مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 المستقبل أفضل مما تظن

 

غنيم

 

بقلم: مسعد غنيم
....................

بات اليأس يخيم على نفوس المصريين وهم يرون وطنهم ينحدر بسرعة مفجعة بمعاير الأمن والإقتصاد والتعليم وبالأخص مستلزمات المعيشة اليومية للمواطن المصري. مستلزمات يصعب تلبيتها كل يوم مع واقع غلاء معيشة سيشتعل أكثر مع شروط قرض البنك الدولي المنتظر. زاد من هذا اليأس ذلك الهبوط الواضح لأداء سلطة الحكم ممثلة في جماعة الإخوان المسلمين على الصعيد السياسي وإدارة شئون الدولة، بل وحتى التمثيل الدبلوماسي المحرج في الخارج والداخل بالأداء الشخصي المؤسف لرئيس مصر!. لهذا رأيت ضرورة البحث في هذا المشهد المحبط عن ثغرات للأمل والاستبشار بمستقبل أفضل، حيث أن أخطر ما يمكن أن يفعله المصريون بأنفسهم هو اليأس، هكذا يقول الحكماء. في هذا السياق السياسي إستنجدت بكتب التاريخ لعلي أجد ما يشيع الأمل، وخاب ظني، فها هو الدكتور محمد عابد الجابري (فيلسوف مغربي معاصر 1936- 2010) يقرر في كتابه: "العقل السياسي العربي، طبعة يونيو 2010" أنه لم يجد إلا نحو 30 سنة مضيئة هي كل عمر الخلافة الراشدة، بينما استمر الملك العضوض أكثر من 1380 سنة منذ بني أمية" وأضيف من عندي: وحتى الإخوان المسلمين اليوم!، هو إذن كما يقول الجابري "ملك يعتمد تكريس مقولات وأطروحات الأيديولوجيا السلطانية الإستبدادية، مقولات وأطروحات تمثل الجانب "العقلي" في الفكر السياسي في الإسلام بينما ظل الجانب "النقلي" (فقة السياسة) ينقل من الواقع، الماضي منه والحاضر، ما به يبرر الأمر الواقع الذي يفرضه الحاكم بالشوكة والغلبة (أو بالصندوق المفترى عليه!). وهكذا إنتهى الأمر إلى صياغة "مبدأ كلي" يلغي مسألة السياسة تماما: مبدأ "من اشتدت وطأته وجبت طاعته"، أي تكريس وتثبيت الإستبداد باسم الإسلام. وبينما أنا حائر أبحث عن مداخل الأمل وجدت ضالتي في مقال منشور في مجلة أمريكية متخصصة بعنوان "دائما غدا أفضل It’s Getting Better All the Time" جاء وكأنه إجابة مباشرة على تساؤلي، مقال يتجه نحو المستقبل وليس للماضي، وهذا هو موضوع مقالنا هنا، عن المستقبل الأفضل.

د. إدوارد هدجنز إقتصادي أمريكي متخصص، قدم في مقاله المشار إليه نقدا تحليليا لكتابين نشرا حديثا. الكتاب الأول بعنوان "الوفـرة: المستقبل أفضل مما تظن Abundance: The Future Is Better Than You Think " لمؤلفيه د. بيتر ديامنديز و د. ستيفين كوتلر، وهو العنوان الذي اخترته لمقالي هذا. والكتاب الثاني بعنوان: "تجار اليأس Merchants of Despair" من تأليف د. روبرت زوبرن. والكتابان يقدمان نظرة تفاؤلية لمستقبل البشرية وليس فقط المجتمعات الغربية، ويهدمان أسباب التشاؤم العالمي تجاه المستقبل، ويوحيان بمقدمات تغيير ثقافي مقبل يدعم التفاؤل.
يلاحظ د. هدجنز كاتب المقال أن كلا من كاتبي الكتابين مهتمان بعلوم وتطبيقات الفضاء، ويسعيان للتفاؤل باتجاه السماء. يعمل د. ديامنديز مديرا لمشروع الجائزة X الذي رصد 10 مليون دولار لمن يقدم تصميما يعيد استخدام المركبات الفضاية في رحلة للفضاء تسع 3 أشخاص لمدة أسبوعين، وبالفعل تم الإختراع في 2004 وتم تنفيذه هندسيا استعدادا لاستخدامه في رحلات تجارية للفضاء قريبا. أما د. زوبرن (متخصص في علوم الفضاء وعلوم الذرة) فقد شارك عام 2009 في إنشاء جامعة الفرادة Singularity University التي تسعى لدعم تقدم التكنولوجيات المتسارعة في مواجهة التحديات العظمى أمام البشرية. كما شارك زوبرن في إنشاء مؤسسة لاستغلال موارد الكواكب بالتعدين في كويكبات المجموعة الشمسية!.

الوفرة ممكنة

بدءا بالكتاب الثاني، يقول د. زوبرن أن البشرية الآن على أعتاب تغيير جذري تمتلك فيه التكنولوجيا إمكانيات رفع مستوى المعيشة بدرجة كبيرة لكل سكان الكوكب. وأنه في خلال جيل واحد سنتمكن من توفير البضائع والخدمات التي كانت قصرا على الأغنياء وذلك لأي شخص يحتاج إليها. بينما يحدد مؤلف الكتاب الأول د. ديامنديز ثلاث قوى يعتقد أنها، في هذه اللحظة التاريخية، تجعل التقدم التكنولوجي المتسارع ممكنا. وهذه القوى هي:
الأولى: ثورة الأداء الشخصي: ويعطي مثالا لذلك بالشهير ستيف جوبز الذي تحدى الشركة العملاقة IBM واخترع منظومة Apple بدءا بالعمل في جراج منزل والديه!

الثانية: الدعم المالي الوافر: مثال ذلك، ما قدمه داعموا "الزكاة التكنولوجية" وعلى رأسهم كل من الشهير بيل جيتس مؤسس ميكروسوفت، و وارين بافيت المليادير الأغنى في العالم، و مارك زوكربيرج مؤسس فيس بوك، حيث يقدمون عشرات المليارات كأعمال خيرية لدعم الإبتكارات التكنولوجية في كل أنحاء العالم.

الثالثة: مليار القاع: وهم الفقراء الذين انضموا مؤخرا إلى الإقتصاد العالمي نتيجة ثورة تكنولوجيا المعلومات والتواصل والخفض الكبير في تكلفة النقل. هؤلاء يساهمون بمواهبهم وجهودهم في الإقتصاد العالمي الذي يستفيدون هم منه أيضا، ويسميهم ديامنديز "المليار الصاعد".
يحدد ديامنديز مجالات محددة للوفرة المنتظرة نتيجة ذلك التقدم التكنولوجي المتسارع وهي:

مياة الشرب

يقدم المؤلف مخترعا شهيرا هو دين كامين الذي اخترع جهازا لتنقية ماء الشرب قادر على تنقية أقذر أنواع المياة بسهولة ودرجة نقاء عالية جدا. هذا الجهاز بحجم الثلاجة الصغيرة ويصل سعره في الإنتاج الكمي إلى 5000 دولار ويحتاج طاقة قليلة ولا يحتاج لقطع غيار، ولأن هذا السعر يعتبر عاليا للبلدان الفقيرة في أفريقيا فقد قامت شركة كوكاكولا بتبني فكرة المخترع في مشروع لدعم توزيع هذه الأجهزة في القارة الأفريقية.

الصحة

التشخيص هو أساس العلاج الطبي، وأشعةX هي من أهم أدوات التشخيص . قدم المؤلف دارسا مخترعا في مجال خواص المواد اسمه كارلوس كاميرا، قام بالتعاون مع مستثمر اسمه ديل فوكي باختراع أصغر وأرخص ماكينة أشعة إكس بناء على مبدأ triboluminescence، بهذا الإختراع ستصبح ماكينات أشعة إكس متوافرة بكثرة وبثمن قليل للشعوب الفقيرة. كما قدم المؤلف مستثمرا مخترعا إسمه جورج وايتسايد الذي يستهدف في المنظور البعيد ما يسميه "التشخيص الطبي غير المكلف" ، وهو قد اخترع قطعة ورق صغيرة (1x1 سنتيميتر) سماها بإسمه "ورقة وايتسايد"، تمتص عينة السائل المقطر عليها وتوجهه عبر أليافها في دائرة بوليمرات مطبوعة عليها في قنوات محددة، فتتلون الورقة باللون البني في وجود السكر وبالأزرق في وجود البروتين.

التعليم

لم يقدم ديامنديز إختراعات صاعقة في هذا المجال، وإنما أشار إلى كيف أن الكمبيوتر المحمول والكمبيوتر اللوحي tablets والإنترنت وباقي عناصر ثورة الإتصال والمعلومات ستساعد في تثوير عملية التعليم في العالم كله. وأوضح المؤلف أن أسلوب التعليم الحالي هو ميراث القرن قبل الماضي (القرن 19) قرن الثورة الصناعة، والذي يعتمد على حشو المدرس لأدمغة التلاميذ بالمعلومات مع إنتقالهم من فصل دراسي إلى آخر. ولكن هذا الأسلوب لم يعد صالحا في قرن المعرفة الذي تتغير فيه حياة التلاميذ بمعدل متسارع. ثم يعطي المؤلف مثالا لتعليم المستقبل من تجربة طبيب هندي مهتم بالتعليم إسمه سوجتا ماترا قام بتركيب شاشة حاسب آلي (بحيث لا يتم سرقته) في جدار منزله متجها للخارج في منطقة عشوائية فقيرة، وسرعان ما تعلم أطفال الشوارع المتجولون كيفية التجول في الإنترنت رغم أنهم لا يعرفون الإنجليزية!.

منذ فجر البشرية عاش قلة من الأغنياء المنعمين في تناقض مع أغلبية ساحقة من المعدمين. والشائع هو أن تلك الفجوة لا يمكن سدها، ولكنها تنسد بسرعة. ويقدم المؤلف د. ديامنديز دليلا على ذلك هو الدفع الذي يقوم به المستثمرون المغامرون والمخترعون.

أولا، فإن تقديرنا للعقل البشري يعطينا طاقة لا نهائية لتغيير العالم إلى الأفضل. إن أيديولوجيات عصر ما قبل الحداثة وما بعدها تقول بأن البشر في نهاية المطاف جهلاء وعاجزون في مواجهة قوى الطبيعة، ولكن مثل هذا القول لم يعد له مكان في عصر الوفرة.

ثانيا، إن البشر هم القوة الدافعة خلف التقدم البشري، حيث أن اختراعات الأفراد، وليست القوى المجتمعية للأفراد، هي التي صنعت الفرق بين الفقر والوفرة.

ثالثا: أن الأفراد المبدعين في عالم الوفرة يحبون عملهم. نعم، إنهم يقولون أنهم يعملون من أجل خير البشرية وأن نتيجة عملهم تساعد في خلق عالم أكثر رفاهية. ولكن حبهم لمواجهة وتحدي المستحيل، في داخلهم أولا، هو الذي يحفزهم حقيقة وذلك يستدعى احترامنا لهم.

خرافات بيئية

إن أكبر تحد لسيناريو الوفرة التي يقول بها د. ديامونديز هو نظرته للمشاكل البيئية. فقد تنبأ المفكر الإنجليزي توماس مالثوس (1766 – 1834) بأن موارد الأرض تنمو بشكل خطي (1-2-3-4-5..) بينما ينمو السكان بشكل أسي (1-2-4-8-16-....)، بما يعني تعرض البشرية لخطر نقص الموارد وانتشار المجاعات.

وفي عام 1968 تنبأ الأمريكي بول أيرليخ بـما سماه "القنبلة البشرية" التي ستنفجر وسنجد ملايين الجثث في الشوارع نتيجة نقص الغذاء والموارد، بل إن نادي روما الشهير (يعرف نفسه بأنه مجموعة من الشخصيات العالمية المهتمة بمستقبل البشرية) نشر في 1972 تحذيرا سماه "حدود النمو" يوضح أن تقدم البشرية محدود ويجب أن نؤقلم أنفسنا على مستويات معيشة أقل!.

يقول د. ديامنديز مؤلف كتاب "الوفـرة" أنه رغم أن أسوأ تنبؤات نظرية مالثوس لم تثبت عبر السنين إلا أنه لم يخفت صوت النظرية بعد، فما زلنا نجد دلائل على صحتها أينما نظرنا، إلا أنه يضيف بأن أطروحة الوفـرة تقول بأن التكنولوجيا تقدم الحل للخروج من مأزق نظرية مالثوس وتحفظات وتخوفات المهتمين بالبيئة.

إلا أن كاتب المقال د. إدوارد هدجنز يعقب على ذلك التفاؤل بتحفظ واضح حيث يقول أنه على افتراض أن مؤلف الكتاب د. ديامونديز يقول بـأن التكنولوجيا قادرة على حل إشكالية مالثوس في تزايد السكان، وبأن ثورات الإختراق التكنولوجي القائمة هي أمر جيد في أي حال من الأحوال، حتى لو نحينا جانبا نظرية مالثوس وتخوفات المهتمين بالبيئة، إلا أن هناك مخاطرة كبيرة في مجرد إنتظار ما سيحدث طبقا لهذه الإفتراضات والمخاوف التي تضعف من قوة رؤية المؤلف المستقبلية في المستقبل المشرق.

أما د. زوبرن في كتابه "تجار اليأس" فيقرر أن البشرية في حالة صدام في عالم اليوم بين رؤيتين متضادتين، إحداهما تقول بـ "أن الإنسانية شئ نفيس يستحق الحماية والحرب من أجلها" وذلك طبقا للموروث الديني والحضاري للإنسان، هذا في مقابل رؤية نادي روما الذي سجل في تقريره "أن العالم مصاب بالسرطان وأن هذا السرطان هو الإنسان نفسه"، ويقول زوبرن أن رؤية نادي روما تلك إنما تعني أن البشر عبارة عن مجموعة من الحشرات التي تشكل تطلعاتها وشهيتها خطرا على النظام الطبيعي.

ويدفع د. زوربن فيما يخص إشكالية مالثوس بقوله أن مالثوس ببساطة لم يكن يتحدث كعالم ينقل الحقائق الكئيبة بأن السكان سيفوقون دائما موارد الغذاء، وبالتالي، سيكونوا محدودين بشكل أو بآخر، بل يرى أن مالثوس إنما كان يهاجم فكرة التنوير في ذلك الوقت بالقول بأن "الحرية الإنسانية والمعرفة الممتدة والتقدم التكنولوجي يمكنهم في النهاية أن يوفروا لكل البشر حياة كريمة."

كان هذا عزيزتي القارئة وعزيزي القارئ ملخص مقال د. إدوارد هدجنز الذي حلل فيه كتابين تم نشرهما حديثا، الأول بعنوان "الوفرة: المستقبل أفضل مما تظن Abundance: The Future Is Better Than You Think " لمؤلفيه د.بيتر ديامنديز و د. ستيفين كوتلر. والثاني بعنوان: "تجار اليأس Merchants of Despair" من تأليف د. روبرت زوبرن.

من هنا ينبثق سؤال منطقي وهو: كيف ينطبق هذا التفاؤل على الحالة المصرية الإخوانية المتردية؟ وقد أجتهد وأجيب بأن الخلفية الحضارية والثقافية لمؤلفي الكتابين ولكاتب المقال هي في مستوى مختلف بالكلية عن المأزق الحضاري المصري الذي جلبه عليها تيار اٌلإسلام السياسي في صدامه مع التيار الليبرالي، ذلك الصدام الذي لايخطر على بال مؤلفي تلك الكتب ولا يدخل في إعتباراتهم البحثية عند تقديم رؤيتهم لمستقبل البشرية من منظورهم هناك! فهم في الغرب قد تجاوزوا بمئات السنين ذلك الصدام التاريخي بين "الدين والدولة"، وبين "الديموقراطية و"الشورى"". هذا بينما استحضر تيار الإسلام السياسي هنا تلك الإشكاليات التاريخية لنبدأ نحن بعد 300 سنة في إعادة إختراع العجلة وإكتشاف الديموقراطية من منطلق "من اشتدت وطأته وجبت طاعته"!!.

لا يعني هذا أني أختتم المقال بالتشاؤم بعد التفاؤل، بل بالعكس. إن التاريخ لا يعيد نفسه وأنما تتشابه وتتماثل مراحله، ومثلما كان العلم والمعرفة هما نتاج التجربة الأوروبية الغربية، وبما أننا ننتمي لنفس نوع البشرية وبنفس التركيب الجيني، فلابد أن نصل إلى نفس النتيجة، وبما أن التكنولوجيا تتسارع بشدة فلابد أننا لن نبقى متخلفين مئات السنين، ربما العشرات فقط! أي أن السؤال ليس بـ "هـل" وإنما بـ "متى" يرحل الإخوان المسلمون عن السلطة في مصر، أو ربما عن التاريخ، من يدري؟ ربما الأمريكان!

مسعد غنيم
25 أبريل 2013
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية