قراءة موضوعية فى فنجان الحاضر
| |
مرسى | |
بقلم : غريب المنسى
......................
كانت حركة تمرد على حكم الاخوان المسلمين فى مصر هى الواجهة الشعبية الثورية لغضب الدولة المصرية العميقة ممثلة فى أجهزتها السيادية على اداء الرئيس مرسى وجماعته , ومعظم المصريين يدركون جيدا أن الجيش قرر الانقلاب الناعم حماية للمصالح العليا للشعب من مشروع اسلامى نظرى غير قابل للتنفيذ , وحتى وان نفذ فهو لن يختلف كثيرا عن أى مشروع علمانى , فالاخوان عمليا وواقعيا ليست لديهم القدرة على تغيير نظم التعامل الدولى وبالذات الاقتصادى والذى هو قائما على الربا , والربا هى من أكثر المحرمات اسلاميا وبالتالى لم تجد الجماعة حلا سريعا لهذه المعضلة غير محاولة اللعب بالكلمات واضافة كلمة اسلامى على أى مشروع اقتصادى سوف يحصلون على دعم له بالربا .. وهم بذلك مثل ربة البيت التى كتبت على برطمان السكر " ملح" ظنا منها أنها ستضلل النمل .
حتى هذه اللحظة , لحظة عزل مرسى كان حوالى سبعين فى المئة من الشعب مؤيدا للجيش بعدما لاحظ المصريين أن مرسى ليس رجل الدولة المناسب لقيادة مصر فى هذه المرحلة الحرجة بعد ازاحة مبارك والذى نراه- مبارك - هو المسؤول الأول عن مايحدث فى مصر حاليا, فلو أن مبارك كان رتب الأوضاع وعين نائبا له وسلم له السلطة مبكرا جدا قبل ثورة يناير , كانت مصر الآن كما كانت فى السابق مستقرة , فعبد الناصر سلمها للسادات الذى سلمها لمبارك الذى كان من المفترض أن يسلمها لرئيس آخر , ولكن أنانية مبارك هى التى عرضت مصر للتجريف والفوضى والأخطاء الاجرائية التى جعلت من السهل جدا على جماعة كانت محظورة أن تنتهز فرصة عدم وجود أحزاب منظمة ولها قواعد شعبية لتقفز على السلطة فى غفلة من الزمن.
وعندما تسلم الأخوان السلطة لم يكن لديهم أبجديات ادارة الدولة ولا خريطة مرحلية وأصبحت الجماعة كالرجل الجائع الذى وجد نفسه وجها لوجه مع وليمة فاخرة فتلخبط حاله من شدة تردده هل يأتى على الكباب أولا أم الفراخ أم المحاشى أم الاسماك ؟ وهو فى خضم تردده فقد لذة الطعام ولخبط الأطباق على المائدة بااصراره على الأكل من كل الأطباق اللذيذه فى وقت واحد .. ومحنة الأخوان الانسانية مفهومة جدا وقديما قالوا : لاتحلم الابقدر امكانياتك فلربما تحقق الحلم وتجد نفسك غير قادر على معايشة وضع جديد أكبر من امكانياتك المتاحة.
اذن كان الخلاص من حكم الاخوان ضرورة سياسية ومجتمعية ووطنية سواء كان التخلص منهم بانقلاب عسكرى ناعم أو بثورة شعبية بقيادة حركة تمرد , فالمصريين فى هذا التوقيت لاتعنيهم المسميات بقدر حاجتهم الى قيادة حازمة وحكيمة , فتعديل مسار الدولة وربط أواصرها كان ومازال هو الهدف الأسمى لكل مصرى ولذلك لم يعبا الناس كثيرا بالمسميات حتى وان كان الجدل مازال دائرا هل ماحدث كان انقلابا أو ثورة ؟ ونحن هنا نجيب على السؤال ببساطة شديدة : اذا كان اعادة مصر الى الطريق السليم يحتاج انقلابا فمرحبا به واذا كان يحتاج ثورة فمرحبا بالثورة , ولكن وكما علمتنا التجربة أن أى ثورة شعبية فى بلد مثل مصر بظروفها التاريخية آجلا أم عاجلا ستحتاج الى قوة ديناميكية تساندها ولذلك ستسقط أى محاولة للتغيير على حجر العسكر سواء أردنا أم لم نرضى , فالعسكر بالنسبة لمصر هم قدرها المحتوم ونحن نحمد الله كثيرا على هذا القدر لأنهم هم القادرون على حماية مصر حتى من بعض أبنائها المتسرعين الناهمين والشاردين والتابعين لأيدولوجيات دينية نظرية لن تتماشى مع النظريات الايدولوجية لباقى العالم العلمانى .
وبناء على ذلك لابد لنا من الاعتراف بأن جماعة الاخوان المسلمين فشلت سياسيا ولكنها على المستوى العقائدى مازالت متماسكة وهذا شىء طبيعى جدا لجماعة دينية ولذلك فعملية التخلص من الجماعة بالأساليب المتبعة حاليا سيكون مصيرها الفشل , فمن الناحية الواقعية لايمكن نكران دورهم الاجتماعى المتكافل فى قاع المجتمع وطبقاته الفقيرة فهم بعيدا عن السياسة قوم طيبون.
مايزعجنى هو عملية الشيطنة المستمرة للجماعة التى مازالت تعتمد على أساليب العهد الناصرى وهى أساليب لم تعد مؤثرة جدا فى الألفية الثالثة وعصر ثورة الاتصالات, فمثلا توجيه تهمة التجسس للرئيس السابق مرسى فضلا عن أنها مضحكة الا أنها تثبت أننا مازلنا محلك سر نفكر بعقلية قديمة لم تعد تتماشى مع عصر يعرف فيه الطفل ماكان يعرفه الكهل فى الستينيات , واذا كنا نواجه مرسى بتهمة التجسس فكان من الأحرى بنا أن نوجه هذا الاتهام الى مبارك الذى حاكمناه على تهم لا تتصل لا من قريب ولا من بعيد عن تجريف مصر لمدة ثلث قرن.
المشكلة هنا والتى ينبغى أن تكون هى نقطة الخلاف الرئيسى مع الجماعة هى أنهم غير مؤهلين لحكم مصر بمشروعهم الاسلامى وهذا خلاف كافى لاقناع المصريين والعالم يعدم جدواهم بدلا من تشويههم وشيطنتهم والتى سينتج عنها بالضرورة مرارة قد تستغرق عقودا قادمة وبالتالى سيكون معظم المصريين فى عداء قائم مع فصيل مصرى آخر قائم على أساس وهمى , وهنا لاينبغى علينا أن ننسى أن الوطن هو بوتقة لجميع الاتجهات والمعتقدات والايدولوجيات المنظمة بدقة بالقانون.
الآن وهذه هى المعضلة , كيف نقنع الجماعة بأنهم غير كفء للقيادة بدون شيطنة؟ وهل لديهم المرونة لتفهم هذا من واقع أخطائهم فى فترة حكمهم؟ وماهى الطريقة المناسبة لاقناعهم بأنه ليس معنى فشلكم فى القيادة أنكم لستم مطلوبين فى مكان آخر فى العمق الوجدانى للشعب المصرى؟ كل هذه الصعوبات يمكن التقليل من صعوبتها لو أن المجلس العسكرى تحلى بالصبر والدبلوماسية فى التفاوض وبسط يد التعاون , فالسبب الذى جعلنا نتفاوض مع اسرائيل ونصبر عليها حتى نتوصل الى حل سياسى سيكون هو نفس السبب الذى يدفعنا للصبر على الأخوان لأن عدم ارضائهم سيكون له نتيجة سلبية على السلام الاجتماعى بين المصريين , والسلام الاجتماعى مهم جدا لأى خطة تطوير لواقعنا الاقتصادى السيىء.
ونحن فى هذا المقام ينبغى أن ندرك أنه من الخطأ أن نقحم القضاء فى مشاكل سياسية ونطالبه بالتدخل فيها من باب القانون الجنائى , فالاخوان والشعب المصرى ضحية من ضحايا عصر مبارك الذى جرف الشخصية المصرية على كل المستويات وجعلنا شعب عصبى جدا ننفعل لأقل الأسباب ونبعد عن الموضوعية حتى فى مناقشة موضوعات حياة أو موت للأمة المصرية.
لن نحل مشاكل مصر بالشيطنة وتهم مفبركة وأحكام جائرة على الأخوان فهذه الاستيراتيجية ستدفعنا دفعا الى حافة الدول الفاشلة فاى دولة مارقة يمكنها استخدام القانون والعنف لتحقيق هدف مرحلى ولكننا هنا نتكلم عن مصر وخوفنا من أن نشوه قضاؤنا ونشوه اعلامنا بعدم الفصل الموضوعى بين خطأ الاخوان السياسى وخطايا الأشرار القابعين فى دهاليز الدولة العميقة واللذين لايريدون خيرا بالشعب المصرى , فالمصريين لهم كل الحق فى أن يحكمهم مجموعة من العقلاء المتجردين.
وكما دعى الفريق السيسى الشعب المصرى للنزول لمواجهة الارهاب المحتمل ينبغى عليه أن يضع مبادرة مرنة طيبة للصلح مع الأخوان أمام الشعب المصرى بعيدا عن التضليل وحتى يكون خروج الاخوان من هذه الأزمة خروج مشرف وهنا سنوفر على مصر عقودا من التناحر الوهمى.
سوو صفوفكم..