زيت ودماء .. وجنود !!
...............................................................
| |
توماس فريدمان | |
بقلم : غريب المنسى
........................
كل يوم وبعد افتتاح بورصة البترول الدولية, تقف كل الدول الأوربية وجميع الدول المستوردة للبترول فى طابور طويل لتحصل على احتياجاتها بسعر السوق العالمى بهدوء يشوبه النقمة واللعنة والسخط على العرب .. هكذا كانت.. ومازالت ..وستكون .. حياة الدول الصناعية اليومية الى أن يأتى يوما أظنه بعيدا .. يستطيعون فيه أن يستغنوا عن استيراد البترول... أوعلى الأقل الاعتماد على انتاجهم المحلى .
دولة واحدة فقط هى الولايات المتحدة الأمريكية التى تصل اليها احتياجاتها اليومية من البترول الى الباب مع كروت شكر وعرفان من أولئك المشايخ والملوك الذين يلعبون دور موصل البيتزا .. وطبعا لأن أمريكا دولة رأسمالية فهى تؤمن بالبقشيش .. وعليه تدفع الولايات المتحدة ثلاثون دولار بقشيشا لكل برميل بترول تشتريه ويوصله البائع مشكورا من الحقل الى الباب.
.........................
فاذا افترضنا أن سعر البترول اليوم سبعون دولارا للبرميل.. تكون فاتورة الولايات المتحدة الأمريكية مائة دولار للبرميل .. ومع ذلك يكرهها العرب كما يكرهون كل شىء فى حياتهم .. ويكرهها الأوربيون لأنها أم الديمقراطية والقانون والحرية والمساواة .. ومع ذلك فهى فى حالة غرام مع دول عربية بترولية متخلفة. فكل دول النفط لاتؤمن بالحرية والديمقراطية والقانون والمساوة وحرية المرأة وتداول السلطة .علاقة حب وكره غريبة تربط الديموقراطية والديكتاتورية , التقدم والتخلف , ناطحة السحاب والخيمة فى ظاهرة تضاد عجيبة .. جعلت أوربا تشك فى نوايا الأمريكان.. وجعلت أمريكا دولة متناقضة فى سياساتها الخارجية.
........................
تستهلك الولايات المتحدة حوالى عشرين مليون برميل يوميا توزع من خلال مائة وثمانون ألف محطة توزيع .. تنتج هى محليا حوالى تسعة مليون برميل يوميا وتستورد حوالى احدى عشر مليون برميل يوميا - مع الديلفرى - وبالتالى تعتبر الولايات المتحدة من أكبر الدول المستوردة والمستخدمة للبترول فى العالم .. وهى فى سبيل ذلك تدفع البقشيش وتستخدم العضلات فى آن واحد .. فى سبيل أن يصل الزيت كل يوم فى موعده مع قهوة الصباح والفطور .
....................
تنفق الولايات المتحدة مائة وخمسون بليون دولار سنويا على الأساطيل والقوات والقيادات المركزية التى تؤمن البحار والمحيطات للسفن الناقلة للبترول .. وأيضا تؤمن خطوط امداد البترول ليس فى الشرق الأوسط فقط ...ولكن فى آسيا وأوروبا وأفريقيا .. وفى أى دولة أو منطقة تنتج البترول . فللولايات المتحدة الامريكية ستة مراكزقيادات عسكرية أساسية حول العالم لهذا الغرض هم : قيادة أوربا وقيادة الباسيفك وقيادة الاطلنتك وقيادة جنوب خط الاستواء والقيادة المركزية التى أسست فى سنة 80 بعد ازاحة الشاه ومجيىء الخومينى للسلطة وبقرار من جيمى كارتر وهى المسئولة عن الشرق الاوسط ووسط أسيا ومقرها فلوريدا .. وأخيرا مركزقيادة شرق أفريقيا ومهمته حفظ الأمن فى القارة السوداء وأيضا حماية مواقع البترول الأفريقية.
.........................
اذا أضفنا هذه المائة وخمسون بليونا الى السعر العادى للبترول لوجدنا أن كل برميل بترول يكلف الولايات المتحدة ثلاثون دولار أعلى من سعر السوق .. هذا بالاضافة الى أرواح الاف الجنود التى زهقت وستزهق فى سبيل هذه المهمة الصعبة والتى سوف تستمر الى أمد طويل حتى تستطيع الولايات المتحدة أن تعتمد على انتاجها المحلى واكتشاف بدائل للطاقة .... أضف الى ذلك مصاريف اكراميات تتلقاها مصر والأردن واسرائيل متمثلة فى دعم عسكرى واقتصادى .
.........................
مشكلة البترول وادمانه لدى الولايات المتحدة مشكلة حيوية جدا وهى فى الواقع مشكلة حياة أو موت .. ففى سنة الفين وخمسة وعشرين سيكون استيراد الولايات المتحدة اليومى حوالى تسعة عشر مليون برميلا .. وهذا سيضع ضغطا شديدا على الدول المنتجة لأن زيادة الانتاج ستحتاج الى تكنولوجيا عالية غالية الثمن لاتقدر عليها هذه الدول ..ولاسيما أن قوانين هذه الدول ضد الاستسثمار الأجنبى فى مجال البترول .. وهذه معضلة تواجه الولايات المتحدة الآن وسيكون تنافس الصين على البترول شديدا جدا لدرجة أن المعروض من البترول سيكون أقل من المطلوب وبالتالى سيكون الحصول على البترول للأقوى عسكريا ودبلوماسيا واقتصاديا.
.........................
ما الدافع لتواجد الولايات المتحدة عسكريا فى كل مناطق المعمورة ؟وهل الدافع دينى ؟ أم الدافع هو توريد الديمقراطية وحقوق الانسان وحرية المرأة وكوب حليب لكل طفل مع الأفطار ؟!!! الدافع ببساطة شديدة ..... هو الحصول على كمية البترول اليومى التى تلزمها يوميا وتأمين وصولها لمواطنييها ... ولاسيما أن كل مناطق البترول فى العالم تسبح فى مشاكل اقليمية فالمكسيك وفنزويلا وكولومبيا وروسيا وازبيرجان وكاجستان ونيجيريا وانجولا ودول بحر الشمال هى مناطق تتسم بعدم الهدوء السياسى .. أما منطقة الشرق الاوسط والتى تحتوى على أعلى نسبة من الأحتياطى العالمى والتى هى غارقة فى مشاكل اقليمية.. فاايران والعراق والكويت والسعودية وعمان وقطر والامارات المتحدة يملكون حوالى أربعة وستون بالمائه من الاحتياطى العالمى ويبلغ حوالى ستمائه وتسعة وسبعون بليون برميلا .. تمتلك السعودية نصيب الاسد ويبلغ حوالى مائتين وستة عشر بليون برميلا .
.........................
واهتمام وحاجة الولايات المتحدة للبترول العربى هو عبارة عن سياسة طويلة المدى بدأت بلقاء الرئيس الأمريكى روزفيلت والملك السعودى عبد العزيز على ظهر حاملة طائرات أمريكية فى قناة السويس سنة ألف وتسعمائة خمسة وأربعون .. ذبح خلالها الملك عبد العزيز الخرفان التى سيأكلها هو وحاشيته على ظهر حاملة الطائرات !! هذه السياسة لها شقين مهمين الأول تجارى فكل الشركات الأمريكية التى تعمل فى حقل البترول واستيراده هى فى الواقع شركات تجارية خاصة ليست مرتبطه بالدولة وتخضع للضرائب وللربح والخسارة مثلها مثل أى شركات تجارية أمريكية . والشق الثانى هو الحماية الدبلوماسية والعسكرية لهذه الشركات من قبل الحكومة الأمريكية .. وتحولت هذه السياسة بمرور الزمن وتعاقب الرؤساء تورمان وايزنهاور ونيكسون وكارتر وكلينتون وبوش الأب والابن الى سياسة أمن قومى أمريكى .. فالحاجة الى البترول تزداد يوميا .. ومستوى معيشة المواطن الأمريكى مرتبط بالبترول مباشرة .. وكل رئيس أمريكى يحاول أن يحافظ على مستوى معيشة مواطنيه مستخدما أسلوب القوة والدبلوماسية .. وصداقة أنظمة سياسية مشبوهة عفى عليها الزمن والتضحية بحياة الأف الجنود ... وهذا من أجل البترول.
.........................
الأن وبعد حرب العراق ومتاعبها بدأ الرأى العام الأمريكى يستيقظ الى هذه الحقيقة البسيطة التى كان يتعمد عدم التفكير فيها .. وبدأ يتسائل ماهو مستقبلنا كشعب اذا ظللنا نعتمد على البترول المستورد ؟ وكيف سنكون أحرارا بدون الاستقلال فى مجال الطاقة ؟ ولاسيما أن تكلفة البترول مع حمايته بدأت تؤثر على مستوى معيشة الأجيال الحالية والقادمة فحصيلة الادخارات فى صندوق التأمين الاجتماعى ومستوى التعليم والصحة بدأ فى التدهور. وبدأت الشركات الأمريكية جديا فى دراسة بدائل للطاقة ستعمم فى المستقبل حال نجاحها ... ولكن سيظل الاحتياج للبترول أساسى على الأقل لمدة الخمسين سنة القادمة .هذا الموضوع هو الأساس فى المناظرة الدائرة الأن بين مرشحى الرئاسة الأمريكية.. فحرب العراق كلفت الولايات المتحدة حتى الأن حوالى ربعمائة وخمسون بليونا من الدولارات .. كلها قروض من الصين التى تستثمر أمولاها فى الولايات المتحدة .. أى أنها حرب على الحساب أو بالكريدت.
ستكون المنافسة خلال العقدين القادمين على البترول بين الولايات المتحدة والصين وروسيا .. فالصين بدأت تدمن البترول هى الأخرى .. وستظل السعودية هى أكبر دولة فى العالم مصدرة للبترول . وهذا سيجعل منطقة الشرق الأوسط محط صرعات دولية.. ظاهرة وخفية .. وستستعمل فيها كل الطرق الشرعية والغير شرعية للحصول على الزيت.
............................
يقول توماس فريدمان أننا نتصرف كمدمنى المخدرات والعرب يتعاملون معنا من هذا المنطلق .. وينبغى علينا أن نذهب الى أقرب مصحة للعلاج من الادمان اذا ما رغبنا فى حماية أرواح الاف الجنود وضمان مستقبل أفضل لأطفالنا .
.........................
المصدر
Blood and Oil
Michael T .Klare