مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 مصر – واطسون و مستقبل الحضارة

 

رياض

 

بقلم: مسعد غنيم
....................

في ذكرى استشهاد الفريق عبد المنعم رياض أثناء حرب الاستنزاف، قد لا يعلم الكثيرون أن الرجل كان مثقفا على درجة عالية من الرقي المعرفي والحضاري. وقد استشهد هذا البطل في الخط الأول للمعركة وعلى ضفاف قناة السويس، تلك القناة اختتم بها د. مايكل شريمر مقاله الذي نقدمه اليوم بنفس العنوان، دلالة على ثقل مصر الحضاري – رغم أي شئ. "إن بلوغ المستوى الثاني (2) من الحضارة ليس أمرا محتوما، حيث أننا نشهد في الدول العربية هذا الشهر (مارس 2011)، مقاومة كبيرة من الحكومات غير الديموقراطية لتسليم السلطة إلى الشعب، خاصة في النظم الثيوقراطية (الدينية) التي يفضل زعمائها أن نرتد جميعا إلى المستوى الحضاري الأقدم (1.4) وهو حضارة الزعامة القبلية." هكذا اختتم أستاذ الاقتصاد والسياسة الأمريكي، مايكل شريمر، وهو كما ترى عزيزي القارئ ليس مصريا ولا عربيا عموما، وقد نشر المقال مبكرا في مجلة "سكيبتك" الأمريكية في مارس 2011 في أعقاب ثورة 25 يناير2011 في مصر. ويرتكز المقال على فكرة وضع مقياس لتطور الحضارة يمر بعشرة مراحل قسمها د. شريمر كالآتي: (من 1.1 ، ثم 1.2، وهكذا حتى 1.9، ثم أخيرا 2.0). وهو قد بدأ من مستوى حضاري يمثل بالرقم 1. وسنتعرض لهذا التقسيم بالتفصيل فيما بعد.

في الواقع فإن هناك من سبق د. شريمر في تقسيمه الحضارة إلى مستويات وذلك في العام 1964، وذلك على مستوى كوني أعلى، حيث قام عالم الفلك الروسي نيكولاي كارداشوف بوضع مقياس للحضارات يدعى "مقياس كارداشوف"، قسم فيه الحضارات إلى مراحل طبقا لمصدر الطاقة التي تستخدمه تلك الحضارة. وهذه المراحل باختصار هي: الحضارة النجمية: وهي التي تشكل النجوم مصدر طاقتها (الشمس في حالتنا)، والحضارة المجرية: وهي التي تشكل المجرة مصدر طاقتها (مجرة درب التبانة التي ننتمي إليها بها حوالي 200 مليار – وليس مليون!- نجم)، والحضارة الكونية: وهي التي تعتمد طاقتها على مجموع مجرات الكون بالكامل، ويقدر عددها بحوالي 400 مليار – وليس مليون- مجرة! وقد حدد كارداشوف مرحلة حضارتنا على الكرة الأرضية بأنها بدائية جدا وأقل بكثير من المستوى الأول (1) حيث أننا ما زلنا نعتمد على الوقود الأحفوري (بترول وفحم) كمصدر للطاقة، ولم نرق بعد لاستخدام الطاقة الشمسية بشكل كفء. فأين مصر الآن من تلك الحضارة الكونية على مقياس شريمر، وليس كارداشوف!؟

 

شريمر

 

حقيقة، فإن مايكل شريمر قد وفر علينا الإجابة على هذا السؤال تحديدا، من منظوره هو بالطبع كما جاء بمطلع هذا المقال. وقد جاء عنوان مقال الكاتب والذي تبنيناه هنا غريبا كالتالي: "مصر، واطسون و مستقبل الحضارة". وتكمن الغرابة أولا في أن المقال ليس موجها للقارئ المصري أو العربي عموما، بل إلى القارئ الغربي بصفة عامة، ولكن يبدو أن السحر التاريخي لمصر قد غلب على عقل الكاتب فرأى أن يربط مهد الحضارات، مصر، بمستقبل الحضارة الإنسانية كلها. وهو الأمر الذي استفز أحد القراء الأمريكان فاعترض على هذا الربط للحضارة بمصر! وفي الغالب سيكون هذا القارئ إما جاهلا بحضارة مصر الماضي أو ناقما عليها لسبب أو لآخر، هذا رغم أنه قد يكون محقا تماما لو أنه اعترض على هذا الربط من منظور المستوى الحضاري لمصر الحاضر وليس الماضي. فليس خافيا مستوى التخلف الذي تعيشه مصر الآن، وليس محل جدال أيضا، ولكن الذي في محل السؤال هو مصير مصر الحضاري في ظل دولة تأكدت ملامحها وتوجهاتها الدينية بعد بضعة شهور فقط من تولي الإسلام السياسي مقاليد السلطة بها؟ ونحن هنا لا نتكلم عن المستقبل الإقتصاي أو السياسي أو الإجتماعي بشكل خاص، بل عن المستوى الحضاري بشكل عام وفي إطار مقياس شريمر للحضارات بوجه خاص، وهذا ما نوضحه من خلال المقال المعني هنا.

يأتي الشق الثاني من الغرابة في عنوان المقال من حيث أن الكاتب يبدأ بالتساؤل عن الرابط بين الثورة في مصر والعالم العربي و "واطسون" من شركة آي بي إم IBM الأمريكية المشهورة، حيث يبدو أن لا رابط هناك بينهما. فما هو واطسون هذا؟ إنه أحدث حاسب آلي متطور من إنتاج شركة آي بي إم!. وقد أتت شهرة هذا الحاسب بعدما تغلبه في يناير 2011 على متسابق بشري فاز في 74 مسابقة متتالية لم يهزمه منافس بشري آخر في أي منها، قبل أن يهزمه الحاسب الآلي "واطسون". تلك المسابقة تعد أشهر المسابقات شعبية في التليفزيون الأمريكي وتسمى المخاطرة أو "JEOPARDY". طبعا لم نسمع شيئا في مصر عن هذا الحدث الهام في حينه لأننا كنا في ذروة الحدث التاريخي لثورة يناير.

من المعلوم موقع مصر من ماضي الحضارة الإنسانية، ولكن، ما علاقة مصر الحاضر و "واطسون" الحاسب الآلي بتحديد مصير مستقبل حضارتنا؟ الملاحظ هنا هو أن د. شريمر أشار إلى "حضارتنا" بصفة الجمع الإنساني وليس بصفة الحصر لحضارة الغرب فقط، وهو ما يستوجب قرائتنا كمصريين لهذا المقال. كان هذا هو المدخل الذي اختاره الكاتب ليوضح وجهة نظرة في آليات صنع مستقبل الحضارة البشرية. يبدأ الكاتب بتحديد أربعة قوى محددة لمستقبل تلك الحضارة، وهذه القوى هي: التفكير من أسفل لأعلى، وليس من أعلى لأسفل؛ والتفكير بطريقة النمو الأسي وليس بالتغير الخطي؛ والتفكير من منظور الجماهير الغفيرة وليس من منظور النخبة القائدة؛ والتفكير بشكل مفتوح وشفاف وليس بشكل منغلق وسري. يرى د. شريمر أنه تحت تأثير تلك القوى فإن ما يبدو من أحداث غير مترابطة (الثورة المصرية وفوز الحاسب الآلي واطسون على الإنسان) سيتضح أنها، في الحقيقة، مترابطة على مستوى أعمق عندما نتعمق في النظر للماضي إلى المسار العام لتاريخ الحضارة.

1. من أسفل لأعلى وليس من أعلى لأسفل: تقريبا، فإن معظم الأشياء الهامة التي تحدث في كل من الطبيعة والمجتمع إنما تحدث من أسفل لأعلى، وليس من أعلى لأسفل. فالماء من أسفل لأعلى، حيث خاصية الاتحاد الذاتي للهيدروجين والأكسيجين اللذان يكونان للماء. والحياة من أسفل لأعلى، حيث خاصية الإتحاد الذاتي للجزيئات العضوية التي تكون سلاسل البروتين من خلال إدخال الطاقة لا أكثر، في منظومة بيئة الأرض المبكرة. والتطور والإنتقاء الطبيعي هو عملية من أسفل لأعلى تقوم بها المخلوقات فقط من أجل البقاء ومن أجل أن تنقل جيناتها إلى الجيل التالي، ومن خلال تلك العملية البسيطة تنبثق المنظومة المتنوعة من أشكال الحياة المعقدة التي نراها اليوم. والإقتصاد هو عملية منبثقة ذاتيا من أسفل لأعلى من قبل أشخاص يحاولون فقط أن يحيوا وأن ينقلوا جيناتهم إلى الجيل التالي، ومن تلك العملية البسيطة تنبثق تلك المنظومة المتنوعة من المنتجات والخدمات المتاحة لنا اليوم. والديموقراطية هي منظومة سياسية منبثقة من أسفل لأعلى ومصممة خصيصا لإسقاط الزعامات والممالك والنظم الثيوقراطية (الدينية) والديكتاتوريات.

2. النمو الأسي وليس التغير الخطي: إن العلم و التكنولوجيا قد غيرا عالمنا خلال القرن الماضي بأكثر مما تغير في مئات القرون السابقة – لقد استغرق الأمر 10,000 سنة لكي ننتقل من العربة ذات الحصان إلى الطائرة، ولكن الأمر استغرق 66 عاما فقط لكي ننتقل من الطيران بقوة الدفع إلى الهبوط على القمر. إن "قانون مور" الذي يقول بمضاعفة قوة الحاسب الآلي كل 18 شهر يستمر بلا منازعة، وقد وصل الأمر الآن إلى حوالي سنة واحدة فقط. لقد قام علماء الحاسب الآلي بحساب أنه تم حتى الآن عدد 32 مضاعفة منذ الحرب العالمية الثانية، وأنه بحلول عام 2030 قد نواجه بحالة "فرادة تكنولوجية" أو "Singularity" – وهي النقطة التي سترتفع فيها القوة الحاسوبية الكلية إلى مستوى يتخطى كثيرا أي شئ يمكن أن نتخيله ويبدو أنه قريب من اللانهاية. ولا يقتصر الأمر فقط على القدرة الحاسوبية على معالجة الأرقام، ولكن يتعداه إلى القدرة على معالجة الأمور المتعلقة بالذكاء أو الوعي الإنساني، وذلك كما تم مشاهدته في الفرق بين الحاسب الآلي المسمى ديب بلو"Deep Blue" الذي يجيد لعب الشطرنج، و الحاسب "واطسون" بطل مسابقة "المخاطرة" الشهيرة.

3. الجماهير هي المصدر وليست النخبة القائدة: إن إنتاج المعرفة له مسار طويل في الإنتقال ليس فقط من "من أعلى لأسفل" إلى "من أسفل لأعلى"، ولكن من النخبة القائدة إلى مصدر الجماهير. من القساوسة القدامى ومتعلمي القرون الوسطى، إلى أساتذة الجامعة والناشرين الجامعيين، إلى الكتاب الشعبيين ودور النشر التجارية، إلى الكتاب المستقلين والناشرين على شبكة الإنترنت؛ خلال هذه الإنتقالات كلها ناضلت عملية دمقرطة المعرفة جنبا إلى جنب مع عملية دمقرطة المجتمعات لكي تحرر نفسها من أسر السيطرة "من أعلى لأسفل". فقط قارن بين موسوعات المعرفة العظيمة والمتعددة الأجزاء من القرون الماضية، والتي كانت تعتبر السلطة النهائية للمعرفة المعتمد عليها، وذلك بالموسوعات الفردية التي توظف آليات "ويكي Wiki" على الإنترنت والتي تجعل من أي شخص خبيرا ذاتيا في مجاله.

4. الإنفتاح والشفافية وليس الإنغلاق والسرية: تعتبر شبكة الإنترنت هي الخاصية العظمى المنبثقة والذاتية التنظيم في الإعتماد على الملايين من مستخدمي الحاسب الآلي من خلال عملية تبادل مفتوح وشفاف للغة والمعرفة والبيانات عبر خوادم الحاسب الالي؛ رغم وجود بعض السيطرة من أعلى لأسفل - تماما كما يوجد بعض منها في النظم الإقتصادية والسياسية التي يغلب فيها التوجه من أعلى لأسفل – إن قوة الحرية الرقمية تتأتى من حقيقة أنه لا أحد يتولى القيادة.

على مدى العشرة آلاف سنة الماضية إنتقلت الإنسانية، تدريجيا ولكن حتميا، من حالة "من أعلى لأسفل" إلى حالة "من أسفل لأعلى"، ومن التغير الخطي إلى النمو الأسي، ومن النخبة القائدة إلى مصدر الجماهير، ومن السرية إلى الشفافية. وتقوم هذه القوى مجتمعة بدفعنا نحو حضارة المستوى 2.0 على مقياس قام د. شريمر باشتقاقه من أجل تصنيف المصفوفة الكبيرة للمجتمعات الإنسانية عبر التاريخ كالتالي:

حضارة 1.1: مجموعات مبعثرة من الإنسان البدائي تعيش في أفريقيا، حيث تتمثل التكنولوجيا في أدوات حجرية بدائية. ويتم حل الصراعات داخل المجموعات من خلال تراتيبية سلطوية، وفيما بين المجموعات فقد كان العنف شيئا شائعا.

حضارة 1.2: عصابات من الصيادين وجامعي الثمار المتجولين والتي تكون مجموعات من ذوي القربى ذات نظام سياسي أفقي غالبا، و اقتصاد مساواة، مع استخدام أدوات معقدة لاستخراج ما يستطيعون من بيئات فقيرة الموارد.

حضارة 1.3: قبائل من أفراد ذوي قربى ولكن من خلال نمط حياة أكثر استقرارا وأكثر استخداما للزراعة مع بدايات تراتيبية سياسية وتقسيم اقتصادي بدائي للعمل واستخدام غالب للحيوانات والبشر في العمل.

حضارة 1.4: زعامات تتكون من تحالفات من القبايل في وحدة سياسية تراتيبية واحدة مع زعيم مسيطر في القمة، ومع بدايات عدم مساواة اقتصادية كبيرة وتقسيم للعمل يقوم فيه أعضاء الطبقة الدنيا بإنتاج الغذاء والمنتجات الأخرى التي يستهلكها أعضاء الطبقة العليا غير المنتجة.

حضارة 1.5: الدولة كتحالف سياسي إضافة لسلطة الولاية على أراض محددة جغرافيا والبشر القاطنين فيها، مع اقتصاد تجاري يستهدف توازن مفضل للتجارة بمبدأ مكسب - خسارة مع الدول الأخرى.

حضارة 1.6: إمبراطورية تمد سيطرتها على أناس ليسوا في نطاق ولايتها العادية، لا ثقافيا ولا عرقيا ولا جغرافيا، بهدف الهيمنة الاقتصادية على الإمبراطوريات المنافسة.

حضارة 1.7: ديموقراطيات تقوم بتقسيم السلطة على مؤسسات متعددة، يتم إدارتها بواسطة موظفين منخبين يتم التصويت لهم بواسطة عدد محدد من المواطنين يتم تحديدهم عن طريق العرق أو النوع (ذكر أو أنثي) أو الطبقة مع بدايات اقتصاد السوق.

حضارة 1.8: ديموقراطيات ليبرالية تعطي حق التصويت لكل المواطنين البالغين بغض النظر عن العرق أو النوع أو الطبقة مع استخدام الأسواق التي بدأت في احتضان لعبة اقتصادية تقوم على مبدأ مكسب – مكسب، أو غير صفري من خلال التجارة الحرة مع الدول الأخرى.

حضارة 1.9: رأسمالية ديموقراطية، وهي عبارة عن خليط من الديموقراطية الليبرالية والسوق الحرة، وهي تمتد الآن عبر العالم من خلال تحركات ديموقراطية في الدول النامية وتكتلات تجارية كبيرة مثل الإتحاد الأوروبي.

حضارة 2.0: عولمة تشمل حق الدخول اللاسلكي على الإنترنت، مع جعل كل المعرفة رقمية ومتاحة لكل شخص، واقتصاد عالمي كامل مع أسواق حرة يمكن لأي شخص فيها أن يتاجر مع أي شخص آخر بدون تدخل من الدول أو الحكومات. كوكب حيث كل الدول ديموقراطية لكل شخص فيها حق الإنتخاب.

يختتم د. شريمر مقاله بقوله: "إن بلوغ المستوى الثاني (2) من الحضارة ليس أمرا محتوما، حيث أننا نشهد في الدول العربية هذا الشهر (مارس 2011)، مقاومة كبيرة من الحكومات غير الديموقراطية لتسليم السلطة إلى الشعب، خاصة في النظم الثيوقراطية (الدينية) التي يفضل زعمائها أن نرتد جميعا إلى المستوى الحضاري الأقدم (1.4) وهو حضارة الزعامة القبلية." ولكن مع نشر الديموقراطية الليبرالية والتجارة الحرة، والعلم والتكنولوجيا والوصول المجاني للمعرفة من خلال الحواسب الآلية عبر الإنترنت، فإنه سوف يتم، كما جاء بتلك الكلمات المحفورة على النصب التذكاري في مدخل قناة السويس ما معناه: من أجل فتج العالم لكل البشر". إنتهى الاقتباس
رأينا أن الكاتب، د. مايكل شريمر، قد أدخل مصر في معادلة مستقبل الحضارة البشرية كلها من مدخلين، الأول هو المرحلة التاريخية التي تمر بها مصر فيما بعد الثورة كمرحلة إنتقالية من الديكتاتورية إلى الديموقراطية، وذلك تطبيقا للمقياس الذي ارتآه دز شريمر. والمدخل الثاني هو ما تمثله قناة السويس في الجيوسياسة والجيواقتصاد العالميين، وهو دور جيواستراتيجي على أعلى مستوى في فتح العالم القديم لكل البشر، وهو هنا يستنسخ نفس الفكرة ليسقطها على ما تفعله تكنولوجيا الإنترنت من فتح للعالم لكل البشر على كل أنواع المعرفة وكل أوجه التجارة.

 

الرفاعى

 

وهنا نعود إلى التساؤل الذي بدأنا به هذا المقال، وهو أين مصر الآن من تلك الحضارة الكونية على المقياس العشري لشريمر للحضارات من 1.1 وحتى 2.0؟ لقد قرأنا إجابة شريمر على السؤال من وجهة نظره، ويتلخص في أن النظم الثيوقراطية (الدينية) تريد للبشرية، وليس مصر فقط، الإرتداد إلى المستوى الحضاري 1.4. ومن هذا يمكننا أن نفترض فهم أن الغرب الذي يمثله د. شريمر يرى في وجود النظم الثيوقراطية خطرا حقيقيا على مستقبل الحضارة البشرية جمعاء ومنها مصر، وليس فقط على شعوبها. هذا ويجب أن نتنبه إلى نقطة ذات دلالة كبيرة وهي أن الكاتب كتب مقاله في الشهر الثاني لنجاح ثورة 25 يناير!، أي قبل أن تتضح أي معالم أو مؤشرات لفوز تيار الإسلام السياسي بالسلطة في مصر!

لن نقفز هنا إلى نظرية المؤامرة، مع فهمنا لأطر التخطيط الإستراتيجي لإمبراطورية الهيمنة الأمريكية، ولكن نرى أن د. شريمر عالم متخصص في التاريخ السياسي، وقد قرأ اتجاهات حركة عميقة للتاريخ ليس كما يقرأها الناس العاديون، والواقع يؤكد صحة قرائته تماما. أي أننا بصدد مرحلة تاريخية طويلة للحكم الثيوقراطي لمصر وليس مجرد فترة انتخابية كما يدعي البعض وكما صدقه البعض حتى كشف الإخوان عن وجههم الحقيقي، قبيحا كان أو جميلا. وبمعنى أننا نرتد في الحضارة إلى المستوى 1.4، أي إلى عصر الزعامات القبلية (قبيلة أو طائفة الإخوان). هذا وقد أشار د. شريمر بوضوح أن هذا الأمر ليس حتميا مع التوجه الديموقراطي الحقيقي والتمكين من التكنولوجيا الرقمية.

يتبقى أن نجيب نحن المصريون على السؤال من منظور مصري خالص. وأقول: إذا كان وصول تيار الإسلام السياسي للسلطة يعد مؤشرا على الإرتداد الحضاري في عرف التحليل والتصنيف العلمي الذي تقدم، وإذا كان من المظنون أن الهيمنة الأمريكية تستخدم وصول هذا التيار للسلطة لصالح مصالحها الجيوسياسية، فهل سيقبل المصريون بهذا الإرتداد؟ أعتقد أن إجابة السؤال لا تكمن في الإجابة بنعم أو لا، ولكن في تعديل السؤال ليبدأ بـ"متى". بمعنى، متى سيقوم المصريون بتعديل مسار حضارتهم نحو الديموقراطية الليبرالية والعولمة أو المستوى الحضاري 2.0.؟

مسعد غنيم
9 مارس – يوم الشهيد
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية