مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 من هو العدو؟
...............................................................

بقلم : مســـعد غنيم
....................


نور الأمل ...رغم الدم الأحمر والحبر الأسود

بالاستقراء العقلاني لتاريخ المنطقة العربية المحتضنة لشرق وجنوب المتوسط، حضَانة التاريخ، يمكن استبصار نور الأمل في نجاح المقاومة، من خلال دخان حرائق الدم والأرض في غزة، ورغم دخان الحبر المحترق في صراع الكلمات بين الجميع. فقط يكفي أن نتذكر أو نقرأ ماسجله المؤرخون الغربيون أنفسهم، أنه بعد أن فرق الصليبيون بين أمراء الحكم وملوك الممالك من حلب إلى غزة، دخلوا القدس وذبحوا المسلمين وأقاموا من جثثهم أهراما ولم يستطيعوا دفنهم فحرقوهم، هذا بينما حرقوا يهود القدس أحياء (يؤكد نفس المؤرخون أن صلاح الدين المسلم الكردي لم يكل للصليبيين المعتدين، عندما انتصر عليهم، بنفس المكيال، بل كان متحضرا وإنسانيا). منذ ذلك الحين من تاريخ عصور الظلام الأوروبية وحتى الآن، ورغم عدم توقف توقف الهجوم؛ لم تمت المقاومة حتى وإن فترت أحيانا، حتى العصر الحديث بدءا من نابليون ومرورا بالجنرال الانجليزي اللينبي وحتى الجنرال ديان وشارون.

اليوم هو الثامن ولازال يتم تنفيذ المخطط الصهيوني للقضاء على ملمح من ملامح المقاومة العربية للمشروع الصهيوني على الأرض الفلسطينية في غزة، بعدما فشل بالأمس القريب في القضاء على إرادتها على أرض لبنان رغم أقصى استخدامات الحرب للأسلحة التقليدية في تدمير بنيتها الميدانية من بشر وحجر.

بالعقل مرة أخرى، ورغم عجز المشاعر الإنسانية عن استيعاب شكل ومضمون حمام دم الأطفال والنساء المسفوح في غزة الفلسطينية بيد المغتصب الصهيوني، وبالسلاح الأمريكي، وبعد تفكيك سياسي محكم لمنظومة الحكم الإقليمي والعربي، وتغييب إعلامي منظم للضمير العالمي، فإنه بالاستقراء العقلاني المباشر للتاريخ المتصل للمقاومة العربية منذ الحروب الصليبية منذ أكثر من ألف عام، يمكن ببساطة استنتاج أن مذبحة غزة ما هي إلا مرحلة من مراحل تاريخ ممتد لصراع كوني بين الغرب والإسلام، ليس باعتباره كعقيدة، بل لكون هذه العقيدة تمثل لمعتنقيها منهج حياة يرفضه الغرب بقوة وإصرار، بينما عجز عن القضاء عليه رغم احتلاله للقدس أكثر من مرة عبر تاريخ دموي طويل.

وفي مقارنة أو مفارقة تاريخية ذات دلالة، لعلنا نذكر أن المغول والتتار بعد إغارتهم البربرية على المنطقة في نفس المرحلة التاريخية للصليبيين، اعتنقوا الإسلام، ببساطة ودون عقد تاريخية، كدين وحضارة، وكانوا هم الذين نشروا الإسلام في وسط وشرق آسيا، فرأت الصين المتحضرة أباطرة مسلمين مغول، كما رأت الهند المتفلسفة أباطرة مسلمين مغول، كل ذلك في إطار تفاعل حضاري مثمر، بينما رفضت أوروبا وأمريكا حتى الحوار مع الحضارة العربية الإسلامية، وجددت بعد سبتمبر 2001 باب صراع تاريخي مرير وكما صاغه هنتنجتون في شكل صراع للحضارات.

إن اختلاف التوجهات السياسية للفرقاء المتحارين على صفحات هذه المطبوعة الإلكترونية تحت شعار حرية الرأي، لايعني ولا يجب أن يمنع الاتفاق على كلمة سواء، ولاشك أن دوافع كل فريق هي شأن خاص به، ولعلنا ننجح في الاتفاق على رؤية الدماء في غزة، بعيدا توظيف الدين الذى طالما استظلت به الأطماع البشرية لتبرير مصالحها بحق وبدونه، وبعيدا عن أيديولوجيات قد يكون الزمن قد عفا عليها، وبعيدا عن انغلاق قصير النظر في حدود قطرية وشعوبية غبية، فقط بالعقل والقراءة العقلانية للتاريخ.

إن أول أبجديات الفهم التاريخي للجغرافيا الاستراتيجية هو تحديد من هو العدو، فهل يمكن أن نتفق – رغم كل الدخان المتصاعد بين الكلمات المتصارعة على هذه الصفحة- على هذا المشترك المفرد؟ وهو على من هو العدو؟

كتب صموئيل هنتنحتون في مجلة "Foreign Affairs " أن قسما كبيرا من العالم يعتبر الولايات المتحدة "دولة عظمى شريرة" وأعظم "تهديد خارجي لمجتمعاته". فهل يمكن أن نتفق على احتمالية صحة تلك المقولة من مثقف أمريكي تتفق وواقع الحال وتتماهيى مع الموروث التاريخي عن الإمبراطوريات كما يؤكد نعوم تشوموسكي – الفيلسوف الأمريكي اليهودي - من أن الولايات المتحدة تستحق ذلك اللقب بلاريب، مثلما نتوقع من أقوى دولة في العالم، مثلما كانت بريطانيا وفرنسا. ويضيف تشوموسكي أن مثقفي تلك الإمبراطوريات ، وأضيف من عندي "وتابعيهم من مثقفي البرابرة المحتلة أوطانهم"، كتبوا كثيرا من الترهات لتبرير وتجميل بل وتوفير غطاء من الاستحسان للنظام الإمبريالي أو نظام الهيمنة.
وكتب مايكل إجناتييف، مدير مركز كار في كلية كينيدي للحكم بجامعة هارفارد، في مقالة غلاف لمجلة " New York Time Magazine " أن " الإمبرطورية الأمريكية ليست كمثل الإمبراطوريات في الأزمنة الماضية، قائمة على المستعمرات والفتح وأهباء الرجل الأبيض...إمبراطورية القرن الواحد والعشرين اختراع جديد في حوليات علم السياسة، إمبراطورية تفتقر إلى الجوهر، هيمنة عالمية تجملها الأسواق الحرة وحقوق الإنسان والديموقراطية، وتفرضها أضخم قوة عسكرية شهدها العالم على الإطلاق". وأعتقد أنه ليس من قبيل المبالغة استنتاج أهمية المشروع الصهيوني وتوظيفة للعقيدة اليهودية لمثل تلك الاستراتيجيات الإمبراطورية!

بعد هذا الاستعراض السريع، هل يمكن أن نرى بحيادية وهدوء أن العدو لجميع مصالح شعوب المنطقة – ولا أستثني منهم يهود فلسطين الأصلاء – هو المشروع والرؤية الغربية للمنطقة، ورأس حربته الصهيونية في فلسطين؟ وهل يمكن أن نتبين أن أي مصالح لبعض الفئات المستقطبة من قبل مشروع الهيمنة الأمريكي الصهيوني يترأس بعضها كراسي السلطة، مهما كانت براقة ومغرية، فهي مؤقته مهما طال بها زمن هو في عرف التاريخ برهة قصيرة؟. إن مصير الكل ربما ينتهي إلى ذوبان حضاري تدريجي لن ينتهي بنا إلى عضوية أصيلة في نادي الإمبراليين، وإنما إلى عضوية تابعة ومهينة في أحسن الأحوال، وذلك على عكس مايحلم به الليبراليون الجدد المتحمسون لآلية الفوضى الخلاقة طريقا لمشروع الإمبراطورية الأمريكية.

يؤكد زبيغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي في ولاية كارتر، أن " الضرورات الكبرى الثلاث للاستراتيجية الجغرافية الإمبرالية [الأمريكية]، هي تجنب التواطؤ والمحافظة على التبعية الأمنية في أوساط الأتباع، والإبقاء على ليونة الروافد وحمايتها، والحؤول دون اجتماع البرابرة معا"، وذلك فيما يسميه اللورد كوروزون "الواقعية" في نظرية العلاقات الدولية، ومنها منع القوى الأخرى من التجمع معا لمعارضة القوة المهيمنة. فمن هم هؤلاء البرابرة الممنوع اجتماعهم معا غير العرب في المنطقة العربية، وما العروبة إلا لسان، ومن هم غير المسلمين في النطاق الجنوبي الشرقي والأوسط من العالم؟
في صراع تاريخي طويل مثل هذا، يجب أن نقرأ سطور الدم في غزة بالعقل، في إطارها التاريخي الممتد. وأن نتفق على من هو العدو؟ .

يمكن أن نتعاطف ونستشعر المآسي الإنسانية، ولكن لانجعلها تعمينا عن سياق حقائق التاريخ الإنساني العام. ويمكن أن نختلف في العقائد الدينية، والرؤى السياسية، والانتماءات الشعوبية والقطرية، ولكن لانغفل عن العدو المشترك الذي يهدد مصالحنا بالفعل، فالعدو – رغم المعارك المفتعلة والفتن المنزرعة بيننا في إطار سياسة الفوضى الخلاقة – ليس هو إيران ولا حزب الله ولا حماس ولا الإخوان المسلمون، ولا هو أقباط مصر حتى بمتحمسيهم في المهجر، ولا اليهود كيهود، كما أنهم ليسوا أولئك المتشبثون بكراسي الحكم مهما بدت قلة حيلتهم في إدارة الصراع الاستراتيجي، وارتباك قراراتهم التكتيكية في التعامل اليومي مع شعوبهم. بكل بساطة فإن العدو هو مشروع الهيمنة الأمريكي الصهيوني، بكل طموحاته الإمبريالية كما يقول نعوم تشوموسكي، وبأبعادة الإيديولوجية الي أعلنها المحافظون الجدد، ومخططاته الجيوستراتيجية الي يديرها العسكريون في تحالف تاريخي معروف مع ترسانة الصناعة العسكرية، وبآلياته الإعلامية الجهنمية في إطار غطاء صراع الحضارات.

هل يمكن أن نرى الأمل في استمرار المقاومة عبر ذلك التاريخ الطويل، بلحظات انتصارها القليلة، وتاريخ انكسارها الطويل؟ وهل يمكن الاتفاق على من هو العدو؟ وبعدها يمكن التحاور والاختلاف حول الاستراتيجيات والسياسات لاستمرار المقاومة وحفظ الحق في الحياة، والاستمرار في شغل مقعدنا في قطار التاريخ، المنطلق بسرعة التغيير في القرن الحادي والعشرين، كأمة أو شعوب سكنت تلك الرقعة من الجغرافيا، رقعة هي مباركة بالأديان لحكمة عليا، وملعونة بالموقع العبقري والطاقة الرخيصة ؟
آمل ذلك
.

3 يناير 2009

 

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية