مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

الإسلام الجيوسياسي وجذور الإرهاب في الشرق الأوسط

الإسلام الجيوسياسي وجذور الإرهاب في الشرق الأوسط

بقلم : مسعد غنيم
...................

منذ 11 سبتمبر 2001 شاع استخدام مصطلح "الإسلام السياسي" أو Political Islam في مجال السياسة والإعلام، وزادت كثافة الاستخدام بعد أحداث الربيع العربي في يناير 2011. ومع ذلك تكاد تخلو الساحة تماما من مصطلح مواز له ومن نفس المجال المعرفي، ويعرف بـ "الإسلام الجيوسياسي" أو Geopolitical Islam ، وهو يربط الدين الإسلامي بما يعرف بـ "الجغرافيا السياسية"، وبالنظر لنتائج البحث بموقع جوجل بتاريخ 6 يناير 2014، يبدو علما مهجورا أو مغضوبا عليه في منظومة المعرفة العربية! .. وهاهي نتائج البحث في جوجل بعدد عناوين المصطلحات التالية:

الإسلام السياسي: 2,490,000 مقابل المسيحية السياسية : 7,050
Political Islam: 1,290,000 مقابل Political Christianity: 9,510

الإسلام الجيوسياسي : 1 مقابل المسيحية الجيوسياسية: 0
Geopolitical Islam: 4,600 مقابل Geopolitical Christianity: 7
مقارنة كثافة الاستخدام بين لفظي "السياسة" و "الجيوسياسة" باللغة العربية مقابل الإنجليزية والإسلام مقابل المسيحية:

• نسبة استخدام لفظ (سياسي / Political) بلغت (2 : 1) للإسلام، مقابل (1: 1.35) للمسيحية: أي أن استخدام اللفظ بالعربية للإسلام ضعف استخدامه بالإنجليزية، بينا استخدامه للمسيحية بالعربية أقل من المقابل بالإنجليزية، أي العكس تماما من حيث الاتجاه.

• نسبة استخدام لفظ (جيوسياسي / Geopolitical) بلغت (1 : 4600) للإسلام، مقابل (0 : 7) للمسيحية: أي أن استخدام اللفظ بالعربية للإسلام منعدم أصلا مقابل استخدام كثيف بالإنجليزية، بينما استخدامه للمسيحية بالعربية منعدم أيضا ولكن قليل جدا بالإنجليزية.

رغم أن هذا مؤشر واحد فقط للقياس، لكنه دال جدا على فقر شديد محتمل في الثقافة العربية من حيث المعرفة والاستخدام لعلم الجغرافيا السياسية، ولست أدري سببا لهذا لأن هذا العلم يقع في المركز وله الأولوية الأولى عند تحليل وفهم أحداث تاريخ ومستقبل الأمم من سياسة وحرب. لهذا اخترت تقديم بحث حديث من كاتب متخصص عن جيوسياسية الإسلام، أعتقد أنه يساهم في تقديم مزيد من المعرفة عن الجغرافيا السياسية كعلم وتطبيق إلى ساحة الثقافة العربية. والمقال نشر في سبتمبر 2013، للكاتب أندرو ماكولب، محلل سياسي سابق في مفوضية الاتحاد الأوروبي. والمقال بعنوان: "الجيوسياسة والإسلام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا Geopolitics And Islam In The MENA. وفيما يلي ترجمة للمقال أو البحث مع التصرف أحيانا لتوضيح نقاط خلافية.

أصل الصراع الأيديولوجي

بالنسبة للقوى الكبرى أو ما يسمى بالقوى العظمى، وكذا للقوى الإقليمية الموالية لها، يشكل كل من الإسلام السياسي و القومية العربية ، إما أعظم المخاوف أو يعتبر تهديد منتظر، لذا يسعون جميعا إلى "إعادة تصميم النطاق الجغرافي" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومثل القومية العربية والاشتراكية العربية في الخمسينيات والستينيات، يثير الإسلام السياسي المخاوف من أن تطيح الحركات السياسية العنيفة بدول موالية تشكل جبهات مواجهة، وأن يذهب معها "الاقتصاد الحر". في الواقع فهذه التهديدات تصدر ضجيجا بأكثر مما تحدث حركة، كما أنها تضاد كل منهما الأخرى. باختصار فإن الخطر الحقيقي منهما يمكن إهماله.

منذ أحداث 11/9 و"الحرب على الإرهاب"، اعتمدت المناقشات حول علاقة الإسلام بالغرب أساسا على أكلاشيهات نمطية عن العروبة والشرق، خاصة فكرة أن الغرب عاد مرة أخرى لحالة الحرب مع الإسلام. والمنطق الأساسي هنا هو أن الغرب علماني ديموقراطي ذو سوق حرة، بينما الدول الإسلامية ترزح تحت نير التخلف الناتج عن التمسك العبودي بالإسلام. وبناء على الذكريات النمطية للقوى العظمى في رسم الحدود وبناء الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن هذه المفاهيم والمخاوف تؤثر على التصور الجيوسياسي الإقليمي والاستراتيجي للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والدول الغربية الأخرى.

تستمد تلك المفاهيم مادتها من كتب مثل "صراع الحضارات" (صمويل هاننجتون). وأحد أكبر الأخطاء التي ارتكبها مجموعة من الزعماء الغربيين اليوم هو إعتقادهم بأن صعود المنظمات "الأصولية الإسلامية" أمر لا يمكن وقفه، وأنه نتيجة التطور والنمو الزائد والطبيعي للإسلام. وهذا الفكر يتجاهل حرفيا قرونا من واقع فصل الدين عن السياسة في معظم المجتمعات الإسلامية. ومن المؤكد أنه طوال الـ 200 سنة الماضية – وحتى عقود قليلة ماضية- فإن الاتجاه الغالب فيما يسمى "العالم الإسلامي" كان تجاه العلمنة (من العلمانية). كما يتجاهل أيضا أن "الإسلام الأصولي" قد تم الترويج له بشدة من قبل الغرب ومن المحتمل أنه لم يكن يستطيع أن يحقق قوته الحالية بدون التدخل والدعم الغربيين.
إن الميل نحو ما يسمى بالإسلام السياسي أو الإسلام الأصولي منذ سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين هو ناتج ظروف اقتصادية وسياسية متفردة – ارتفاع أسعار البترول وعائدات البترول، والحرب الأفغانية والثورة الإيرانية، وتضاعف سكان المنطقة خمس مرات تقريبا منذ 1945.

 ومما تم إهماله أيضا، أن الاتجاه الحالي لـ"الإسلام الأصولي" لا يقارن فقط بل هو نفس ما حدث للأصولية الدينية ونموها السياسي في دول متنوعة مثل الولايات المتحدة والهند وإسرائيل، وحتى الدول ذات الأغلبية البوذية مثل سريلانكا. وفي كل حالة، فإن العداء للآخر الذي يكنه الجناح اليميني والجناح اليميني المتطرف، وسياسات المتطرفين الأصوليين تزداد. فقط فإنه في الحالة الإسلامية متقدم أكثر، وأكثر عنفا وخطرا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ميليشيات بالدعم الأمريكي

من السهل الدفاع عن أطروحة ما يعتبر السبب والنتيجة من المساعدات والدعم الأمريكي، في نمو الميليشيات الإسلامية أو الحركات "الجهادية"، والتي من الواضح أن أسامة بن لادن كان يقودها في الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفييتي في ثمانينيات القرن العشرين. إن الدور الفعال الذي لعبته الولايات المتحدة وحلفاؤها مثل بريطانيا في تموضع الإسلام وظهور الإسلام السياسي كقوة مضادة للقومية العلمانية في أفغانستان كان واضحا تماما. ففي أفغانستان وقبل غزو الاتحاد السوفييتي في 1979، وكما بدا في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كان هناك تراجع للقومية العلمانية و انخفاض الدعم للعديد من أكثر أحزابها العلمانية ذات التوجه اليساري. ومع الإحتلال السوفييتي، فقد خلق ذلك فراغا أيديولوجيا كانت حركة طالبان الإسلامية قادرة على على ملئه واستغلاله.

أثناء متتابعة الربيع العربي من ثورات الشارع ضد الرجل القوي منذ 2011، إشتدت وطأة الأزمة الإقتصادية الوطنية عندما فتح الليبراليون الجدد الباب للإسلاميين وتم دعم مجموعاتهم وشبكاتهم من الجمعيات الخيرية. ففي أمثلة معروف جيدا مثل حزب الله وحماس، فهما يتصفان بصفة "الإسلاموية"، أو "الأصولية الإسلامية" أو "الإسلام السياسي"، وكلها متبادلة المعنى. إن نشاط تلك الجماعات مؤسس على إعادة تفسير الإسلام ليخدم أهدافا سياسية محددة، وواضح أنها أهداف إنفصالية أو ضد الدولة، وبالمثل هناك أهداف إقتصادية تقليدية. وأيضا، تتطلب هذه الحركات بالضرورة أن تضم عنصرا عسكريا، يتجلى في ميليشيات كبيرة منظمة ومسلحة جيدا.

في مقال مشهور للمؤرخ برنارد لويس بعنوان "جذور غضب المسلمين" تم نشره في صبيحة 11/9 عرض الحجة المفضلة لدى النخبة الأمريكية وهي أن الفصل التاريخي بين الدين والسياسة في المسيحية تم منذ عدة قرون مضت، ولكن مثل هذا الفصل لم يتم بعد في المجتمعات الإسلامية. وبعيدا عن حمامات الدم نتيجة "الحروب الدينية" في أوروبا، خاصة في الفترة من حوالي 1300 – 1500 م، فإن الحجة التي ساقها برنارد هي أن المجتمعات الإسلامية لم تجرب أي مثيل لحركة التنوير، والتقدم العلمي، والتطور الفلسفي، وهكذا، والتي هي بالنسبة إلى لويس قد "تجيشت ضد الدوجمائية المسيحية". واستمر في حجته أنه بينما كان المسلمون سابقا معجبون بالغرب، فقد انقلب ذلك إلى عداء ورفض لما يسمى الإرث اليهودي المسيحي للغرب.

هذه الحجة تعطي امتدادا جيوسياسيا بحجم العالم، لاحظه صمويل هننجتون كصراع بين الشرق الذي ما زال متدينا و الغرب الذي يزداد في العلمانية حيث كان الفصل بين الكنيسة والدولة أمرا "لا مفر منه". وبالعكس فإن المجتمعات الإسلامية ليست قادرة على تحمل فكرة "مجتمع غير متدين".
يقول هننجتون بالحرف أنه "إن المشكلة الجذرية للغرب ليست المتشدددين المسلمين". إنه الإسلام، حضارة مختلفة، أهلها مقتنعون بأن حضارتهم هي المهيمنة على غيرها، بينما هم في حسرة بسبب انحدار وتدني قوتهم".
إن العملية التاريخية التي بواسطتها تم تراجع الكنيسة أو إحتواؤها في أوروبا، هي نفسها تمثل لنا تحذيرا أسودا عما يمكن أن يحدث فيما بعد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة وأن الربيع الغربي يتحول إلى شتاء عربي. فقط لنتذكر أنه في القرن 12 فكرت البابوية أن توحد أوروبا تحت شعار المسيحية الرومانية، وأطلقت حربا صليبية دامت 200 سنة وذلك كآلية للاتحاد "باسم الإله". كان ذلك فعلا سياسيا بالكلية - وفشل. في بعض الغزوات الصليبية الدامية تم قتل ما لايقل عن 500,000 شخص. وبمقياس عدد السكان في عصرنا يبلغ هذا العدد ملايين من القتلى اليوم. بمعنى مباشر، ماذا يمكن لفكرة توحيد المسلمين "باسم الله" أن تكلفنا في العالم اليوم؟

إن هذا يؤكد القاعدة البسيطة التي تقول بأن أي عقيدة يمكن استخدامها لأغراض سياسية – كما هو واضح بشدة في "حركات التمرد الإسلامية" اليوم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما تؤكد أن أي ديانة مهيمنة يمكن أن تتحول بطرق مختلفة لتتشكل وتخدم أهداف أصحاب القرار السياسي في المجتمعات التي تمثل الموطن الأصلي للعقيدة التي يتم ممارستها.

العلمانية والعـلـمــنـة

كانت أهداف ومحفزات "محمد" قطعا تشمل خلق نوع من الإتحاد الكونفيدرالي بين القبائل بواسطة عقيدة قادرة بشكل أفضل على استمرار الأنشطة التجارية على طول طريق مكة – دمشق التجاري. وكما نعلم، فإن السلطة الدينية والسياسية لـ"محمد" كانت مطلقة في حياته، ولكن بعد وفاته صار هناك صراع مرير حول خلافته – حيث أن الخليفة الرابع "علي" تم قتله بواسطة معاوية الذي استولى على الخلافة، ومنذ ذلك الحين ظهرت الشيعة تشيعا لعلي، بينما تمثلت السنة في أتباع الخليفة الأموي الجديد.

إن الغزو المغولي والحرب المغولية مع العرب في الجزيرة العربية قد أجبرا عملية فصل الدين عن الدولة بأكثر مما فعلت أثناء الغزوات الصليبية. كانت الجيوش الإسلامية أمر حيوي من أجل البقاء. وسرعان ما حدث فصل واقعي بين القوة السياسية والقوة الدينية، حيث إنتقلت السلطة الدينية إلى سلالة "محمد" أو الخلفاء، ولكن فيما بعد فإن السلاطين والأمراء احتكروا القوة السياسية والعسكرية.

إستمرت هذه العملية حتى آخر القرن 12 الميلادي. كانت الأسس الأولى للشريعة عبارة عن مجموعة من القواعد تم وضعها بمعرفة علماء الدين من أجل تصنيف كل الموضوعات مثل أوامر ونواهي، وحلال وحرام، وغطت تقريبا أي مجالات للحياة من التجارة إلى الجريمة، إلى قواعد بشأن الزواج والطلاق والملكية والنظافة الشخصية وموضوعات العلاقات الشخصية.في نفس الوقت، لم يكن العلماء زعماء سياسيين. لقد لعبوا دورا ثانويا ودور خادم بالنسبة للقيادة السياسية. هناك معاهدات إسلامية يعود تاريخها إلى القرن 10 الميلادي، على سبيل المثال، منها ما يرجع إلى مدرسة أبو الحسن الأشعري من بغداد (مؤسس السنة)، لم تخصص دورا سياسيا لرجل الدين. وكان للقادة السياسيين دورا أعلى، وهو الدفاع عن أراضي الإسلام (دار الإسلام)، وتمكين الرعايا المسلمين من ممارسة دينهم، وأن يمنع التمرد لأن "الفتنة" أو الفوضى أسوأ من الاستبداد. ومن المؤكد أنه مع القرن 12 ميلادي قامت المجتمعات الإسلامية بفصل الدين عن السياسة.

وبينما كان النبي محمد يجمع بين مهمة كل من القائد السياسي والديني، فإن الحاجة لبناء الإمبراطورية والحاجة إلى الدفاع ضد الهجوم الخارجي فرضا ضرورة واقع هذا الفصل بين الدين والسياسة.
 
إن الفرق الأساس بين عملية الفصل بين الدين والسياسة في المجتمعات الإسلامية ومثيلتها في الغرب هو أن الصدام بين الدولة والمؤسسة الدينية في المجتمعات المسيحية كان عنيفا للغاية. فهناك كوارث دينية مؤكدة مثل ليلة سانت بارثولومو (24 أغسطس 1572)، في فرنسا، من المرجح أنها أسفرت عن 25000 قتيل خلال بضعة أيام في مجزرة كاثولوكثة – بروتستانتية. وهناك ميزة أخرى للمجتمعات الإسلامية، وهي الآن عاجزة، حيث كانت الطبيعة الموزعة للسلطة الدينية في الإسلام وعدم وجود نظام تراتيبية هرمية مثل نظام القساوسة والبابوات في المسيحية. إن خلق تراتيبية سلطة مسيسة في الإسلام إتجاه حديث جدا، وتسارع منذ السبعينيات.

تعليق: في الجزء السابق حاول الباحث أندرو ماكيلوب إثبات أن تاريخ الحكم الإسلامي لم يشهد توحد السلطة الدينية والدنيوة إلا في عهد الرسول (ص) في المدينة، وأن ذلك التوحد انفصل وتوزع بعد ذلك بين سلطة الأمير/السلطان المدنية من ناحية، وسلطة الخليفة/الإمام الدينية من ناحية أخرى. ولكن الباحث أخطأ الخطأ التقليدي للمستشرقين نتيجة نقص واضح في معرفته بطبيعة الدين الإسلامي والحكم في الدولة الإسلامية في مراحلها المختلفة، وذلك لأن النموذج المقارن في ذهن وثقافة الباحث هو نموذج السلطة الكنسية في أوروبا مقابل سلطة الأمراء والملوك، أي نموذج ثنائي: (الكنيسة – المملكة). وهو أمر مختلف تماما عن طبيعة النموذج الإسلامي في البيئة العربية، والذي صاغه الفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري، وهو نموذج ثلاثي: (القبيلة – العقيدة – الغنيمة). وفيه لاتوجد سلطة مركزية للدين في الإسلام. وبغض النظر عن هذا الخطأ في النموذج المقارن إلا أن النتيجة لم تبتعد كثيرا من حيث أن الباحث كان يستهدف إثبات أن المجتمع الإسلامي وحتى القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري – عصر التدوين) ليس له أي علاقة بالإسلام الأصولي في العصر الحديث[
كان من الممكن لنموذج حديث من العلمانية أن ينتشر في غالبية المجتمعات الإسلامية منذ قرون. وقد ساهم في تقوية هذه العلمنة أدوار كل من الاستعمار التركي العثماني، الاستعمار الغربي، دخول الرأسمالية، ونمو القومية العربية و كفاح التحرير القومي.

التحديث والحداثة

لطالما قامت القوى الخارجية بتشجيع التحديث/ الحداثة والعولمة. فمع أواخر القرن 16 ميلادي، زاد انتشار الرأسمالية وغزو الاستعمار التركي من شدة الفصل بين الدين والسياسة، وتوقف الإسلام عن لعب دور مركزي في المنظمات السياسية. وسرعان ما قام حكام كل من الإمبراطورية العثمانية، و مصر و فارس سريعا بإدخال برامج التحديث، منذ القرن 17 ميلادي، مع إصلاحات كبرى في الاقتصاد والسوق، بل و الاتجاه للـ "التغريب" (من الغرب) فيما بعد وفي مرحلة كثيفة في القرن 19 وأوائل القرن 20 ميلادي.

غطت هذه البرامج إصلاحات في الجيش وإدارة الدواوين والتعليم والاقتصاد والقانون والمجتمع، وهي برامج متاثرة بقوة بالغرب ومستلهمة منه، وقد حل هذا بالتدريج محل الإسلام كقاعدة للمجتمع الإسلامي، وداعما للعلمانية الموجودة من قبل. وبرزت الطبقة المتوسطة العلمانية التي تعلمت في الغرب، وتقلدت المناصب الهامة في الحكومة، والتعليم والقانون، فارضة بذلك تحديا للقواعد التقليدية لسلطة علماء الدين.

بالنسبة لمؤرخ مثل برنارد لويس فإن الخطر يكمن في المزيد من العلمانية التي تقود "العودة إلى الإسلام" والحركات الإسلامية الإحيائية، والتي بدأت مبكرا في القرن 18 ميلادي، وتشمل طوائف متطرفة مثل الوهابية، ولكن ذلك لم يوقف التحديث. يحسب المؤرخون الفضل لمحمد علي الحاكم المصري ذو الأصل الألباني باعتباره أول حاكم للعالم العربي يدرك أهمية التصنيع. ولقد أدرك أن أن الجيش الحديث سوف يحتاج إلى مصانع أقمشة لصنع الخيام والملابس العسكرية، وأرصفة لبناء السفن، ومصانع أسلحة لإنتاج المدافع والبنادق والسناكي. اما الممالك التي سبقت مصر، تركيا وإيران، توجهوا نحو الغرب للوصول إلى طرق لتطوير جيوشهم من أجل دفاع أفضل عن أنفسهم من الغزو الاستعماري.

قام العثمانيون في تركيا ببناء المدارس والطرق والقنوات ثم السكك الحديدية، وأنشأوا نظم مالية حديثة. كما حاولت فارس تحت حكم القاجارز في القرن 18 و 19 ميلادي أن تنجح في إصلاح مماثل، ولكنهم حققوا نجاحا أقل من نظرائهم المصريين والعثمانيين. وفي كل الحالات، كانت هناك حركة لخلق طبقة متوسطة علمانية. وأدى إنشاء مدارس على الطراز الأوروبي إلى ظهور نخبة جديدة مثقفة لم تكن فقط حداثية تتوجه نحو للغرب – ولكن أيضا طبقة أنتجت فيما بعد أول حركات قومية للتحرير في مختلف البلدان- وكذلك حركة القومية العربية.

كانت تركيا أكثر الدول نجاحا في السعي نحو التحديث. وفي 1923 أصبحت تركيا أول جمهورية في الشرق الأوسط الحديث. أسس مصطفى كمال أو أتاتورك (أبو الترك) سلسلة من الإصلاحات، شاملة فصل الدين عن السياسة، والتحول من نظام سلطاني عتيق إلى نظام ديموقراطي رأسمالي. تمثلت معارضته في النظام القديم المؤسس على القوانين والممارسة الإسلامية. وفي 1924 الغى أتاتورك نظام الخلافة، واقفل المدارس الدينية، واستبدل الشريعة بالقانون السويسري، واستبعد أي مرجعية للإسلام في المؤسسات التركية. وكما نعلم، فإن حزب العدالة والتنمية الذي يتبعه رجب طيب أردوغان، تأسس سنة 2001، قد بذل محاولات غير ناجحة للإحياء الإسلامي، وحاول جزئيا "إعادة أسلمة" تركيا.

فشل الإحياء الإسلامي

كانت الإستجابة على قمة المجتمع تجاه النظام الاستعماري على شكل حركة نحو التحديث والعلمنة، ولكن ذلك أسفر أيضا عن تعطيل حركة "الإحياء". لقد رأى الإحيائيون الإسلاميون الإستعمار الأوروبي والإمبريالية – خاصة أطواره في القرن 19 و 20 ميلادي – كتهديد كبير للهوية الإسلامية السياسية والدينية. ومع ذلك، لم يلاحظها تقريبا المتربصون للإنذار مثل برنارد لويس، وقد كان زعماء هذه الحركة الإحيائية عادة أفراد من الطبقة المتوسطة ذات العقلية الدينية الذين أرادوا أن يحدوا من سلطة علماء الدين على تفسير النصوص الدينية وأصروا على حق الفرد في التفسير (الإجتهاد) لكل من القرآن والسنة. ؟

تعليق: [الباحث هنا كعادة المستشرقين غالبا، لم يفهم بعمق مفهوم الإجتهاد في الإسلام وكيف أنه مشروط بالحد الأدنى من العلم والمعرفة الدينية، وليس مطلقا لأي فرد لكونه فردا]

كان على رأس هذا التيار الإحيائي الجديد فيلسوف ومفكر القرن 19 ميلادي، جمال الدين الأفغاني (ولد في إيران وليس أفغانستان) إضافة إلى إحيائيين آخرين مثل محمد عبده ورشيد رضا ومولانا مودودي، والذين يعتبروا سلفييون حداثيون.

تعليق: [مرة أخرى، وكمستشرق، يبدو أن الباحث هنا لم يفرق بين التيار الإصلاحي والإحيائي، حيث أن الأفغاني ومحمد عبدة وتلميذه رشيد رضا يحسبون على التيار الإصلاحي، مع تحول رشيد رضا بعد ذلك للتيار الإحيائي، وهو أستاذ حسن البنا، وربما يعتبر الباحث كلا من التيارين تحت معنى إحيائي عام للدين الإسلامي].

وعلى غير شاكلة السلفيين اليوم تماما، وعلى عكس الوهابية في القرن 18 ميلادي (ومثيلها المبكر: الحنبلية في القرن 9 ميلادي) فإن أطروحات الأفغاني ورفاقة تتعلق فقط بدور التقاليد وليس لديها شئ تقوله عن الدولة. كما لم يدينوا الحكومات الإسلامية إدانة عامة ومرسلة، ولم يطالبوا بسقوط تلك الحكومات. وإنما حدث هذا فيما بعد، مع ما يسمى اليوم السلفية، أو السلفية الحديثة للقرن العشرين. ومثل الأفغاني، أنفق المودودي عدة سنين في الهند حيث نشر عقيدة الإسلاميين في شبه القارة الهندية، والتي عرفت فيما بعد باسم الجماعة الإسلامية. كل ذلك تحول بدءا من السبعينيات إلى حركة عنصرية رافضة للآخر مثل الوهابية، ولكن يسميها المحللون الغربيون "الأصولية الإسلامية" – وحتى برنارد لويس يسميها كذلك.

بدأ التسييس المبدئي للسلفية كما نعرفها اليوم بحسن البنا الذي أسس الإخوان المسلمين في مصر، في 1928. وبنفس الطريقة التي سعى إليها المودودي من أجل إنشاء دولة إسلامية في كل الهند مبنية على الشريعة، وقد رفض الإخوان المسلمون مطالب القوميين المصريين الذي طالبوا بإنشاء دولة حديثة على غرار تركيا بدستور علماني، بعد إنهاء الإحتلال البريطاني. لعب الإخوان "كارت" الإحياء الإسلامي وعظموا الشعار المرفوع حتى اليوم وهو " القرآن دستورنا".

إلا أن كل تلك الحركات الإحيائية كانت تمثل لاعبين ثانويين على المسرح السياسي في القرن 19 ميلادي وعلى الأقل حتى منتصف القرن العشرين، وذلك لأن التيار المهيمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تلك الفترة، كما تم مناقشته سابقا، كان تيار التحديث والعلمنة. ولم يحدث أبدا أن تم إنشاء تحالف على أساس إسلامي. وبالمثل، فإن القوميين العلمانيين في الهند ومصر نالوا دعم الأغلبية الواسعة من السكان، بينما كانت التيارات الإسلامية هامشية.

بعد الحرب العالمية الثانية، حل جيل جديد من القوميين العلمانيين المتشددين المعادين للإحتلال محل الجيل السابق الذي فشل في إنهاء الإحتلال، وأصبحت ظروف الإحتلال صعبة وغير محتملة للغالبية العظمى. إن الإستقلال الرسمي الذي تم منحه للعديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالخمسينيات أو ماقبلها، مثل المغرب وسوريا ومصر والعراق واليمن ولبنان والأردن والعربية السعودية، كان رغم ذلك في حكم الملغي مع استمرار الإستعمار الإقتصادي بواسطة قوة الإدارة الإستعمارية الغربية السابقة.

القومية والإشتراكية والإسلاموية منذ 1945

تم منح العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إستقلالا رسميا، ولكنه في الواقع لم يغير الظروف المعيشية للناس العاديين. فلم يكونوا أحرارا، وكانو يخلقون هم و قيادتهم السياسية الوهم لأنفسهم. كان يُنظر للطبقات المتوسطة والعليا الموالين للغرب على أنهم غير قادرين على تحقيق الإصلاح الديموقراطي. وكان يتم احتقار الطبقة الأرستقراطية بسبب تورطها مع القوى الإمبريالية، وبسبب أنانيتها المخجلة. وكانت الخسارة المهينة لفلسطين عام 1948 وفشل الدول العربية في وقف إنشاء دولة إسرائيل من أسباب زيادة عداء الرأي العام تجاه النخبة الحاكمة. كانت النتيجة أن الغضب الشعبي جعل السياسة العربية تجنح إلى اليسار، وأن تقوم الأحزاب الشيوعية حديثة الإنشاء بالمنطقة باستغلال ذلك، وبذلك ازدادت الحركات القومية تأصيلا. وشهدت هذه المرحلة الجديدة مولد القومية المتشددة في الشرق الأوسط. كان أهم القادة إعتبارا من 1949 هم العقيد حسني الزعيم في سوريان وجمال عبد الناصر في مصر،وقد قام كل منهما بانقلاب عسكري على الحكم وإعلان أن برنامجه "إشتراكي عربي". وقد لحق بهما بعد ذلك الضباط العراقيون، والعقيد معمر القذافي في ليبيا (1969)، وقد وصف كل من هؤلاء نفسه بأنه "قومي عربي".

في كل من حالة سوريا ومصر، و دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثل اليمن والجزائر (منذ 1963)، حرص القادة السياسيون على إقامة علاقات وثيقة بالاتحاد السوفييتي. ولقد أزعج ذلك وأنذر المعلقين الغربيين الذين يعتقدون أن شعوب الدول الإسلامية، المفترض أنها عميقة الإيمان والتدين سوف يرفضون الأيديولوجيات السياسية "الملحدة" وربط القومية بالإشتراكية المتأثرة بالماركسية. ولكنهم كانوا في ذلك مخطئين.

من المؤكد أنه بآخر الخمسينيات، إعترف المحللون السياسيون بأن هيمنة القومية والإشتراكية في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمثل تيارا أقوى من " حصن الإسلام". بينما تجاهل ذلك أو خفف من هيمنة القومية العربية بدلا من الإشتراكية والماركسية بين النخبة السياسية. وكان هناك سبب واحد في الواقع، وهو استمرار حالة الإستعمار الرسمي للعديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحقيقة وجود الإقتصاد الإستعماري في باقي دول المنطقة التي حصلت على استقلال شكلي، وقد زاد ذلك من تشدد وتأصيل السياسات المحلية. وبدوره، أثار ذلك الحركات الطلابية في الدول العربية، وكانت النتيجة هي المزيد من الإصلاح العلماني، من بين معايير أخرى.

في ذلك الوقت، حدث الإنشقاق الحاسم بين القوميين العرب والقيادات الإشتراكية متمثلة في جمال عبد الناصر في مصر، إضافة إلى القوى الإسلامية الحانقة من خسارة نفوذ وتأثير"رجال الدين". ثم أجرى ناصر الإصلاحات السياسية والإجتماعية والإقتصادية، بما في ذلك منع رجال الدين من التدخل في السياسة وشئون الدولة، ويلاحظ هنا الإنشقاق بين ناصر والإخوان المسلمين واضطهادهم – وقد كانوا الحليف السابق. ورغم أن ناصر إعتبر أن بعض تعليمات الإسلام تتفق مع "القومية والإشتراكية العربية"، إلا أن أيديولوجيته كانت قومية علمانية حتى النخاع.

لذا بعد ذلك، مع توالي الهزائم على القومية العربية العلمانية، متمثلة في الحروب العربية الإسرائيلية، ومع الفشل الإقتصادي بشكل أساسي، في الفترة من آواخر الستينيات وحتى بداية السبعينيات، إنفتحت مساحة واسعة لإحياء الإسلام السياسي أو الإسلاموية.

[هنا لم يربط الباحث أندرو ماكولب "الهزائم" العربية بالسبب الجيوسياسي الغربي وراء إنشاء دولة إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية وبدء تنامي نفوذ الإتحاد السوفييتي في الشرق، كما تجاهل دور الولايات المتحدة والغرب في الدعم اللامحدود لإسرائيل لكي تنتصر على الجيوش العربية لضمان مصالحها الإسترتيجية في المنطقة وعلى رأسها البترول، أي أن حرب 1967 كانت حربا على المستوى الجيوسياسي العالمي، والباحث نفسه سيذكر ذلك بالتفصيل فيما يلي، ولكنه لم يربطه هنا]

والخلاصة أنه لا توجد علاقة تربط بين الإسلام السياسي التاريخي في الفترة ما قبل القرن 10 الميلادي و صعود المجموعات الإسلاموية في العقدين الأخيرين في القرن العشرين. وكانت تقاليد العلمانية والتحديث هي المهيمنة في القرنين أو الثلاثة قرون الأخيرة قبل آواخر القرن العشربن في معظم الدول ذات الأغلبية الإسلامية. وأن: " ما يسمى خطأ بالإسلام السياسي، يمكن إرجاع أسبابه إلى عدة عوامل عالمية ومحلية وإقليمية كذلك، وأن الأمر ليس قاصرا على الإسلام، بل له مقابل واضح في أقاليم ودول أخرى في العالم تعاني من حركات سياسية واجتماعية يثيرها "المتدينون الأصوليون".

اسباب الإسلام الأصولي

إن ما يسمى بالإسلام الأصولي اليوم ما هو إلا نتيجة اندماج عدة عوامل سياسة واقتصادية. وهي تشمل التدخل الإمبريالي الجديد او الحديث من أجل تحقيق أهداف جيوسياسية، واستمرار الهيمنة الإقتصادية على معظم الدول العربية والإسلامية. إن القوى الامبراطورية الحديثة، خاصة الولايات المتحدة، قامت بتبني ورعاية مجموعات الإسلام الأصولي بغرض توظيفهم كقوة مضادة للقومية والماركسية. وكان دور إسرائيل ووجودها في حد ذاته عامل قوي في هذه الاستراتيجية الجيوسياسية والجيواقتصادية. إضافة إلى ذلك، فإن مقاربة كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة للحرب في أفغانستان، ومقاربات أخرى مشابهة في كل من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها، كل ذلك قد حد من قوة الاتحاد السوفييتي وكشف ضعفه الاقتصادي والسياسي. في نفس الوقت، فإن التناقضات الداخلية والفشل الذي لحق بالاشتراكية القومية، ثم، بخاصة، "الثورة" الإقتصادية الفاشلة لليبراليين الجدد في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين
.

في سبعينيات القرن العشرين صارت سلسلة من الأزمات الاقتصادية العالمية والقومية، استمرت تشوه بشدة صورة رأسمالية الدولة المتأثرة بالماركسية في عديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثل مصر والجزائر، وأظهرتها لا قدرة لها على حفظ وتنمية كيانات الاقتصاد القومي في وجه الصدمات الاقتصادية. هذا بينما استطاع الإسلاميون من خلال شبكاتهم الواسعة للخدمات الاجتماعية أن يقدموا للمجتمع حلولا "إسلامية سياسية" مرتكزة على الاحتكاك المباشر بالقاعدة الشعبية، واستمرت في النمو بالتجنيد من الطبقات الوسطى المغيبة، والطلبة الذين هم "بلا مستقبل"، وقطاعات أخرى مهمشة من المجتمع.

قطعا وبالتأكيد، فإن الحرب الباردة، حتى 1989، كانت المحرك الرئيسي للعملية. فقد رأت الولايات المتحدة في الحركات القومية المتشددة والشيوعية خطرا داهما على تأثيرها، بل حتى على بقائها. وفي حالات عديدة، مثل مصر وإيران، فإن واشنطن حاولت بنشاط ولمدة طويلة أن "تغري" القيادات القومية الاشتراكية، الكولينيل جمال عبد الناصر و القومي العلماني الإيراني محمد مصدق. ولكن عندما فشل ذلك، طورت الولايات المتحدة "استراتيجية إسلامية"، بمساعدة العربية السعودية، من أجل تحطيم وإزاحة القومية العربية، ورأسمالية الدولة القومية والشيوعية. وخلال خمسينيات القرن العشرين، اتضح استخدام الولايات المتحدة جماعة الإخوان المسلمين في مصر ضد ناصر، بعدما أنفصل ناصر عن الجماعة.

في حالة مصر، فبالرغم من عدم امتلاكها موارد البترول الهامة، فإن الناصرية كانت تعتبر مساوية في الخطر الشديد، وذلك نتيجة تأكيدها على الوحدة العربية إضافة إلى هدف توحيد الدول العربية المتطورة والمتقدمة تكنولوجيا بطبقاتها العاملة والمدربة جيدا، هذا مع الثروات الطائلة للدول البترولية قليلة السكان. وكان مجرد تصور توافق القاهرة والرياض يستدعي كابوس سيناريو آخر، ببساطة لأنه يلغي أو يخفف من السيطرة الغربية على موارد البترول في المنطقة.

إذا كان الإخوان المسلمون قد تم تأسيسهم أولا في 1928 بمنحة من الشركة البريطانية لقناة السويس، فإن الفضل يرجع حقيقة للدعم السياسي من الولايات المتحدة والتمويل السعودي السخي في قدرة الإخوان على النمو والانتشار.

لقد استخدمت العربية السعودية الإخوان المسلمين ضد النظم العلمانية في مصر، وسوريا، والعراق، والسودان ودول أخرى. ففي أفغانستان وباكستانن ساعد التمويل السعودي الإخوان المسلمين على التحالف مع "الجماعة الإسلامية" المنتسبة لأبي الأعلى المودودي. وقام العديد من ضباط المخابرات والمستشارين الأمريكيين، على مدار عدة سنوات، قاموا بتلخيص تلك الاستراتيجية لـ"قوة موازنة إسلامية Islamic Counterweight" وتصويرها على أنها قوية ومؤثرة ومن المحتمل أن تنجح. وكان ينظر إلى السعودية على أنها حليف محلي مضمون ضد الشيوعية. فعند الضرورة، يمكن استغلال "حلفاء موضوعيين" مثل الإشتراكيين العرب، حيث يمكن تشغيلهم محليا، فرغم أنهم إشتراكيون لكنهم ضد حزب البعث الشيوعي وحركات أخرى في العراق وسوريا. مثلا، ففي 1963، قامت المخابرات الأمريكية سي آي إيه بإمداد حزب البعث بأسماء أعضاء الحزب الشيوعي العراقي حتى يمكن إغتيالهم.

المملكة الوهابية في العربية السعودية

بمنتصف خمسينيات القرن العشرين، قام خبراء وزارة الخارجية بإقناع الرئيس إيزنهاور بأن الولايات المتحدة ، بواسطة ترويج الإسلام على المسرح السياسي، يمكنها التخلص من القومية العربية والإشتراكية أو الماركسية العربية. وكتب إيزنهاور في مذكرة تم نشرها بعد سنوات عديدة: "نريد أن نستكشف إحتمالات دعم الملك سعود ليصبح ندا لناصر". كان الملك سعود إختيارا منطقيا في هذا الشأن. فقد كان ضد الشيوعية، ونتيجة لقواعدة ومرجعياته الدينية (وجوده على أرض الرسالة المحمدية في مكة والمدينة)، كان له موقفا بارزا بين الأغلبية السنية للدول العربية.

“وقام المحللون والأكاديميون بنصح إيزنهاور بنظرية متطورة هي: "الإحياء الغربي للإسلامIslamic Rupture "، تفيد بأن الإسلام قد تم "تمزيقه" بالفعل بواسطة النفوذ الغربي (عبر عقود الإحتلال والاستغلال)، ولذلك يجب أن يتم إحياؤه واستحضاره مرة أخرى ليتبوأ مركزا عاليا بمساعدة الولايات المتحدة.”

هذه النظرية البسيطة جدا كانت رغم ذلك قوية بالنسبة للسياسيين، وتم بسطها لتشمل الهدف الجيوسياسي الذي يقول بأنه يوما ما، يتم تنصيب الملك السعودي "بابا إسلامي" يحكم الخلافة الضخمة كما عرفها السياسيون الإسلاميون بأنها تمتد "من أسبانيا إلى أندونيسيا". وبالرغم من أنه لا سعود ولا أخيه فيصل من بعده قبلوا هذه الفكرة، فإنهما أبديا إهتماما كبيرا تجاه "أسلمة" إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمناطق المحيطة، مثل دول الساحل الأفريقي ذات الأقلية المسلمة. واستمرت السعودية في موقعها كأقوى مروج لما يسمى اليوم بالإسلام الأصولي، هذا مع تضاؤل إخفاء دورها خلف الستار.

لم تحظ السعودية بمشروعية سياسية كبيرة في الشرق الأوسط أثناء عصر تقدم القومية العلمانية المتمثلة برمزها في ناصر، والكولينولات السوريين، والكولينولات العراقيين ومعمر القذافي ليبيا. كانت الناصرية مقبولة على اتساع المنطقة كنموذج إقليمي. تصرفت مصر كقوة سياسية مهيمنة حتى نهاية الستينيات وبدء السبعينيات، ولكن من أول صدمة بترولية في 1973 تغيرت هذه الديناميكية. فقد رفع الحظر البترولي من مكانة السعودية إلى الحد الذي جعلها قادرة، من وقت لآخر، على وضع الوهابية على الخريطة السياسية. وبدعم من البترودولار استطاعت المملكة السعودية إما أن تخلق أو تسيطر وتمول سلسلة من المنظمات الإسلامية على المستوى الدولي، مثل إتحاد المسلمين العرب، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وبنك التنمية، والبنوك الإسلامية وقنوات الإعلام.

من المثير للسخرية أن حكام السعودية اليوم يناصبون الإخوان المسلمين عداء مريرا، بعد أن كان التمويل السعودي للبنوك الإسلامية وشبكات الأموال، في السبعينيات تحت سيطرة اليمين الإسلامي والإخوان. تلك البنوك مولت أيضا السياسيين والأحزاب السياسية وشركات الإعلام ورجال الأعمال من الطبقة المتوسطة المخلصة – وتعرف بمعرفة السعوديين أنهم سلالة طبقات التجار والبارزرات والسوق العربي، وأيضا تمويل الأثرياء المحترفين الجدد.

كان الدعم الغربي لـ"البنوك الإسلامية" فوريا وقويا، وذلك من أجل ضمان ألا تترك البنوك الغربية والمؤسسات المالية الغربية خارج لعبة الكميات الضخمة من البترودولار التي تتدفق خلال هذه البنوك الإسلامية. وقام خبراء وأكاديميو المال – بما فيهم ميلتون فريدمان – بالترحيب بهذا المصدر الجديد من رأس المال الفائض والمتاح، وقالوا بأنه رافعة أخرى من أجل النمو السريع لما يسمى بالـ"النموذج المالي لليبرالية الجديدة".وبشكل متكرر اعتمد التميل الإسلامي على إقتصاديي اليمين الأمريكي الأكثر تطرفا من أجل ترويج الخصخصة المالية و "تحرير" النظم البنكية في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي بلدان مختلفة كثيرا مثل الجزائر والسودان وتركيا فقد تبنوا النظام البنكي لليبرالية الجديدة، وكذا المعايير المالية لها ولكن عادة بنجاح محدود.

مع حلول 1979، ظهر "نموذج مضاد" آخر من الإسلام السياسي وهو الإسلام الشيعي، صنعه الخوميني بقوة في إيران، ولكن ذلك عجل وكثف من دوافع السعودية لإعادة تنظيم الخريطة السياسية والدينية للعرب والدول ذات الأغلبية السنية. كان أحد الاستراتيجيات الهامة ذات التأثير الطويل المدى هو تكثيف تقوية العلماء أو رجال الدين في الشئون القومية، والذين تراهم السعودية وسيلة فعالة في إضعاف القومية العلمانية أو التقدمية.
بالمقابل، ومع الكثافة المتزايدة لدوافعها الإعلامية، رفعت المملكة الوهابية شعار الحضارة الإسلامية الحنيفة – تعريف معاكس تماما للحضارة الغربية الفاسدة وتأثيرها المدمر. هذا في الوقت الذي تظاهر فيه أصحاب القرار الغربيون بأنهم لم يعرفوا بأمر الحملة الدعائية الصريحة والمضادة للغرب والمعادية للآخر أو العنصرية التي تشنها السعودية الوهابية، والآن، لا يجب أن يلوموا إلا أنفسهم لأنهم وجدوا أنفسهم يواجهون عدو جديد وقوي.
 
أفغانستان وإيران

بينما قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بدعم تصنيف الإسلاميين منذ الخمسينيات، إلا أنه في 1979 فقط، مع المساهمة السعودية النشيطة والثابتة، فإن "المقاتلين الإسلاميين" أو المجاهدين أصبحوا تقريبا صورة يومية في الإعلام الجماهيري خارج الغرب، بما يشتت لإنتباه عن دورهم الحقيقي – كما تم إعداده بمعرفة السعوديين – وهو وضع الإسلامية الأصولية على المسرح العالمي. ولكي تتأكد، فإن الولايات المتحدة لديها كل ما تكسبه من دعم المجاهدين كوسيلة لإضعاف عدوها في الحرب الباردة في أفغانستان، ولكن ذلك كان منذ 23 سنة مضت!.

بالإضافة إلى المجموعات المتمركزة في أفغانستان، فكرت الولايات المتحدة بجدية في إعداد عدد من " المقاتلين الإسلاميين" حتي يمكن تحدي الاتحاد السوفييتي بفاعلية أكثر في ما يسمى "مسارح" أخرى. وقد قامت المخابرات المركزية سي آي إيه بتنفيذ برامج تجنيد المجاهدين، والدعوة للسياحة في الولايات المتحدة لأشخاص مثل أسامة بن لادن والشيخ عزام (مؤسس جماعة حماس الفلسطينية) إضافة إلى تزويدهم بالخدماتة اللوجيستية والتدريب في مواقع عسكرية مختلفة في الولايات المتحدة.

بدأ التدريب الرسمي (للجماعات الإسلامية) أثناء إدارة الرئيس الأسبق كارتر، وقد تم توسيع نطاقه ليشمل قوات الأمن الباكستانية التي قامت بدورها ودربت " المقاتلين الإسلاميين" من أفغانستان وباكستان. قامت الولايات المتحدة بتدريب الجهاديين كيف يطعنون العدو من الخلف، وكيف يشنقونهم، أو قتلهم بركلة كاراتيه، وإلى جانب ذلك مونتهم بأجهزة تحكم عن بعد، وأجهزة توقيت، ومفجرات قنابل، ومتفجرات بلاستيكية (سيمتكس، C4)، بنادق قناصة ذات مدى طويل، مدافع سريعة الطلقات مضادة للدبابات والبنايات، صواريخ مضادة للدبابات موجهة بالسلك، وأحدث الأسلحة عالية التقنية: صواريخ ستنجر المضادة للطائرات.

كانت دول الشرق الأوسط وأفريقيا (وما زالت) تعاني من أزمات اقتصادية تدفع معدلات البطالة بين الرجال والشباب إلى مستويات عالية، واستنادا إلى هذه الحقيقة، فقد جاء المتطوعون من أجل "الجهاد في أفغانستان" من كل العالم العربي والإسلامي تقريبا. وتدفق الالاف ممن عرفوا بـ"العرب الأفغان" من مصر، والعربية السعودية، والجزائر، وليبيا، واليمن والسودان وتركيا وباكستان ودول أخرى مثل الشيشان وداغستان – إضافة إلى المجموعات الإسلامية المهاجرة إلى الدول الغربية. قبل 1979، لم يكن لدى المليشيات الإسلامية في تلك الدول والمجتمعات أي برامج خارج الأنشطة المعزولة من الإرهاب المحلي وعمليات سرقة السيارات وبطاقات الإئتمان أو أي جرائم محلية أخرى، من أجل تمويل أنفسهم. لقد خدمت الحرب في افغانستان كل هؤلاء، ومولتهم، ومونتهم بالأسلحة ودربتهم على استخدامها، وأعطت لحركاتهم حياة مستدامة.

ولأول مرة، بدا أن هناك ما يشبه "مجتمع عالمي" من المؤمنين المسلحين تجمعوا ليقاتلوا ضد الغزو السوفيي الكافر، والفضل في ذلك يعود إلى الولايات المتحدة والسعودية وحلفاء آخرين في المنطقة. أما ماذا سيفعلون بعد انسحاب السوفييت من أفغانستان وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي نفسه، فلم يتم الاهتمام بذلك أبدا.

عندما انسحب الاتحاد السوفييتي في 1989، شكل ذلك علامة فارقة في تاريخ الحركة الإسلامية، حيث جعلها مشروعة وذات مصداقية، من حيث تكتيكات المتطرفين من الميليشيات، في عيون الآخرين الذي سينظرون إليهم بالتالي مستقبلا على أنهم يمثلون طريق الخلاص.

باختصار، فإن العرب الأفغان أدخلوا على الحركات الإسلامية مفاهيم أكثر تطرفا من حيث الأيدولوجيا أو العقيدة، ولغة الخطاب والتكتيكات،هذا بينما ينشرونها في أكبر عدد من المناطق. هؤلاء "المقاتلون الإسلاميون" يمكن تسميتهم بالمتشددسن الجدد ويتمثلوا رمزا بأعضاء القاعدة، ولكن الأهم – بالرغم من أن ذلك بغرابة لم يحظى بالاهتمام الكافي في كثير من الجهات المعنية بدراسة الإسلام الأصولي – إن المتشددين الإسلاميين (الجدد) يسودهم أصحاب المذهب السني المتشدد، ومن الصعب إسنادهم إلى الشيعة الإيرانية. ورغم ذلك فإن جهات الإعلام السائد المعنية في الغرب بـ "الخوف من الإرهاب الجديد" عادة ما تقوم بتركيز الضوء على إيران، مع تصوير ثورتها في 1979 كمنبع لكل ما هو إسلامي أصولي.
 
إيران مقابل العربية السعودية – سياسات البترول مرة أخرى

كما ذكرنا أعلاه، فإن مصدق الذي أتى إلى السلطة بانتخابات 1951، قام بتأميم صناعة البترول، وبذلك سدد ضربة لشركة بريتش بتروليم البريطانية. ومن المثير للسخرية، أن مصدق تلقى مساعدة من الولايات المتحدة لأن مخططي وزارة الخارجية كانوا يعتقدون أنه من خلال مصدق يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دورا أكبر بشأن البترول الإيراني مع سيطرة أكثر على مصادر بترولها عن طريق إزاحة البريطانيين خارج اللعبة. إلا أنه، عندما رفض مصدق خطة تسمح لمزيد من الشركات الأمريكية بالدخول إلى البلد، إنقلبت الولايات المتحدة عليه، وتم إزاحته بما بات معروفا جدا بانقلاب السي آي إيه (يسمى العملية أجاكس). كان الإنقلاب مدعوما بواسطة رجال الدين، خاصة آية الله أبو القاسم كاشاني مرشد آية الله خوميني، حيث نجح في تعبئة أعداد هائلة من الناس من المناطق الفقيرة والعشوائيات في طهران ضد مصدق العلماني القومي. هذه الأرضية الأبتدائية التي تم وضعها بمعرفة سي آي إيه و بواسطة كاشاني، لابد وأنها ساعدت في إعداد الخوميني لدوره الذي لعبه في ثورة 1979 لطرد الشاه – الذي تم تأسيس حكمه بمعرفة الولايات المتحدة.

يمكن مقارنة الثورة الإيرانية بما حدث مؤخرا من إزاحة محمد مرسي، وحسني مبارك الذي سبق الإزاحه به في مصر. كانت تلك الإزاحة نتيجة غضب عميق عبر قطاعات ضخمة من المجتمع، بين العمال، والطلبة، والفلاحين، والمثقفين والتجار، ضد الانحدار الاقتصادي ومع الرغبة في التغيير. لعبت القوى السياسية الاشتراكية والطلبة دورا رائدا ولكنه فشل تماما في أن يقدم قيادة للحركة ككل. يمكن الاختلاف حول ذلك، ولكن هذا الوضع السلبي سمح للـ"المرشح الإفتراضي" آية الله خوميني في إيران أن يناور بين القطاعات المختلفة وأن يكتسب السلطة الكاملة على مدى سنتين وحتى 1981. (قارن أيضا مع حصول تنظيم الإخوان المسلمين السلطة في مصر)

كان الخوميني كشيعي قادرا على إنجاز أشياء لا يمكن لأي سني أن ينجزها. فهو لم يقصر الأمر على استمالة الطلبة والطبقة المتوسطة بالمدن والعمال تحت جناحه، ولكنه اجتذب الطبقتين الأكثر ميلا نحو الإنجذاب للإسلاموية – فقراء الريف والمدن وتجار البازارات – هذا بالإضافة إلى القطاعات التقليدية المؤيدة من السكان. وبمجرد تمكنه، فقد تم استخدام نسخته الدوجمائية من الشيعة الإسلامية من أجل أسلمة المجتمع الإيراني على طريقته – وتم تهميش كل التفسيرات الأخرى للفلسفة الشيعية.

بدات الجمهورية الإسلامية في إيران بتحدي الهيمنة السعودية في الثمانينيات. وبالنسبة للسعوديين فإن خطر النموذج الإيراني ليس كبيرا لأنه شيعي وتعتبره السنة "هرطقة"، ولكنها قلقت من تعبير "إسلام الناس"، أي بالربط بين كلمتي "إسلام" و" ثورة" معا. هذا بينما النظام السعودي، وبالعكس تماما، هو نظام هيراركي يبدأ بالقمة وإلى أسفل، يستخدم ثروة البترول لنشر الإسلام الوهابي بشكل ثابت وصارم في نطاق العناصر الأصولية الداخلية المحلية القادرة على زعزعة النظام القائم. وبينما تمارس إيران العقيدة والإيديولوجية الشيعية من أجل جذب المثقفين المسلمين الشباب خارج إيران في الدول ذات الأغلبية السنية، فقد ركزت السعودية دائما على أن إيران شيعية، كما نددت بثورة 1979 كمركبة للشيعة الإمبريالية الفارسية.

وبالرغم من هذا الصراع، فإن كثيرا من الإسلاميين من كل من طائفتي الشيعة والسنة قد استلهموا الثورة الإيرانية. فقد نظروا إلى إيران على أنها تقدم نموذجا في كيفية التخلص من قائد حليف للغرب، وإنشاء جمهورية إسلامية. لقد رأوا في الثورة الإيرانية مماثلا للثورة الفرنسية أو الثورة البلشيفية، أي كانت دافعا معنويا.

بالربط بين العوامل المحددة للقرار والتي تسببت في ميل القيادة الغربية باتجاه العربية السعودية، وبعيدا عن إيران، فإن إمدادات البترول وسعر البترول قد لعبا دورا رئيسا – ويجادل البعض في أنه دور حاسم. قبل خلع الشاه وتحلي الغرب عنه، فقد تم حظر البترول في 1973- 1974 بسبب حرب أكتوبر بين العرب وإسرائيل - والذي عرف في الإعلام الغربي بالحظر العربي للبترول – كان هذا الحظر مسرحا للنزاع السعودي الإيراني. كان الشاه "صقر الأسعار" فيما يخص سعر البترول، وبحلول 1976 كان النزاع السعودي – الإيراني داخل منظمة الأوبك على الأسعار مستمرا. فبينما اعتقد السعوديون بأن زيادة سعر البترول بنسبة 350% فقط هو أمر كاف، اراد الشاه زيادة أكثر. ولقد أثر هذا فيما بعد على أصحاب القرار في الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الغربية في منظورهم الناشئ أن الشاه كان اقل في الإعتماد عليه أو أقل فائدة للغرب من الملك السعودي والأمراء. وبحلول 1978, قامت شركات البترول الغربية بتخفيض العمليات وخفص الاستثمارات في إيران. وبعد خلع الشاه، كانت السعودية قادرة على موضعة نفسها باعتبارها الضامن الوحيد لإمدادات البترول باسعار "منصفة".

إن نموذج الثورة الإيرانية للإسلام الأصولي خدم فقط كمصدر إلهام للعرب القوميين بسبب الضعف الشديد والمزمن للعلمانيين العرب القوميين. وبينما لعبت الولايات المتحدة دورا مهما في الإطاحة بالقومية العلمانية وأضعفت اليسار في إيران وكل مكان آخر في منطقة الشرق الآوسط وشمال أفريقيا، فإن ضعف الإشتراكية العربية لعب أيضا دورا كبيرا. إضافة إلى ذلك، ومنذ الثمانينيات، فإن الحداثيين في النظم العلمانية اليمينيه والغير ديموقراطية مثل بن علي في تونس ومبارك في مصر تصرفوا أساسا كدكتاتوريين محليين لخدمة المصالح الغربية. وكان فشلهم الإقتصادي، ونقص الدعم الشعبي، والقبول التام لدعم الولايات المتحدة لإسرائيل وامتداده في الحالة المصرية إلى إتفاقية كامب ديفيد، كل هذا قد شحن "غضب الشارع العربي" واستثار كراهية الإمبريالية. بسبب ضعف يسار حيوي وعلماني، مع عدم الثقة في الأحزاب القومية العربية، فقد أصبح الإسلاميون السياسيون قادرين على استغلال ذلك الغضب وكذلك صنع الوهم من أجل مصلحتهم، واليوم نحن نعيش في النتائج المترتبة على كل ذلك.
 
خلاصة البحث

قام الباحث أندرو ماكولب بتحليل الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من منظور جيوسياسي شامل، وعرض موجز تاريخ المنطقة منذ البعثة المحمدية وحتى الآن، من منظور تاريخ الإسلام كمسار محدد للتحليل. ووصل إلى نتائج محددة وهي:

• لا توجد علاقة تربط بين الإسلام السياسي التاريخي في الفترة ما قبل القرن 10 الميلادي و صعود المجموعات الإسلاموية في العقدين الأخيرين في القرن العشرين. وكانت تقاليد العلمانية والتحديث هي المهيمنة في القرنين أو الثلاثة قرون الأخيرة قبل آواخر القرن العشربن في معظم الدول ذات الأغلبية الإسلامية.

• ما يسمى خطأ بالإسلام السياسي، يمكن إرجاع أسبابه إلى عدة عوامل عالمية ومحلية وإقليمية كذلك، وأن الأمر ليس قاصرا على الإسلام، بل له مقابل واضح في أقاليم ودول أخرى في العالم تعاني من حركات سياسية واجتماعية يثيرها "المتدينون الأصوليون".

• كل الحركات الإحيائية كانت تمثل لاعبين ثانويين على المسرح السياسي في القرن 19 ميلادي وعلى الأقل حتى منتصف القرن العشرين، وذلك لأن التيار المهيمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تلك الفترة، كان تيار التحديث والعلمنة. ولم يحدث أبدا أن تم إنشاء تحالف على أساس إسلامي.

• أن ما يسمى بالإسلام الأصولي اليوم ما هو إلا نتيجة اندماج عدة عوامل سياسة واقتصادية. وهي تشمل التدخل الإمبريالي الجديد أو الحديث من أجل تحقيق أهداف جيوسياسية، واستمرار الهيمنة الإقتصادية على معظم الدول العربية والإسلامية.

• قام المحللون والأكاديميون بنصح إيزنهاور بنظرية متطورة هي: "الإحياء الغربي للإسلامIslamic Rupture "، تفيد بأن الإسلام قد تم "تمزيقه" بالفعل بواسطة النفوذ الغربي (عبر عقود الإحتلال والاستغلال)، ولذلك يجب أن يتم إحياؤه واستحضاره مرة أخرى ليتبوأ مركزا عاليا بمساعدة الولايات المتحدة.

• أن حرب أفغانستان أفرزت ما يشبه "مجتمع عالمي" من المؤمنين المسلحين تجمعوا ليقاتلوا ضد الغزو السوفيي الكافر، والفضل في ذلك يعود إلى الولايات المتحدة والسعودية وحلفاء آخرين في المنطقة، وقرر أن أحدا لم يهتم في حينه بطرح سؤال عن ماذا سيفعل هؤلاء المقاتلون بعد انتهاء تلك الحرب. وأننا نعيش الآن نتائج هذا كله.

• إذا كان الإخوان المسلمون قد تم تأسيسهم أولا في 1928 بمنحة من الشركة البريطانية لقناة السويس، فإن الفضل يرجع حقيقة للدعم السياسي من الولايات المتحدة والتمويل السعودي السخي في قدرة الإخوان على النمو والانتشار.

لم يتعرض الباحث إلى الجانب العسكري لطبيعة "حروب الجيل الرابع" التي بدأت في أفغانستان، ونعرفها اليوم في عدد من الدول العربية، ونعيشها الآن في مصر إرهابا للمدنيين وإرهاقا للقوات المسلحة وقوات الأمن في سيتاء والدلتا. وهي حرب تستدف العقول والقلوب أساسا، ولا يتم فيها مواجهة الجيش بجيش آخر، ولكن مجموعات صغيرة مدربة ومجهزة جيدا تهاجم نقاط الضعف في قوات الجيش / الأمن، بغرض تفكيك الدولة وإضعاف الجيش أو تفكيكه، وهزيمة الشعب معنويا. ويتم تجنيد تلك المجموعات من الإسلاميين الأصوليين باستخدام الدين، ثم يتم تدريبهم وتجهيزهم وتوظيفهم لصالح القوى الكبرى أو الإقليمية لتحقيق أهداف جيوسياسية محددة، وهو ما نعيشه في مصر الآن. وبالتالي فإن أي خطط لمواجهة هذه الحرب من المفترض أن تبدأ بالتحليل الجيوسياسي للتمكن من الرؤية الواضحة والعميقة لكل جوانب المشهد المصري. وهو مشهد مرشح للبقاء طويلا لأن حل إشكالية الحرب على الأرض لن يحل إشكالية الدين المغلوط في العقول والقلوب.

مسعد غنيم
8 يناير 2014
 



06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية