن تسكت على الاحتلال للأبد.

لطالما وجدت الإمبراطوريات عبر التاريخ، المبررات لغزو الشعوب وإراقة الدماء، والاستيلاء على الأرض والموارد، والتوسع الإمبراطوري. وتتعدد أوجه المبررات بدءا من صوت فرس النهر المصري، ومرورا بأسلحة الدمار الشامل العراقية، وانتهاء بصواريخ حماس الفلسطينية. وبالطبع فلا يستثنى الدين من قائمة تلك التبريرات، والحروب الصليبية أكبر مثال تاريخي. ولطالما وجدت الشعوب المقهورة سبلا وأشكالا عديدة لمقاومة الاحتلال، فهي لا تحتاج لمبررات لفعل مشروع بالطبيعة والتاريخ، مهما علت أبواق تبرير الاحتلال والهيمنة من الخارج أو انتفخت جيوب المنتفعين في الداخل.  

في مجزرة غزة في مطلع العام التاسع من الألفية الثالثة بعد الميلاد،  حيث وصلت استراتيجيات وتكنولوجيات الإعلام إلى مستوى تأثير خطير وعميق في الوعى العام، يسهل جدا على قوى الهيمنة سوغ التبريرات القوية، بل وقلب الحقائق لتصبح الضحية هي الجاني. وليس ذلك بجديد، من حيث المبدأ، على تاريخ البشرية. كتب عالم الاجتماع الإيطالي أنطونيو غراميسكي في سنة 1925، " إن القوى المهيمنة تعيد إنتاج أيديولوجية الهيمنة". ويقول نعوم تشوموسكي "أنه يصعب إيجاد نظام إمبريالي لم تمتدح فيه طبقة المثقفين خيره وإحسانه". فعندما قام هتلر بغزو تشيكوسلوفاكيا، كان ذلك مصحوبا بخطاب رائع  عن إحلال السلام....والأمر ينطبق على الولايات المتحدة بالطبع".

وعندما بدأت الهند تمردا ضد الحكم البريطاني المستعمر، أخمده البريطانيون باللجوء إلى العنف والوحشية المفرطة، في واقعة تسمى في المصطلحات البريطانية "التمرد الهندي"، - أي أن البرابرة تجرؤوا على رفع رؤوسهم - وبرز جون ستيوارت ميل، وهو أحد أبرز المثقفين الغربيين، ليدافع عن الإمبراطورية البريطانية بكلمات مثل "التدخل الإنساني"، تماما مثل مقولات قادة الدولة الصهيونية وتنويعاتها العربية المعتدلة، عن إنقاذ سكان غزة من حماس، الإرهابية في أقصاها والمتمردة في أقلها!.

وكانت فرنسا تقوم "بمهمة تمدين" البرابرة الجزائريين بينما يقول وزير حربيتها إن عليهم إبادة مواطني الجزائر. وعندما كان الفاشيون اليابانيون يغزون الصين وبرتكبون أعمالا وحشية فظيعة مثل مذبحة نانكنغ، كان الخطاب المصاحب يستدر الدمع من العيون بالحديث عن إنشاء "جنة على الأرض"!. وفي غزة المذبوحة لم يختلف الأمر، فها هو الخطاب الصهيوني، وصداه العربي للأسف الشديد، يتحدث عن السلام وإنقاذ المدنيين الفلسطينيين بينما يذبحونهم على الهواء مباشرة! تحت غطاء إعلامي شيطاني.       

كارستن ستان هو أحد المثقفين الأمريكيين، كتب في " المجلة الأمريكية للقانون الدولي"، مقالة معقدة وعميقة الفكر، مبررا غزو العراق، "أن الولايات المتحدة بغزوها العراق إنما تنفذ إرادة المجتمع الدولي، بموجب التفسير المجموعي لميثاق الأمم المتحدة، وليس بالتفسير الحرفي له". علق نعوم تشوموسكي ساخرا، في مقابلات صحفية معه نشرت بعنوان "طموحات إمبريالية"، على مقولة ذلك الكاتب التي استشهد فيها بيورغن هابرماس وسائر المفكرين الآخرين الكبار، بأنه لايهم إذا أدان 90% من سكان العالم وكل دوله تقريبا الغزو بمرارة، فهذه دول لاتدرك ماهي إرادتها، وأن الولايات المتحدة تستخدم القوة بتفويض من مجلس الأمن رغم أن المجلس أنكر ذلك. أليس ذلك هو نفس الخطاب التبريري الذي يقول به مجموع مثقفي السلطة وأكاديمييها في العالم العربي، بالتخريجات القانونية المعقدة والدقيقة لمجزرة غزة؟. إن نعوم تشوموسكي يعلق على مثل تلك التخريجات لتبرير العدوان بقولة بأن " قسم كبير من الأكاديميين المتخصصين يقدمون محاجات معقدة ودقيقة تبلغ حد السذاجة".    

إذا كان الحال كذلك دائما، هيمنة إمبريالية طاغية، وتوحش صهيوني ممنهج، وتبرير فاجر وساذج  هناك، ومخجل ومحبط هنا، فماذا نستطيع أن نفعل كأفراد عاديين في المنطقة العربية، نعيش فيها بالجغرافيا وبالتاريخ، وندفع ضريبة الاحتلال والامتهان والاستخفاف، يوميا؟،  ماذا يمكننا القيام به  حيال مذبحة غزة، وقد علمنا أنها تمثل منعطف تاريخي في سجل الصراع العربي الصهيوني؟

في الواقع هناك الكثير لنفعله، ربما لا نستطيع أن نوقف حمام الدم في غزة، وربما تستطيع الدولة الصهيونية أن تصفي حماس سياسيا، وربما لانستطيع أن نجبر حكامنا على الاستماع للشارع العربي. ولكن دعنا نتسائل: لماذا تسعى نظم الهيمنة، ووكلائها من نظم العدوان، وتوابعها من نظم الاستبداد، إلى الحصول على غطاء من الاستحسان دائما، ولماذا تصر على أن تقدم نفسها كأنها تفعل ذلك لخير الشعب الذي تقوم بسحقه؟ يجيب نعوم تشوموسكي بأنهم يسعون إلى تفادي مواجهة الانحطاط الأخلاقي.

من هذا المنطلق يجب أن نتفهم قوة الضغط الأخلاقي، فلولا أنها بهذه الأهمية لما حاول الطغاة دائما وبطول التاريخ، أن يتجملوا بها. ومن هنا فلا يجب أن نستهين بما يمكن فعله من هذا المنطلق، ونحن بعيدون عن مجاري الدم في غزة – فلسطين، عجزا أو قهرا. يمكننا، بل يجب علينا أن نتمسك بحق مقاومة الاحتلال والعدوان والاستبداد، وأن نستمر في رفض أي تبرير لايستحي، لذبح من يقاوم دفاعا عن وطنة، وأن نصر على الصحوة ضد محاولات تغييب وعي الأمة ومحو ذاكرتها. يجب أن نستمر – وهذا أضعف الإيمان – في رفض التجمل الأخلاقي للمهيمن المتجبر، والمحتل القاتل، والمستبد المخاتل.

5 يناير 2009

 

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية