مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 رؤية ماكندرية لمجزرة إسرائيل ضد أسطول الحرية لغزة
...............................................................

إسرائيل تمنع نشر أى معلومات عن ضحايا "أسطول الحرية"

بقلم : مسعد غنيم
......................


تصور نفسك ترتفع في بالون ينطلق فوق قطاع غزة الفلسطيني المحاصر إسرئيليا. بعد عدة دقائق من الصعود في السماء تستطيع أن ترى في البحر المتوسط موقع المجزرة الإسرائيلية التي جرت فجر يوم 31 مايو 2010 ضد نشطاء الإنسانية من تركيا وبعض الدول العربية والدول الأوروبية وراح ضحية هذه المجزرة حوالي العشرين شهيدا على سفن أسطول الحرية. وإذا واصلت الصعود لعدة دقائق أكثر ستستطيع رؤية الساحل الجنوبي من تركيا والذي انطلق منه أسطول الحرية، مذكرا بآخر مركز للخلافة الإسلامية، بإطلالتها على شرق البحر المتوسط والعالم العربي. بفرض أن البالون التخيلي يتحمل هندسيا الصعود في الفضاء أكثر، ومع الاستمرار في الصعود ستظهر ملامح جنوب أوروبا وصولا إلى انجلترا، البلد الذي خرج منه السير جون هالفورد ماكندر بنظريتة الشهيرة عن "قلب الأرض" قبل 105 سنة مضت، وأيضا خرج منه بعد المجزرة بالأمس أكثر التصريحات السياسية وضوحا في تشددها ضد فكرة أسطول الحرية وأكثرها تبريرا لتصرف إسرائيل المنافي لتصورات معظم أهل الأرض، ولكنه للأسف تصرف يتفق تماما ونظرية ماكندر عن صراع القوى العالمية عبر التاريخ حول أوراسيا، وهي شرق أوروبا وغرب آسيا حتى أفغانستان!...نعم أفغانستان، هل تفاجأت؟

عند هذه النقطة من الرؤية الواسعة للعالم سيكون من السهل عليك رؤية الخط السياسي الاستراتيجي الذي يمتد من أفغانستان حيث ميدان المعركة الرئيسي للقوات الأمريكية والأوروبية الآن، إلى فلسطين المحتلة حيث إسرائيل ممثلة رأس حربة قوى الغرب الأوروبي والأمريكي ضد أطماع الدب الروسي وطموحات التنين الصيني في السيطرة على أوراسيا، وهذا طبعا مرورا بالعراق والخليج العربي/الفارسي حيث المنطقة المركزية للقوات الأمريكية، وأيضا سيمكنك رؤية موقع إيران الاستراتيجي من هذا الخط الاستراتيجي وبالتالي يمكنك البدء بتفسير العداء الغير مفهوم من الغرب الصهيو- غربي لإيران "المناوئة"، ويمكنك بعد ذلك فهم تصنيف ذلك الغرب لحزب الله اللبناني "المقاوم" في خانة الإرهاب، وأخيرا يمكننا العودة سويا إلى حيث غزة "الصامدة" لنفهم لماذا تحاصرها أمريكا لتقضي على آخر رمق من المقاومة العربية ضد رأس حربتها: المشروع الصهيوني، ولماذا هذا العنف الشديد واللامبالاة بالرأي العام العالمي.

تقول نظرية السير جون هالفورد ماكندر بأن من يسيطر على قلب الأرض (أوراسيا) يسيطر على العالم القديم (آسيا وأوروبا وأفريقيا)، وأن من يسيطر على العالم القديم يسيطر على العالم كله. هنا يبدأ الأمر في الوضوح أكثر، لقد عادت تركيا الإسلامية/العلمانية، عادت كقوة إقليمية للاتجاه شرقا مع الاحتفاظ بروابطها الجيوسياسية مع أوروبا والغرب. أعادت تركيا أوشاج روابطها التاريخية بالشرق العربي والإيراني، وتصالحت مع أرمينيا وتوسطت لدى أذربيجان لتهدئة الجوار الاستراتيجي لها. وقد رأينا التصعيد التركي ضد الممارسات الإسرائيلية إلى حد انسحاب رئيس وزرائها رجب طيب أوردغان من المنتدى الاقتصادي العالمي 2009 بعد أن كال لشيمون بيريز كل ما تسمح به الدبلوماسية على شاشات الفضائيات، وذلك على خلفية مجزرة العدوان الإسرائيلي على غزة مع مطلع عام 2009. ورأينا منذ أيام قليلة الدور التركي مع البرازيلي في تفويت التصعيد الغربي والأمريكي في مسألة الملف النووي الإيراني، وذلك في شكل اتفاقية اليورانيوم المخصب.

ولم يكن لآخر مركز للخلافة الإسلامية مع صحوته وعودته الاستراتيجية أن يشهد تهويد القدس العربية دون أن يبدي حراكا مثل أجساد النظم العربية الميتة، فرأينا وسمعنا أقوى تهديدات من رجب طيب أردوغان تحذر إسرائيل من المساس بالقدس والأقصى، ربط فيها مصير القدس بمصير اسطنبول في ربط استراتيجي لايخطئ قراءته إلا الأغبياء.

مع هذا التسلسل المنطقي والقراءة الماكندرية بعيدة المدى لمشهد مجزرة أسطول السلام سنجد الأمر في غاية الوضوح. إن تركيا هي اللاعب الرئيسي المحرك لهذا الأسطول في استراتيجية واضحة تستكمل بها على ما يبدو خطوات مدروسة في استراتيجيتها الجديدة للاتجاه شرقا مع الاحتفاظ بالغرب. يؤكد ذلك خبر تاه وسط الأنباء، وهو امتناع تركيا عن المناورات التركية – الإسرائيلية المشتركة! بسبب هذه المجزرة، أي أن تركيا تلعب دورها بمنتهى الذكاء الاستراتيجي، ومن هنا جاء الرد أو الردع الأمريكي – الإسرائيلي، رسالة دموية واضحة، رسالة تنسف قواعد الإنسانية والعرف الدولي وحتى القانون الدولي بوضوح شديد. يؤكد ذلك تصريح لندن اللائم للضحايا والمبرر للعدوان الإسرائيلي، وتصريح واشنطن الآسف، أو المؤسف. إذن الرسالة واضحة لتركيا صاحبة أكبر عدد من شهداء أسطول الحرية (15 من 20 حتى الآن) والرسالة تقول لن يمكنكم التمترس خلف القانون الدولي ولن نأبه بالرأي العام العالمي وسنحرقكم إذا ما فكرتم في إفساد استراتيجيتنا للسيطرة على أوراسيا بتشجيعكم حماس – غزة الفلسطينية، المقاوم مع حزب الله اللبناني، وبالتالي دعمكم للدور الإيراني في ظل دعم صيني (آخر خبر: قرض صيني بمليار دولار لتنمية مدينة طهران)، مع التفهم الروسي الواضح،... وما خفي كان أعظم.

طبقا لفهمي لكتاب رقعة الشطرنج الكبرى لـ زبغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، فإن إيران تشكل آخر حجر على رقعة الشطرنج الكبرى في سلسلة نقلات استراتيجية بدأت بزرع إسرائيل عام 1948 في خاصرة الحزام المحيط بأوراسيا من أفغانستان وحتى المغرب العربي، ثم بالقضاء على أكبر موجة للمقاومة العربية بقيادة مصرية تمثلت في الملك فاروق! (غريبة؟!) واستكملها بكل قوة وذكاء استراتيجي الزعيم جمال عبد الناصر لمدة 18 عام قبل أن يتمكنوا منه عام 1970، ثم باستثمار جنوحات السادات السلمية في إخراج مصر من الجغرافيا (ولعلها لاتخرج من التاريخ قريبا!)، ثم باستثمار صدام حسين في الإمساك بالقطعة الاستراتيجية الكبرى المسماة بالعراق، ثم كانت العودة إلى أفغانستان بعد أن استحوذ عليها السوفييت (الروس) حينا من الزمن بعد خروج الإنجليز منها. والآن يأتي الدور على القطعة الأخيرة، إيران.

لا يُتصور أن يتخلى المشروع الصهيو-غربي عن أطماعة في السيطرة على أوراسيا، فليس ذلك من طبيعة القوة. من ناحية أخرى تمثل المقاومة الفلسطينية آخر وأصغر اللاعبين داخل الكيان الصهيوني، ومع صغر حجمها وهوان شأنها، فإنها بوعيها التاريخي الذي أنضجته مأساة شعب فلسطين فاستوعب التاريخ وفهم الجغرافيا، وظل مستمرا في المقاومة رغم كل جبروت القوة الغربية وتكنولوجياتها في الحرب النفسية والايديولوجية وحتى الديموجرافية بل والجينية أيضا. إذن فالمشروع الصهيو- غربي لن يسمح لتلك المقاومة الصغيرة التي يمتد خيطها الأيديولوجي إلى جنوب لبنان إلى إيران حيث القطعة الأخيرة، لن يسمح لها بأن تفسد استراتيجيته العالمية طبقا لنظرية ماكندر.

يمكنك أن تتأكد من كل ذلك إذا ما استكملت رحلتك التخيلية بالصعود بالبالون أكثر وأكثر في الفضاء حتى تبدأ قارة أو روبا في الظهور بكاملها وسترى امتدادها الطبيعي عبر جبال طوروس إلى الشرق حيث طريق الحرير الممتد عبر سهول القوقاز الآسيوية، وستبدأ روسيا في الظهور بمساحة هي الأكبر في كل دول العالم حيث تبلغ أكثر من 17 مليون كيلومتر مربع (17 ضعف مساحة مصر). وعند أعلى نقطة مطلوبة في رحلتنا التخيلية ستبدأ قارة آسيا في استكمال شكلها في الصورة الفضائية، وفيها سيظهر التنين الصيني متمركزا في النصف الجنوبي الشرقي من القارة العظيمة، بمعدلات تنمية هي الأكبر في العالم، وباقتصاد يسعى بسرعة لتخطي حجم الاقتصاد الأمريكي، بل ويتوقع لقوتها العسكرية أن تتخطى القوة الأمريكية مستقبلا إذا ما استمر نمو الصين الحالي.

هل رأيت الخريطة بوضوح الآن، وهل عرفت سبب كل هذا العنف في مجزرة أسطول الحرية لغزة، والموجه أساسا لتركيا الصاعدة مرة أخرى في سماء الشرق، ربما أيضا تستطيع أن تشاهد مصر في الركن الغربي الأسفل من المشهد وحياتها معلقة بخيط مياة يدعى النيل، يلفه المشروع الصهيو-غربي حول عنقها ليضمن استمرار خروجها من تاريخ الإقليم فلا تزعج مشروعة الاستراتيجي مرة أخرى، وليتفرغ حكامها في الانشغال بمن يرث شعب مصر بعد أن استولوا على ثروته.

أول يونيو 2010
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية