مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 إسرائيل بين مطرقة تشومسكي وسندان أسطول الحرية
...............................................................

 

نعوم تشومسكي

 

بقلم : مسعد غنيم
......................


قبيل تحرك أسطول الحرية لنصرة غزة المحاصرة الذي هو في طريقه لغزة الآن، قام المفكر الأمريكي اليهودي نعوم تشومسكي بزيارة ثانية للبنان بعد زيارته الأولى قبل العدوان الإسرائيلي على لبنان في يوليو 2006(بقرار أمريكي حسب رأيه). حرص الفيلسوف ذو الثانية والثمانين على حضور كلمة زعيم حزب الله الشيخ حسن نصرالله في بلدة ميتا لمناسبة الذكرى العاشرة للانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان. اضطرت إسرائيل لأن تمنع العالم الجليل من دخول فلسطين في واقعة يائسة قد تعتبر من الأحداث ذات الدلالة في تاريخ المشروع الصهيوني. فبعد أكثر من ستين عاما، لم تنجح المقاومة العربية الفلسطينية من منع إنشاء دولة إسرائيل، بله إزالتها أو حتى تحجيمها. وبدرجة ليست أقل وضوحا نتيجة السطوة الإعلامية، فشلت الدولة الصهيونية في أن تكون دولة طبيعية في المنطقة. فبكل أسباب قوتها العسكرية المفرطة، وبالدعم الغربي والأمريكي غير المشروط، وبكل ممارساتها العنصرية وإرهاب الدولة المنظم الذي تنفذه ضد الشعب الفلسطيني، بل ومؤخرا التطهير العرقي الواضح بتهويد القدس والدعوة لترحيل أكثر من مليون فلسطيني هم (عرب 48)، رغم كل ذلك ها هو نيتنياهو رئيس وزرائها يشترط اعتراف الفلسطينيين بيهودية دولته!. المنتصر القوي المتسبد يطلب من المهزوم الضعيف الاعتراف به! شرط فقد غرابته وشذوذه بالتكرار، شأن كثير من المعاني والمصطلحات الشاذة المفروضة من خلال جبهة الحرب النفسية والإعلامية على العرب لقبول المشروع الصهيوني والتطبيع معه.

تشومسكي يكشف منظري النظام المصري

سارع إعلام النظام المصري ومفكروه بالتقليل من شأن بل وإهانة عضو مجلس النواب البريطاني مستر " جورج جالاوي" لمجرد وقوفه إلى جانب الفلسطينيين في غزة واشتراكه في أطول الحرية العام الفائت2009. وكان منطلقهم في ذلك هو أنه رجل سياسة يسعى للشهرة. ولكن مفكرا بوزن نعوم تشومسكي بهذه المواقف ومن هذا المنطلق المناهض وبهذه الخلفية الدينية والسياسية يضع كل منظري السياسة المصرية في موقف حرج للغاية، بل ويكشف انهزامهم وانتهازيتهم وزيف تنظيراتهم مهما لبست من أثواب العلم والمنطق. فلا يمكن مثلا لأحد هؤلاء المنظرين وهو عبد المنعم سعيد رئيس تحرير جريدة الأهرام أن يطاول تشومسكي قامة في العلم ولا في عمق منهجية تحليلاته وصلابة مرجعياته، ورغم ذلك فإن فريق إنشاد النظام الحاكم ممن ولووا مناصب الإعلام والصحافة، لم ولا يخجلوا من الإشادة بـ"أدب وتهذب" بالإضافة إلى "علم" عبد المنعم سعيد، وكأن أدب اللفظ وتهذب الأسلوب كاف تماما لتبرير وتسويق أكاذيب النظام وسدنته ضد كل مؤشرات الفشل بالمعايير العالمية، وبالقياس البديهي لمثيلات مصر من الدول وليس بمجرد أرقام وتحليلات انتقائية مكررة في استخفاف بالمصريين فاق كل التصور، وكأن الكذب والتدليس باسم "التحليل العلمي" ليس هو أصل "نقص الأدب" ومنبع "الفحش الأخلاقي". لذا كان من الطبيعي أن تتجاهل الصحافة المصرية الرسمية والشبه رسمية زيارة هامة وذات دلالة علمية وتاريخية مثل زيارة نعوم تشومسكي.

هل تنتصر الإنسانية والعلم على القوة؟

إن قيام إسرائيل بمنع تشومسكي من دخول فلسطين يطرح أكثر من تساؤل منطقي. هل يمكن أن تنتصر الإنسانية والعلم حيث فشلت القوة في كشف الغمة الصهيونية عن فلسطين؟ وأعني بكشف الغمة هنا كل ما يخص الجانبين العربي واليهودي على السواء كما طرحنا في مقدمة المقال. ويعزز هذا السؤال ما تظهره إسرائيل (وحليفتها مصر بحسب رأي تشومسكي) من ارتباك واضح في التعامل مع قوافل الإغاثة البحرية التركية - الأوروبية لنصرة غزة الفلسطينية المحاصرة. وسؤال آخر ينبع من الأول، أو ربما يكون هو منبعه وهو ما معنى إصرار تشومسكي المفكر الأمريكي اليهودي على زيارة إسرائيل بعد زيارة جنوب لبنان والاحتفاء بالمقاومة اللبنانية، ولتأكيد موقفه الفكري من نصرة الشعب الفلسطيني في حقه في دولته المشروعة والإقرار بالظلم التاريخي الذي وقع عليه وما زال؟

من زاوية أخرى، فمهما كان التفسير الاستراتيجي لاعتراف أوباما بخطئه في تقدير عمق وصعوبة القضية الفلسطينية (مشكلة الشرق الأوسط بحسب التعبير الشائع إعلاميا)، فإن هذا الاعتراف يعزز التساؤل المطروح، ويؤكد عجز القوة عن إنجاح المشروع الصهيوني.

هناك مقولات وتفسيرات متعددة ومتفائلة فلسطينيا تبشر بالحل الديموجرافي للقضية الفلسطينية بالنظر إلى معدلات النمو السكاني لكل من الفلسطينيين والإسرائليين، وهناك بالتأكيد الحلول الإسرائيلية المضادة وليس أقلها ولا آخرها إعلان يهودية الدولة (وتأكيد أوباما الرئيس الأمريكي على ذلك) وما يستتبعه ذلك من ترحيل عرب 48 من فلسطين المحتلة (إسرائيل). وهناك سيناريوهات واجتهادات صهيونية متعددة ومعلنة لوجهة هؤلاء المرحلين، أحدهما استقبال أو "حشر" الفلسطينين في الأردن في دولة واحدة، أو توزيع ونشر هؤلاء الفلسطينيين في أجزاء من سيناء المصرية، تلك التي نجحت معاهدة كامب ديفيد في الإبقاء عليها ليست فقط مجردة من السلاح، بل مجردة من التنمية أيضا، ربما انتظارا لهذا الحل الجغرافي.

من المرجح طبعا أن نعوم تشومسكي يعلم كل تلك السيناريوهات. وهو كرجل علم، وكإنسان يهودي شريف، يكتب دائما ويقول رأيه من هذين المنطلقين، العلم والإنسانية. فهو غير مجروح في شهادته بالانتماء العربي أو الإسلامي، كما أنه حرر نفسه من الإنتماء اليهودي بشجاعة الحكماء ونبل الفرسان، معان نجحت نظم الحكم العربية وعلى رأسها مصر في تصويرها والجنون على حد سواء. ومن هنا فإن مواقف وكتابات تشومسكي ووصفه إسرائيل بأنها "غير عقلانية، وهستيرية، وتعاني من جنون الارتياب"، يمكننا تصور صدقها وعمق إنسانيتها، ولا يمكننا أن نشكك في أصالتها العلمية، فالرجل لا يتكلم بغير معلومات تاريخية موثقة ولا بغير منهج علمي. ومن هنا نستطيع التأكيد على الأهمية الرمزية لزيارة تشومسكي لحدود فلسطين المحتلة، وعلى انكشاف وتعرية منطق الانبطاحي لنظم الحكم العربية.

وقد يكون مفيدا أن نعرف بعض من آراء تشومسكي في الأحداث الجارية إلى جانب منطلقاته الفكرية. فعلى موقع القدس، http://www.alquds.com/node/260413، فقد جاء على لسانه أثناء زيارته الأخيرة لجنوب لبنان وصفه لمواقف نظام الحكم الحالي في مصر بقوله: " مصر، التي «سمحت لإسرائيل إرسال غواصات بإمكانها أن تحمل صواريخ نووية، لا يمكن رصدها (عبر الرادارات) عبر السويس»، كل ذلك "تهديد لإيران". أما عن رأيه في السعودية فـ "السعوديون لا يهتمون بمساعدة الفلسطينيين، همهم هو تكديس المال"، أما مصر فوصفها بأنها «أسوأ من إسرائيل».

عقلانية المقاومة وواقعيتها

نعلم أن التاريخ لا يتوقف كثيرا عند المشاعر الإنسانية ما لم تترجم إلى قوة اجتماعية دافعة، فهو لايعرف غير لغة القوة، أفعالا ونتائج، بكل أشكالها الاجتماعية والسياسية والعسكرية. ولا أعتقد أن عالما بوزن تشومسكي يجهل أو يغفل عن ذلك، وبالتالي ليس هناك أي تجاوز للواقع أو "لاعقلانية" إذا ما فهمنا من ذلك أن القضية الفلسطينية هي قضية حق، وأن المقاومة الفلسطينية والعربية على حق، وأن الأمل في النصر هو قمة الواقعية التاريخية، فإن تشومسكي يقول (طبقا لموقع القدس المشار إليه) " إن اللوبي الصهيوني قوي ولكنه ليس الأكثر نفوذاً»، لا بل أنه «عاجز عن مواجهة النفوذ الأميركي». ليوضّح المسألة، يعرض تشومسكي مثالاً: «بإمكان اللوبي الصهيوني الضغط على الكونغرس لإصدار قرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس»، ولكنه لن يتمكن قط من حمله على "إعلان القدس عاصمة لإسرائيل".

ويضيف موقع القدس: قد يبدو هذا المثال افتراضياً، ولهذا يعرض تشومسكي مثالاً من التاريخ. يقول إن «إسرائيل أرادت أن تبيع أسلحة متطورة إلى الصين»، لكن واشنطن منعتها. ولم يستطع اللوبي الإسرائيلي حيال ذلك شيئاً. وفي 2005، أرادت إسرائيل تطوير مضاد للطيران لمصلحة الصين، لكن واشنطن رفضت علنا. فردت إسرائيل بانها لا تكترث لهذا الرفض. عندها أجبرها بوش الابن «لا على الإذعان فحسب، بل على تقديم اعتذار رسمي على التعنت». وبقي اللوبي «صامتاً». وفي 1933، أرادت إسرائيل أن تبرم اتفاقاً مع كوريا الشمالية، تمنحها بموجبه اعترافاً، فيما تتعهد كوريا بعدم شحن الأسلحة إلى دول الشرق الأوسط. لكن بيل كلينتون منعها. وبقي اللوبي "صامتاً".

وهاهي تركيا تغير الموازين الاستراتيجية التي استقر ت عليها نظم الحكم العربية في تبرير الانهزام والانبطاح، هاهي تركيا تتزعم حركة أوروبية ناشطة لفك الحصار عن غزة، وها هو أسطول الحرية يطرق أبواب غزة الصامدة المقاومة، وسواء دخل الأسطول عن طريق البحر أو عن طريق بر مصر "تجملا كاذبا" من إسرائيل ومصر على السواء، فإن الرسالة قد وصلت، فكلتاهما في موقف الدفاع رغم ترسانة القوة العسكرية في إسرائيل وجحافل الأمن في مصر، والرسالة رسالة المقاومة، مقاومة بالفكر الذي يميز الآني من الزائل، وبالإنسانية التي تستشعر الحقيقي من الزائف.

إن الانهزام والاستسلام في حياة الشعوب العريقة مثل الشعوب العربية استثناء قد يكون مفهوما ومقبولا باعتبار موازين القوى في لحظة تاريخية معينة، ولكن مفكرا يهوديا شريفا مثل نعوم تشومسكي يأتي ليذكرنا ويؤكد لنا بالفكر والعلم والفعل على الأرض أن من غير المفهوم ومن غير المقبول هو قبول الانبطاح والامتهان من ناحية، والاستقواء على المقاومين المستضعفين في غزة من ناحية أخرى، وأضيف الاضطهاد والتشويه لكل أشكال ورموز المقاومة الوطنية على قمتها جمال عبد الناصر، الذي سيبقى رمزا لها على مدار التاريخ ولو كره الكارهون.

30 مايو 2010
....................

أفرام نعوم تشومسكي (Avram Noam Chomsky)  هو أستاذ جامعي مدى الحياة في اللغويات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. هو صاحب نظرية النحو التوليدي، والتي كثيراً ما تعتبر أهم إسهام في مجال اللغويات النظرية في القرن العشرين. وقد أسهم كذلك في إشعال شرارة الثورة الإدراكية في علم النفس من خلال مراجعته للسلوك الفعلي لـ ب.ف. سكينر، والذي تحدى المقاربة السلوكية لدراسة العقل واللغة والتي كانت سائدة في الخمسينات. مقاربته الطبيعية لدراسة اللغة أثّرت كذلك على فلسفة اللغة والعقل . ويعود إليه كذلك فضل تأسيس ما أصبح يُعرف بـ تراتب تشومسكي، وهي تصنيف للغات الشكلية حسب قدرتها التوليدية.

بالإضافة إلى عمله في اللغويات، فتشومسكي معروف على نطاق واسع كناشط سياسي، وبانتقاده للسياسة الخارجية للولايات المتحدة والحكومات الأخرى. ويصف تشومسكي نفسه بأنه اشتراكي تحرري، وكمتعاطف مع التضامنية اللاسلطوية (وهو عضو في نقابة عمال العالم الصناعيين) وكثيراً ما يُعتبر منظراً رئيسياً للجناح اليساري في السياسة الأمريكية.

وحسب فهرس مراجع الفنون والإنسانيات، بين 1980 و 1992 ذكر اسم شومسكي كمرجع أكثر من أي شخص آخر حي، وكثامن شخص على الإطلاق.
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية