رسالة من أب مصري
...............................................................
| |
عبد الرحمن الشرقاوي | |
عبد الرحمن الشرقاوي
........................
هذه القصيدة للشاعرالمصرى الكبيرعبد الرحمن الشرقاوي كتبها منذ نصف قرن ووجهها إلى الرئيس الأمريكي ترومان . ولأن التاريخ يعيد نفسه دائما فمن المناسب أن نعيد نشرها بمناسبة زيارة الرئيس أوباما الى الشرق الأوسط .
ولم تدر ياسيدي من أنا
ولكن أنا .. أنا من أنا .. ؟!
.. ولدت لعشرين عام مضت على مطلع القرن ياسيدي
وقد فرغ العالم المستجير من الحرب .. ثم مضى آمنا :
يوزع أسواقه الباقيات
ويهزأ بالموت والتضحيات .
وبالذكريات .
وقامت شعوب تهز الظلام بمشرق أحلامها الهائلة
وتعلي على خربات الفساد بناء مدينتنا الفاضلة
فلما بدأت أعي ما يقال رأيتهم يملأون الطريق
تهز الفؤوس ركود الحقول وتعلي بما تحتويه العروق
وكانوا يقولون (( يحيا الوطن ))
حفاة يهزون ريح الحياة ويستدفعون شراع الزمن
وساءلت أمي عما هناك (( وماذا دهى القرية الساكنة ))
فقالت : بني هم الإنجليز يثيرون أيامنا الآمنة
وقد أخذوا كل غلاتنا .. وقد نضب الماء في الساقية
ولم يبقى شيء على حاله سوى حسرة مرة باقية
* * * * *
.. ولما كبرت لبست الحذاء ووليت وجهي إلى القاهرة
فأبصرت من تحت ثقل السلاح وجوههم الجهمة الحائرة
وكنت أراهم وهم يركلون فتى في طريقهم .. أو فتاة
وقد ينزعون حجاب أمرأة
فتصرخ (( ويلي من الإنجليز )) .
وقد يعبثون بشيخ عجوز
فيملأني الرعب مما أراه ـ ويرهق سمعي ـ ما لم أراه .
* * * * *
ويأتي الخريف بأشباحه وتمشي التعاسة فوق الحقول
فأمضي لأطلب علم الكتاب وعلم الكتاب لدينا هزيل
وندرس ( جغرافيا ) ذات عام ، ونعرف كل مناخ الدول
وألمح في ( أطلسي ) دولة ومن فوقها حمرة تشتعل
فإن كنت ياسيدي قد أطلت . وقد سقت هذا الحديث الحزين فإني حزين
حزين شقي لبعد ابنتي .
حزين أخاف عليها المصير وأنت أب تعرف الوالدين
ولست أريد لها أن تموت .. فرفقا وأنت تخط المصير
أترمي حماماتنا بالنسور ؟!
معاذ الأبوة يا سيدي .. فأنت أب : وكلانا حنون
ألست تصون حياة ابنتك ؟!
فهل تصنع الموت للآخرين ؟!
وإني لأدعوك باسم الأبوة .. باسم الحياة .. باسم الصغار .
لتعقد حلفا يصون السلام ويرعى المودة بين الكبار
فأنت أب قد صنعت الحياة ولن تصنع الموت بعد الحياة
لماذا أذن يا إله الرحيم يذيعون حولك هذا الجنون ؟!
ولكن لمن كل هذا العديد ؟
وتلك الحشود؟
ولكن لمن كل هذا الهزيم ؟
لمن هذه النافثات السموم ؟
لمن هذه الناشرات الجحيم ؟
لمن تسرق اليوم أقواتنا لتصنع ماشئت من فاتكات ؟
لمن تحشد اليوم في السابحات ، وفي الغائصات , وفي الطائرات
وفي الناشطات .
لمن هذه الذاريات الحطام .. لمن ؟ .. ولمن هذه النازعات ؟؟!!
لمن كل هذا ؟! لغزو السماء ؟ .. لتصنع معجزة ؟!
بل لنا
لتحطيمنا
لتجويعنا
لتخريبنا
لتقوى سلاسل أصفادنا
ليرتفع السور من سجننا
لنشر السواد على أرضنا
لتمزيق أجساد أطفالنا
لتمزيق أجساد أطفالنا !!؟؟
ولكن كفى ! لن تنل ابنتي
وأقسم أن لن تنل ابنتي !
أتطفىء نظرتها الباسمة ؟
أتقطع أطرافها الناعمة؟
أتجري دماء ابنتي في غد كنافورة ثرة تنسكب ؟
أتنثر أشلاءها اليانعات عليّ حيث تضحك بين اللعب ؟!
أتمزج لحم ابنتي بالتراب !!
كفى أيهذا الإله الذي يلطخ بالوحل طهر السحاب !!
أتنهش هذا الكيان النضر !
كفى أيها الهمجي الرهيب ..!! كفى أيهذا الإله القذر !
إله يبول على التضحيات ويبصق فوق قبور البشر
يضمخ لحيته بالدماء وترقصه أنّه المحتضر
ويسخر من ذكريات النضال ويهزأ بالأمل المزدهر
كفى أيها الهمجي الرهيب ..!
ويالفحة من بقايا ذنوب
ويا خفقة من هوى الغروب
فليست دماء ابنتي كالنبيذ .. وليس نبيذا دماء الشعوب
* * * * *
ستحيا ابنتي في ظلال السلام .. وتنعم باللعب الوافرة
تمارس كل حقوق الحياة حقوق طفولتها الزاهرة
ستحيا انطلاقاتها كلها وأخلاقها الحلوة الشاعرة
وأقسم أن لن تصير ابنتي غدا طفلة لشهيد قضى
أتسمعني أيها الهمجي !! ستحيا ابنتي في ظلالي أنا
كاسعد ما نتعاطى الحياة
أتسمعني أيهذا الإله
ستحيا ابنتي في ظلال السلام
وتصبح أنت مع التابعين هواجس من ذكريات الظلام
فإن تملك الذرة المفنية
فإنا لنمتلك التضحية
ونمتلك الذرة البانية
ونملك طاقاتنا كلها ونملك أيامنا الباقية
وتاريخ أجيالنا الأتية