مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 مرة أخرى، أيهما أولا، الديموقراطية أم التنمية؟ / 3
...............................................................

 

الديموقراطية أو التنمية

 

بقلم : مسعد غنيم
.....................


في مقالين سابقين تعرضنا لنتائج ورقة بحثية أوروبية عن إطار للجدل حول إشكالية الديموقراطية والتنمية، وهي ورقة قدمها المركز الأوروبي لإدارة سياسات التنمية ((ECDPM في 2009 بناء على طلب من الرئاسة السويدية. كان القسم الأول من الورقة عن: "1. الديموقراطية تحت التدقيق: جاء الوقت لإعادة العلاقة مع التنمية"، وانتهى إلى عدم حسم أولوية أي من الديموقراطية أو التنمية على الأخرى، وأن الطريق أمامنا هو أن ندقق في ’ماذا يفيد وماذا لا يفيد’ وعلى هذا الأساس يتم تحديد استراتيجيات واقعية (طويلة الأجل) تجعل من الممكن أن نعمق الديموقراطية، وأن نحسن من نتائج التنمية في نفس الوقت. وتناول القسم الثاني بعض الأفكار الجوهرية عن العلاقة بين الديموقراطية والتنمية، وتم استنتاج نتيجتين مهمتين، الأولى أن هناك مجال أكبر وأهم لتمحيص العلاقة التبادلية بين الديموقراطية والتنمية، والمقوية لكل منهما. والثانية أنه من أجل إطلاق ذلك، فمن المطلوب نمط تفكير جديد وتبني أفعال ابتكارية. وأن ذلك يتطلب اتخاذ خطوات محددة (تم تطبيقها على واقع الحالة المصرية، وتم استعراض نتائج ذلك اتطبيق):

1) مراجعة بعض أساسيات استخدام الديموقراطية من أجل التنمية؛
2) تجميع ’العناصر الغائبة’ من السلسلة التي يمكن بها للديموقراطية أن تحقق نتائج أفضل للتنمية (مثل موضوعات عدالة الضرائب وطهارة الذمة المالية الحكومية)؛
3) الاستعمال الأفضل والأكبر للعناصر الملموسة للديموقراطية مثل قدرة المواطنين على التحول للأفضل.

وفي هذا المقال الثالث والأخير نستعرض الجزء الثالث من تقرير المركزالأوروبي لإدارة سياسات التنمية ((ECDPM، وهو بعنوان: " طرق تحسين كفاءة أداء الديموقراطية" والمعني بذلك هو الاتحاد الأوروبي نفسه، وسوف نستعرض ما خلص إليه مجمل الورقة البحثية، وإذا كان تطبيق بعض نتائج القسمين الأولين من الورقة على الحالة المصرية الملتهبة قد جاء في سياق عام لربط الأفكار بالواقع العربي المعاش، فمن الأمانة ومن الضروري أن نطبق مجمل نتائج الورقة المتمثلة في هذا القسم الثالث على الحالة المصرية، وذلك حتى يكون لما نعرضه من نتائج بحوث علمية وخلاصة تراكمات معرفية إنسانية، فائدة عملية تطبيقية لدى القارئ المصري والعربي عموما. وسيتم هذا التطبيق من خلال التعليق على نتائج البحث كل فقرة أونتيجة على حدة، ونذكر بأن هذا التعليق ليس بحثا علميا منهجيا، وإنما مجرد انطباعات شخصية للكاتب مستقاة من الواقع المعاش.

إن خلاصة الورقة البحثية تمثل خريطة طريق لتحقيق التوازن بين الديموقراطية والتنمية، وهي إشكالية تضغط الآن وبشدة على الحالة المصرية، خاصة مع الظهور الصاخب للبرادعي على المسرح السياسي المصري، ظهور كان له تداعيات إيجابية واضحة، أقصاها بعث الحياة والأمل في الشارع السياسي من وجهة نظر مؤيدي البرادعي، وأقلها تحقيق حراك واضح في حركة المعارضة المصرية من وجهة نظر معارضيه، والآن إلى محتوى القسم الثالث:

• بناء على ماسبق من نتائج التمحيص العملي لطبيعة العلاقة بين الديموقراطية والتنمية، يمكن أخذ الخطوات التالية في الاعتبار لتمكين الديموقراطية من أن تحقق نتائج تنمية أفضل:

1) تبني مقاربات أكثر واقعية وذات مدى طويل لترويج الديموقراطية من أجل التنمية
2) تعميق الديموقراطية من أجل نتائج تنمية أفضل بالتركيز على نظم مسائلة داخلية و أشكال أكثر حسما لمشاركة الجماهير في العملية الديموقراطية؛
3) تحسين كفاءة استجابة الدولة (على مستوى المركز و المحليات)
4) توضيح دور ومسئولية مختلف اللاعبين الخارجيين (القوى الإقليمية والقوى الكبرى)

1. الأولوية الأولى: تبني مقاربات أكثر واقعية وذات مدى طويل لترويج الديموقراطية من أجل التنمية

 يمثل هذا الشرط الأولوية الأولى لربط أفضل للديموقراطية بالتنمية، ويجادل البحث بأن الآمال المعقودة على الديموقراطيات الصاعدة (العالم الثالث) في تحقيق نتائج تتمية كانت عالية وغير واقعية حيث:

 إن الفائض في الثروة المطلوب توزيعه في الاقتصادات الفقيرة هو محدود أصلا وعرضة للصدمات الخارجية، وذلك يقلل من حجم "الكعكة المطلوب توزيعها"، وهذا يصعب على الدولة أن تحقق نتائج تنمية ملموسة. كما أنه لا توجد الكفاءات أو الترتيبات المؤسسية الكافية لتنفيذ المهمة المعقدة للتوزيع العادل في مجتمعات محرومة ومستقطبة بشدة بين الفقر والغنى

 من المعروف عن الدول النامية أن الحكم الرشيد والمسائلة أمران يتأثران بشدة بـ"شبكات علاقات- مصالح نمطية"، فبينما تتظاهر الدولة بملامح محددة للدولة الديموقراطية الحديثة، فإن السلطة واتخاذ القرار لايتأسسان على عمليات سياسية، حيث أن القرارات الهامة بشأن السياسة والموارد تؤخذ خارج المؤسسات الرسمية بواسطة النخبة التي تشكل من خلال شبكات العلاقات- المصالح كيانا موازيا لهيكل الدولة. وفي مثل تلك النظم من الحكم "غير الرشيد" فإن التأثير التنموي لايحتمل أن يكون في قلب الاهتمامات. ويبدو أن الفساد يتسيد الموقف لأن الأموال العامة والخاصة يتم التلاعب بها بمعرفة تلك النخبة المستأثرة بالسلطة. إن فكرة الديموقراطية هي: قبول المعارضة، والتسامح مع المنشقين، وتوازن سياسي فعال، وتداول السلطة بين الأحزاب دوريا من خلال انتخابات نزيهة. إن المظاهرات الصوتية والمنظمة تشكل لعنة المحروم بالنسبة للحكام إذا ما شكلت تلك التجمعات تهديدا لسلطتهم.

 إن كثيرا من الدول المنخرطة في عمليات بناء للديموقراطية خاصة الدول الأكثر فقرا وتعرضا، لاتحاول فقط تثبيت ديموقراطية فعالة وإنما أيضا تحاول بناء دول ذات شرعية وقادرة وفعالة. وهذا يعقد المهمة أكثر، حيث لا يجب اعتبار أن تعجيل الديموقراطية وبناء الدولة هما نفس الشئ.
 لقد استثمر المانحون الدوليون بشدة في محاولة بناء دول ديموقراطية ومسئولة، وأثناء تلك العملية تم دعم مدى واسع من المبادرات الإيجابية، اثمر بعضها عن نتائج وإنجازات ديموقراطية وتنموية. إلا أن تقييم برامج ترويج الديموقراطية يظهر بوضوح محدودية تلك المحاولات الخارجية، خاصة بمقاييس التغيير المنهجي والدعم القوي للأنماط الديموقراطية.

 إن كل تلك العوامل تدعو إلى مقاربات أكثر التصاقا بالواقع لدعم بناء اليموقراطية من أجل تنمية أفضل. وبدلا من تبني مقاربة عادية – والتي يمكن أن تقود الفاعلين المحليين والخارجيين إلى البحث عما هو غير موجود هناك- فإنه يعتبر واعدا أكثر أن نحلل ما هي حقيقة الأمر وأن نفهم لماذا يبدو الأمر هكذا. يمكن لمثل تلك المقاربة أن تساعد في تجنب الوقوع في فخ الانحصار في الجوانب الرسمية من الديموقراطية بينما يتم إهمال القواعد الغير رسمية والأكثر أساسية للعبة، والعادات الثقافية، وتركيبة السلطة والحوافز التي تحدد ممارسات الشأن العام في بلد ما. في جوهر الأمر فإن هذا يعني تبني مقاربة "اقتصاد سياسي" لترويج الديموقراطية والتنمية. وهذا ينطبق أيضا على على جود التنمية في القطاعات الهامة (مثل التعليم والصحة). وفي سبيل هذا الغرض، فقد طور الاتحاد الأوروبي حديثا آلية محددة لاستهداف و لتحليل مدى الحكم الرشيد في القطاعات من أجل تحقيق نتائج أفضل منحازة للفقراء.

 من النقاط التي تستحق الاعتبار دور الممثلين الديموقراطيين الهامين مثل البرلمانيين والأحزاب السياسية، واللجان الانتخابية، والمجالس الرقابية، والتجمعات ضد الفساد، إلخ. نظريا، فاولئك الممثلون يمكن أن يقوموا بوظيفة هامة كقوة كاشفة. إلا أن التجربة تدل على أنه من العبث أن تقوم الوكالات المانحة بتوفير الدعم لتلك المؤسسات الديموقراطية قبل أن تقوم بتحليل اقتصاد سياسي جاد لتعرف ما إذا كانت الحوافز تصل إلى مكانها الصحيح – في البيئة الكاشفة- في تلك المنظمات لكي تقوم بدورها كعوامل كبح.

 هناك طريقة أخرى لبث واقعية أكثر في معادلة الديموقراطية – التنمية، وهي تبني منظور بعيد المدى فيما يخص عمليات التغيير الاجتماعي والسياسي. يؤكد كل من الناشطين المحليين والوكالات الخارجية على الحاجة إلى احترام مرحلة انتقال ديموقراطية طويلة المدى. إن هذا ضروري من وجهة نظر بناءة، حيث أن تثبيت ثقافة ديموقراطية، وإعادة صياغة عقد اجتماعي بين الدولة والمجتمع، ومراجعة الدستور بطريقة تشاركية مع التوجه للاتفاق على مجموعة من التقاليد والقيم الثقافية كما يوصفها المحيط الرسمي والجماهيري على العموم، والعمل على أجندات ديموقراطية ذات طابع محلي، ودعم الأحزاب السياسية، وترويج المواطنة النشطة، ....كل تلك العمليات هي عمليات طويلة المدى تحتاج إلى رعاية دقيقة ودعم حتى تؤثر بإيجابية على كل من الديموقراطية ونتائج التنمية.

 تحدث الآن تجارب مدهشة في الأقاليم النامية من أجل تسريع تغيرات ديموقراطية تستهدف التنمية. ففي غرب أفريقيا على سبيل المثال، تقوم "المحليات المختبرية" ببناء شبكات من الفاعلين تعمل على خلق مؤسسات حكم محلي مؤثرة وشرعية يمكنها أن تقدم الخدمة العامة من أسفل لأعلى. وينظر إلى التركيز على نتائج تنمية ملموسة وصلبة على أنه أهم طريقة مناسبة لترويج المواطنة الناشطة (حيث يتم تشجيع الناس على كل من حقهم في طلب خدمات كافية وعلى مسئوليتهم في دفع الضرائب). وغير ذلك من المحاولات المثيلة في غانا وموريتانيا.

التعليق:

تبني مقاربات واقعية على المدى الطويل:

من الواضح أن مصر تتمثل فيها كل العيوب الديكتاتورية التي رصدها البحث في النقطة السابقة، مثلا، فالورقة البحثية تنص على "مراجعة الدستور بطريقة تشاركية مع التوجه للاتفاق على مجموعة من التقاليد والقيم الثقافية كما يوصفها المحيط الرسمي والجماهيري على العموم" بينما تصر "الأسرة المباركية" في عناد معروف أن لا تستجيب لرغبة شعبية لمراجعة الدستور من أجل دعم الديموقراطية وإزالة شبهة التوريث الممثلة في المادة 76 من الدستور. ما أننا لم نعلم عن أي مقاربات طويلة المدى لنظام الحكم المصري، فالمشاهد من تخطيط هو قصير المدى وبهدف واحد فقط هو بقاء الحكم في سلالة مبارك، ومن ناحية أخرى فإن بعض المثقفين ومنهم الأستاذ محمد عبد الحكم دياب يرون في ظاهرة البرادعي حلا قصير المدى اعتمادا على شخص ،المخلص، وعلى الكراهية المشتركة لنظام مبارك، وليس بناء لمقومات الديموقراطية على المدى الطويل

2. الأولوية الثانية: تعميق الديموقراطية


 وتعني تبني أجندة تحول أوسع لدفع الديموقراطية للأمام (بما يتخطى الجهود الرسمية) والاستثمار أكثر في "مادة" الديموقراطية نفسها. وهذا يشمل إعطاء أولوية أكبر لكل من "المسائلة" (رأسيا وأفقيا)، و "المشاركة"- باعتبارها مشروعا سياسيا لتنمية واستدامة مشاركة ملموسة ومُمَكَنة من المواطنين، أكثر من تلك التي نجدها في الديموقراطيات التمثيلية الليبرالية وحدها.

 بالنسبة للمسائلة، فإن الاتفاق يتزايد على أن تحسين "صوت" المواطنين وجعل الدولة أكثر استجابة لحقوقهم واحتياجاتهم، هو المفتاح لتحقيق أهداف التنمية وتقديم الخدمات الأساسية. إن المسائلة - فضلا عن كونها تعبير بيروقراطي أو قانوني – تعبر عن ديموقراطية ملموسة، والحقوق والمواطنة. إنها تعبر عن الاستثمار على التوازي في دولة فعالة وفي رأسمال اجتماعي بشري مُمَكَن. يمكن أن تؤدي المسائلة الحكومية الضعيفة إلى إحساس جماعي عام بالإحباط حول ما يمكن للديموقراطية فعلا أن تقدمه، وإلى تآكل شرعية الدولة.

 الأمثلة كثيرة عبر أقاليم العالم، تشهد على النتائج الإيجابية للتنمية المتولدة عن عمليات وآليات مسائلة نشطة. لقد ساعدت المسائلة الأفقية المحسنة (مثلا، من خلال ممارسة البرلمانين لحقوقهم في مراقبة الموازنة) في بتر توجهات في غاية الأهمية نحو شيوع المحسوبية والفساد تحول الموارد الوطنية بعيدا عن المصلحة العامة، وفي حماية حقوق المواطنين وفرصتهم في المطالبة بالمسائلة. إن المسائلة الرأسية هي عن تمكين المواطنين من رفع استجواباتهم وأن يطالبوا المسؤولين الحائزين على السلطة (الاستعداد للإجابة او المجاوبة) شرح أفعالهم، وأن يحظروا أدائهم الضعيف عندما يفشلوا في الاستجابة للمسائلة (خاصية الإرغام، أو الإجبار).

 يتطلب تحسين المسائلة عملية طويلة المدى تحتاج إلى رعاية دقيقة من خلال مدى كبير من الاستراتيجيات، والآليات والإنجازات خطوة بخطوة عبر طول سلسلة المسائلة. وتشير التجارب إلى أن المسائلة تعمل بشكل أفضل عندما: (أ) تكون عن طريق مطالبة الجماهير من أجل مصالح اجتماعية واقتصادية أعم وأكبر؛ (ب) يتكامل الجهد الفردي مع الفعل الجماعي؛ (جـ) يشارك جموع الفاعلين في مفاوضوات الإصلاح وأن يؤكدوا قدرة متوسطة – طويلة المدى على الولوج إلى مراكز اتخاذ القرار؛ (د) تتشكل تحالفات بين إصلاحيي القطاع العام وفاعلي المجتمع المدني.

 في واقع المارسة، فإن تقوية المسائلة المحلية أثبتت أنها مهمة صعبة للجهات المانحة، وهذا مرتبط بـ : (أ) نقص الاستراتجيات الكافية للتعرف على "جانب الطلب" و "محركات التغيير"؛ (ب) الميل إلى الاعتماد على مقاربات عامة وبيروقراطية؛ (جـ) افتراضات غير واقعية عن عمليات تغيير اجتماعية، و (د) بيئة سياسية عدائية.

 خلال العقدين الماضيين أصبحت المشاركة هي اللحن الجديد للتنمية، وهذه المقاربة لها مميزات عديدة، فهي يمكن أن: (أ) تخلق مساحات للمجموعات غير النخبة (فقراء العشوائيات والقادة التقليديين والأقليات والنساء والشباب إلخ) ليشاركوا بمدخلاتهم في عمليات اتخاذ القرار التي تمسهم مباشرة؛ (ب) زيادة معلومات وتحسين سياسات وممارسات التنمية؛ (جـ) تحسين استدامة مداخلات التنمية. وكنتيجة لذلك، فإن المشاركة قد تم احتضانها بشكل واسع واستخدامها في أقاليم نامية عديدة، من قبل كل من الدولة (مركزيا وعلى مستوى المحليات) والجهات الخارجية (شاملة الاتحاد الأوروبي). ويمكن ضرب الأمثلة على الماركة مثلما تم مع المسائلة، حيث حققت المشاركة فرق حقيقي بلغة إنجازات التنمية وعلاقتها بأهداف الألفية، وتوفير الخدمات الأساسية، وحماية الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وضمالمجموعات المهمشة، وتخطيط التنمية المحلية، إلخ.

 ومع ذلك، فإن أصواتا قوية ترتفع لصالح مقاربة للمشاركة أكثر صدقية وسياسية. وتشير التجارب إلى أن المشاركة غالبا بقيت عمياء تجاه الفوارق الاجتماعية، والتجمعات المحلية والتقاليد الاجتماعية. وهنا أيضا، فإن مقاربة الاقتصاد السياسي مرغوبة بشدة لفهم حقيقة التفاعلات بين الدولة والمجتمع. ولا يجب افتراض قدرة المجتمع المدني على التصرف كمناصر لقوى الديموقراطية / التنمية، ولكن يجب أن تكون مبنية على تحليل صارم للاهتمامات والحوافز المحركة لهؤلاء الفاعلين. وبطريقة مشابهة، يجب أن نعرف أن "الضم أو الاشتمال" (للحزب او المجلس مثلا) يتم تحقيقه من خلال المحسوبية والاحتواء والرشوة بما يجعل المساهمة آلية بلا أسنان للديموقراطية. وهذا الرابط بين المشاركة من جهة، و "الصوت" والتمكين (القانوني) من جهة أخرى، يمكن أن يتقوى أكثر. ويمكن تطبيق نفس مبدأ التسميد المتبادل بين مقاربات التنمية المعتمدة على الحقوق، على مقاربات التمية والمشاركة. وتظهر الممارسة مرة أخرى القيود، إن لم تكن المخاطر، الناجمة عن قيام الجهات المانحة بفرض المقاربات التشاركية على الحكومات الممانعة في سياقات حيث الحقوق المدنية مقيدة بشدة.

التعليق:

الأولوية الثانية: تعميق الديموقراطية:

من الواضح أن مصر تتمثل فيها كل العيوب الديكتاتورية التي رصدها البحث فيما يخص تعميق الديموقراطية، فإن مصطلحات "المسائلة" و "المشاركة" و "المجاوبة" و "إجبار الحكومة على الإجابة" ليست في قاموس نظام الحكم المصري، ويبدو أنه قد استبدلها بتثبيت مصطلحات "الفساد" و "المحسوبية" و "الرشوة" و "احتواء المنافسين ( بالحبس والتعذيب)" و "الطناش الفاجر (وهوتعبير لا يخطر لمعدي البحث على بال!)" على أي استفسارات شعبية وحتى اتهامات من الحلفاء، فلم يقم نظام الحكم بالرد أو حتى بمجرد التعليق على الاتهام الرسمي الذي وجهته وزارة الخارجية الأمريكية للحكومة المصرية منذ عشرة أيام تقريبا (24 مارس 2010) متضمنا في تحذير رسمي من الوزارة إلى مواطنيها الأمريكان من فساد بيئة الأعمال في مصر بالرشوة والمحسوبية وتسلط النخبة، ومن تدني حالة الشوارع و المواصلات.

كما أن نتائج الفقرة السابقة تلقي بظلال من اليأس في أي محاولة للإصلاح السياسي في مصر حيث يقرر البحث بنهاية الفقرة أنه: "تظهر الممارسة مرة أخرى القيود، إن لم تكن المخاطر، الناجمة عن قيام الجهات المانحة بفرض المقاربات التشاركية على الحكومات الممانعة في سياقات حيث الحقوق المدنية مقيدة بشدة. " بمعنى أنه لا أمل في أي ضغط من الاتحاد الأوروبي وأمريكا بالتالي، على نظام الحكم في مصر من أجل تحقيق الديموقراطية، هكذا يبقى الأمل الوحيد، ويجب أن يبقى، معقودا بإرادة المصريين فقط.


3. الأولوية الثالثة: تحسين كفاءة استجابة الدولة (على مستوى المركز و المحليات)


 لقد رفعت الدولة من شأن أجندة التنمية خلال العقد الفائت، فأصبح مقبولا الآن على مدى واسع أن "توجة وفاعلية الدولة من العوامل الهامة التي تفسر لماذا تنجح بعض الدول بينما تفشل الأخريات في تحقيق أهداف التنمية". ومن أجل جعل الديموقراطية ذات صلة بالمواطنين، يجب أن تعطى أهمية أعظم لقدرة الدولة على الاستجابة (لمطالب المواطنين). ومع ذلك فإن كثير من الديموقراطيات الصاعدة، خاصة في الدول الفقيرة، تفتقر إلى أساسيات الأداء المتماسك للدولة ونظم الإدارة العامة. وقد أسفر ذلك عن نمو القلق حول "بناء الدولة"- وهو مبدأ آخذ في التزايد في الاندماج في سياسات الجهات المانحة بالنسبة للبيئة الهشة والبيئة التي تلى الصراعات.

ومن المثير أن نلاحظ أن ما كان يعتبر يوما ما مقاربة اختراق رسمي واضحة لسيادة الدولة، تم استبدالها الآن بجدل متجدد حول حقوق وواجبات الجهات الخارجية في التدخل!.

 تطور موضوع بناء الدولة، بأكثر من طريقة، من أجندة الحكم الرشيد. ومبدئيا، فإن الجدل السياسي العالمي الدائر حول التنمية ووظائف حيوية للدولة قد ركز على مخرجات مثل تقديم الخدمات الاجتماعية و الإدارة الاقتصادية و تحقيق العدالة. ولكن المناقشة تدور أيضا وبشكل متزايد حول ما يسمى بـالأبعاد الدستورية للدولة: الاستقرار السياسي و الأمن والهيكل الأساسي لإدارة الدولة.

 من المعترف به أن بناء الدولة عملية معقدة ودونها عقبات عديدة. أولا، فإن المجال يحتاج إلى وضوح المفاهيم، واستراتيجيات التدخل مبنية بصفة عامة على نموذج نمطي مثالي للدولة الحديثة (الغربية) وبالتالي تميل إلى التطبيق الضعيف والطموح الزائد. وثانيا، فهناك تجارب حقيقية قليلة أو عينات منهجية للتدليل على ما ينجح وما لا ينجح. وثالثا، فإن الافتراض غالبا ما يصور أن عملية بناء الدولة يمكن أن تكون توافقية وحصرية وتشاركية ومن القاعدة للقمة وديموقراطية. إن مثل تلك الصورة الوردية تعترض رؤية الفوضى والاختلاف والعنف وملامح الشغب التي تصاحب بناء الدولة.

 تشير تجارب الدول (أعضاء منظمة التنمية والتعاون الاقتصاديOECD - ودول لجنة المساعدة على التنمية DAC) أن المبدأ الأول للتدخل الدولي الجيد في الدول والمؤسسات الهشة هو أن "تأخذ البيئة المحلية في الاعتبار أولا". يمكن تصور مقاربة أكثر واقعية لعملية بناء الدولة تتكون من (أ) وضع أهداف أقل طموحا ولكن يمكن تحقيقها، (ب) تجنب زيادة التحميل على مطالب الإصلاح وعلى جهود طاقات البناء المتناثرة، و (جـ) مراقبة وإدارة مخاطر الاقتصاد السياسي والحكم الرشيد بشكل مستمر. هناك بعض التطبيقات الجيدة تظهر باتباع تلك المبادئ، حيث يعتبر هؤلاء أن بناء الدولة مبدئيا هو عملية سياسية تضم في الغالب أفكارا سياسية (يتم صياغتها عادة بمعرفة النخبة)، ويتفهموا ترتيب أولويات الوظائف الجوهرية للحكومة (عادة الأمن والاحتكار فيما يخص استخدام القوة و وظائف الإارة الأساسية)، والرغبة في توحيد الجهود من أجل تحسين شرعية الدولة بينما تؤمن تقديم الخدمات للسكان.

التعليق:

الأولوية الثالثة: تحسين كفاءة استجابة الدولة:

ينطبق على مصر ماجاء في الورقة نصا "ما كان يعتبر يوما ما مقاربة اختراق رسمي واضحة لسيادة الدولة، تم استبدالها الآن بجدل متجدد حول حقوق وواجبات الجهات الخارجية في التدخل!."ولايحتاج الأمر إلى عناء لإثبات لك، تكفي مقولة الدكتور مصطفى الفقي عن لزوم شرط موافقة واشنطن وتل أبيب على الرئيس المصري القادم، والأمر هنا ليس جدلا حول حقوق وواجبات كل من واشنطن وتل أبيب فيما كان يعتبر بالأمس القريب (عصر عبد الناصر) اختراقا لسيادة الدولة المصرية، ولكن مصالح جيوسياسية إقليمية وكونية نجحت في صنع واستقطاب طبقة بمواصفات خاصة استطاعت أن تستولي على السلطة والثروة في مصر، وبالتالي لايصبح أمر السيادة الوطنية ساري المفعول إلا كفزاعة داخلية ضد المعارضة. وقد قرأنا (فهمي هويدي – الشروق 6 أبريل) كيف أبدى المسئولون الإسرائيليون في اجتماع الإيباك في أمريكا عن سعادتهم وامتنانهم للنظام المصري على تعاونة وجهوده في إتمام حصار غزة ببناء الجدار الفولاذي!. ولن يهتم أولئك المتسلطين على مصر بأن يوضحوا معنى هذا التصريح، فببساطة هم لايهمهم الأمر ماداموا ينفذون تعليمات واشنطن، هذا بينما لم يتورعوا عن اتهام كل من عارض بناء جدار العار متذرعين بدواعي الأمن القومي !.

باختصار، وطبقا لنتائج هذا البحث، فمصر دولة عالم ثالث تتميز بكفاءة عالية جدا في الاستجابة لمطالب المواطنين، ولكن في الاتجاه العكسي!. فليس هناك محل إذن لأي معنى لتحسين استجابتها، لأنه يجب أولا تصحيح اتجاه الاستجابة من تل أبيب وواشنطن إلى القاهرة، فطبقا لرؤية المستشار طارق البشري فمصر ليست فقط دولة مستباحة لقوى الخارج بل دولة تحت الاحتلال، وبالتالي فقد يكون الحديث عن الديموقراطية والتنمية في مقام العبث، وقد يكون الحديث عن التحرير هو من باب أولى!.

4. الأولوية الرابعة: توضيح دور ومسئولية مختلف اللاعبين الخارجيين (القوى الإقليمية والقوى الكبرى)


 تعتبر الديموقراطية واحدا من أعمدة النشاط الخارجي للاتحاد الأوروبي. ولكن في هذا المقام فيبدو أن هناك فجوة هامة للغاية بين السياسات المعتمدة والممارسة الفعلية من حيث كل من دعم بناء الديموقراطية ومن حيث خلق رابط بين الديموقراطية والتنمية. هناك عدة عوامل تساهم في ذلك، منها: (أ) النقص في أجندات ديموقراطية وطنية متبناة بقوة (بناء عليها يتم تأسيس الدعم الخارجي)؛ (ب) الميل نحو تبني تركيز محدود نسبيا على الديموقراطية (كهوية مستقلة ومنفصلة عن التنمية) وفي داخل الديموقراطية تركيز أقل حتى على الانتخابات؛ (جـ) إهمال نسبي في الاستثمار في "مجتمع سياسي" في مقابل الاستثمار في "مجتمع مدني"؛ (د) الاستخدام الأقل من الأمثل غالبا للضغط السياسي والاقتصادي على نظم الحكم الأوتوقراطية؛ (هـ) إشكاليات الارتباط بين الأهداف المعلنة (الدفاع عن المبادئ الديموقراطية) و الممارسة (يتم تحديدها بالاشتراك بين المصالح الخارجية والاقتصادية)؛ (و) نقص أساليب الدعم الكافي والمرن والإجراءات؛ (ز) محدودية التقييم و تراكم الخبرة والتعلم.

 هناك طرق مختلفة لتحسين الفاعلية الكلية والالتزام لدعم الاتحاد الأوروبي للديموقراطية، من حيث كل من الأهداف القائمة بذاتها ووسائل ترويج التنمية مثل: (أ) تبني استخدام أكثر فاعلية وتنسيقا واتساقا للحوار السياسي؛ (ب) تحسين تبادل التناول بين التنمية والسياسة الخارجية في دعم بناء الديموقراطية؛ (جـ) مزيد من التطوير للأوضاع المشتركة التي تسمو بالمصالح القومية (في مواضيع مثل التغييرات غير الدستورية و خروقات حقوق الإنسان، إلخ.)؛ (د) توفير الدعم الذكي لتوحيد نظم المسائلة الداخلية بين الدولة والمجمع.

 الفاعلون الخارجيون الآخرون (منظمات الأمم المتحدة، والمؤسسات السياسية، و منظمات المجتمع المدني، واتحادات التجارة) والمشاركون في بناء الديموقراطية/ التنمية هم أيضا مواجهون بتحديات الابتكار من أجل إحداث أثر أفضل للجهود. إن الحوار المكتمل يستطيع أن يراكم من الدروس المستفادة لكل تلك الاطراف الخارجية وأن يأخذ في الاعتبار التحديات المستقبلية من أجل تحسين العلاقة بين الديموقراطية والتنمية.

التعليق:

الأولوية الرابعة: توضيح دور ومسئولية مختلف اللاعبين الخارجيين:

يؤكد هذا الجزء الأخير من الورقة البحثية إلى تعثر وضعف الاتحاد الأوروبي في ترويج الديموقراطية مع التنمية في دول العالم الثالث، ويضع المقترحات المناسبة لتفعيل نشاط الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن. ويتمثل أهم ما يخص الحالة المصرية هو ما جاء في نص البحث على ضعف التركيز على الانتخابات في إطار ترويج الديمقراطية، ويكاد يكون هناك إجماع فيما هو خارج عن سطوة الحزب الوطني على مدى شيوع التزوير كصفة ملازمة للانتخابات المصرية بشهادة المراقبين الدوليين والمحليين. أما والحال هكذا من الجهات الخارجية ضعفا أو إيثارا للمصالح، وفي الداخل فساد منتشر وتزوير وتفصيل للدستور ليلائم رغبة حاكم مصر في توريث حكمه في نسله، فلا أعتقد أن هناك أي أمل قريب في أي إصلاح ديموقراطي أو تنمية حقيقية ملموسة لدى غالبية المصريين.

ولايحتاج الأمر إلى عناء لإثبات الدور المهيمن لواشنطن على نظام الحكم في مصر، تكفي لذلك مقولة الدكتور مصطفى الفقي عن لزوم شرط موافقة واشنطن وتل أبيب على شخص الرئيس المصري القادم.

ثبت عدم قبول الشعب المصري لإهدار كرامته أكثر من اللازم – فيكفي (كفاية) ما يناله من ذل وهوان ممن استولوا على السلطة والثروة – بفرض توريث الحكم عليه. وقد يفسر البعض أن البرادعي ليس أكثر من بديل موصى عليه أمريكيا وموافق عليه إسرائيليا وذلك بالاستدلال بسكوته عن السؤال الإسرائيلي وبمبادرته بالهجوم على عبد الناصر (محمد دياب)، وبتعبيره عن القضية الفلسطينية بـ "المشكلة" (د.جلال أحمد أمين) هذا رغم أنه عاد واستخدم تعبير القضية.

الخـــلاصــــــة

عزيزي القارئ، استعرضنا الورقة البحثية حول إشكالية التنمية والديموقراطية، وهي الورقة التي طلبتها الرئاسة السويدية في 2009 من المركز الأوروبي لإدارة سياسات التنمية (ECDPM)، وجاءت الورقة بنتيجة تحليل عميق تدفع بأنه قد حان الوقت لإعادة الاعتبار للعلاقة بين التنمية والديموقراطية وتخلص الورقة البحثية إلى عدة نتائج هامة فيما يخص معادلة الديموقراطية – التنمية:

1. الديموقراطية تحت التدقيق: جاء الوقت لإعادة العلاقة مع التنمية: إن الخلاف حول الديموقراطية – التنمية يجد نفسه في دائرة مفرغة، ويجب أن نعيد النظر في طبيعة العلاقات البينية فيما يخص الديموقراطية والتنمية، وأن المقاربات العادية (المناصرة للديموقراطية) لن تصبح كافية بعد الآن (لأن مصداقية الديموقراطية تعتمد على قدرتها على العطاء). كما أنه ليس شيئا واعدا أن نركز فقط على التنمية وأن ننسى الأمر بشأن السياسة والديموقراطية. إن الطريق أمامنا هو أن نميز بين ما يفيد وما لايفيد’ وعلى هذا الأساس يتم تحديد استراتيجيات واقعية (طويلة الأجل) تجعل من الممكن أن نعمق الديموقراطية وأن نحسن من نتائج التنمية في نفس الوقت.

2. أفكار أساسية حول الرابط بين الديموقراطية والتنمية:


يبدو أن الطريق ما زال طويلا أمام مصر نحو تحقيق التوازن بين التنمية والديموقراطية، ببساطة لأنه ليس هناك وجود ملموس لمقومات أي منهما أصلا، وذلك طبقا للمعايير التي وضعتها الورقة البحثية:

- مفاهيم أساسية للديموقراطية – التنمية: المفردات التي ركزت عليها الورقة البحثية مثل: سيادة القانون، والمساواة أمام القانون، وقواعد اقتصاد السوق، وحماية حرية الإعلام و حرية التعبير، و تأمين التوزيع المتساوي نسبيا للموارد المنتجة، هي مفردات غائبة عن قاموس نظام الحكم في مصر.

- حقوق المواطن: في ضوء اهتمام الورقة البحثية، يثبت انعدام حقوق المواطن المصري في المشاركة في السلطة وتدني فرص الحياة أمامه، وعدم تحقيق الأمن له لحساب أمن النظام.

- الاستثمار في الأساسيات: يبدو شبه مستحيل تحقيق الديموقراطية في مصر في غياب استثمار مؤثر وفعال في: التعليم، توعية المواطنين بحقوقهم، التوظيف، الأمن.

- مفاهيهم داعمة للديموقراطية - التنمية: لا تتحقق في مصر، مثل المشاركة والمسائلة والشفافية والمجال السياسي العام منعدم تقريبا، و ثبوت تسيد التخطيط قصير المدى.

- المواطنة: المسافة من تحول ’الرعايا’ المصريين إلى ’مواطنين’: مسافة طويلة جدا جدا، ويبدو أن الدكتور أنور عبد الملك صاحب كتاب المواطنة أولا، يبدو أنه سينتظر طويلا.

- استراتيجيات دعم الراعي الأمريكي لنظام الحكم في مصر هي استراتيجية هيمنة وبالتالي فقد يكون نجاح البرادعي فقط زيادة أو تغيير شكل أو استبدال وجه قديم (جدا) بوجه آخر جديد (مختلف جينيا) لحكم مصر، وقد تأتي معه بعض المكاسب الديموقراطية (ويبدو أن هذا هو اقصى المأمول مع واقع الهيمنة الأمريكية أو الاستعمار بتعبير طارق البشري)، وهي مكاسب يعجز نظام مبارك عن ’الإفراج’ عنها نتيجة تكلس أفكارة وإصابتها بعمى السلطة المطلقة كما يقول فقهاء السياسة الدولية والتاريخ: السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.

- الأداء الاقتصادي: لم يحقق نظام مبارك أداء اقتصاديا ملموسا للغالبية العظمى من المصريين بالتذرع بان ذلك من الآثار الحتمية للعولمة وبتجاهل نسبية تلك الآثار من دولة إلى أخرى وأن موضع مصر عالميا لايسر ولا يشرف.

- أهمية شبكات العلاقات: الموروث خلال ثلاث عقود من نظام مبارك لم تتمخض إلا عن شبكات مصالح تزاوج الثروة مع السلطة، وهي شبكات ضيقة للغاية ويصعب اختراقها أو الإعلان عنها بشفافية، وبقياس نتائج تطبيق تلك الشبكات للنظام الرأسمالي اليميني "الجديد"على الاقتصاد المصري والعدالة الاجتماعية فالنتائج كارثية بكل المؤشرات المعروفة.

3. طرق لتحسين طاقة الديموقراطية في العطاء:


المقصود بمحاولات التحسين هنا في الورقة البحثية يقع على الاتحاد الأوروبي في سعيه لبناء الديموقراطية وتحسين التنمية في دول العالم النامي، وقد أقرت الورقة بضعف فاعلية الاتا الأوروبي في ذلك، ونحن نرى في المقابل مدى قوة اليمين الأمريكي المحافظ – حتى بعد نجاح اوباما الديموقراطي- في فرض الاستمرار في أجندة هيمنة أمريكية على المنطقة ومصر منها. وبالطبع فإن كل الاتحاد الأوروبي وأمريكا يسعيان إلى فرض شكل سياسي ما على دول المنطقة منها مصر، ليس لمصلحتها بل لمصلحة اغرب عموما، وهذا أمر مفهوم في إطار فهم عالمي ناضج للعلاقات السياسية الاقتصادية، ويبقى الدور علينا، فماذا نحن فاعلون لنساعد أنفسنا؟

باختصار، وعلى ضوء النتائج والمعايير التي وردت بالورقة البحثية من المركز الأوروبي لإدارة سياسات التنمية ((ECDPM، فأعتقد أن مصر أمامها مشوار طويل نحو تحقيق أي من الديموقراطية أو التنمية، وأن الحديث عن أيهما أولا هو نوع من العبث. ويأتي هذا الاعتقاد من واقع ملك عضوض يقاتل حتى النفس الأخير للاحتفاظ بالسلطة أو توريثها كحد أدنى، وهيمنة أمريكية لاترضى حاليا بأقل من تبعية تامة، وعدو صهيوني رابض في أرض فلسطين لايألو جهدا في تأمين مشروعه الاستيطاني، وكلاهما – الأمريكي والصهيوني – قد نجحا كما يبدو في فرض التبعية لذاك الذي في واشنطن، وتأمين هذا الذي أعلن القدس عاصمته اليهودية، وذلك بزواج المصالح مع الطبقة الحاكمة في مصر، وبالتالي فإن موضوعات مثل الديموقراطية والتنمية والتوفيق بينهما ليستا على أجندة الهيمنة إلا بقدر ما تحتاجهما مصالح الهيمنة لتأمين التبعية.

بوضوح أكثر، فلا أجد خاتمة خيرا من دعوة المستشار طارق البشري لأسبقية أجندة التحرير حيث يعتبر أن مصر عمليا دولة تحت الاحتلال، أما إشكالية الديموقراطية – التنمية فأرى أن يتم تناولها في إطار ذلك، أي "التحرير أولا".

والله أعلم.

7 أبريل 2010


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية