مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 إيزيس والتحدي القادم

 

غنيم

 

بقلم: مسعد غنيم
....................

صحوة إيزيس

القاهرة، الساعة العاشرة مساء، 30 يونيو 2013. أعلنت إيزيس عن تمام لملمة جثمان أوزوريس وإعادت إليه الحياة. تحرك جسد أوزوريس في جميع ميادين المدن المصرية التي احتشد فيها المصريون كما لم يسبق لهم أن فعلوا بهذه الكثافة وبتلك الروح المتقدة حياة وإشراقا. كان "الإخوان" على مدى عام منذ استولوا على السلطة في مصر قد نجحوا بامتياز في تقسيم المصريين إلى "إخوان مسلمين" و "كافرين"! تفوق الإخوان والجماعات الجهادية على أنفسهم في هذا التقسيم عندما قاموا بالدعاء الجماعي في حشد كبير منهم على باقي الشعب المصري الكافر الذي مصيره إلى النار! وطبعا لم يكن ليتم المشهد بدون تأمين الرئيس الإخواني محمد مرسي على دعاء الشيخ الجهادي الوقور!

كسر احتكار الدين

إلا أن المشهد في ميدان التحرير وباقي ميادين مصر فاجأ هؤلاء الذين استمطروا عليهم لعنات السماء بأن الأغلبية المسلمة فيهم يقيمون الصلاة في الميدان وسط إخوانهم المسيحيين ويقومون جميعا بالدعاء علي من دعى عليهم، أي على تلك الجماعة الشاذة عن الجسد المصري ومن والاها من الجماعات الجهادية ذات التاريخ الأسود في القتل والإرهاب، وفي ذلك كانت الرسالة الواضحة من الشعب المصري لتلك الجماعة بأنهم لا يحتكرون الإيمان بالله، وأن الله رب الجميع، وبالتالي فقد ضرب الشعب المصري نقطة ارتكاز الإخوان في استغلال الدين في استراتيجيتهم السياسية للاستحواذ على السلطة، ذلك الاستغلال الذي مكنهم منذ عام مضى من الفوز في انتخابات الرئاسة، وبالتالي سقطت إلى الأبد تلك الاستراتيجية الاستغفالية التي طالما استغلوها في خداع البسطاء من الناس.

إذن فرغم هذا الإغراق اللاعقلاني في التقسيم الديني لشعب مصر إلا أن إيزيس نجحت سريعا في تجميع جسد أوزوريس المقسم عدا هؤلاء "الإخوان المسلمون" الذي اختاروا بإرادتهم أن يشذوا عن الجسد المصري في موقف يجمع غرور حداثة السلطة وغباء التاريخ، فبدوا كجسم متطفل على الجسد المصري الكبير، إلا أن هناك فرق بين الطفيل في الطبيعة وهذا الطفيل الإخواني. تقول الدكتورة هدى الباحثة في مركز البحوث الزراعية بالقاهرة أنه لا يوجد في الطبيعة طفيل غبي، فكل طفيل يحافظ على حياة المخلوق العائل له، إلا أن الإخوان، في إطار لاعقلانياتهم التي نشهدها في كل سلوكهم بدوا كطفيل غبي حقا، يصر بغباء على الاستمرار في سياساته الفاشلة اقتصاديا وسياسيا من أجل الاستمرار في السلطة ولو على حساب الشعب المصري نفسه! وها هم يجسدون ذلك التشبيه فعلا على الأرض حيث عزلوا أنفسهم في تجمع طفيلي شاذ بالآلاف في منطقة رابعة العدوية المحدودة في القاهرة في انفصال عقلي ووجداني عن باقي الشعب المصري الذي تجمعت حشوده الكاسحة بالملايين في كل الميادين الكبرى بالقاهرة وباقي المدن وحتى القرى المصرية في سابقة لم تحدث منذ ثورة 1919. تقدر محطة بي بي سي أن هذه الإحتفالية التاريخية للشعب المصري هي أكبر تجمع جماهيري في تاريخ الشرق الأوسط !
كان المخزون الحضاري المصري هو النبع العميق الذي سقت منه إيزيس أوزوريس وأزالت به ذلك التلوث العارض الذي ألم به. ذلك التلوث الذي قسمه قسمة لم تحدث من قبل. عبر القرون لم تنجح أي من محاولات الإستعمار الخارجي أو الاستبداد الداخلي أن تقسم شعب مصر على أساس ديني بالفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين. لذا كان من الغريب جدا على الشعب المصري أن ينقسم على أساس طائفي بين المسلمين السنة أنفسهم والذين يشكلون الأغلبية الساحقة لمسلمي مصر. لا يكاد المسلمون الشيعة في مصر يمثلون كسر من نسبة مئوية من سكان مصر، ورغم ذلك فقد تم منذ عدة أيام قتل أربعة مسلمين شيعة في قرية مصرية بالجيزة بشكل بشع على يد الغوغاء من أهل القرية البسطاءعلى إثر التعبئة والفتنة الدينية بثها بعض السلفيين المتحالفين مع الإخوان. الإخوان "المسلمون" إذن هم من نجحوا بامتياز شديد في الغباء في هذا التقسيم لأول مرة في تاريخ مصر، حالفهم في ذلك تيار غير قليل ممن يسمون أنفسهم بـ "السلفيين"، إلا أنهم على ما يبدو قد تخلوا عن هذا التحالف لما رأوا بشائر إيزيس تطل على وجه مصر من جديد.

قد يبدو الآن وبعد استرجاع وجه مصر الجميل أنه أمر طبيعي جدا، وقد ننسى اليأس والاكتئاب الذي أصاب الجسد المصري طوال عام من حكم الإخوان لمصر. ولكنه أمر طبيعي فعلا، لأن تاريخ مصر أعمق مما يتخيل الإخوان، ومما قد يبدو من يأس وقت الشدة. هذه الطبيعية في المشهد المصري الآن هي مصدر الأمل في الخلاص النهائي من حكم الإخوان الذين ما زالوا حتى هذه اللحظة من هذا اليوم 30 يونيو 2013 ما زالوا متشبثين يائسين بظاهر السلطة بادعاء شرعية فرغت من مضمونها بخروج أغلبية الشعب المصري رافضة وقاطعة بنهاية حكم الإخوان لمصر، وبكشف ادعائهم الكاذب باحتكار التدين والقرب من السماء. مجرد سحابة صيف سوداء عبرت سماء مصر في غفلة من الزمن.

القبيلة والعقيدة والغنيمة

من ناحية أخرى فإن مشروع الإخوان بعض تعرضه للضوء بالممارسة العملية للسلطة قد انكشفت قواعده وتبين مدى زيفها ومخاصمتها للعقل، فهم قد فشلوا فشلا ذريعا في إدارة دولة مصر على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والإجتماعية، وكان سعارهم في الاستحواذ على الغنيمة هو الذي كشف قصور خيالهم وقلة حيلتهم وتدني درجة فهمهم ومهاراتهم الإدارية سواء على المستوى الاستراتيجي أو التنفيذي. لقد سعوا في سعار محموم للاستثئار بالمناصب الرئيسية في كل مفاصل الدولة فيما عرف باسم "الأخونة"، الأمر الذي استثار جميع طبقات الشعب المصري وخاصة في دوايين الحكومة حيث قاعدة الموظفين العريقة والعميقة. لقد استدعى الإخوان التركيبة القديمة للعقلية العربية طبقا لرؤية محمد عابد الجابري حيث ترتكز تلك التركيبة على ثلاثية العقيدة والقبيلة والغنيمة. تصورت "قبيلة" الإخوان المسلمين أنهم قد تمكنوا من احتكار "العقيدة" التي بها خدعوا الأغلبية المصرية من بسطاء العقل وفقراء الرزق وفازوا بمقعد السلطة، ثم سرعان ما اندفعوا إلى جمع "الغنيمة" بعد ما تصوروه انتصارا على الكفار! فماذا كانت نتيجة التقوقع في "القبيلة" واحتكار "العقيدة" وسعار الاستحواذ على "الغنيمة"؟ ببساطة فإن الشعب المصري المرتكز إلى جذوره التاريخية في وادي النيل بعيدا عن قبائل الصحراء في هذا اليوم العظيم 30 يونيو 2013 أطاح بأوهام قبيلة الإخوان واسترد احتكار العقيدة التي هو بها أولى. أما الغنيمة المادية فما أيسر استردادها، ولكن الغنيمة الحقيقية هي في استرداد الشعب المصري لإرادته.

والآن وبعد التآم الجسد المصري ينقلنا الأمر إلى التقسيم الأخطر لمصر وهو التقسيم العقلي، وهو تقسيم ناتج مباشرة عن التقسيم الطائفي الذي تم على مدى هذا العام الفائت. في حديثه مع جريدة الشروق المصرية أمس 29 يونيو 2013 لخص الدكتور رشاد بيومي نائب مرشد الإخوان القضية بأنها صراع بين "الإسلام" و "العلمانية". من هنا نأتي إلى جوهر التقسيم الأخطر على مصر وهو معاداة العلم والمنهج العلمي في تخليط غائم تحت مسمى "العلمانية" باعتبارها عدوا لـ "الإسلام".
من نافلة القول أن تقسيم الوطن العربي، وفي القلب منه مصر، أمر جار بطرق مختلفة تتطور من زمن إلى زمن منذ اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916. هذا التقسيم له أبعاد متعددة، لعل أوضحها وأولها هو البعد الجغرافي الذي على أساسه تم ترسيم الحدود وتفريق الشعوب بالشكل الذي نراه اليوم. وهناك أبعاد أخرى للتقسيم، لعل أهمها هو التقسيم الطائفي والمذهبي وآثاره واضحة هنا وهناك في الوطن العربي، ما بين سنة وشيعة، علوية ومارونية ودرزية و...و.... إلى آخر مستحدثات تلك القائمة الحزينة وهي الوهابية بوجهها الصحراوي الجاف الذي هب على مصر مؤخرا بشكل مكثف.

محاور التقسيم

عرفت الشعوب العربية الصحراوية التقسيم القبلي، ومن ذلك أثر ممتد في سيناء المصرية، ولكن الشعوب النهرية المستقرة في وديان الأنهار مثل النيل في مصر، والفرات ودجلة في العراق والشام، لم تعرف هذا التقسيم القبلي إلا في الأطراف الصحراوية منها، مثل قبائل شرق وغرب الدلتا في مصر، إلا أن مصر تتمتع بخصوصية تجانس فريد، يقول جمال حمدان: " منذ فجر التاريخ يبرز الشعب المصري كوحدة جنسية واحدة الأصل متجانسة بقوة في الصفات والملامح الجسمية..... هذا الثبات وحده جدير بالدهشة والتساؤل، لا لأنه يتحدى البعد الزمني الطويل فحسب، وإنما لأنه يتحدى القاعدة الأصولية من الهجرة الخارجية تؤدي إلى التجانس والداخلية إلى التنافر، ولكن الذي يفسرهذا هو التعارض بين أثر الموقع وأثر الموضع. فالموقع مركزي مطروق بل قلب دوامة بشرية، والموضع غني ولكنه محمي معزول بدرجة لعبت الصحراء حولة دور "ماصة الصدمات" التي حالت دون اجتياح الموجات البشرية الكاسحة التي تزيغ السكان الأصليين أو تخلطهم تخليطا".

الخلاصة التاريخية هنا أن درجة تجانس الشعب المصري شديدة الكثافة وعميقة التاريخ، بما يعنى أنه يصعب جدا تقسيمه إلى مجموعات عرقية مختلفة على أساس الصفات الجسمية أواللون أو العرق (الجنس). حتى الأساس الديني لم يفلح أحد في استخدامه لتقسيم الوحدة الوطنية المصرية، كما يقرر جمال حمدان:

"أن ثنائية المسلمين – الأقباط في مصر لا تتعارض مع الوحدة الوطنية، بل الدينية، ولا هي تنسخها. فبالأصل الإثنولوجي، كما بالوضع الإجتماعي، كما بالتوزيع السكني، تعد الأقلية القبطية من صميم الكيان المصري الكبير، وكتلة رصينة رصيفة من جسم الأمة شديد التماسك فيه والالتحام به."
والحال كذلك يمكن تقويم هذا التقسيم الذي حاولته جماعة الإخوان بأنه تقسيم شاذ على طبيعة الشعب المصري طفحت بثوره على وجه مصر في أقل من سنة مضت، منذ تمكنت جماعة "الإخوان المسلمون" حكم مصر، فقسمت المصريين إلى "إسلاميين" وغير إسلاميين أو بمعنى أدق كفار أو منافقين!

العصبية والدين

يقول ابن خلدون في مقدمته الشهيرة بأن الدولة تقوم على دعامتين: العصبية والدين، ويعني بالعصبية القوة المسلحة المرتكزة على مجموع القبيلة أو القبائل، ويقصد بالدين "دعوة نبي أو قول حكيم". وها قد رأينا صلاة الشعب المصري في ميادين مصر والدعاء على الإخوان بما يعني انهيار دعامة الدين في دولة الإخوان طبقا لتعريف ابن خلدون، والحال كذلك فما هو الحال في الدعامة الأخرى في دولة الإخوان، وأعني بها العصبية؟ أي الجيش والشرطة المصريين؟ من الواضح أنهما لم يعودا تحت خيمة الإخوان، وفي تفسير للخطاب الرمادي للقائد العام للجيس الفريق أول السيسي قبيل 30 يونيو وفي استباق لخطاب محمد مرسي في 26 يونيو، أوضح السيسي أن مهمة القوات المسلحة هي حماية "إرادة الشعب" ولم يستخدم لفظ "الشرعية" التي لا تزال الجماعة تتشدق بها كخط دفاع أخير ضد ثورة الشعب في الميادين. إذا فسرنا خطاب السيسي على أنه متعادل، فهذا يكفي لاستنتاج أن الجيش لم يعد "عصبية" في دولة الإخوان، خاصة أن الجناح الآخر من العصبية وهو الشرطة كان سلوكها في كل ربوع مصر غير منحاز بالمرة إلى دولة الإخوان، هذا إن لفم يكن بالفعل منحاز إلى الشعب. والحال كذلك، فإن دعامة العصبية تكون قد انهارت في دولة الإخوان.

الآن وبعد انهيار دعامتي العصبية والدين من دولة الإخوان ، تكون تلك تلك الدولة قد انهار أساسها النظري طبقا لتعريف ابن خلدون، فماذا يبقى هذه الدولة في عنادها وتمسكها بالسلطة حتى الآن؟ يقول لسان الحال أنه قرار الهيمنة الأمريكية طبقا للمصالح الجيوسياسية الأمريكية في المنطقة التي هي قلب الأرض طبقا للسير هالفورد ماكندر أبو الجيوبوليتيك (الجيوسياسة). وهذا القرار الأمريكي مرهون بإصرار الشعب المصري في الأيام القليلة القادمة في ميادين مصر وربوعها.

التحدي القادم

أعتقد أن التحدي الرئيسي للمرحلة الحالية من الحضارة البشرية هو اللاعقلانية، وإذا كانت معركة العالم الأول مع اللاعقلانية معركة تبدو شرسة وطويلة الأمد، فإن معركتنا معها هنا في قلب العالم الثالث أشرس وأطول بطبيعة المنطق. يكفي أن نعرف في هذا الصدد أن 45% من الشعب الأمريكي يؤمن بأن عمر الكون لا يتعدى 10 آلاف سنة طبقا للتفسير الحرفي للإنجيل! بينما يقول علم الباليونتولوجي من خلال الحفريات المادية في كل قارات الأرض وبكل وضوح أن الديناصورات إنقرضت منذ 65 مليون سنة بعد أن عمرت الأرض حوالي 150 مليون سنة، ناهيك أن العمر المقدر للأرض نفسها طبقا لعلم الكوزمولوجي والفيزياء هو 4.5 مليار سنة بينما عمر الكون ذاته يبلغ 13.7 مليار سنة! طبقا لنظرية الإنفجار العظيم.
من هنا فإن التحدي الحقيقي لنا في مصر بعد زوال دولة الإخوان المسلمين ليس تحديا سياسيا واقتصاديا كما يبدو على سطح الأحداث الساخنة، بل هو في العمق تحديا عقليا. هو صراع العقلانية مع اللاعقلانية والإرهاب الفكري باسم الدين، وهذا هو التحدي القادم والذي يجب أن تعمل إيزيس فيه على الإنتصار للعقل والعقلانية مع الاحتفاظ بوسطيتها المبهرة في فهمها لرسالات السماء منذ فجر التاريخ.

مسعد غنيم
30 يونيو 3013
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية